بوح الخزامى: حكايات خلف أسوار دار المسنين

    • خبر
    • بوح الخزامى: حكايات خلف أسوار دار المسنين

      Alwatan كتب:

      سميحة الحوسنية:
      وقع خبر وفاة (راشد) كالصاعقة ظهر الجمعة على قلب (حامد) الذي التهب كمدًا على فراق صديق عمره بعد صراع مرير مع مرض السرطان الذي بدأ ينخر في عظامه ويسلب منه بشاشة وجهه وبنية جسده القوية، فأصفر وجهه كأوراق الخريف التي تتساقط في أروقة الطريق.
      ذهب لتقديم واجب العزاء لأبنائه في ذات اليوم، وقد ثقلت خطواته المكبلة بقيود الحزن والألم..
      كانت الساعات تمر على (حامد) كثقل الجبال على قلبه، فـ(راشد) لم يكن مجرد صديق وإنما هو كأخ اقتسما معا كسرة الخبز في أيام عجاف دعتهم الى السفر خارج السلطنة للعمل، فكانا يبعثران جروح الغربة وقسوتها بوفاء الصداقة بينهما، وقد أصيب (حامد) بحادث سير هناك أفقده احدى ذراعيه، فكان (راشد) ذراعه التي فقدها، وكبرت تلك المحبة بينهما إلى أن ابتلي (راشد) بهذا المرض، فكان ظله الذي لا يفارقه، فقهوة الصباح برائحة هيلها وزعفرانها لا تتلذذ إلا بوجوده وجمال أحاديثه الشيقة أمام (سيف)..البحر وروعة نسماته ولعبة (الحواليس) التي يتحلق حولها كبار السن لتسلية فـ(حامد) لم يتزوج، فهو يعيش مع أخته (سليمة) الضريرة.
      مرت الأيام وتوفت (سليمة) ليجد (حامد) نفسه يحتضن جدران دار المسنين ويقبل أرواح غادرته في ذكرياته.يرسم ابتسامته كلما دعا لهم في صلاته ولحظات استغفاره في الدار، التقى (حامد) بعدة شخصيات وكل شخصية كانت تروي قصتها التي لا تتحملها الراسيات من الألم العقوق وعدم الوفاء بالوالدين والأرقام، وشاءت الأقدار أن يعجب بإحدى النزيلات هناك، فطلبها للزواج بعدما عرف قصتها مع ولدها (خالد) الذي فضل زوجته على بر والدته (سعيدة) ذات الـ(45) عامًا مازالت في شبابها ورونق ابتسامتها..قرر حامد الزواج بها والانتقال إلى منزله وهناك عاش معها أجمل مراحل عمره ليرزق بطفل اسماه (راشد)..مضت السنوات وكبر (راشد) ليأتيه حلم الابتعاث الى خارج السلطنة، فكان حلمه الذي لا يقبل النقاش وأوراق عمر والديه تمضي إلى الذبول..تخرج (راشد) فكانت فرحة والديه كبيرة ليعيش معهما ويرعاهما في الكبر، فكانت المفاجأة بأنه يرغب بالعيش خارجًا ليتزوج من زميلته الأجنبية، وأنه أتى ليحملهما إلى دار المسنين ليجدا هناك الرعاية التي يحتاجها.
      أصيب (حامد وسعيدة) بالحزن العميق لهذا الخبر الذي وقع عليهما وأوجع قلبيهما ليعودا من حيث أتيا..
      مضت السنوات وكبر الوالدين وتوفي (حامد) ولم يحضر ابنهم طيلة تلك السنوات لرؤيتهم، وتوفيت (سعيدة) في الدار بعده بسنة بعد اصابتها بالسكر وتدهور حالتها.
      تم اكرامهم ودفنهم من قبل الدار بيتهم الكبير المفعم بالحب والرعاية والاهتمام وبحضور جيرانهم الأوفياء الذين لم يقطعوا تواصلهم بهم..عاد (راشد) بعد موتهم بعدة سنوات وهو لا يعلم عن خبر وفاتهم، فقد قام بتغيير رقم هاتفه وأخذه الطموح والعمل من أجل مستقبله بدون الاكتراث لأمر والديه.
      وتجرع (راشد) غصص قرارته التي كانت تتصف بالأنانية والعقوق عندما وصل الى أرض الوطن..
      قصد الدار هو وزوجته بعد أن رزقه الله بطفلة لتنهار قواه..فلا ندم ينفع ولا أرواح تعود.
      * مراسلة (الوطن) في الخابورة

      Source: alwatan.com/details/439965