عمان قادرة على التحدي

    • خبر
    • عمان قادرة على التحدي

      Alwatan كتب:

      محمد عبدالصادق:
      رغم مرور أكثر من 14 سنة على حدوثه، ما زالت تفاصيله عالقة في مخيلتي، وعندما ضرب “شاهين” هذه المرة، تداعت إلى ذاكرتي أحداث “جونو”، ورغم الفارق الزمني بين الحالتين المداريتين إلَّا أن هناك تشابها في التعاطي مع الأحداث، وإن كان الناس ـ كما أظن ـ زمن “جونو” كانوا أكثر قربا وتعاطفا وتفاعلا مع الحدث على الأرض قبل ظهور “السوشيال مديا”، فرغم قسوة وشدة الحالة والأضرار التي خلفها “جونو”، في وقت لم تكن البنية الأساسية جاهزة لهذا النوع من الكوارث الطبيعية التي لم تشهد السلطنة ولا المنطقة العربية مثيلا لها في العصر الحديث.
      ما زلت أتذكر اللحظة الأولى لقدوم “جونو” ورغم حالة الفوضى والارتباك جراء كميات الأمطار والفيضانات المهولة التي وصلت للأدوار العليا، وحاصرت العديد من الأسر والأفراد، وجرفت في طريقها المركبات والممتلكات وأحدثت دمارا شديدا في الميادين والطرق، حتى أنني أتذكر أنني عندما تجولت في اليوم التالي لـ”جونو” لم أتعرف على ملامح الشوارع والدوارات، فقد تغيرت معالمها وملامحها جراء ما أصابها من دمار.
      ولكن كانت هناك ملحمة تجري في هذه الأثناء على أرض عُمان، فأتذكر ذلك اليوم وما تلاه، حيث انقطعت الكهرباء والمياه عن المنطقة التي أقطن فيها وارتفع منسوب المياه لدرجة جعلت محاولة الخروج من الشارع مستحيلة، كيف تواجد رجال الجيش السلطاني العماني وأفراد شرطة عمان السلطانية في شوارع وميادين محافظة مسقط، منذ اللحظات الأولى لقدوم الحالة الجوية غير مبالين بشدة هطول الأمطار أو المخاطر المحدقة بنزول الأودية والفيضانات التي جرفت كل من وقع في مسارها، يحرسون الممتلكات العامة والخاصة ويؤمنون المنشآت الحيوية، ويساعدون الناس أينما وجدوا بتفانٍ وإخلاص؛ ينقذون المحاصرين ويخلون المرضى والمصابين ويفتحون الطرق ويسهلون وصول فرق الإنقاذ للمنكوبين.
      تطوع أصحاب “فناطيس” المياه وملأوا خزاناتهم وأخذوا يطوفون في الشوارع والحارات يزودون الناس باحتياجاتهم من المياه مجانا، هرع أهالي ظفار إلى مسقط محملين بالمؤن والمساعدات الغذائية والطبية مصطحبين عشرات الشاحنات العملاقة تجوب أحياء المدينة المتضررة، يربتون في رفق على كاهل المتضررين ويزودونهم بأكثر مما يطلبونه من مؤن ومساعدات.
      وقبل أن تجف مياه “جونو” تحولت مسقط والمدن العمانية المتأثرة، إلى ورشة عمل كبيرة تزيل آثار الدمار، وتعيد بناء ما أتلفته الحالة المدارية، بل استحدثت السلطنة أعمالا إنشائية وحلولا هندسية قادرة على مواجهة هذا النوع من الكوارث الطبيعية، وربما يرجع لهذه الإنشاءات الفضل في مواجهة الحالة “شاهين” والخروج بأقل الخسائر.
      وقررت السلطنة ـ آنذاك ـ الاعتماد على نفسها في مواجهة آثار “جونو” ورفضت كافة العروض الخارجية للمساعدة، مرتكنة إلى روح التحدي التي تميز الشخصية العمانية، والانتماء وحب الوطن الذي يملأ الإنسان العماني، وشهدت السلطنة في السنوات التي تلت “جونو” ازدهارا ونهضة وتقدما عظيما في كافة المجالات والميادين، فتضاعف الدخل القومي وحققت فوائض في الدخل استطاعت بفضله التوسع في برامج التنمية البشرية التي استفاد منها كافة المواطنين، بفضل زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم وبرامج الرعاية الاجتماعية، ونهضة حضارية وثقافية؛ حيث تم وضع حجر أساس الأوبرا السلطانية بعد “جونو” بشهور قليلة في العام 2007م وافتتحت في العام 2011م، وتوالى إنشاء المتاحف والمكتبات الوطنية ودور المسرح والسينما، وشهدت مدن السلطنة انتعاشا وتطورا معماريا في مجالات التشييد والبناء، وأنشئت مئات الفنادق والمنتجعات السياحية التي حققت رواجا سياحيا كبيرا في السنوات القليلة الماضية.
      بنفس الروح الوثابة المتحدية، السلطنة قادرة بسواعد أبنائها على مواجهة آثار “شاهين” ومد يد المساعدة للمتضررين، وإعادة بناء ما خلفه من دمار، ليعود أفضل مما كان، وننتظر مبادرات أهلية وشعبية تطرح رؤى وتصورات مبتكرة، لكيفية التعامل مع الأزمة، واستلهام روح التحدي من التجارب السابقة التي أظهرت قدرة العماني على التحدي.

      Source: alwatan.com/details/440283