مفاهيم الإعلام الحديث وارتباطها بالإعلام الدبلوماسي

    • خبر
    • مفاهيم الإعلام الحديث وارتباطها بالإعلام الدبلوماسي

      Alwatan كتب:

      د. سعدون بن حسين الحمداني:
      عبارة هيجل الشهيرة وهي: (مطالعة الصحيفة اليومية) بوصفها (صلاة الصباح للإنسان العصري) باتت عبارة تدُل على الزمن الماضي الجميل، كما هو الحال في الهاتف الأرضي الذي كان وسيلة لنقل الأخبار، ومع الأسف أصبح من ضمن الماضي وانتيكات الزمن الجميل، وهو نفس الشيء ينطبق على صندوق الهاتف الأحمر (Telephone Box) الموجود بالآلاف في المملكة المتحدة أصبح ذكرى جميلة للجميع وهُوية من هُويات بريطانيا.
      إن التطور السريع والطفرة العلمية التكنولوجية الهائلة خصوصًا في الثلاثين السنة الماضية غيَّر الكثير من مفاهيم ونظريات الإعلام القديم وارتباطها بالإعلام الدبلوماسي وبالعكس.
      كان الإعلام سابقًا يحتكر صحافة الورق والحبر ويعتمد كثيرًا على ثلاث وسائل: (الإعلام المرئي الرسمي، والمقروء، والمسموع) وهي معلومة المفاهيم للجميع وغالبًا ما تكون مركزية تابعة للحكومة في العالم الثالث، أما الدول المتقدمة فكان الإعلام الاستثماري أو الصحافة الأهلية هي العلامة البارزة فيها؛ لأنها من ضمن صفات وسمات الديمقراطية الحديثة التي تعتمد عليها الدول الأوروبية بصورة خاصة وبعض الدول الأخرى التي تسير ضمن مسارها ويتربع الصحفي أو الإعلامي على هذه المؤسسة الإعلامية ليمارس ديكتاتورية في التفرد والتحليل؛ لكونه هو المصدر الوحيد المتفرد لتحرير وإنجاز الخبر.
      تزعزعت قواعد احتكار الخبر ونظريات الإعلام القديم “وسائل الإعلام المكتوب” بالسنين الماضية ليتحول إلى الإعلام الجديد، أو إعلام الإنترنت. نحن في عصرنا الحاضر أصبح كل مَن يحمل هاتفًا جوالًا محللًا ومخبرًا وصحافيًّا، وبالإمكان أن نسميهم (هواة الإعلام) ولا يقتصر الأمر الآن على أهل المهنة (التقليدية).
      لقد بلغ الأمر أن بعض القادة والرؤساء لديهم منابر “تويتر”، “فيسبوك”، “انستجرام”.. وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي تغنيهم عن مغازلة الصحفيين والتقرب منهم، لكسب ودهم وإيصال ما يريدون أن يسوقوا له من أخبار وإشاعات.
      أصبحت مصداقية الأخبار في مهب الريح بسبب كثرة وتعدد المصادر غير الرسمية، سواء البشرية أو التكنولوجيا، حيث سابقًا نعتمد على صحفيين وإعلاميين (محدودي العدد) ومراكز إعلامية معروفة ومسجَّلة، أما الآن بإمكان حتى الطفل اليافع الذي يحمل هاتفًا محمولًا أن ينقل صورة حدث دون تحرير خبر ليكون له صدى كبير، كما حصل عند انسحاب الأميركان من أفغانستان وتداول صور عدد من الأفغان متسلقين الطائرة العسكرية لغرض الهروب من حركة طالبان، وأصبح الحدث والخبر بمتناول جميع دول العالم بلحظات.
      وممَّا لا شكَّ فيه أن التطوُّرات التقنية التي أنتجت علمًا ونظريات جديدة تُسمَّى (الإعلام الاجتماعي) أبطاله هم هواة الإعلام وحملة الهاتف النقال وهم مكسب صافٍ للحرية والمبادرة.. ومن أبرز سمات ومرتكزات الإعلام الحديث هي: وسائل التكنولوجيا المتطورة عبر الإنترنت أو ما يُسمَّى بوسائل التواصل الاجتماعي ومنها: الرسائل النصية، المدونات، الاتصال الصوتية، الرسائل الفورية، الصورة الفورية الإخبارية، الاتصالات المرئية، الدردشة المباشرة.. وغيرها الكثير، وصولًا إلى علم النانو والذي يُعد ثمرة الطفرة التكنولوجية الحديثة.
      أما فن الدبلوماسية فلم يتطور ولم يحدث فيه طفرات تؤثر عليه كثيرًا، فلا يزال تسليم أوراق الاعتماد ودرجات الكادر أو السلك الدبلوماسي على نفس السياق، والاختلاف فقط هو في التواصل مع وسائل الإعلام وسرعة إيصال الخبر والحدث إلى الجمهور. ففي القرن الماضي كانت الطائرة هي الوسيلة التي تنقل الأخبار عبر تبادل الإعلام المقروءة لرؤية وسماع نشاط سفارة ما، أما الآن فقد اختلف الأمر كثيرًا.
      الإعلام والدبلوماسية توأمان متلازمان يستحيل فصلهما. ويعرف الإعلام بصورة عامة بأنه لسان السياسة الناطق وأداتها المؤثرة في جميع شرائح المجتمع، بل وتتعدى حدوده الداخلية لتصبح إقليمية ودولية استنادًا لقوة الحدث ونوعه، وبالتالي فإنّ الإعلام والدبلوماسية لهما تأثير مباشر على الرأي العام الداخلي والخارجي.
      الإعلام الدبلوماسي أصبح المفتاح الذهبي للسياسة الخارجية للدولة، وليس التقوقع في بناية السفارة وعدم الاتصال بالآخرين لأسباب أمنية يعرفها الجميع، فنحن الآن في عصر علم النانو والاقتصاد واستراتيجيات السوق المفتوح ونظرياتها الإلكترونية وليس سلوكيات القرن التاسع عشر.
      يُعد الإعلام الدبلوماسي من أهم مقومات نجاح وتفوق الدولة اقتصاديًّا، وهو هدف استراتيجي يرسم من قِبل هرم الدولة، وتعرف بأنها أداة جلب للاستثمارات الخارجية لرفع المنافع الوطنية الاقتصادية في كل المجالات والأنشطة عدا العسكرية وأمن سيادة
      الدولة. وبالتالي أصبح الإعلام الدبلوماسي المعيار الحقيقي لثقل وهُوية الدولة في قضايا التنمية والاقتصاد والسياحة في البلد، حيث تقوم الدول حول العالم باستغلال جهازها الدبلوماسي لخدمة مصالحها الاقتصادية، وبذلك يأتي الإعلام الدبلوماسي كأولوية قصوى لدى الكثير من الأجهزة الدبلوماسية حول العالم؛ كون السياسة الخارجية هي انعكاسًا للسياسة الداخلية وواحدة من أهم الأدوات لتحقيق أهدافها بعيدًا عن السياسة وفلكها المتقلب.

      Source: alwatan.com/details/435414