Source: alwatan.com/details/437217Alwatan كتب:
سميحة الحوسنية:
في محطات الانتظار..نقف تحت القناديل المضيئة نصادف ونقابل ونتحدث مع الكثير من الشخصيات قبل وصول القطار وقبل أن تعلن صفارته بدء الانطلاق..هناك تتبعثر الكثير من الأوراق وتتجمد تحت برودة الانتظار فلا سقف للغربة والأوشحة تدفئ المغادرين.منذ سنوات عديدة كان محمد سليم (هندي الجنسية) يعمل في أحد المراكز التجارية بولايتي (الخابورة)، وقد عرفت عنه صفات جمّة كان أهمها أخلاقه الطيبة وأمانته وابتسامته التي لا تفارقه بالرغم من علامات التعب التي بدأت تغزو جسده وملامحه التي تتغير مع السنوات ولكن كانت تبدو للجميع تقاسيم لمغترب مكافح قدم منذ سنوات عديدة الى السلطنة من أجل لقمة العيش الكريمة لأسرته، فكانت الهند بغاباتها وأشجار النارجيل وجمال طبيعتها لواحات يرسمها خلال حديثة لبلاده واشتياقه لعائلته التي تزاحم الحنين لرؤيتهم، ولكن جائحة كورونا حالت دون سفره ـ حينذاك ـ وكثيرٌ ما كان يتحدث معي هاتفيًا قبل سفره:(سأسافر قريبًا..ماذا تريدين من هناك؟!)..ليأتي محمّلًا بالهدايا و(صوغات) الهند الجميلة وبعض الحلويات التي تشتهر بها منطقته، فكان الكرم والجود والاخلاق الحميدة.أحيانًا كثيرة كنت أتبضع في ذات المركز التجاري الذي يعمل به، وعندما انقطع يبادر بالسؤال والاطمئنان عبر الهاتف أو عند رؤية أحد افراد أسرتي، فكان الوفاء يسري في دمه وكلمة (الحمد لله) التي يكررها كثيرًا خلال حديثه الذي لا يخلو من بعض المواقف التي يصادفها في محطات حياته..
رحل (محمد سليم) اثر حادثة دهس بددت أمنية اللقاء بعائلته واحتضان اولاده وشم رائحة خبز زوجته والاستمتاع بالأمطار التي تتساقط بغزارة في قريته.
كانت تفصله عن مشاهد الفرح بالعودة الى وطنه بضعة أسابيع ليحمل (صوغات) عمان الى بلاده الهند بعد فتره الانقطاع..ولكن شاءت الأقدار ان تفارق روحه الحياة وهو يلتقط آخر نفس له في ولايتي (الخابورة) التي تجّول في اسواقها وتنفس من هوائها وسرت عيناه بسقوط الأمطار فيها ورؤية أوديتها..
فكان العبد الشاكر والذاكر..لن أنسى دموعه التي أغرقت مراكب الحزن في عينيه عندما توفي سلطاننا الراحل ودموعه التي شقت كأودية جارفة ملامح وجه العابس وتعزيته عبر الهاتف (إنّا لله وإنّا اليه راجعون) مات السلطان بابا قابوس..ومواقف جمّة تدل على وفائه لهذا البلد الذي كان بالنسبة له محطة مهمه في حياته.هكذا هي آلام الغربة وصردة محطات الانتظار تغادرنا أرواحًا على اختلاف جنسياتها وأشكالها ولغاتها..وتبقى الانسانية والأخلاق والخير التي يسكن في داخلها رسائل تتقلد بالدعاء لهم..
أطفأت القناديل الحزينة إضاءتها كمدًا ليصل خبر وفاته لعائلته التي تنتظر عودته في محطة الانتظار.
رحل محمد سليم ولروحه السلام.
* مراسلة (الوطن) في الخابورة
بوح الخزامى: قناديل حزينة في محطة الانتظار
- خبر
-
مشاركة