Source: alwatan.com/details/435865Alwatan كتب:
محمد بن سعيد الفطيسي:
قد يستغرب البعض من إمكانية وجود اقتصاد قوي في ظل وجود مؤسسات عامة ضعيفة، هل يمكن أن يكون ذلك ممكنا؟ وهل يمكن أن تتسبب الحرية الاقتصادية إلى انهيار الدولة المدنية الحديثة؟ هل يمكن أن تتسبب أفضل الممارسات الاقتصادية إلى توسع دائرة الفساد؟
أحاول في هذا المقال تسليط الضوء على قضية قد يستغربها البعض وأنا منهم وهي إمكانية تحول الحرية الاقتصادية إلى سبب من أسباب الفساد وانهيار النظام الاقتصادي والسياسي مع الوقت وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض صفحات كتاب متلازمات الفساد (الثروة والسلطة والديموقراطية) للبروفيسور مايكل جونسون وهو أستاذ كرسي تشارلز دانا للعلوم السياسية ورئيس قسم العلوم الاجتماعية في جامعة كولجيت.
ما شد انتباهي في مجمل الكتاب الرائع هو عنوان صغير أطلق عليه (اقتصاد قوي ومؤسسات ضعيفة) ص 281، يقول جونسون “في عام 1978 أطلقت حكومة دينج سياوبينج(2 ) إصلاحات تهدف إلى التحول إلى اقتصاد السوق، وأحدثت فورة اقتصادية، وبالفعل نجحت في ذلك إلى حد كبير, ولكنها أفسحت المجال لنمو سريع للفساد” حيث تم استبدال الأسعار التي كانت الدولة تضبطها مركزيا بترتيبات تسمح ببيع السلع بحرية نسبية شريطة الالتزام بالمعايير الموضوعية، وتم اعتماد ما يطلق عليه بالمسؤولية الأسرية وتأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما تم توزيع الدعم الحكومي على شكل قروض، حصل المسؤولون على مزيد من الاستقلال الرسمي وغير الرسمي حيث أصبح المسؤول قادرا على اتخاذ قرارات شخصية وأخرى تتعلق بالإنتاج وغيرها العديد من التوجهات التي تحقق متطلبات الاقتصاد القوي”.
لكن ماذا حدث نتيجة تلك الحرية الاقتصادية والانفتاح، وكذلك الإصلاح الاقتصادي القوي؟ للأسف الشديد غفلت الدولة عن تعزيز قدرة مؤسساتها الرسمية وأجهزتها الرقابية والقضائية فأصبحت هذه الأخيرة ضعيفة وغير قادرة على مواجهة قوة الأفراد وسلطتهم، خصوصا تلك الفئة التي أقامت لها دولة عميقة داخل الدولة نفسها عبر نفوذ واسع من القرارات وتبادل المصالح والعلاقات الاقتصادية والسياسية.
حينها تقلصت الحدود بين المال العام والمال الخاص فأصبحت غير ذات معنى، كما كانت أغلب المعايير التي وضعت لتعزيز وتحفيز ذلك الاقتصاد معايير بيروقراطية وسياسية لعل أغلبها قصد منه تعزيز قوة تلك الشريحة أكثر من كونها معايير تهدف إلى تعزيز الاقتصاد نفسه، بالتالي غير مناسبة للسوق، لذلك يجادل جونسون بأن “نخب الدول عندما تعمل في بيئة من المؤسسات الضعيفة وقدر محدود من المنافسة السياسية وتوسع في فرص الاقتصاد فإن المجال يصبح مفتوحا للفساد والإفلات من العقاب”( 3)
على العموم لن نتمكن في هذا الطرح الموجز من الإطالة حول هذا الموضوع، ولكن بتصوري أن الفكرة المراد طرحها من ورائه قد اتضحت إلى حد ما، ولوجود خبراء اقتصاديين وأكاديميين وطنيين قادرين على تفسير وشرح والإسهاب في توضيح هذه الصورة بشكل أكبر لنا خلال مقبل الوقت، سواء كان ذلك عبر مقالات أو دراسات أو مقابلات إعلامية أو غير ذلك، فما يهم هنا هو إيصال رسالة وفكرة مفادها أن تقوية اقتصاد الدول لن يجدي نفعا إذا لم يقابله مؤسسات وطنية قوية، خصوصا المؤسسات القائمة على الرقابة ومحاربة الفساد.
لذا من المهم جدا الإجابة على السؤال الآتي: ما الروابط بين التحرر السياسي والاقتصادي من جهة وقوة وضعف مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية وأنواع الفساد التي تمر بها المجتمعات من جهة أخرى؟ إذا يمكن التأكيد على أن تقدم الدول ونجاحها في المحافظة على مكانة قوية لها في العقود القادمة مرهون بشكل كامل بربط مساعيها لتعزيز قوة اقتصادها بتقوية مؤسساتها العامة، خصوصا تلك المؤسسات القائمة على الرقابة والمحاسبة وتبادل المعلومات وعلى رأسها السلطة القضائية والإعلام وأجهزة الرقابة المالية والإدارية، وبمعنى آخر أن سعي الأنظمة والحكومات الحديثة لتحقيق اقتصاد قوي في ظل مؤسسات عامة ضعيفة ليس أكثر من بناء بيئة كبيرة وواسعة تساعد على استشراء الفساد وضياع المال العام وتقوية النفوذ والسلطة الخاصة على حساب الوطن.
عرقلة الفساد في الدولة المدنية الحديثة (اقتصاد قوي في مقابل مؤسسات ضعيفة)
- خبر
-
مشاركة