التعدد العرقي والديني في الوطن العربي: نعمة أم نقمة؟ (1 ـ 2)

    • خبر
    • التعدد العرقي والديني في الوطن العربي: نعمة أم نقمة؟ (1 ـ 2)

      Alwatan كتب:

      كاظم الموسوي:
      ضم الوطن العربي في حدوده الجغراسياسية الحالية سكَّانا من مختلف الانتماءات العرقية والدينية، عاشوا بين حدوده وتحدثوا لغته الأساس، وغلب عليهم من تسميته بالوطن العربي، الهُوية العامة، ولحجم السكان العرب ونسبتهم العددية التأثير العام. وتعايش السكان دون تحسس من مكوِّنات أجناس وأعراق وأديان، آلاف السنين على هذه المساحة الممتدة من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، وتقبل الأمر كواقع حال، بل وأعطى لطبيعة التعايش والمساهمة البناءة في المجتمع والتنمية والتطورات، حالة إنسانية عامة، رغم فترات سجلها التاريخ شابتها توترات أو صراعات من بين أسبابها الاختلافات العرقية أو الثقافية عموما، ولكنها لم تبق الأوضاع الأمنية على توترها، كما حصل في فترة لاحقة.
      بدأت هذه الفترة اللاحقة مع التغلغل الاستعماري للمنطقة وعمله من خلال قاعدته الذهبية، كما سميت “فرِّق تسد” من قبل أكثر من قرنين من الزمان، وقد عمل عليها في وقتها بما وفر الفرص للدخول إلى الخلافات والتباينات الموجودة أساسا ولكنها غير الظاهرة على السطح، وجعلها في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة، من أجل مخططاته ومشاريعه المعروفة في التفتيت والسيطرة والتمكن من التحكم في خيرات المنطقة وسكانها. فتم له الشحن بإظهار الاختلاف العرقي والديني والثقافي بين السكان، واستفاد منه في زرع الفتنة والفرقة، من خلال التركيز على الخصوصيات والميزات، وتشويه العلاقات.
      بالمقابل كان المفروض أو لا بُدَّ من التأكيد على التنوع وقَبول التعدد الإثني والديني والثقافي، لديمومة المشترك بين أقوام أو جماعات بشرية ارتبطت ببيئة جغرافية واحدة، ومصالح مشتركة وتاريخ ممتد، ولا بُدَّ من مأسسته قانونيا ودستوريا عبر تكريس نوع من الوحدة في إطار القانون الضامن للتعدد والتنوع والاختلاف تحت دولة المواطنة والقانون. ليكون الإقرار بالتنوع نعمة لبناء مجتمع متعدد ومتجدد. ومتغلبا على الإنكار وصناعة الأزمات والتهميش والإقصاء، وكسر فرص استغلالها بتعزيز روح التعايش والمشاركة، بعيدا عن سيطرة مركزية مهيمنة ودون اعتبار أو اعتراف بالتنوع والاختلاف، وغلبة نزوع الهيمنة أو التفرد على حساب المجموع. حيث يتوجب التعايش بين الجميع، كما حصل في التاريخ والجغرافيا والاحترام الإنساني، للتصدي للمخططات والمشاريع الاستعمارية.
      رأت الباحثة د. فرناز عطية أحمد في دراسة لها صدرت عن المعهد المصري للدراسات بعنوان: الانتماء العرقي والديني والأمن القومي: إطار نظري، أنه: “من الصعب المضي قدمًا في دراسة القضايا الاجتماعية والسياسية دون إلقاء الضوء على المفاهيم الرئيسية التي تتعرض لها الدراسة، خصوصًا في ظل تعدد تعريفات المفهوم الواحد طبقًا لكل مفكر أو مدرسة فكرية”، وحول مفهوم العرقية، كتبت: على الرغم من البساطة الشكلية التي يتسم بها مفهوم “العرقية” إلا أن المفهوم في غاية التعقيد بحيث تتعدد تعريفاته، وتتعدد اقترابات دراسته، فالجماعات العرقية على حسب تعدد المفاهيم قد تتنوع من كونها مجموعات صغيرة داخل الدولة مثل: الأمازيغ في الجزائر، أو تتسع لتشمل الآسيويين واللاتينيين والعرب والأوروبيين والأفارقة، ويرى كل من جون هيتشنسون وأنتوني سميث أن مصطلح العرقية هو مصطلح جديد نسبيا، ظهر لأول مرة في قاموس أكسفورد الإنجليزي في 1953، إلا أن أصوله تعود للصفة “عرقي” التي كان يتم استخدامها بكثرة في العصور الوسطى، إلا أن الكلمة تعود في أصولها للكلمة اليونانية ethnos التي كانت تشير إلى القبيلة أو مجموعة الأفراد. وفي العصر الحديث بدأ استخدام المفهوم على نطاق واسع كسبيل للتفرقة بين “نحن” و”هم”، بحيث تشير “نحن” إلى الأغلبية، بينما هم “غير العرقيين”، في حين أن “هم” كانت تشير إلى الأقلية “العرقية”.
      هذا يعني أن المجموعات البشرية، هم، لهم ما يميزهم عن الأكثرية الغالبة عدديا وامتدادا سكانيا، ويجمع بينهم الكثير من العوامل المؤثرة، تاريخا ومصالح مشتركة، والإدراك، والمعتقدات، والتوجُّهات الاجتماعية والجنسية والدينية والأيديولوجية، وعادات وتقاليد تتجاوز حدود الـ”نحن” والـ”هم”. وترسم فسيفساء ملونة.
      خلصت الباحثة بعد شرح تحليلي لتعريفات العرقية، فرأت: “وبشكل عام يمكن تعريف الجماعة العرقية على أنها: جماعة من البشر يرتبط أفرادها فيما بينهم بقواسم وسمات مشتركة من الناحية البيولوجية الفيزيقية والتاريخية والثقافية والتركيز الجغرافي، مما يجعلها مختلفة عن الجماعات الأخرى المتعايشة معها في نفس المجتمع، ويؤدي إدراك واعتقاد أفرادها بهذا التمايز إلى توليد الولاء والتضامن فيما بينهم داخل الجماعة، كما يتم تكريس هذا التمايز من خلال عمليات التنشئة التي يخضع لها الفرد في إطار جماعته”.
      ضم هذا التعريف “عددا من الخصائص التي تتميز بها الجماعة العرقية:
      – التمايز الذي يتسم به أفراد الجماعة العرقية عن غيرهم من الجماعات المحيطة بهم في إطار المجتمع الأشمل، وينقسم هذا التمايز إلى:
      تمايز يرتبط بالعوامل البيولوجية والفيزيقية والوراثية.
      تمايز يرتبط بالعوامل الثقافية والتاريخية والجغرافية، والتي تشمل: وحدة الدين والعادات والتقاليد واللغة والبيئة.
      – أفراد الجماعة يؤمنون بتمايزهم مما يولد لديهم شعور بالولاء لجماعتهم، ويزيد من وحدتهم وتضامنهم في إطار الجماعة.
      – استمرار الجماعة بخصائصها المميزة يتأتى من عمليات التنشئة الاجتماعية، وغرس القِيَم الثقافية في أفراد الجماعة”.
      هذا أمر مهم، حيث لا يمكن إنكار أو تجاوز الخصوصيات والخصائص والسمات، التي ينبغي أن تتمتع بها الأقوام وأصحاب الأديان في الوطن العربي، كما هي في طبعها وطبيعتها، وتتطلب النظر إليها في إطار أوسع، كما ثبته الإعلان العالمي لحماية التنوع الثقافي، الصادر عن منظمة اليونسكو في الدورة الـ31 للمؤتمر العام، سنة 2001، ليضع قاعدة قانونية دولية تلزم الدول الأعضاء باحترام التنوع الثقافي بكل أشكاله، وعرفت وثيقة اليونسكو “التنوع الثقافي” بأنَّه: تراث مشترك للإنسانية يتجلى في أصالة الهُويات المميزة للمجموعات والمجتمعات، التي تتألف منها الإنسانية. والتنوع الثقافي، بوصفه مصدرا للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضروري للجنس البشري، ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة إلى الكائنات الحية.

      Source: alwatan.com/details/436888