طاقم أسنان عسكري أوروبي

    • خبر
    • طاقم أسنان عسكري أوروبي

      Alwatan كتب:

      عادل سعد:
      ينشغل الاتحاد الأوروبي هذه الأيام بفكرة تكوين قوة عسكرية أوروبية خالصة تكون جاهزةً للتدخل السريع في أية بقعة من العالم يتطلب الوضع هناك أن يكون للأوروبيين (كلمة) فيها، ومع تباين اهتمام الدول الأوروبية المنضوية في الاتحاد بهذه الفكرة، لكنها الآن الشغل الشاغل للدول الرئيسة التي شكلت نواة الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
      الفكرة في أساسها التاريخي تعود إلى عهد الرئيس الفرنسي الراحل ديجول الذي عبَّر عن نزعة استقلالية للخروج من الخيمة الأميركية بنسيجها المعروف (مشروع مارشال)، قائلًا أنه لا بُدَّ لفرنسا أن تؤسس لنفوذها هي وليس (بالأصابع) الأميركية ثم خمدت الفكرة خلال الحرب الباردة بين الغرب الأطلسي والاتحاد السوفيتي تحت وقع التغذية السياسية الأميركية أن لا خطر يهدد الغرب الديموقراطي إلا ما يدور في (كرملين) موسكو، بل اختفت تمامًا بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لتعاود التفعيل إثر السياسة التي روَّج لها الرئيس الأميركي السابق ترامب (أميركا أولًا) معطيًا لأوروبا الدرجة الثانية من الاهتمام، بل فرض عقوبات تجارية على بعض دولها، وهي السياسة التي وجد فيها الأوروبيون نكثًا لوحدة الغرب، وها هي الآن تشتد، اجتماعات وتصريحات عدم رضا من الطريقة التي تم فيها سحب القوات الأميركية من أفغانستان وعودة طالبان إلى الحكم.
      الأوروبيون يقولون إن واشنطن لم تنسق معهم خطوات الانسحاب، وإن موقفهم تعرض للارتباك، بل للانكشاف في حين كان تدخلهم في هذا البلد الآسيوي استجابةً لطلب الرئيس الأميركي جورج بوش.
      السؤال هنا: هل الأوروبيين بحاجة فعلًا إلى قوة من هذا النوع لتعزيز نفوذهم الدولي؟ أم أن الوضع بحاجة إلى مراجعة تحسبية ما زالت غائبةً؟
      الحال أن السياسة الأوروبية تعاني الاختلاطات أصلًا في ثلاثة محاور؛ الأول: نوع القوة اللازمة لهم مع وجود جذور استعمارية في ذاكرتهم ما زالت نائمة، لم يتخلصوا منها، وهي تستيقظ بين الحين والآخر.
      الثاني: لم يرسوا حتى الآن على علاقة وطيدة مع واشنطن قابلة للصمود في الأزمات.
      الثالث: العقدة إزاء روسيا، وبالنسخة الأحدث والأخطر إزاء الصين صاحبة القوة الناعمة الأوسع انتشارًا في العالم من دون أن تستخدم جنديًا واحدًا لبسط هذا النفوذ.
      إن بحث الأوروبيين عن رد الاعتبار على هذه الطريقة ليس الحل المضمون، وفي كل الأحوال، أن تصنيع طاقم أسنان عسكري أوروبي للتدخل السريع يظل وهمًا لوجستيًّا إذا أخذنا بوقائع ميدانية تحكم العلاقات الدولية، وكيف تراجع نفوذ القوة المفتوحة.
      بخلاصة تحليلية إضافية، إن المساعي الأوروبية لتكوين قوة تدخل سريع تكون جاهزة للإجراء الميداني خلال الأزمات مجرد (شطحة) إعلامية حتى وإن صاحبتها وعود تفصيلية.
      المقارنة المنطقية أن الدرس الأميركي على الطاولة الآن، رغم امتلاك واشنطن قوة عسكرية جبارة، لكنها بدأت تفضل الانكفاء والمراجعة وحساب الكلفة، بل الأقرب جغرافيًّا ما يجري على تخوم الصحراء الإفريقية من كر وفر بين القوات الفرنسية وخلايا أصولية أخذت تنشط بشكلٍ لافتٍ على مرأى الاتحادين، الأوروبي والإفريقي.
      يقول القائد العسكري البريطاني مونتجومري بطل معركة العلمين في مواجهة قوات الألماني روميل خلال الحرب العالمية الثانية (في الحرب تشعر وكأنك راكب على ذيل فيل)، فلينصف الأوروبيون حالهم في وقت تستطيع الأسماك الصغيرة أن تعبث بالحيتان الضخمة.

      Source: alwatan.com/details/437201