التعلم من السنجاب

    • خبر
    • التعلم من السنجاب

      Alwatan كتب:

      د. أحمد مصطفى أحمد:
      مع الإغلاق للوقاية من وباء كورونا، لجأ الناس لنشاطات كانت غير واردة من قبل في زمن الخروج من البيت معظم الوقت. اخترت منها الزراعة في المساحة الصغيرة خلف البيت فاقتطعت شريطا على جانبها ووضبت أرضه التي كانت مزروعة بالنجيل الأخضر كبقية الحديقة. بدأت زراعة نباتات خضراوات وثمار مستعيدا بعض ما أعرفه من قريتي وباحثا عن تعليمات الزراعة في أرض ومناخ مختلف. تشجعت لقناعتي مثل غيري بأن عام الوباء وتراجع تنقل الناس قد خفف من الانبعاثات المسببة للتغير المناخي. لكن للأسف، وكما كشفت دراسات في الأيام الأخيرة فإن مستويات التغير في درجة حرارة الأرض وتقلبات المناخ عموما لم تكن العام الماضي أقل من الأعوام السابقة، بل زادت وتيرتها. المهم، لم أكن أنتظر “محصولا” من الخضار والثمار على أي حال، وإنما كانت الزراعة مجرد نشاط إيجابي يبقي على الحركة الجسدية والنشاط الذهني بعيدا عن جلسة المكتب والقراءة والكتابة.
      لكني تعلمت أمرا في غاية الأهمية، يبدو نتاجا جانبيا لذلك العمل العادي جدا، من حيوان صغير لم يكن المرء يعره اهتماما من قبل. تنتشر السناجب بكثرة في المناطق التي لدى بيوتها حدائق خلفية أو أمامية، ولا يهتم الناس بأمرها إلا عندما تفسد أكياس القمامة التي قد لا توضع في أماكنها الصحيحة. لكن السنجاب يلعب دورًا مهمًّا جدًّا في التوازن البيئي والحفاظ على المناخ من الأضرار. فالسنجاب من الحيوانات التي تسطو على الثمار وتخزنها في الأرض على أمل العودة إليها فيما بعد حين يشح الغذاء المتوافر مباشرة في النباتات والأشجار الصغيرة. صحيح أن السنجاب ليس الوحيد الذي يفعل ذلك، لكنه يشتهر بالنسيان. فغالبا ما ينسى أين “دفن” الثمار التي قطفها مبكرا. كلما تابعت الزرع يوميا، أجد ما قطفه السنجاب وخبأه وأنا أقتلع الحشائش الضارة من حول أشجار الخضر والفاكهة الصغيرة. لم أعبأ كثيرا بما ضاع من ثمر لم أحصده، فمن البداية قال ابني إن للطيور والحيوانات نصيبا مما نزرع.
      جعلتني الملاحظة أبحث قليلا لأكتشف أن كثيرا من أشجار الأرض لم يزرعها البشر، وإنما نبتت نتيجة ممارسة السناجب التي تقطف الثمر وتخفيه في الأرض ثم تنسى مكانه فينبت شجرا جديدا. كل من درس النباتات في كتب العلوم في سنوات الدراسة الأولى يعرف أن خلايا النبات في عملية الأيض (تكوين الغذاء) تستهلك ثاني أوكسيد الكربون من الجو. لذا دائما ما تحتل العناوين عن موضوعات الإضرار بالبيئة حملات على عدوان البعض على الغابات والمناطق الخضراء. فتلك الغابات، مساحات الزراعة الخضراء عموما، هي أفضل وسيلة لتخليص جو الأرض من الغازات المسببة للاحتباس الحراري وبشكل طبيعي دون الحاجة للتكنولوجيا المعقدة التي يجري تطويرها حاليا من أجل “التقاط وتخزين” ثاني أوكسيد الكربون. لذلك، تكثر الدعوات الآن لزراعة الأشجار حول العالم من أجل الحفاظ على البيئة ومكافحة التغير المناخي. المثير للسخرية، أن تلك الدعوات تأتي لزراعة مساحات قام البشر أنفسهم بقطع أشجارها أو تحويلها من زراعات خضراء إلى كتل سكنية أو غيرها. هذا في الوقت الذي تقوم فيه السناجب، بشكل عفوي وغير مقصود، بتشجير مساحات أخرى بديلة لما يجرفه البشر. فهل نتعلم من السنجاب، ونهتم أكثر بالتشجير والزراعة في كل مساحة متاحة؟ ولا عذر لنا في ذلك إذا لم نكن نملك مساحات زراعية.
      أذكر أنه قبل سنوات أطلقت منظمة الزراعة والأغذية التابعة للأمم المتحدة (فاو) حملة للزراعة الأفقية وزراعة أسطح المنازل، خصوصا في المدن والمناطق الحضرية. وتوسعت بعض الدول في الزراعات الأفقية على نطاق كثيف، خصوصا تلك التي تفتقر إلى الأراضي الخصبة للزراعة. ولم تنجح فكرة زراعة المساحات المتاحة في البيوت كالأسطح وغيرها بشكل كبير. والآن، بينما تتصاعد التحذيرات من أن العالم ربما لا يمكنه الانتظار حتى عام 2030 أو 2050 لوقف انبعاث الغازات التي ينتجها البشر وتؤدي إلى تغير المناخ، قد نحتاج فعلا للعودة إلى تلك الأفكار. وليكن لنا في السنجاب عبرة، فمن المخجل لنا كبشر أن سيكون ذلك الحيوان الصغير أكثر حرصا على سلامة البيئة والمناخ منا نحن البشر – حتى وإن كان يقوم بذلك عن غير قصد. وحتى لا يكون المرء مثل “ناصح غيره بما لا يفعله” فقد بدأت بالفعل أستزرع كل ما يمكنني استنباته في المساحات الصغيرة التي تخصني. ليس بالضرورة أن تكون الزراعة لما هو مثمر، وإن كان لذلك أكثر من فائدة، بل يكفي حتى أن تكون زراعة مزهرة ولو لتعطي منظرا جميلا. لكن الأهم هو أن ذلك يسهم في تعويض ما تفقده الأرض من مساحات الغابات التي يسطو عليها البشر أو الأراضي الزراعية التي تغزوها المساكن. وأتمنى ألا نستهين بذلك على اعتبار أنه “أمر بسيط”، أو ستثبط من همتنا التكاسل على طريقة “وماذا سيفيد زرع شجرة أو بضع نباتات أمام تصحر غابات”. فكل الأمور الكبيرة تبدأ من مكونات بسيطة، تتجمع لتصبح أمرا مهما يحدث فارقا وتغييرا. وفي السنجاب مثال جيد على ذلك.

      Source: alwatan.com/details/436399