رحاب: العودة إلى وديان جبل الصلاة (3)

    • خبر
    • رحاب: العودة إلى وديان جبل الصلاة (3)

      Alwatan كتب:

      د.أحمد بن علي المعشني:
      لقد أحببت جبال الصلاة ووديانهاالواسعة وجنباتها التي تزدان بالكهوف والأشجار والمنحوتات الصخرية المتلونة.في تلك الطبيعة يسكن الهدوء، ويتوفر السكون.
      في يوم الجمعة الماضي اتجهنا إلى (لجأ شليون) بولاية سدح ليكون مكان انطلاقنا من مسافة تبعد حوالي أربعة كيلومترات جنوب عين الماء التي تتدفق من سرة الجبل وتجري جنوبًا بنفس المسافة تقريبًا.
      اخترنا ربوة جميلة تتوسط الجبال الشاهقة بألوانها الزاهية التي يمتزج فيها اللون الصخري باللون الأحمر الزاهي يكسوه اخضرار أشجار السمر والعيقبات وتزدان بالسحب والغيوم التي تمخر عباب السماء معلنة اتجاه الرياح.اخترنا مكانًا يعبق بروائح أشجار ونباتات عطرية يحركها النسيم الجنوبي الشرقي ويضعها في أنوفنا فيزداد الإحساس بالراحة والسكينة.
      هنا يستمر عشقي للمكان بما أجد فيه من هدوء وتنوع وحياة، أوقفت التفكير، وتركت المجال للروح أن تحلق في صمت، هنا أبحث عن الجزء المفقود من الروح التي تفك القيود وتذهب إلى الطبيعة، تلتمس أنسها وهدوئها بعيدا عن نشرات الأخبار وعن تحاليل المتنبئين التي تزيد مخاوف الناس كما لو كانوا يبحثون عن المصائب بطريقة عقاب ذاتي.
      في هذا المكان أدركت إمكانية استدعاء الجزء المفقود من ذاتي ليجتمع الشمل من جديد.
      لا تزال هذه المنطقة بكرا، يرتادها الزوار للفرجة العاجلة، يمشونها وفقا لما تسمح به شبكة الطرق التي تنتشر بين تلك العيون والوديان والتجمعات السكانية، ترافقها أعمدة الكهرباء وأنابيب المياه التي تمتد إلى كل بيت، وتنتشر بيوت بيضاء ريفية صغيرة على جوانب الأودية وفي السهل الممتد من نيابة جوفا بولاية سدح، لو قيل لي أن أعطي تقييما لجمال الطبيعة لحظيت هذه المنطقة بالمركز الأول، حيث يلتقي جمال المناخ الموسمي بالمناخ الجاف، حيث تهب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية حاملة الخريف مع الرياح الجنوبية الشرقية التي تحمل شيئا من الجفاف، فتخلق هجينا من المناخ البديع ومن الغطاء النباتي الفريد.يتمتع زملائي بالقوة واللياقة التي تسمح لهم بالمشي الطويل مع حمل حقائبهم الثقيلة على ظهورهم، وتظهر تلك اللياقة أثناء طلوعهم عبر تلك المسالك العمودية التي تتسلق بطون الجبال، أحاول أن أجاريهم بلياقة تستمد استمرارها وقوتها من عشق المكان وما يتيحه من مجال للتأمل والشحن النفسي والروحي.كنت أنظر إلى الجبل الشاهق الذي يرتفع أكثر من ألفي متر بانحداره الرأسي الذي يمتد من مرباط غربًا إلى حاسك شرقًا.أتعلم إلى أي مدى يمكنني أستمر في اكتشاف جميع المعالم الطبيعية لهذه الأرض الساحرة.ازداد شعورًا بالبهجة في العجز الأخير من الليل بعد أن نعمت بنوم هادئ وكاف، واستيقظت للصلاة والتأمل الصامت.كل الكائنات تغط في صمت عميق.
      أسمع فقط حفيف الأشجار على إيقاع النسيم البارد الجميل، وأنقل بصري بهدوء بين النجوم التي تشيع فضول التفكير في الكون وما يكتنزه من أسرار تستعصي الإدراك الحسي.
      كان الإحساس في ووقت السحر ممتعا ومهيبا للغاية، وبقيت على حالتي تلك حتى رفع أحد رفاقي أذان الفجر، وبدأ الصباح ينسج خيوطه على أصوات العصافير والطيور وهي تخرج عن سكون الليل وتسبح لله بصوت مرتفع.في الصباح انطلقنا في المشي باتجاه (أودوت) جبل الصلاة وهو مكان يقع في بطن الجبل ويتيح الجلوس والنزهة وقضاء استراحة جميلة، تابعنا سيرنا صعودًا..
      وكنت أتوقف من وقت لآخر وألتقط صورًا صامتة بعقلي وأحيانًا بكاميرا هاتفي النقال، على أمل أن أستعيد تلك المشاعر بعد حين.كانت المناظر الطبيعية ساحرة للغاية لدرجة اربكتني في التصوير، فماذا أصور وماذا أترك؟ وكل مرة اشعر أن قدرتي المتواضعة في التصوير لا تعطي للمكان حقه لأن جماله يغريني بالملاحظة والتأمل مرددًا: يا الله، يا ربي، ما هذا الجمال؟ ما هذه الروعة؟ في تلك اللحظات أشعر أن وعيًا كونيًا يجمعني بكل الطبيعة، كما لو أن بيننا لسانًا واحدًا وعقلًا مشتركًا يُوحّد بيننا.

      * رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية ـ مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)

      Source: alwatan.com/details/436049