Source: alwatan.com/details/440350Alwatan كتب:
عمّان ـ العمانية : ما إن يطوي القارئ الصفحة الأخيرة من رواية “جسر بضفة وحيدة” للكاتبة الأردنية هيا صالح، حتى تتلبسه حالة من القلق والارتباك والحاجة إلى إتمام السرد ومعرفة مزيد من الأحداث ومصير الشخصية الرئيسة فيها. إذ تستمر الحيَوات التي طوتها الأوراق في مواصلة العيش والتغلغل في مسام وعي القارئ وتلبُّسه والسيطرة عليه، ليدرك أن ما بقي من أحداث يودّ معرفتها يمكنه هو تشكيلها ضمن رؤيته الخاصة وتجربته الذاتية. اعتمدت الكاتبة في روايتها الصادرة حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، على السرد الذي يميل للغرائبية والفانتازيا، ووظفت شخصيات مركّبة وجدلية، خاصة فيما يتعلق برؤيتها للحياة وتصورها للعالم من حولها، وهو التصور الذي تَشكّل بفعل ماضي تلك الشخصيات وذكرياتها التي شيّدت حولها أسوارًا من العزلة والتوحد والرغبة في العودة إلى مكانها الأول (ذكرياتها الأولى) رحم وجودها الأول، وهي حين لا تتمكن من العودة ماديًّا وجسديًّا، تعود إليها نفسيًّا وعبر استدعاء الذكريات الماضية التي تستقر عميقًا في لا وعيها. وتطرح الرواية مفاهيم تتعلق بالذاكرة التي هي “ماكينة” غريبة، تشبه شرائح الحاسوب، غير أنها تختلف عنها في مستوى الدقة؛ فالمعلومة المحوسبة تبقى كما هي وتظهر عند استدعائها بالشكل الذي خُزّنت عليه، أما الذاكرة فلا، إنها تتأثر بمشاعرنا وأحلامنا ومخاوفنا، وترتبط بإدراكنا أو تصورنا للحدث الحقيقي، وهذا ما قد لا يتطابق مع الحدث الأصلي، لذا عندما نحاول أن نتذكّر حدثًا ما، فإننا لا نتذكره نفسَه، وإنما يحضر تصوُّرَنا عنه، فالذكريات لا تشبه مقاطع “الفيديو” أو الصور الموثقة، وهي غير ثابتة على مدار الزمن، إنها شديدة الشبه بـ”الخلّاط الكهربائي”، لأنها تدمج معلومات وتفاصيل جديدة مع ما اختزنته من أحداث، لذا فإنّ تذكُّرنا للأحداث هو في حقيقته إعادة تخيُّل لها لا يخلو من الإبداع.كما تناقش الرواية مفهوم “الحقيقة” عبر شخصيات تفني نفسها باحثةً عن معنى وجودها وحقيقته في خضم أحداث تضرب عرض الحائط بكل المسلّمات وما يطلق عليه حقائق. وضمن البناء لثيمات الرواية تحضر الموسيقى بشكل أساسي وفاعل، ومعها التأمل في مسائل تتعلق بالحياة والوجود، وبالكتابة والقراءة، وكلها تتعالق مع شخصيات الرواية التي يحملها السرد بلطف كأنها تطفو فوق مياهه العميقة بخفة وبراعة، وهذا ما شكّل عنصر جذب كبير في الرواية إلى جانب أن القارئ سيجد نفسه يلهث وراء الأحداث ومعرفة مجرياتها التي تأتي غالبًا لتكسر أفق توقعه وتدهشه، وتثير لديه الأسئلة أكثر مما تمنحه الأجوبة، تاركةً إياه في حالة تأهب دائمة. تقول صالح: “أرى أن فعل الكتابة هو وعدٌ للقارئ بخوض مغامرة تهدف إلى الإمتاع، أجهّز له من جهتي الأدوات اللازمة لذلك، ثم أترك له حرية خوض المغامرة بالطريقة التي تناسبه”.
هيا صالح تستدعي مفاهيم الذاكرة فـي «جسر بضفة وحيدة»
- خبر
-
مشاركة