هيمنة الهواة ونشطاء التواصل المجتمعي على قراءة المشهد الوطني

    • خبر
    • هيمنة الهواة ونشطاء التواصل المجتمعي على قراءة المشهد الوطني

      Alwatan كتب:

      سعود بن علي الحارثي:
      “خبير في الشأن الاقتصادي”، “باحث متخصص في المجال السياسي”، “محلل في قراءة المشهد الوطني”، “ناشط في العمل…”، تستضيف وسائل الإعلام السمعي أو قنوات الإذاعة (الراديو) خصوصا، عددا ممن يشار إليهم بالخبراء أو الباحثين أو المحللين أو الناشطين المتخصصين بحسب التعريف الذي يسبق اسم المستضاف، في مجالات وحقول السياسة والاقتصاد والدين والفكر والتاريخ وقضايا الشأن المحلي…إلخ ـ وكثيرون لهم قنواتهم ومواقعهم ومنصَّاتهم الشخصية ـ والذين باتوا يخوضون في كل شأن وأمر وحقل، يفلسفون ويحللون ويشخصون ويقدمون القراءات ويطرحون الحلول، يقولون أشياء كثيرة، ومشاهد وأحداثا تاريخية، ويعلنون على الملأ عن أسرار ومواقف وقصص وأمور حصلت في اجتماعات سرية وفي لقاءات شخصيات كبيرة مع الراحل جلالة المرحوم السلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ وضمنت في خطابات وتفاهمات ورسائل رسمية محدودة التداول… لا يعلم مدى مصداقيتها بالطبع ولا تجد من يعلق عليها، يؤكدها أو ينفيها، يبشر هؤلاء الخبراء والباحثون والناشطون المنظرون بسياسات وقرارات ومراسيم وتغييرات قادمة، سوف تحدث تحوُّلات مهمَّة تصب في صالح المواطن، بل وينطقون باسم الحكومة وكبار المسؤولين وكأنهم المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء الموقَّر، أو اختيروا ليعلنوا ويقولوا ويرصدوا ردات الفعل المجتمعية، ومن يستمع إليهم يعتقد بأنهم في حالة حوار متواصل ولقاء وتشاور مع صنَّاع القرار، في الوطن. وتظل تعليقاتهم وتحليلاتهم وآراؤهم وبشاراتهم الأسرار والمواقف الحساسة بالغة الأهمية، انتقاداتهم اللاذعة وهجومهم الشديد على بعض السياسات والقرارات، تفاؤلهم المفرط أو تشاؤمهم الدامس، تقلباتهم من حال إلى حال، تتداول بغزارة وتتكرر بشدة وتحتشد بها وسائل التواصل، والناس بشأنها بين معجب مادح مؤيِّد، ومتندر ساخر مستغرب، وغاضب ساخط متبرم غير مقتنع بما يطرحونه ويقولونه… والحكومة ـ ممثلة بمجلس الوزراء والمسؤولين في المؤسسات الحكومية والجهات المختصة وقنوات الإعلام الرسمي ـ غائبة عن المشهد، لا يؤيدون ما يستحق التأييد، ولا ينفون ما يحتاج إلى نفي، لا يفسرون ويشرحون ما التبس على العامة وأشكل عليهم. وإلى جانب هذه الظاهرة الجديدة، تقف وسائل التواصل المجتمعي بدفقها الهائل من الرسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية تشرح وتفند، تحكي وتتحدث، تولول ألمًا وأسفًا وحزنًا، وتهتز فرحًا وبهجة وسرورًا، مدحًا وإشادةً أو قذفًا وهجاءً، تحلِّل وتقيِّم وتشخِّص وترصد وتتنبَّأ، تفتح الترندات والهاشتاجات المحتجة بقوة على سياسات وقرارات ما، فتصبح الأكثر تداولًا وسرعان ما تتلاشى كذلك، لتؤسس لمواضيع وعناوين أخرى جديدة، ننقل ونشارك ونتعاطف، نؤيد وننتقد ونبني أحكامًا دون وعي وتفكير وتقييم إلا الاستثناء، والجميع يدلون بدلوهم في كل حقل ومجال وتخصص، وكثيرون أدمنوا الظهور الإعلامي من نافذة حساباتهم في “تويتر” و”فيسبوك” و”إنستجرام” إلى أن بلغ الأمر وكأن لزامًا عليهم الظهور والخروج لمتابعيهم والقذف ببضعة تغريدات وإن كانت مستهلكة وغير مستساغة، ولا يقبلها العقل والمنطق، وتثير البلبلة والضغينة والعصبيات والالتباس والتندر والسخرية… وعلى المستوى الشخصي، وعودة إلى موضوع هذا المقال، فقد كنت أحتج وأتندر عندما تعرفني صحيفة ما، أو وسيلة إعلامية أجرت معي لقاء أو أخذت مني رأيا حول موضوع تتناوله، بالباحث أو الخبير أو المحلل في الشأن… فأنا لست خبيرا ولا باحثا ولا محللا، وإنما مجرد كاتب عادي جدا، وليس من كتب مقالا أصبح خبيرا ومحللا. فهل لدينا توصيف ومعايير وشروط محددة ترتبط بالمؤهل العلمي أو كمية ومستوى المنجز والمنتج والتخصص ونوع الخبرة ومجال العمل، إذا انطبقت على الواحد منا نعرفه بالخبير والباحث والمحلل… وإذا انتفت عنه خرج من هذه الدائرة من التصنيفات؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه اجتهادات مذيع وصحفي وترتبط بالعلاقات والمظاهر؟ وكون الشيء بالشيء يذكر فقد تواصلت معي على مدى سنوات، قنوات تلفزيونية وإذاعية ومحلية مثل “بي بي سي” و”الجزيرة” و”الحرة” وقنوات لبنانية… للتعليق على انتخابات مجلس الشورى أو ملفات خليجية وعربية ومحلية، سياسية واقتصادية، وكنت أعتذر منهم بلطف، أولا لقناعتي وإيماني بأنني لست متخصصا ولا معنيا ولا خبيرا في تلك القضايا والمواضيع، ولأنني كنت مدركا شح المتخصصين الحقيقيين البارعين في هذه الملفات وقلة من يوافقون على اللقاءات والاستضافات في البرامج الإعلامية والتصريحات، فأعذرهم من حيث إن تواصلهم بي قد يكون من باب الضرورات أحيانا وليس قناعة بقدراتي وبراعتي وخبراتي. وعندما نشرت مقالا في هذه الجريدة الغرَّاء (الوطن) أتساءل فيه عن غياب مجلس الشورى عن قضايا المشهد الوطني؟ ولماذا لم يتمكن من تحقيق رضا المواطن؟ وعن أسباب ودوافع هذا المأزق الذي يعيشه؟ وأين موقع الشراكة والتمكين من هذا الواقع؟ تواصلت معي صباح اليوم التالي، أكثر من ثلاث قنوات إعلامية “سمعية” للتعليق على هذا الموضوع وطلبت استضافتي في حلقة تخصص عن وضع مجلس الشورى وتقييم أدائه وتشخيص أسباب تراجع هذا الأداء والإجابة على ما طرحه المقال من تساؤلات… واعتذرت منها جميعا، فأنا ككاتب طرحت أسئلة من واقع متابعتي لأداء المجلس، وعلى ضوء قراءاتي لمشاعر المجتمع المحبطة، وما صدر من قرارات وسياسات ومستجدات تمس حياة المواطن وترتبط بمصالحه ومعيشته كانت مؤسسة الشورى غائبة أو مغيبة عنها، قد أكون مصيبًا في تناولي لهذا الموضوع وفي طرحي لأسئلتي ورأيي، وقد أكون غير ذلك، وليس لدي ما أضيفه حقا، ولا أملك الإجابات على أسئلة يتوقع أن تطرح علي، ولا أستطيع التعمق كثيرا في تحليلاتي وفي تحميلي المسؤولية لأطراف بعَيْنها، فلست مطمئنا أو بالأحرى لا أؤمن بأن المساحة المتاحة لي من الحرية تحميني وتعطيني المجال والفسحة لأقول ما أرغب في قوله، وأعبِّر عما أراه بشأن هذا الملف وغيره، هذا جانب ومن جانب آخر، فإن كلا من رئيس مجلس الشورى وأمين عام مجلس الوزراء أو من ينوب عنهما، هما ـ في تقديري ـ المخولان ومن يمتلكان الإجابة على الأسئلة المطروحة بشأن أداء الشورى والتحديات والإشكالات التي تعيق نشاطه والأسباب التي أضعفت دوره، ودور مجلس الوزراء في تعزيز الشراكة، وهما القادران على وضع النقاط في الحروف، في حوار بناء متكافئ قائم على الشفافية والوضوح معزز للثقة والتلاحم وتعميق الشراكة كما ندعو ونطالب دائما، وبما يحقق كذلك مضامين ومرتكزات الرؤى والخطط والاستراتيجيات المستقبلية… ولكن المسؤول في بلادنا بشكل عام لا يحب ولا يرغب، ولا يستجيب للظهور الإعلامي والتصريح الصحفي، وشرح سياسات الحكومة وإنجازاتها ورؤيتها المستقبلية، وتوضيح ما يحتاج إلى ذلك… إلا استثناء، وهذه واحدة من الإشكالات التي تعمقت وتجذرت في ثقافتنا، أسهمت وتسهم في هيمنة وسائل التواصل وتحليلات المغردين والهواة ومن تسمَّوا بالناشطين التويتريين وبخبراء القضايا والملفات… على المشهد الوطني، وأذكر في مقال سابق نشرته (الوطن) تناولت هذا الإشكال، قائلا: “من المعتاد والمألوف في مجتمعنا أن يحتمي وزراؤنا ومسؤولونا الكبار بمظلة الصمت ومراقبة الوضع والتجاهل في مواجهة الكثير من المطالبات والشكاوى والانتقادات والتسريبات، وكل ما يصور حالة الإحباط المجتمعي وما يطرح من قبل المثقفين والكتاب والإعلاميين والنشطاء والموظفين من مسائل وشؤون وهموم وملاحظات وانطباعات ومشاهد وصور، تتعلق بقضايا ومواضيع وقرارات وتعليمات سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية كانت أم خارجية، واتباع سياسة عدم الخروج عن المألوف والمتبع ممن يكلف بالمسؤولية ويتولى الوزارة بعد سلفه، وظلت هذه الثقافة نمطا سائدا عبر العقود الماضية من عمر النهضة المباركة، فقلما نجد وزيرا أو مسؤولا يخرج إلى العلن وفي وسائل الإعلام لتوضيح قضية تتطلب ذلك التوضيح مما يعلمه ويحيط بخلفياته وتفاصيله ذلك الوزير أو المسؤول بحكم تخصصه ومسؤوليته عن ملف تلكم القضية، أو تناول موضوع أو تفنيد مسألة التبست على المجتمع وشهدت لغطا وتباينا وانقساما بين أطيافه المختلفة، فيأتي ذلك التناول والتفنيد لوضع الموضوع في إطاره الصحيح والحد من ذلك التباين، أو إعداد المواطن وتهيئته لسياسات وبرامج تسعى الحكومة إلى تنفيذها وتطبيقها والدخول مع مفكريه ومثقفيه والمختصين والأكاديميين والإعلاميين والمهتمين في مناقشات وحوارات تهدف إلى استطلاع وجهات النظر والخروج برؤى وملامح مشتركة تخدم ذلك البرنامج وتلك السياسة وتفضي إلى نتائج أفضل وأشمل وتعزز سبل التواصل والثقة والشفافية بين مختلف الأطراف، أو نفي وتأكيد ما يتداوله الآخرون في الداخل أو في الخارج ويمس ويسيء إلى ثقافة وقِيَم وتاريخ المجتمع أو إلى مؤسسة أو قطاع أو مشروع أو سياسة حكومية ويفضي استمراره وبقاؤه وتداوله بتلك الهيئة والشكل إلى أضرار ومخاطر عديدة ليس أقلها ضعف الثقة في الحكومة ومسؤوليها والتشكيك في سياساتها ومشاريعها وهو ما نراه ماثلا للعيان…”. نحن أمام عالم متقدم وثورات علمية متسارعة ووعي مجتمعي قادر على التقييم والمقارنة في عصر تقني ألغى الحدود والحواجز، أصبح فيه المواطن متابعا لكل الأحداث والتطورات المشهودة، وعلينا أن نكون على قدر المسؤولية في التعامل مع المجتمع، مُفعِّلين لكل أدوات الحوار والتلاقي والتواصل، وتعميق الشراكة بين جميع المؤسسات، وتبنِّي رسالة إعلامية متطورة محترفة قادرة على تحقيق تطلعات المواطن، وتعزيز الثقة وتعزيز الروابط وتفعيل النقاش من أجل مصلحة الوطن والإنسان على السواء.

      Source: alwatan.com/details/439230