رحاب: العودة إلى وديان جبل الصلاة (4)

    • خبر
    • رحاب: العودة إلى وديان جبل الصلاة (4)

      Alwatan كتب:

      د.أحمد بن علي المعشني:
      يمارس كثير من الناس رياضة المشي الجبلي الطويل (الهايكنج) لتحقيق فوائد صحية لتحسين اللياقة العضلية وتقليل التعرض لأمراض القلب والسكتات الدماغية والوقاية من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول وتحسين معدل السكر في الدم وتحسين اللياقة القلبية والجهاز التنفسي.
      ويغيب عن وعيهم روعة المشي الجبلي الطويل كأسلوب حياة يرتقي بالصحة العقلية والنفسية والروحية، وخير موطن لمثل هذه الرياضة وديان جبل الصلاة، فهي تمنح فرصة رائعة للخلوة بالذات والنظر إلى السماء ليلًا، والتواصل مع الطبيعة بالسمع والبصر والإحساس والروح، هذا ما اكتشفته مع تكرار ارتياد تلك الوديان وتسلق جبالها، فلكل موسم في وديان جبل الصلاة جاذبيته الخاصة، فإذا كنت تواجه مشكلة في التواصل مع نفسك أو في عملك وتريد أن تزيد اتصالك مع الله فهذا المكان يعتبر مكانًا مثاليًا، فهنا تستطيع أن تكون تتخلص من الهواتف ومن أعباء الاتصال مع الناس وتتحرر من مهام العمل، وتعيش يقظة روحية وصفاء عقليًا، هنا يصبح اتصالي مع الطبيعة برنامجا يتيح لي ولزملائي تسلق الجبال والتلال والوهاد وارتياد معالم المنطقة منذ أسبوعين كنا في لجأ لشأ، وقبل أسبوع كنا في (لجا شليون) ونخطط خلال الفترة القادة إلى زيارة أكثر من مكان، فهي منتزهات الروح، وهي أماكن أشعر فيها بأنني قريب من نفسي أكثر وقريب من السماء، وأتخلص كثيرًا من أعباء الفوضى العقلية التي يرزح تحت وطأتها كثير من الناس، فعندما أعود من تلك الرحلات أشعر بطاقة التركيز واليقظة العقلية، وينبذ عقلي التفكير السلبي ويطرد عني فوضى الثرثرة والنقد والبحث عن المثالب في الآخرين، وأصير باحثًا عن الجمال في عقلي وفي الآخرين، ويكون الاتصال مع الله وثيقًا.
      ولذلك أرشح هذا المكان بأن يكون الجهة المفضلة للاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)، فالشعور بمعية الله سبحانه وتعالى يتحقق في جميع الأوقات مع الشعور بالرابطة الكونية التي ترفع كل شيء إلى مستوى راق من الوعي.
      هنا تعمل جميع الحواس الظاهرة والمستترة، يتلاشى الحديث الذاتي السلبي، ويتعزز الانتباه كل ما يحيط بي، وتظهر المخاوف والمشكلات المتوارية في الخفاء ثم أعالجها وتتلاشى، وأجمع أجزاء الإدراك الذاتي وأقدمها إلى بعضها البعض وأتغلب بذلك على كثير من الخيوط النفسية القديمة.
      يستطيع من يمارسون هذا النوع من الرياضة التواصل مع الله سبحانه وتعالى بشفافية وتلقائية أكثر وتصبح أعماقهم مهيأة لاستقبال الإجابات والتوجيه النوراني من الخالق عزوجل، خاصة عندما يجن الليل، ويخيم السكون وتخفت الأصوات، وينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا لتلبية نداء المستغفرين وتحقيق حاجات المتوسلين إلى الله سبحانه وتعالى، هناك يتحقق الشهود، وتزول معيقات الاتصال مع الله سبحانه وتعالى، ينبغي أن تكون جاهزًا وسيكون الله سبحانه وتعالى جاهزا لتوجيهك وارشادك.
      جربت ذلك على مدار سنوات من ممارسة المشي الجبلي الطويل وارتياد هذه الأماكن، وسالت العديد من رفاقي الذين يشاركونني الرأي بأن هذا المكان فعلًا حافلًا بطاقات إيجابية نقية، تتسلل إلى الوجدان والروح مع النسيم ومع النور ومع روائح الأشجار العطرية، ألمس ذلك جليًا عندما أستيقظ آخر الليل، في الثلث الأخير من الليل أشعر بأن حواسي جميع في وضع الصمت التام، بينما تنساب مشاعر السعادة والطمأنينة والسكينة إلى عقلي وقلبي وجميع جوارحي، هنالك أتشبث بتلك الحالة وأن أحافظ حضورها في كل كياني إلى أطول وقت ممكن.
      * رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية ـ مؤسس العلاج بالاستنارة (الطاقة الروحية والنفسية)

      Source: alwatan.com/details/436886