[I]أبـــونا
أبونا الذي لا نرى منه غيرَ النَّدى ؛
جاءَ من بَحْرِنا اليافَويّ
له عينُ صَقْرٍ وجَفْنٌ عَليّ
يُحبُّ الطريقَ المُزَنّرَ بالزيتِ
والنَرجِسِ المَوسِميّ ،
وَبَيتاً بناهُ على صَخرةٍ ،
قد ينامُ به ساعةً ،
أو يغيبُ مع الغَيمِ مثلَ النَّبيّ .
أبونا يَخافُ علينا من اللوزِ والتينِ
والبلدِ المُطْمئنِ الأمينِ
إذا لم نكن في النّواةِ البعيدةِ
أو خَمرةِ الطَّيرِ في كأسِها المَرمَريّ ،
ويَخشى على الحُلُمِ الحُرِّ
من دَفْقةِ الجُرحِ إنْ فاضَ ،
أو أَغْرَقَ الدارَ بالهَلَعِ الوَاقِعيّ .
لهذا ، يُربّي حريرَ الكلامِ
على شَجرِ السِّرِّ
حتى تظلَّ لنا حصةٌ من لباءِ الطَّريقِ
إلى القَمرِ الساحليّ .
أبونا له قلبُ طفلٍ وكَفُّ السَّحابِ ،
يُحبُّ من الشِّعر ما ضيّعَ الماسَ في النارِ ،
أو أحضرَ الموجَ تَحتَ الصليبِ
إذا ما اعتَلى النّاصِريّ ،
وَيُبْكيهِ دمعُ الصغيرِ
على حِجْرِ مقتولةٍ في البلادِ ،
فقد عَهد القتلَ منذُ ثَمانينَ ،
حتى رأى الخُبزَ نَطْعاً ،
ولمّا يزل فيه وَردُ الصَّبيّ .
أبونا يرى في الحُروفِ النَّبيِّينَ في دربِهم
نَحو معمورةٍ للبَغِيّ ،
لهم كلُّ نَسفٍ وحذْفٍ
إلى أنْ تثُوبَ مدائنُها للرضيّ ،
ومن حقّهِ ، وهو بوابةُ القولِ ،
أن يَنْعَفَ الجَمْرَ
فوقَ الذي يلحقُ التّيهَ
في خُطبةِ السامريّ .
أبونا لهُ ألفُ يوسفَ في الأرضِ ،
قُمْصانُهم في رماحِ الأشقَّاءِ ،
والذئبُ من خلفهم حارسٌ للدَّعيّ .
وما زال ينتظرُ الموسِمَ الباذخَ ، الرَّحْلَ ،
يا أيها القومُ :
هذا العزيزُ الذي غارَ في البئرِ ،
عادَ مع الرؤيةِ الآنَ ،
فلتَسْجُدوا للأميرِ البَهيّ .
أبونا يُربّي سنابلَه في الضُّلوعِ ،
لكي يُمْرعَ الحُزنُ برقَاً ،
ويأسى على حُزْنهِ الأوليّ .
أبونا يرى الأرضَ سجادةً تَحتَ عينيهِ ،
مذ جَفَّفتْ أمُّنا وَضْعَها في الطريقِ
إلى أنْ غَزاها الذي ماتَ بالخَمرِ
حتى الذي أَعملَ الجانّ في البحرِ
حتى الذي قد أتاها من الشرقِ
أو مَنْ رماها إلى سَبيِها البابِليّ ،
إلى أن تولّت عن الحقِ ...
فانقلبَ الطينُ في مِلْحِها الجَاهِليّ ،
إلى أنْ هداها المُكَبِّرُ في عدْله العبقريّ ،
ومنذ توسّدها البربريُّ
المكبّلُ بالانكفاءِ القصيّ
المُسلّحُ بالخوذتين ؛ من الصخر والفِكْر ،
هذا الذي علّقَ السورَ تحت شبابيكهِ
فوق مَسْعَدةَ الانتحارِ ،
الهجينُ الشقيّ ..
وما زالت الأرضُ تَحتَ نوافذِهِ
يرقبُ رحلَتها من ظلامِ اللّزوجةِ
حتى فضاءِ الخَلاصِ النَديّ .
أبونا الذي جاءَ للبيت بالنيزَكِ الأرجوانيّ ،
كانَ بِمحرَابهِ للصّلاةِ ،
ولكنّه لم يتمّ السّلامَ !!
فقد باغَتَتْهُ البِطانةُ بالعَقربِ القُرْمُطيّ ،
ولم يَكْسِر الآيةَ التي جمعت حولَها الناسَ ،
لكنّها قِصّةُ الطفل والغولِ ،
والحرفِ من ضعفه للرويّ .
أبونا مضى للأساطيرِ ،
والسقفُ باقٍ ،
والأرضُ
راسخةٌ تَحتَنا ،
إنّما قد يعودُ الخوارجُ من بيننا
والبرامكةُ العنكبوتُ ..
ويبدأ مخطوطُنا القرمزيّ .
أبونا الذي فَكَ أزرارَ هذي الغوايةِ
لم يلحظ السّهمَ موتاً أخيراً ،
ولكنّه مرودُ العُرْسِ في ليْلهِ الإثمديّ .
تركناه حينا ،
فإنّ أبانا له كالمياهِ مزاجٌ عَصيٌّ ..
بنى قارباً من جُروحِ الشّهودِ ،
وحطّ على تلّةٍ للفهودِ ،
وحين تَمادى الرّغاءُ
وأُثْقِلت الريحُ بالمومياءِ
تَعالى على كلِّ هذا العُواءِ
وفوق وُحُولِ الرّدى العُنصريّ .
أبونا ..
أبونا يُصَدّق رؤيا يبوس
وبشرى العصافيرِ
واللونَ في الدفترِ المدرسيّ .
[/I]
أبونا الذي لا نرى منه غيرَ النَّدى ؛
جاءَ من بَحْرِنا اليافَويّ
له عينُ صَقْرٍ وجَفْنٌ عَليّ
يُحبُّ الطريقَ المُزَنّرَ بالزيتِ
والنَرجِسِ المَوسِميّ ،
وَبَيتاً بناهُ على صَخرةٍ ،
قد ينامُ به ساعةً ،
أو يغيبُ مع الغَيمِ مثلَ النَّبيّ .
أبونا يَخافُ علينا من اللوزِ والتينِ
والبلدِ المُطْمئنِ الأمينِ
إذا لم نكن في النّواةِ البعيدةِ
أو خَمرةِ الطَّيرِ في كأسِها المَرمَريّ ،
ويَخشى على الحُلُمِ الحُرِّ
من دَفْقةِ الجُرحِ إنْ فاضَ ،
أو أَغْرَقَ الدارَ بالهَلَعِ الوَاقِعيّ .
لهذا ، يُربّي حريرَ الكلامِ
على شَجرِ السِّرِّ
حتى تظلَّ لنا حصةٌ من لباءِ الطَّريقِ
إلى القَمرِ الساحليّ .
أبونا له قلبُ طفلٍ وكَفُّ السَّحابِ ،
يُحبُّ من الشِّعر ما ضيّعَ الماسَ في النارِ ،
أو أحضرَ الموجَ تَحتَ الصليبِ
إذا ما اعتَلى النّاصِريّ ،
وَيُبْكيهِ دمعُ الصغيرِ
على حِجْرِ مقتولةٍ في البلادِ ،
فقد عَهد القتلَ منذُ ثَمانينَ ،
حتى رأى الخُبزَ نَطْعاً ،
ولمّا يزل فيه وَردُ الصَّبيّ .
أبونا يرى في الحُروفِ النَّبيِّينَ في دربِهم
نَحو معمورةٍ للبَغِيّ ،
لهم كلُّ نَسفٍ وحذْفٍ
إلى أنْ تثُوبَ مدائنُها للرضيّ ،
ومن حقّهِ ، وهو بوابةُ القولِ ،
أن يَنْعَفَ الجَمْرَ
فوقَ الذي يلحقُ التّيهَ
في خُطبةِ السامريّ .
أبونا لهُ ألفُ يوسفَ في الأرضِ ،
قُمْصانُهم في رماحِ الأشقَّاءِ ،
والذئبُ من خلفهم حارسٌ للدَّعيّ .
وما زال ينتظرُ الموسِمَ الباذخَ ، الرَّحْلَ ،
يا أيها القومُ :
هذا العزيزُ الذي غارَ في البئرِ ،
عادَ مع الرؤيةِ الآنَ ،
فلتَسْجُدوا للأميرِ البَهيّ .
أبونا يُربّي سنابلَه في الضُّلوعِ ،
لكي يُمْرعَ الحُزنُ برقَاً ،
ويأسى على حُزْنهِ الأوليّ .
أبونا يرى الأرضَ سجادةً تَحتَ عينيهِ ،
مذ جَفَّفتْ أمُّنا وَضْعَها في الطريقِ
إلى أنْ غَزاها الذي ماتَ بالخَمرِ
حتى الذي أَعملَ الجانّ في البحرِ
حتى الذي قد أتاها من الشرقِ
أو مَنْ رماها إلى سَبيِها البابِليّ ،
إلى أن تولّت عن الحقِ ...
فانقلبَ الطينُ في مِلْحِها الجَاهِليّ ،
إلى أنْ هداها المُكَبِّرُ في عدْله العبقريّ ،
ومنذ توسّدها البربريُّ
المكبّلُ بالانكفاءِ القصيّ
المُسلّحُ بالخوذتين ؛ من الصخر والفِكْر ،
هذا الذي علّقَ السورَ تحت شبابيكهِ
فوق مَسْعَدةَ الانتحارِ ،
الهجينُ الشقيّ ..
وما زالت الأرضُ تَحتَ نوافذِهِ
يرقبُ رحلَتها من ظلامِ اللّزوجةِ
حتى فضاءِ الخَلاصِ النَديّ .
أبونا الذي جاءَ للبيت بالنيزَكِ الأرجوانيّ ،
كانَ بِمحرَابهِ للصّلاةِ ،
ولكنّه لم يتمّ السّلامَ !!
فقد باغَتَتْهُ البِطانةُ بالعَقربِ القُرْمُطيّ ،
ولم يَكْسِر الآيةَ التي جمعت حولَها الناسَ ،
لكنّها قِصّةُ الطفل والغولِ ،
والحرفِ من ضعفه للرويّ .
أبونا مضى للأساطيرِ ،
والسقفُ باقٍ ،
والأرضُ
راسخةٌ تَحتَنا ،
إنّما قد يعودُ الخوارجُ من بيننا
والبرامكةُ العنكبوتُ ..
ويبدأ مخطوطُنا القرمزيّ .
أبونا الذي فَكَ أزرارَ هذي الغوايةِ
لم يلحظ السّهمَ موتاً أخيراً ،
ولكنّه مرودُ العُرْسِ في ليْلهِ الإثمديّ .
تركناه حينا ،
فإنّ أبانا له كالمياهِ مزاجٌ عَصيٌّ ..
بنى قارباً من جُروحِ الشّهودِ ،
وحطّ على تلّةٍ للفهودِ ،
وحين تَمادى الرّغاءُ
وأُثْقِلت الريحُ بالمومياءِ
تَعالى على كلِّ هذا العُواءِ
وفوق وُحُولِ الرّدى العُنصريّ .
أبونا ..
أبونا يُصَدّق رؤيا يبوس
وبشرى العصافيرِ
واللونَ في الدفترِ المدرسيّ .
[/I]
