Source: alwatan.com/details/437050Alwatan كتب:
ناصر بن سالم اليحمدي:
تصدر مؤخرا هاشتاج “تزوجني بدون مهر” مواقع التواصل الاجتماعي في عدد من الدول العربية بعد أن أطلقت نشاطات في إحداها حملة للقضاء على ظاهرة تأخر سن الزواج والذي تجاوز الثلاثين.. وقد قوبلت هذه الحملة بتجاوب عربي واسع وتفاعل من الفتيات بل والشباب أيضا والذين أعربوا جميعا عن رفضهم للمغالاة في المهور، واعتبروها السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات العنوسة بين الجنسين، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المجتمعات العربية والعالمية بسبب انتشار جائحة كورونا، وبما أفرزته من قرارات الإغلاق والتباعد والعزل مما نتج عنها حدوث ركود اقتصادي أثَّر بصورة مباشرة على معدلات الزواج، بل ويمكن القول والطلاق أيضا وكافة مناحي الحياة.
لا شك أن غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج بصورة مبالغ فيها يدمر الأسرة قبل بنائها، فعدم قدرة الشباب على مجاراة هذه التكاليف التي تُعد من المظاهر الكاذبة يعقد الأمور أكثر، ويجد الشاب نفسه يقف “محلك سر” وفي النهاية يعزف عن الزواج بعد أن يشعر بالعجز والإحباط، وهذا بدوره ينعكس على المجتمع ككل.
لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى ببناء الأسرة على أسس من التراحم والتعاطف؛ لأن الأسرة هي اللبنة الأولى للكيان الاجتماعي، فإذا صلحت صلح الكيان والعكس صحيح.. ومعروف أن المجتمع العماني بنيان واحد تحكمه أعراف وعادات في هذا الأمر من نفقات الزواج، سواء كانت نقدية أو عينية بدءا من الخطبة ونهاية بتأسيس منزل الزوجية والزفاف.. ولقد راعى الجميع في هذه العادات أن المهر حق للمرأة على الرجل نظرا لأنه فريضة من الله تعالى لحفظها وصيانتها والاعتزاز بها فهو القائل سبحانه وتعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة).. حيث لا تحل امرأة لزوج إلا بأداء المهر، بل وحذر الزوج من أخذ شيء منه بدون طيب نفس منها؛ ذلك لأن المهر حق أصيل للزوجة وهذا شيء لا ننكره إطلاقا، ولكن لو نظرنا لما أمرت به الشريعة سنجد أنها لم تضع حدا لأقله أو أكثره نظرا لأن الناس يختلفون من بيئة إلى أخرى ومن غني إلى فقير ويتفاوتون في السعة والضيق، وهنا المصلحة الراجحة التي يهدف إليها الشرع حيث حفظ الحق للزوجة مع ترك تحديد المهر على قدر الطاقة والقدرة والبيئة ونقيس عليها الظروف المعيشية.. وبالتالي فإن ما نرفضه هنا هو مبالغة بعض أولياء أمور الفتيات في المطالب والمهور، لا سيما أن الشرع كما فرض مهرا للمرأة حث أيضا على عدم المغالاة فيه وحبب في تقليله، وهذا واضح وجلي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف البركة للنساء: “أكثرهن بركة أقلهن صداقًا”.
إن الحياة الزوجية لا تقوم بالمهور ولكن بالمودة والرحمة والتراضي وحسن التعامل وهي الدعائم الأساسية للأسرة مع حفظ الحقوق، لذا نهيب بالأولياء ألا يغالوا في المهور ويأخذوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهم الحق في حفظ حق بناتهن بالتراضي عن طريق الوثائق التي لا تكبل الشاب.. فهذا سيسهم في بناء المجتمعات على أساس من الاستقرار النفسي والحياتي للشباب والفتيات على حد سواء.
* * *
تشهد معظم البيوت حاليا حركة وحالة من الطوارئ مع اقتراب عودة الطلاب إلى المدارس حيث يقوم أولياء الأمور بالاستعداد للعام الدراسي الجديد بشراء الزي المدرسي وتجهيز القرطاسية والأدوات اللازمة للطالب في دراسته بالمدرسة والمنزل أيضا بتهيئة الأماكن والأثاث والأجهزة وغيرها التي ستساعده على التركيز واستذكار دروسه بحماس وفهم إيمانا منهم بأن تأهيل أجيال المستقبل هو الأساس الذي تبنى عليه التنمية الوطنية.
لا شك أن الاستعداد للعام الدراسي لا يكون بتجهيز القرطاسية فقط، بل بتجهيز الطلاب أنفسهم معنويا وبدنيا للإقبال على عامهم الجديد بجدية وحماس وخطة مدروسة يسيرون عليها للاستفادة قدر الإمكان من وقتهم ومن المعلومة التي تلقى عليهم، وأن هذه المعلومة ليست للامتحان فقط، بل عليهم أن يعلموا كيف يمكنهم الاستفادة من كل معلومة يتلقونها في حياتهم مستقبلا.
إن كل أب يشعر بالسعادة والفخر وهو يرى أبناءه الطلبة وهم يتسلحون بالعلم، خصوصا في ظل التطور التكنولوجي الذي تعددت وسائله، ويحتاج إلى جيل قادر على مواكبته. ولعل النظام الدراسي المدمج الجديد الذي فرضته جائحة كورونا يؤكد على ضرورة الانخراط في عالم التكنولوجيا الذي تدخل في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا حتى طريقة تلقي طلابنا للعلم.
نحمد الله أن مسيرة التعليم تخطو نحو الأمام بخطى وثابة رغم الظروف التي تمر بها البلاد، ولكن لكي تكمل المسيرة يجب أن تتكاتف الأسرة والمجتمع بكافة مؤسساته الإعلامية والثقافية وغيرها مع المؤسسة التعليمية من أجل خلق جيل واعٍ قادر على حمل لواء النهضة المتجددة وبما يحقق طموحات الوطن فيهم.
إن الوطن ما زال أمامه الكثير من الآمال والطموحات التي يرجو تحقيقها عن طريق الأجيال التعليمية في مراحلها المختلفة لذلك على الجميع صغيرا كان أم كبيرا أن يعي دوره جيدا في البناء حتى تكتمل الصورة المضيئة ويتحقق المستقبل المشرق المنشود.
ندعو الله أن يجعل العام الدراسي عام جد واجتهاد وتفوق ونجاح باهر لجميع أبنائنا الطلاب.. ونرجو منهم جميعا أن يبذلوا الجهد والإخلاص والتفاني من أجل تحقيق إنجاز علمي مشرف، ونتمنى أن ينعم الطلاب بحياة علمية وعملية موفقة، وأن يتزود الأهل بالمزيد من التعاون والصبر.. وكل عام والجميع بخير.
أضواء كاشفة: الحياة الزوجية لا تقوم بالمهور
- خبر
-
مشاركة