الدبلوماسية الاقتصادية (وكاريزما المفاوض)

    • خبر
    • الدبلوماسية الاقتصادية (وكاريزما المفاوض)

      Alwatan كتب:

      د. سعدون بن حسين الحمداني:
      إن أغلب المشاكل الاقتصادية للدول في عالم اليوم هي نتاج عدم التوازن في تطبيق السياسات، والنظم المالية وموازنتها لتؤمِّن للفرد والمجتمع والدولة الاستقرار الاقتصادي، والرفاهية والعدالة وإشباع الحاجات، وهذا يعتمد كثير على كاريزما المفاوض المتخصص في المجال الاقتصادي بكافة فروعه وما يحمله هذا المفاوض من مواصفات أكاديمية متميزة، بالإضافة إلى الخبرة الطويلة في مجال السوق بكل مجالاته بحيث يستطيع أن يقرأ المستقبل الاقتصادي ضمن أرقام علمية وإحصائيات مستندة إلى وقائع ثابتة، وبالتالي فإن الدبلوماسية الاقتصادية تفتقر كثيرًا إلى مثل هذه الكفاءات التفاوضية، خصوصا في العالم الثالث بسبب نقل الموظف أو الشخص المسؤول عن الملف الاقتصادي إلى أقسام أخرى لا تمس لأي صلة بالاقتصاد، عكس الدول الأوروبية وخصوصًا بريطانيا التي تنفرد كثيرًا بكثرة تفرعات الدبلوماسية الاقتصادية لما لها أثر كبير في الدخل القومي للمواطن، والتركيز على الصناعات التحويلية والبديلة والطاقة النظيفة، بالإضافة إلى المجالات الأخرى في مجال الاستثمار تحت مظلة مرتكزات الدبلوماسية الاقتصادية.
      ويُعد العصر الإسلامي من منارات الدبلوماسية الاقتصادية التي وضعت الأسس الناجحة والمتميزة بالاقتصاد والحوار الاقتصادي ضمن تبادل البضائع بين القبائل والترويج لها بكل معاني المصداقية والربح المدروس، حيث لم يكن في عهد الدولة الإسلامية الأولى خبراء اقتصاد بالمفهوم السائد اليوم، ولم تكن هناك مراكز لإدارة الأزمات الاقتصادية، ولا وزارات تخطيط ومالية واقتصاد واستثمار ومؤسسات اقتصادية ضخمة بل كانت هناك دبلوماسية إسلامية اقتصادية فردية من خلال حركة التجار والترويج عن بضاعتهم والمقايضة كأساس في التعامل المالي.
      وكان الخلفاء أو الولاة أو الحكام المسلمون ذات عقول نقية مخلصة تعرف كيف تتعامل مع السوق والبضائع، فكان تجار الشام عندما يصلون إلى المدينة المنورة لتسويق بضائعهم ينزلون ضيوفًا كرامًا عند أهل المدينة لغاية بيع بضاعتهم، دون الترويج إلى عقد مؤتمرات، وتشكيل لجان، واستدعاء خبراء من هنا وهناك، وكانت أفكارهم التفاوضية وتجاربهم البسيطة الفريدة تحقق الهدف منها، لأنها تنطلق من نفوس طيبة تستهدف فعلًا المصلحة العامة والإنسان البسيط وكاد الفقر يختفي في أركان الدولة الإسلامية، وفعلًا بالرغم من سعة الدولة الإسلامية في عهد الإمام علي (كرَّم الله وجهه)، فكان ينتهج ثمة سياسة اقتصادية بارعة حققت توازنًا دقيقًا بين الإنتاج والاستهلاك، قادت إلى غياب الفقر، وقد تم ذلك عبر سياسة اقتصادية تقوم على الدقة والتوازن والمساواة التامة، ومن الأمثلة على سياسته الاقتصادية المزدهرة هو أول من أصدر قانون التقاعد المعروف في يومنا هذا، ويحكى ما روي أن الإمام عليًّا كان يمشي يومًا في سوق الكوفة، فنظر إلى رجل يستعطي الناس فوجه الإمام سؤالًا إلى من حوله قائلًا: ما هذا؟ فقالوا: إنه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس، فقال الإمام بغضب: استعملتموه على شبابه حتى كبر تركتموه؟ فجعل الإمام لذلك النصراني من بيت مال المسلمين مرتبًا خاصًّا يعيش به.
      هناك مدارس خاصة لصقل مهارة التفاوض التخصصية، وخصوصًا عند الدبلوماسيين لغرض تحقيق أفضل النتائج، وخصوصًا في المحور الاقتصادي أو المالي، وأنا شَخْصِيًّا أعتبر أهم سمات نجاح كاريزما المفاوض الاقتصادي هي (مواكبة آخر المستجدات في السوق العالمية) لكونها هي حجر الأساس بالحياة اليومية والعملية.
      هناك أنواع كثيرة من التفاوض فمنها: الاقتصادية، السياسية، العسكرية، الصحية، الأكاديمية، الثقافية، السياحية .. وغيرها من مجالات الحياة العامة وعلى المفاوض في مجال الاقتصاد أن يكون بارعًا جدًّا في أمور الاقتصاد ولديه الرؤية الثاقبة لسياسة الدولة وأهدافها، وفي جعبته أحدث المعلومات عن السوق الاقتصادية والتحديات التي تكمن خلف الكواليس وعلى أن يحسب الربح والخسارة في مفاوضته مع الطرف الثاني. لذلك عليه أن يتسلح بمهارات استثنائية ليحقق الأهداف التي جاء من أجلها، معتمدًا على البعثات الخارجية التي تكون هي المصدر الرصين لبيان الرأي وتزويده بأدق المعلومات عن تلك الشركة أو بذلك المشروع وتكون وجهة نظرها من مرتكزات نجاح كاريوما المفاوض لأنها تملك الأرضية الكاملة لساحة عملها، الذي جاء من أجله المفاوض مهما كانت درجته الوظيفية.
      هناك مهارات يجب أن تكون لدى الدبلوماسي أو المفاوض في القضايا الاستراتيجية أو الاقتصادية، ومن أهمها هي: الاستعداد التام للتخفيف من حدة المفاجآت وعنصر المخاطرة بأقل الخسائر من خلال التخطيط المسبق، والتحليل الجيد للمعلومة قبل الدخول واتخاذ أية خطوة بالعمل، تحديث المعلومة والمهارات الشخصية والوظيفية واكتساب الخبرة لإدارة الموضوع بأعلى درجات الكياسة والاستيعاب له، القدرة على الأخذ بزمام المبادرة وعدم تقديم التغييرات من أجل التغييرات، التمتع بالبراعة السلوكية (الأخلاق العالية والبروتوكول والإتيكيت) كمدخل لمعالجة المواقف المختلفة، حسن التخطيط والاهتمام بالتفاصيل ذات الصلة بتحقيق الأهداف، حسن استقبال الأفكار الجديدة وإشراك فريق العمل والتفاعل معها، تبني منطق وفكرة الفريق الواحد والقدرة على الإقناع وكسب المساندة وتعضيد الآخرين وتحفيزهم، وإعلان مظاهر النجاح دون مغالاة مع بقاء مركزية القرار بيد رئيس الفريق.

      Source: alwatan.com/details/436223