شدوا الرحال إلى المعادلة الذهبية

    • خبر
    • شدوا الرحال إلى المعادلة الذهبية

      Alwatan كتب:

      عادل سعد:
      أن يشهد العالم هذه الأيام دعوات إلى تبريد الأزمات، فالأمر يمثل إنجازا حسنا في كل الأحوال، لكنه ليس حلا جذريا في كل الحسابات إذا أخذنا بعين التشخيص أن الأوضاع الدولية العامة بحاجة ماسة حقا إلى خطوات أكثر من التسكين وأوسع إطلالة في التصدي الحازم لمشكلات أمنية وصحية وبيئية واقتصادية لا يمكن التصدي لها إلا بروح التكاتف والتضامن، بل وتقليب الزوايا، وإذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن يجد أسبقياته في دبلوماسية القوة الناعمة والخيار الأول الذي ينبغي اعتماده، فإن الأزمات التي تعصف بالإقليم العربي وعموم منطقة الشرق الأوسط تتطلب ذلك مع هامش من الإصرار عليه، إذا أخذنا بالحقيقة اللوجستية أن المسكنات لا تعالج لب المشكلة، وإنما تزيح عن الأوضاع الشد الحاصل على وفق عيار تلك المسكنات.
      لقد مرت المنطقة بالعديد من دعوات التهدئة في السنوات العشر الماضية، لكن الاختلاطات عاودتها، خصوصا في ظل السياسة الخارجية التي اعتمدها الرئيس الأميركي السابق ترامب في صدامٍ مفتوحٍ أدى الى انتشار نزعات نفور حتى بين أعرق التحالفات عبر ضفتي الأطلسي.
      لقد ورَّطَ أصحاب التفسير الساذج لمفهوم الدفاع الحيوي العالمَ في أتون الحرب العالمية الثانية 1939ـ1945، وإزاء ذلك ولبشاعة التبعات التي تسببت بها تلك الحرب جعلت العالم ينتبه إلى أهمية السلام والأمن الجماعي والتفرغ للحاجات الإنسانية الملحة، وما كادت البشرية تلتقط أنفاسها على هذا الطريق حتى دخلت في حرب باردة واستعراضات للقوة الغاشمة وحروب نفوذ ومعاملات تجارية غير عادلة وإشعال العديد من الصراعات بالإنابة، وهيمنت على حاجات البشر تجاذبات قائمة على النزعات الانتقائية، وإلا كيف نفسر صدور أكثر من 300 توصية وقرار أممي لحل النزاع العربي الإسرائيلي دون أن يجد قرار واحد طريقه إلى التنفيذ منذ صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في نوفمبر عام 1947، وأين الواقع الدولي حتى هذه اللحظة التاريخية من أزمات الغذاء وانتشار المجاعات والتفاوت الحاد في الفرص الصحية والتكنولوجية والتهديدات النووية والبيولوجية والعصف البيئي وبروز رؤوس التطرف الديني،
      القائمة تطول، لذلك أن الوظيفة السياسية الناجحة الآن هي التي لا يقتصر عملها على إطفاء الحرائق، وإنما تباعا، الانتصار للحلول المتوازنة والتفتيش عن هامش (التخادم) بين المتخاصمين لتمويله بسياسات مناوئة لتلك الخصومات.
      وبقدر تعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط فقد أتعبت الصراعات دولها بعد أن دفعت خسائر فادحة لو كان توظيفها بغير الصراعات التي حصلت لاستطاعت أن تؤسس العديد من منصات السلام والتنمية والتعاون.
      استطرادا لهذا النوع من التأسيس، لا فرصة يمكن أن تكون سانحةً لمعادلة ذهبية صالحة للتطبيق إقليميا ودوليا إلا بالكف عن التكسب الآني، وشد الرحال إلى عالم من التعاون والشراكات وليس إملاء الشروط المجحفة، عندها فقط نتلمس معالم التنمية وتصان الحقوق العادلة.
      لقد اشتكى الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال ديجول من الصعوبة التي كانت تواجهه في إدارته لبلاده التي تصنع (246) نوعا من الأجبان، لكن شكواه تلك لم تثنِ عزيمته من أجل إعادة رسم اعتبارات الدولة الفرنسية، فكيف لا يصح القياس على هذا العالم المزدحم بصناعة أزمات جميعها قابلة للتفاوض والتفكيك باليد الآن.
      إن قمة بغداد للتعاون والشراكة التي انعقدت قبل عدة أيام تقع ضمن هذا الهامش وإن تباينت بعض الطروحات وتناقضت الأهداف، وتلك من مسلمات التسكين، أما العبرة فهي بإمكانية العبور إلى خطوة أوسع لتحالف الإرادات وليس الحظ.
      إن العالم الافتراضي للأمن وإنصاف المظلومين يقوم أصلا على إشغال العقل، وإذا كان المفهوم الصحي يرى في المعدة بيتا للداء فإن عسر الهضم يعود للحساء الثقيل.
      لا أحد يستطيع أن يلغي أحدا.

      Source: alwatan.com/details/436402