Source: alwatan.com/details/440440Alwatan كتب:
أ.د. محمد الدعمي:
لم يكن المستشرقون على صواب عندما اتهموا المؤرخين العرب والمسلمين بــ”الاجتزاء” وبــ”الانتقاء”. ومن ناحية مقابلة، لم يكن المؤرخون العرب والمسلمون على خطأ عندما اتهموا بعض المؤرخين المستشرقين بـ”الشعوبية” بسبب تحاملهم على العرب وبسبب تغطيتهم لجميع أحداث السجل التاريخي الإيجابية والسلبية على حد سواء، أي دون اكتراث كافٍ برسالة التاريخي التعليمية والتربوية التحفيزية.
وإذا ما كان خلل الفريق الأول يكمن (من المستشرقين) في اعتماد “الحيادية” التاريخية مبدأً لتشكيل السجل التاريخي على نحو متسلسل، فإن أصول السرد، في نظر الفريق الثاني، لا تبرر ضخ أحداث التاريخ بالكامل على نحو حرفي، دون مراجعة أو استحضار للآثار الضارة لهذا النوع من السرد لكل شيء حرفيًّا.
والحق، هنا يكمن البون الشاسع بين التاريخ بوصفه “رسالة الماضي التعليمية”، وبين التاريخ “سجلًّا” مجردًا لأحداث الماضي. في الحال الثانية، أي الحال التسجيلية التاريخية، يقدم السرد التاريخي لقارئه كل شيء، وكأنه مرآة مجردة لأحداث الماضي. أما الانتقائية التاريخية، فلا تقدم للقارئ في التاريخ (خصوصًا من فئات النشء والشبيبة) سوى الصفحات المشرقة من ماضي الأمة، على نحو انتخابي مرتكن على الهدف التعليمي والتربوي: أي بتقديم المفيد والبنَّاء للقارئ من القص التاريخي على حساب السلبي الذي يعمق الخلاف والتشرذم والصراعات البينية من هذا التاريخ ذاته.
والحق، فإن هذا الانقسام بين المدرستين التاريخيتين ينطبق على تاريخ العرب والمسلمين بشكل مثالي، خصوصًا عندما يأتي السؤال إلى تناول تأليف التواريخ المدرسية. فهل نقدم للفئات الناشئة من الشبيبة قصة العرب والمسلمين دون انتخاب الإيجابي (أي القصة التاريخية على عواهنها)، أم نقدمها لهم على نحو انتقائي يكرس الدرس التاريخي فيه معاني النهضة وآفاق وفوائد الوحدة والتعاون والتقدم، بديلًا على تقديم كل ما من شأنه الإحباط مثل التشرذم والانقسام والشللية بالنسبة للفئات العمرية الصاعدة التي تكون في أمسِّ الحاجة إلى الخبرات الإيجابية للأجيال الغابرة على نحو أشد تأكيدًا على الوحدة والتعاون والعمل العربي المشترك؟
لذا، يكون نقد المستشرقين لتواريخنا (التربوية أساسًا) مجتزئًا بأنها جزئية، لا يقدم الحقيقة المفيدة للأمة كاملة، نقدًا مردودًا، بسبب تجاوز هؤلاء الغرباء الأبعاد الاعتبارية والتوجيهية للتورخة، المدرسية على نحو خاص.
رسائل الماضي التعليمية
- خبر
-
مشاركة