حضرة صاحب الجلالة ( السياسي المحنك )

    • حضرة صاحب الجلالة ( السياسي المحنك )

      للكاتب الصحفي رياض نجيب الريس
      في كتابة قضايا خاسرة من الاسكندرية الى البلقان ومن عمان الى الشيشان

      صفحة 291 ( يوم اللمياري دولار

      كانت تلك الأيام غير هذه الأيام .

      في مطلع حياتي المهنية كصحافي يعني بقضايا الخليج كنت كثير التردد على المنطقة وكانت سلطنة عمان دائما في أولويات اهتماماتي . وكان لابد من سقط ولو طال السفر أو طالت الجولة . ولذلك سبب بسيط , أنني كنت أول صحافي عربي زار عمان في اب 1970 ، وبعد التغير التاريخي الذي حدث فيها ، وخروجها من القرون الوسطى الى القرن العشرين . وفتنت منذ اللحظة الأولى بتاريخ هذا البلد وجغرافيته وناسه وقضاياه الخاصة وسياسته المختلفة عن باقي دول الخليج . واكتسب سمعة عمانية من جراء ذلك ، وهي شرف لم أدعه . وهي سمعة كان من نتائجها ، أنها (خربت لي علاقات خليجية كثيرة ) .
      وعلى مدار اكثر من عشر سنوان ، حظيت بأكثر من عشرة احاديث صحافية مع السلطان قابوس بن سعيد ،مهندس الثورة الصلاحية العمانية وباني عمان الحديثة . وكانت هذة الأحاديث على تنوعها ، والتي نشرت في حينه ، في جريدة النهار ومجلة المستقبل محطات سياسية هامة لمفاصل أسياسية في تاريخ الخليج . من بينها كان هناك حديثان بارزان ،اذا قرأتهما اليوم بعد حوالي عشرين سنة ، تكتشف أن في الواحد منهما استشرافا مستقبليا تحقق ، وفي الثاني دعوة لم يستجب لها الغرب ، وتتمنى دول الخليج اليوم لو لباها .

      كان الحديث الأول في عام 1979 وسقوط الشاه ما زال حديث العهد ، والثورة الاسلامية في ايران في بدايتها ، والفوضى ضاربة أطنابها ، والخوف منها يلف الخليج كله . وكانت الأساطيل الأمريكية ، بحاملة طائراتها وصواريخها تبحر بين مضيق هرمز وبحر العرب ومياه الخليج تحسبا من الثورة الايرانية وتهديدا لها . وكانت احتمالات التدخل العسكري الامريكي واردة في حسابات كل المحللين السياسيين ، و كانت الاميركان قادمون على كل شفة ولسان . وسط هذه الاجواء السياسية القلقة والامنية المتوترة في الخليج ، قابلت السلطان قابوس في 8 كانون الأول 1979 في قصر السيب في مسقط وسألته : هل وصلوا ؟
      ابتسم السلطان وقال : من هم ؟
      قلت : القوات الامريكية . فالدول الكبرى تهدد بالتدخل كما نسمع .
      هنا ضحك السلطان وقال : ان الدول الكبرى اذا وجدت مصالحها في خطر فلن تستأذن أحدا منا بالتدخل . لن يسألونا اذا أرادوا أن يتصارعوا عندنا . ونحن لا نريد أن نجر الى صراع الدول الكبرى لأننا سنكون الضحية ، لذلك يجب أن نقف على ارض صلبة ونعتمد على انفسنا وعلى قوتنا الذاتية أكثر وأكثر من حيث حماية أمننا وصون استقرار المنطقة .قاعدة ذلك هي التفاهم السياسي بيننا والتنسيق العسكري والكامل الاقتصادي يجب ان نمنع الدول الكبرى بشتى الوسائل من أن تحيل هذه المنطقة وهي الؤهالة بحكم موقعها الاستراتيجي وثرواتها الى ارض الصراعات الدولية . لا نريد من أصدقائنا في الغرب أكثر من مساعدتهم السياسية واعطائنا ما يلزمنا من خبرات ومعدات من دون تردد .
      وهذا ما حصل تماما بعد حوالي عشرين سنة لما جاءت حرب الخليج الثانية وعاصفة الصحراء حين لم تستأذن الدول الكبرى و التحالف الدولى دول الخليج في التدخل وجرتهم الى حرب لم يكن لهم رأي فيها ولا دور وكان كلام السلطان قابوس في حينه استشرافا تحقق من الؤسف أنه كان في حينة بلا صدى .

      كان الحديث التالي في عام 1982 وكانت الأحداث كثيرة من القمة العربية في الاردن الى القمة الاسلمية في الطائف الى الحرب العراقية الايرانية الى صراعات الثورة الاسلامية الداخلية في ايران الى تفكك الأوضاع العربية الى وجود قوات الاتحاد السوفيتي في افغانستان الى انشاء قوات التدخل السريع الامريكية الى أحداث كثيرة كثيرة غيرها كان رونالدريغان قد وصل الى الرئاسة في امركا حاملا معه سياسة المواجهة مع أمبراطورية الشر الاتحاد السوفياتي وكان اتفاق كامب دافيد قد وصل الى طريق مسدود وليونيد بريجينيف يبادر لاعلان الخليج منطقة محايدة وكانت التحالفات الدولية تتغير في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وكان دور الجامعة العربية قد سقط وأولويات العلاقات العربية قد تغيرت ، الاهم من ذلك كان نظام اليمن الجنوبي الماركسي قد انضم كعضو شرف الى حلف وارسو وعضو مراقب في منظمة الكوميكون الاقتصادية للدول الشيوعية ووقع معاهدة صداقة ودفاع مع الاتحاد السوفياتي في الوقت نفسة يعلن الرئيس انور السادات في حديث صحافي انة لا يخشى من انضمام مصر الى حلف الأطلسي ( 20 نيسان 1981 ) وسط هذه الاجواء التقيت السلطان قابوس في قصر الحصن في صلالة في 24 نيسان 1981 حيث أكد لي في حديثه ان عمان قد وافقت على اعطاء الولايلت المتحدة تسهيلات عسكرية لافتا : وقد اعلنا ذلك على رؤوس الأشهاد . بينما غيرنا من دول المنطقة يعطي تسهيلات اهم مما أعطيناه نحن للأميركيين دون أن يعلن عنها . هنا طرح السلطان قابوس دعواه وهي الدخول في حلف الأطلسي قائلا :
      لماذا لا يتم اشراك الدول الحليفة والصديقة للغرب ذلت الارتباط المصلحي والمواقع الاستراتيجي والموارد الحيوية بالنسبة الى العالم الصناعي الغربي في عضوية حلف الأطلسي الى جانب اعضائه الحاليين من الأميركيين و الأوروبيين وبالتالي يتم اشراك الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الأطلسي الى جانب الولايات المتحدة في الدفاع عن مصالحها داخل أوروبا بالالتزام نفسة الذي تدافع فية عن مصالحها داخل أوروبا وذلك بصفة مراقب اي ليس بعضوية كاملة بل بالطريقة نفسها التي يتعمدها الاتحاد السوفياتي مع دولة اليمن الجنوبي التي هي عضو مراقب في حلف وارسو والدولة العربية الوحيدة التي تتمتع بهذة الصفة .
      لكن هذا لم يحصل قبل عشرين سنة لان حلف الأطلسي لم يلب هذة الدعوة ولان الولايات المتحدة والدول الاوروبية الاعضاء فية لم يلتقطوا هذة الاشارة العربية كذلك دول الخليج التي تجاهلت بدورها الدعوة الأطلسية لماذا ؟ لأنها كانت مشغولة بمولودها الجديد مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقدر ما كانت قلقة من ردود الفعل العربية على هذة الدعوة .
      وفي هذة الفترة كانت كانت عمان قد منحت الولايات المتحدة تسيهلات عسكرية وكانت الكويت تحديدا ضد هذة السياسة العمانية لأنها كانت تخشى امريكا ولادة مجلس التعاون بقدر ما كانت تريد ان يكون للمجلس سياسة خارجية واحدة تلتقي حولها كل الأطراف الخليجية انما بمواصفات كويتية .من ضمن هذا الاطار وفي سياق هذه الأحداث تبدأ رواية ما اهملتة الذاكرة .