أضواء كاشفة: الاعتذار فن وخلق إنساني رفيع

    • خبر
    • أضواء كاشفة: الاعتذار فن وخلق إنساني رفيع

      Alwatan كتب:

      ناصر بن سالم اليحمدي:
      تسببت العاصفة الرملية التي هبت على محافظة الظاهرة والتي صاحبها هطول شديد للأمطار في سقوط عدد من أعمدة الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائي للآبار المغذية لشبكات المياه في المحافظة، ما أدَّى بدوره إلى انقطاع خدمة المياه في ولايتي عبري وينقل والذي استمر لمدة 48 ساعة.. إلى هذا الحد يبدو الخبر طبيعيا ومنطقيا أن تنقطع خدمتا الكهرباء والماء بسبب هذه الظروف الاستثنائية على المناطق المتضررة من العاصفة.. لكن ما يثير الفخر والاعتزاز هو تقديم الشركة العمانية لخدمات المياه والصرف الصحي اعتذارا رسميا للمشتركين عن هذا الانقطاع في تغريدة لها على “تويتر” رغم أن الأمر خارج عن إرادتها ولم يكن بوسعها منعه؛ لأن العاصفة هي السبب، إلا أن الروح الجميلة والأسلوب الراقي في التعامل مع المواطنين جعل الشركة تقدم هذا الاعتذار المقبول بكافة أشكاله.
      ما أجمل أن يدرك المسؤول حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، وأن يتعامل مع المواطنين بأدب جم.. وهذا هو ديدن العماني الأصيل ليس المسؤولين فقط، بل كل فرد في المجتمع فقد تربينا على احترام الآخر وعلى ثقافة الاعتذار التي تعد خلقا إنسانيا قويما ورفيعا يستعيد من خلالها الإنسان احترام الذات انطلاقا من أن الاعتراف بالحق فضيلة.
      للأسف بعض مفردات الاعتذار أصبحت غائبة عن مجتمعنا المعاصر وحل محلها العناد والعنجهية والشعور بأننا دائما على حق، بينما الآخرون على باطل، وهذا خطأ فادح؛ لأنه من الأفضل للإنسان أن يوجه النقد لنفسه قبل أن يوجهه له الآخرون. فعلى سبيل المثال، عندما يصطدم عابر بآخر وهو يسير في الطريق عليه أن يعتذر ولو بإشارة بدلا من توجيه نظرة ناقدة أو كلمة جارحة له، كما أن هذا يجعله قدوة حسنة لأطفاله ومن حوله.
      لا شك أن الاعتذار يساعد في توطيد علاقة الإنسان بالمحيطين به وتعزيز مكانته لديهم على عكس ما يعتقد البعض تماما من أن الاعتذار يقلل من قيمتهم، وينتقص من رجولتهم، خصوصا الذكور في مجتمعاتنا الشرقية الذين يعتقدون خطأ أن الاعتذار ضعف في الشخصية متناسين أن الإنسان الضعيف ليس لديه القدرة على مواجهة المواقف، وأن العيب ليس في الخطأ، بل في الاستمرار فيه والإصرار عليه.
      إن الاعتذار دليل على قوة الشخصية واتزان التفكير والقدرة على مواجهة الواقع والحياة، ويجب تعميمه في المجتمع ولتكن البداية من مرحلة الطفولة المبكرة من خلال غرس تلك القيمة في أطفالنا بين أقرانهم.. فعندما يحدث خلاف بين الابن وأحد أصدقائه يجب على الأُم أن تشجعه على الاعتذار لا هجر زميله وتوضيح أن هذا لا يقلل من مركزه وسطهم، وأن اعتبار أن الأقوى لا يعتذر مفهوم خاطئ، فإذا شب النشء على هذه السلوكيات سادت بين كل أفراد المجتمع ثقافة الاعتذار.
      وعلى الآباء تعليم أطفالهم ضرورة متى ولماذا وكيف يعتذرون.. وعندما يفقد الأب السيطرة على نفسه مع طفله عليه أن يعتذر له.. كما يجب عليه أن يقترح على الطفل أن يقوم بشيء يعبِّر عن الحب إضافة لكلمة الاعتذار؛ لأن كلمة الاعتذار المجردة في بعض الأحيان لا تعبِّر عن الشعور الحقيقي كأن يعانق شقيقه بعد الاعتذار له.. وعندما يقوم الطفل بالاعتذار لشخص آخر على الآباء الإشادة بذلك التصرف أمام الآخرين.
      * * *
      أصبح الإنترنت جزءا رئيسيا في حياة الإنسان الآن صغيرا كان أم كبيرا.. فما أكثر ما نشاهد أطفالا في عمر السنتين والثلاث سنوات يمسكون بالهاتف النقال ويلعبون عليه وكأنه أصبح من ألعاب الأطفال المعتادة، بل ونجدهم أيضا يقلبون بين أيقوناته وصوره وفيديوهاته وكأنهم على دراية بكل تفصيلة فيه.. وما أن يذهب الطفل إلى المدرسة حتى يصبح لديه الهاتف الخاص به بحجة اطمئنان الأهل على نجلهم وهو خارج المنزل.
      بالطبع الطفل في هذه السن الصغيرة وببراءته المعهودة لا يستطيع التفرقة بين الغث والسمين على الإنترنت فقد يقع فريسة لأحد المبتزين أو المتنمرين أو المحتالين أو حتى الباحثين عن البيانات الشخصية له ولأهله والتي يساء استخدامها فيما بعد.. لذلك حسنا فعلت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بإصدار دليل استرشادي لحماية الأطفال على الإنترنت “وذلك بهدف إرساء مبادئ توجيهية لحماية الطفل من المخاطر التي يمكن أن يواجهها كمتلازمة الإنهاك المعلوماتي، والتسلط السيبراني، والابتزاز والتنمر الإلكتروني، وانتهاك البيانات الشخصية وإساءة استخدامها، والتصيد الاحتيالي، والوقوع في عمليات فخ النصب، والإعلانات غير المرغوبة”.
      بالتأكيد هذا الدليل مفيد جدا للمربين وأولياء الأمور؛ لأنه يساعدهم على المحافظة على حقوق الطفل التي لطالما حرصت عليها السلطنة وفي مراقبة أطفالهم، وبالتالي توجيههم لما فيه صالحهم، وإبعاد الخطر عنهم، لا سيما أن التطبيقات المتاحة لهم أصبحت كثيرة جدا، وصارت مرتعا للنصابين والمحتالين والمخادعين الذين قد يستغلون هؤلاء الأطفال بصورة خاطئة وإغراءهم لتقديم محتوى غير لائق، سواء على “يوتيوب” أو “تيك توك” أو “انستجرام” أو “كواي” أو “سنابشات” وغيرها مما يستهوي المراهقين والأطفال.
      إن أمن الإنترنت أصبح مطلبا وطنيا؛ لذلك كانت السلطنة حريصة دائما على توفير إنترنت آمن لكل من يعيش فوق الأرض الطيبة، سواء كان كبيرا أم صغيرا؛ لأن بحر الإنترنت كما أنه يحوي الدرر والفوائد الجمة فإنه يخبئ أيضا المكائد والتغرير.. والفَطِن هو من يحسن استخدامه ويتقي شروره.

      Source: alwatan.com/details/435416