Source: alwatan.com/details/437198Alwatan كتب:
د. أحمد مصطفى أحمد:
هناك مبررات منطقية للحملة الإعلامية الغربية على الصين بسبب ما يبدو من تغول الحكومة الصينية على شركاتها الكبرى، خصوصا التكنولوجيا وأيضا تلك التي تطرح أسهمها في بورصات خارج الصين وهونج كونج. فقد خسر المستثمرون في تلك الشركات عشرات مليارات الدولارات، وطبيعي أن يكون لذلك صدى وتأثير يتطلب تغطيات موسعة خصوصا في الصحافة الاقتصادية. لكن الحملة هي جزء من الصراع الذي جعلت منه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أولوية، وتحاول حشد التأييد الغربي له. تولد تلك الحملات خشية من الصين تتجاوز الواقع الفعلي، وربما لا تفيد الاقتصاد العالمي على المدى الطويل.
لا ينفي ذلك أن الصين تقود تطورا رأسماليا مختلفا تماما عن النموذج الرأسمالي الغربي، حتى وإن بدا ظاهرا أنها تستعير الكثير من المعايير الغربية من نظم محاسبية وقواعد تنظيمية وما شابه. ففي النهاية تحكم السياسة الاقتصاد في الصين، على عكس النموذج الغربي. والسياسة في بكين يقودها الحزب الشيوعي ولجنته المركزية. وإذا كان التحول الاقتصادي الذي بدأه دنج زياو بنج في ثمانينيات القرن الماضي سمح للاقتصاد الخاص بالتطور، وكان ذلك عاملا أساسيا في أن تصل الصين إلى مركز ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، فإن استراتيجية الرئيس تشي جين بينج هي “ضبط” ذلك النمو الهائل والمتسارع في الاقتصاد الخاص.
الجانب المزعج للاستثمار العالمي من التوجُّه الصيني الجديد هو ذلك المتعلق بتشديد الإجراءات الرقابية والتنظيمية، خصوصا على شركات التكنولوجيا والتكنولوجيا المالية بالأخص. ومن المنطقي أن يكون تشديد تلك الإجراءات التنظيمية متعارضا مع بعض المعايير الغربية. وربما من الخطأ في البداية تصور أن تكون الإجراءات الصينية كمثيلاتها في الاقتصاد الرأسمالي الغربي. ففي مجتمع غير مفتوح تماما من الطبيعي أن يكون القطاع الخاص مضبوطا من قبل الدولة. ويستغرب المرء أن يطالب العالم الغربي أن تتبع أنظمته كما هي وتتصرف اقتصاديا على طريقة الرأسمالية المفتوحة، بينما لا يقبل الغرب بالبيانات الصينية ويشكك فيها دوما في المنظمات والهيئات الدولية.
ولنتذكر أن الضوابط المنظمة للأعمال موجودة في كل العالم، وخصوصا في أعتى الديموقراطيات الغربية وأكثر النظم الرأسمالية انفتاحا. ففي الولايات المتحدة وبريطانيا هناك السلطات المنظمة لأسواق المال وهيئات تنظيمية ورقابية متعددة تفرض القواعد واللوائح وتحمي المنافسة وتكافح الاحتكار. كل ما حدث، أن العالم تصور استمرار الصين في توجه فتح الاقتصاد بشكل مطرد منذ بدأت ثورة التصنيع في ثمانينيات القرن الماضي. لكن الرئيس الحالي يرى أن التطور الاقتصادي المنضبط رأسماليا وصل إلى قمته تقريبا ويحتاج الأمر إلى “إعادة ضبط”. من هنا تأتي الإجراءات الجديدة التي تصدرها الحكومة الصينية في الأشهر الأخيرة من قواعد تنظيمية ورقابية يعتبرها المستثمرون الغربيون “تقييدا” للنشاط الاقتصادي الخاص.
وكما يفعل الصينيون مع كثير من الأمور التي طوروها في العقود الأخيرة، يتم “استعارة” ما سبقهم إليه الغرب ويجعلونه محليا ويطورون فيه. ومثل التكنولوجيا يفعلون مع قواعد ولوائح تنظيم الأعمال، مع لمسة صينية بالتأكييد و”تكييفها” لتناسب المجتمع الصيني وشكل الحكم بالتأكيد. فلماذا يخشى العالم الصين حين تبدأ في تطبيق معايير موجودة في العالم كله، مع أنه يستهلك المنتجات الصينية التي تم تطويرها استنادا إلى ابتكارات غربية أحيانا. حتى في موضوع توسع الصين الآن في ضبط تحصيل الضرائب من الأثرياء ومكافحة التهرب الضريبي. ففي العالم كله، وتحديدا في الدول الرأسمالية الرئيسية هناك جهود مكثفة لتعزيز تحصيل الدولة للضرائب خصوصا مع حاجتها لسد فجوة العجز الناجمة عن الإنفاق بالاقتراض لمواجهة تبعات أزمة وباء كورونا. ألم يجعل الرئيس بايدن من أولويات الإدارة الأميركية الجديدة فرض حد أدنى للضرائب على الشركات عند 15 في المئة؟ ألم توافق مجموعة الدول السبع ومجموعة الدول العشرين على مقترح إدارة بايدن وعلى قواعد طريبية عالمية جديدة تحد من تهرب الشركات الكبرى متعددة الجنسية من دفع ضرائب في الدول التي تعمل فيها، وكذلك التقييد على الملاذات الآمنة للتهرب الضريبي؟ لكن مطالبة الصين بحق الدولة من ضرائب على ممثلة مشهورة يجعلها تهرب لدولة أوروبية كي لا تدفع لمجتمعها نحو ثلاثين مليون دولار تهربت من دفعها. ونجد الإعلام الغربي يجعل منها “ضحية” لملاحقة الحكومة الصينية! والأمثلة كثيرة.
لا يوجد سبب في الواقع للخشية من الصين، سوى أن البعض في العالم يريد الحد من تطورها وزيادة حجم اقتصادها. والحكومة الصينية في النهاية لديها التزامات اجتماعية تجاه مواطنيها الذين يقتربون من مليار ونصف المليار نسمة. وبدون أي مقارنة بين نظم الأمان الاجتماعي في الصين وفي الغرب، فهذا ما تفعله الحكومات الغربية في الدول الرأسمالية. فالحكومة البريطانية ستزيد الضرائب لتمول الإنفاق الحكومي على نظام الرعاية الصحية بمليارات الدولارات. والإدارة الأميركية ستزيد الضرائب لتمويل خطط إنفاق على البنية التحتية والرعاية الاجتماعية بتريليونات الدولارات. لا عجب إذًا فيما تفعله الحكومة الصينية. اللهم إذا كانت الخشية من الصين هي توجُّس من التوجُّه الجديد للحكومة في بكين من أجل تحسين الرعاية الاجتماعية والصحية لشعبها، بعد عقوم من التغيرات التي كانت تضع التصنيع كأولوية. كما أن تلك الإجراءات والضوابط يمكن أن تزيد من الإنفاق الاستهلاكي الداخلي في الصين، ما يسهم في نمو أكبر لاقتصادها.
خشية الصين
- خبر
-
مشاركة
-
مواضيع مشابهة