شبكة البصرة
د. عمر ظاهر
إذن فنحن – بفضل الرسول الكريم – أمة واحدة ما تزال الحياة تتدفق في عروقها وتدب الحركة فيها من اقصاها الى اقصاها بمجرد ان يلسعها دبور او تطن قرب أذنها ذبابة. وها نحن وبتلويح بسيط بمقاطعة الاجبان لا غير قد اجبرنا رئيس الوزراء الدنماركي المتعجرف المتعالي الذي رفض من قبل ان يقابل السفراء اجبرناه على ان يتوجه بنفسه الى قناة العربية لتبرزه بوجهه المنافق كالعادة ليقول لنا انه يحترم الأديان ولكن حرية التعبير مقدسة في الدنمارك.
حقاً، إن حرية التعبير مقدسة في الدنمارك. فها أنذا أحد رعايا فخامة رئيس الوزراء من اصل مسلم أصفه هنا بالمنافق دون ان أخشى من ان تأتيني الشرطة في منتصف الليل وتضع عصابة على عيني وتقودني الى مكان مجهول كما هي الحال في اي بلد اسلامي، ولا أخشى ان تطردني الجامعة المحافظة التي اعمل فيها رغم ان الكثيرين من المسئولين فيها سيستشيطون غضباً بمجرد أن يقرأوا السطور الاولى في هذه المقالة (إذا تكرم احدهم وترجمها لهم). نعم، فرئيس الوزراء منافق ويداه ملطختان بدماء العراقيين قبل ان يكون مسئولا بطريقة او بأخرى عن إساءة اليولاندس بوستن الى الرسول الكريم.
حرية الصحافة مقدسة ولكن الصحافة ليست حرة! كيف لا والصحافة رغم كل شيء أداة من ادوات الدولة وسلطتها الرابعة، خاصة حين تكون الصحافة، او هذه الصحيفة، يمينية عنصرية وتكون الحكومة في البلاد يمينية وتستند الى دعم الفئات العنصرية المتطرفة؟ إن رئيس الوزراء لم يصدر أمراً الى الصحيفة بنشر هذه الصور ورئيس الوزراء لا يملك وفقاً للدستور لا صلاحية ولا وسيلة لمعاقبة الصحيفة، ولكن العلاقة بينهما لا يحكمها الدستور دائماً، فظهور رئيس الوزراء والرياء الذي اظهره بالحديث عن احترام الأديان لا مكان له في الدستور ايضاً وإنما اضطر الى ذلك تحت ضغط رجال الأعمال الذين سيرمونه في المزابل إذا استمر تدهور الوضع وتفاقمت الخسارة. فهؤلاء الرأسماليون لا شيء يتحكم بهم غير حسابات الربح والخسارة وكما قالها أحدهم قبل يومين بالدنماركية:
(Hvor der er profit, er der profet)
بمعنى (حيث يوجد ربح نعترف بالنبي).
وكلمة أخيرة بحق المنافق، فأنا والآلاف من أمثالي كنا سنحترمه اكثر لو انه قدم الاعتذار الأفلج على اساس ثقافي يتعلق بالحوار بين الشعوب وليس تحت ضغط القروش الهزيلة التي فقدها أسياده رجال الاعمال بمقاطعتهم في السعودية، فهو بهذا لم يعد لديه ما يعيب به على المسلمين المتسكعين على أبواب مكاتب المساعدات الاجتماعية في بلده، فقد أصبح مثلهم عندما تسكع على أبواب قناة العربية متوسلاً الى السعوديين أن لا يقاطعوا أجبانه. أجبروه على ذلك وخاف على الدعم الذي يقدمه الرأسماليون له ليبقى رئيساً للوزراء، ولم يشفع له في هذه الخسارة أن قراره الخسيس في المشاركة في احتلال العراق قد اكسب نفس الرأسماليين مليارات الدولارات سرقوها من ميناء البصرة وأجور عمال النفط العراقيين.
ولكن هل يكفينا يا إخوة أن نصب جام غضبنا على رئيس الوزراء الدنماركي او صحيفة اليولانس بوستن (التي نذكر بالمناسبة أنها كانت اثناء الاحتلال النازي للدنمارك الناطقة باسم حكومة الاحتلال. فهي صحيفة ذات تاريخ اسود باعت الدنمارك للنازيين ونحن نستغرب استفزازها لمشاعر المسلمين)؟
ما هذا الذي جرى ويجري؟ أنا كنت اتوقع شخصياً ان يتدخل علماؤنا ومثقفونا ورجال من طراز الشيخ أحمد الكبيسي في هذا النزال الثقافي، ولكن نحن المثقفون كعادتنا – الجماهير دائماً أمامنا وتسبقنا في الفعل. هل مثل هذا التحدي الثقافي والاخلاقي نرد عليه بحرق الأعلام والتهديد بالويل والثبور لكل من هو من هذه البلاد؟
اسمحوا لي أن اقول لكم إن احداث الايام القليلة الماضية قد بينت شيئاً مهماً. لقد بينت أننا نسينا الرسول في هذه المسألة وجعلنا انفسنا في مركز الاحداث. لقد جاء رد فعلنا على الجانب الذي يسيء الينا في هذه المسألة ولم يأت أي رد فعل على ما يسيء للرسول الكريم. نعم إن ما نفعله هو رد فعل على ما يجرح مشاعرنا .. رد فعل على ما يغضبنا وليس على ما يغضب الرسول.
بكل تأكيد اثبتت الاحداث أن الرسول موجود بيننا بروحه وفكره يوحدنا اليوم كما وحدنا قبل 14 قرناً وعلى الدوام. بينت الأحداث ان الأمة لن تموت طالما فيها روح واسم محمد، ولكن دعونا نفترض لو أن الرسول كان اليوم بيننا بشخصه. ماذا كان الرسول سيقول عن هذه الرسوم التافهة وعن التافه الذي وضعها في صحيفته أول مرة؟ حاشى للرسول ان يكون يأمر بحرق علم الدنمارك أو تهديد الدنماركيين كل الدنماركيين. والله ما كان إلا ليبتسم ويصف شانئيه بالسفهاء وكفى. أما أن يعاقب احداً بسبب عدوان على شخصه، فالتاريخ لم يذكر لنا عن الرسول إلا سلسلة من مثل قوله لأهل مكة الذين آذوه وآذوا أهله "ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ ... اذهبوا فأنتم الطلقاء". ولم يكن عبثاً أن قال تعالى بحقه "وإنك لعلى خلق عظيم".
نحن اخطأنا إذن مرتين، مرة لأن رد فعلنا جاء على ما يغضبنا ويجرح مشاعرنا نحن وليس على ما يمكن ان يغضب الرسول، ومرة أخرى لأننا لم نتخلق بأخلاق الرسول عندما جرحت مشاعرنا.
نحن مدينون للرسول لأنه يوحدنا من جديد، لأننا ولأول مرة منذ ثلاثين عاماً نخرج الى الشوارع من اقصى بلادنا الى اقصاها بصوت واحد وبقلب واحد، لأن صحيفة دنماركية جرحت مشاعرنا، الأمر الذي لم نفعله عندما داس الجنود الدنماركيون بأحذيتهم على رؤوس اهلنا في البصرة وعندما كانت الفلوجة وجوامعها تستغيث بنا وعندما قتل الامريكيون المصلين في الجوامع وعلى مرآى من عيوننا.
ما أعظمك يا رسول الله وما اتفهنا؟ لا شك أن سحق الفلوجة واستباحتها كانت – لو كنت بيننا بشخصك – ستؤذيك فتغضب بينما كانت سفاهة اليولاندس بوستن ستجعلك تبتسم. ماذا فعلتم ايها الناس إزاء احتلال العراق من قبل الصهاينة؟ ألا يغضب ذلك الرسول؟ لماذا لا تهبون من اجل المقاومة العراقية التي مرغت انف الامريكان في الأوحال من أجلكم ومن اجل قيم الرسول الكريم؟
أيها الناس ايهما يؤذي الرسول اكثر كاريكاتورات اليولاندس بوستن أم وجود القواعد الأمريكية على ارض الحجاز؟ لماذا هذا النفاق؟ أيهما يؤذي الرسول اكثر الكاريكاتورات السفيهة ام ان آل سعود الذين يتحكمون بكعبته وقبره يشاركون بوش اسهمه في شركات صناعة القنابل العنقودية؟ هل سمعتم ان القنابل العنقودية تستعمل لقتل احد غير المسلمين، في افغانستان وباكستان والعراق ولبنان وفلسطين؟ في قتلكم ايها المسلمون خير لآل سعود وزيادة في ملياراتهم التي لا تستفيد منها غير الصهيونية مالكة البنوك.
يجري بين ظهرانيكم ايها المسلمون كل يوم مليون جريمة تسيء للرسول. هل سمعتم بما تقوم به مخابرات الدول العربية؟ انها تعذب السجناء المسلمين نيابة عن السي آي أي. ألا يسيء هذا للرسول؟ فأين أنتم مما يسيء للرسول؟ أم أنكم لا يهمكم ما يسيء للرسول بل تريدون أن تحافظوا على مشاعركم الرقيقة من التجريح؟
دعوني أقول لكم شيئاً آخر. رئيس وزراء الدنمارك منافق، ولكن هل تعرفون من هو اشد نفاقاً منه؟ إنهم رجال الدين المسلمون في الدنمارك. هؤلاء شريك اساسي للمسيئين للرسول، فهؤلاء ساهموا بكل قوتهم في تقوية اليمين العنصري ووفروا له ذرائع الإساءة الى المسلمين واحتقارهم، واليوم يتدافعون للظهور في وسائل الاعلام فهذا غاية مناهم، أن تتسلط عليهم الأضواء وهم نكرات لم ينجزوا في منفاهم غير إغراق المسلمين في الفتاوى المنافية لروح الإسلام وتفتيت المسلمين الى شيع واحزاب. نحن في العالم الاسلامي نعرف بضعة مذاهب رئيسية في الإسلام. أما في الدنمارك فنكتشف أن كل مدينة لها مذهب حسب منشأ الإمام الدجال الذي تكرمت وارسلته الى الدنمارك. فهؤلاء جماعة فلان واتباع فلان، والفلانيون والفلانية، اسماء لا يعرفها المسلمون في العالم الاسلامي، والعياذ بالله.
انظروا! قبل عشرين سنة كان لليمين العنصري هنا في الدنمارك ممثل واحد فاز في الانتخابات ولكن البرلمان وفي اولى جلساته بعد الانتخابات منعه من الجلوس فيه، وتكرر ذلك في الانتخابات التالية. واليوم يملك ورثة ذلك المعتوه اكثر من عشرين مقعداً في البرلمان. والفضل في ذلك يعود، الى حد بعيد، لهؤلاء الذين يطلقون على انفسهم أئمة وشيوخ وابتليت بهم الجالية المسلمة في الدنمارك. لماذا؟ لأن الواحد منهم وصل الى الدنمارك لا ندري من اين وأعلن نفسه إماماً بمنزلة الشافعي وابن حنبل أو جعفر الصادق، يفتي ويحل ويحرم بما ما انزل الله به من سلطان. لقد أحلّوا السرقة وأحلّوا الموبقات.
دعوني اعطيكم مثالاً. تعالوا الى الدنمارك وانظروا كم من المسلمين قد طلقوا نساءهم من اجل حفنة من المال على شكل زيادة في المساعدات الاجتماعية. فقد اكتشف مسلمونا أن قانون المساعدات الاجتماعية الدنماركي يعطي للمرأة المطلقة حقوقاً إضافية على شكل تعويضات للأطفال وغير ذلك، فصار المسلم يهرع الى مكاتب الطلاق بمشكلة وهمية مع زوجته فيستحصل ورقة الطلاق ويحصل على المكاسب، ثم يأخذ زوجته مباشرة من مكتب الطلاق الى حضرة الإمام أو الشيخ ليزوجهما شرعياً على اساس انه استهلك طلقة واحدة من الطلقات الثلاث المسموح بها في مذهبه. أسألكم بالله هل هذا إمام من يعقد قران مثل هذا المسلم أم شيطان رجيم؟ لماذا لم يوقف أئمة الفساد هؤلاء المسلمين الجهلة من فعل ما لا يتناسب مع اخلاق الإسلام؟ والله إنهم منافقون إذ يتباكون على الكاريكاتورات السفيهة. فالله وحده يعرف كم من القصص المضحكة قد نجمت من قصص الطلاق اللاأخلاقي هذا من اجل دريهمات. خذ مثلاً ذاك المسلم الأبي الذي يتفاجأ وهو يزور زوجته واطفاله سراً في فترة سريان الانفصال قبل حصول الطلاق الرسمي قطعياً، يتفاجأ بأن مشرفة اجتماعية تطرق الباب وتريد الحديث مع الزوجة المطلقة، فيذهب المسلم الغيور ويختبيء في دولاب الملابس حتى تغادر المشرفة البيت. أي مسلم هذا؟ أية صورة ومثال يعطي لأطفاله؟
مثل هذه القصص وعشرات من امثالها فعلت فعلها على مدى السنوات العشرين الأخيرة لتخلق للمسلمين في هذا المجتمع مكانة منحدرة تسرّ اليمين الحاقد وترسم لنا صورة قبيحة وجعلتنا في المكان الذي يريده لنا الصهاينة. تتحدثون عن العنصرية وكره الأجانب.. الحق معكم ولكن لا تنسوا الدور الكبير الذي لعبه أئمة الفساد في تأجيج نار العداء ضدنا. فعلوا ذلك ليس من اجل الإسلام بل من اجل ان يخلقوا لأنفسهم مكانة ليسوا أهلاً لها.
أقول لكم بصراحة إن الأحمق الذي وضع الصور الكاريكاتيرية في صحيفته كان في أغلب الظن يظن أنه يستفز مسلمي الدنمارك وحدهم – وهو يعلم أنهم وبفضل ائمتهم لا يحسب لهم حساب. ولو أنه كان يدرك انه سيوقظ المارد النائم في نفوس المسلمين في كل مكان لكان يفضل ان يأكل حفنة من التبن بدل ان يسيء الى الرسول الكريم.
أريد أن أقول للمسلمين أنه آن الأوان أن نغضب للرسول ولما يؤذي الرسول وليس لما يؤذي مشاعرنا. أنا في غاية السرور لنهوض المارد الآن وكنت أتمنى أن أراه ينهض عندما كانت الطائرات الأمريكية تنطلق من ارض الحجاز لتلقي بحممها على المسلمين في العراق، وكنت اتمنى ان ينهض المارد عندما كان الاسرائيليون يجتاحون جنين ونابلس وينكلون بأهلهما، وكنت أتمنى أن ينهض المارد عندما كانت الفلوجة تستغيث وكانت بهرز تستغيث وسامراء تستغيث، وكنت اتمنى ان ينهض المارد إثر ما رأى الناس من اذلال العراقيين في "أبو غريب". ولكن لا بأس، إذ يبدو أن قضية فلسطين ومن ثم احتلال العراق لم تكن كافية لتوحيدنا بينما الرسول الكريم يمكنه أن يوحدنا.
أحني رأسي الى الأرض عند قدميك يا رسول الله، ولكن لتعلم أنه عندما كانت الفلوجة تذبح والمسلمون يتفرجون حكاماً وشعوباً كان الكثيرون من الدنماركيين يتظاهرون في الشوارع ضد المنافق أنس فو راسموسن، وظلوا طوال أيام يشعلون الشموع في ساحات مدنهم من اجل ارواح الأبرياء في الفلوجة وتضامناً مع المحاصرين فيها. لا بد أنك يا رسول الله ترضى عنهم أكثر مما ترضى عن آل سعود ومحسن عبدالحميد وكل المنافقين الذين يتسترون بدينك. ولا شك في أنك لن ترضى أن يدفع دنماركي بريء ثمن نفاق خادم رجال الأعمال عبد المال فو راسموسن.
أنا غاضب مما يغضبك يا رسول الله، "وإنك لعلى خلق عظيم". صدق رب العالمين.
د. عمر ظاهر
إذن فنحن – بفضل الرسول الكريم – أمة واحدة ما تزال الحياة تتدفق في عروقها وتدب الحركة فيها من اقصاها الى اقصاها بمجرد ان يلسعها دبور او تطن قرب أذنها ذبابة. وها نحن وبتلويح بسيط بمقاطعة الاجبان لا غير قد اجبرنا رئيس الوزراء الدنماركي المتعجرف المتعالي الذي رفض من قبل ان يقابل السفراء اجبرناه على ان يتوجه بنفسه الى قناة العربية لتبرزه بوجهه المنافق كالعادة ليقول لنا انه يحترم الأديان ولكن حرية التعبير مقدسة في الدنمارك.
حقاً، إن حرية التعبير مقدسة في الدنمارك. فها أنذا أحد رعايا فخامة رئيس الوزراء من اصل مسلم أصفه هنا بالمنافق دون ان أخشى من ان تأتيني الشرطة في منتصف الليل وتضع عصابة على عيني وتقودني الى مكان مجهول كما هي الحال في اي بلد اسلامي، ولا أخشى ان تطردني الجامعة المحافظة التي اعمل فيها رغم ان الكثيرين من المسئولين فيها سيستشيطون غضباً بمجرد أن يقرأوا السطور الاولى في هذه المقالة (إذا تكرم احدهم وترجمها لهم). نعم، فرئيس الوزراء منافق ويداه ملطختان بدماء العراقيين قبل ان يكون مسئولا بطريقة او بأخرى عن إساءة اليولاندس بوستن الى الرسول الكريم.
حرية الصحافة مقدسة ولكن الصحافة ليست حرة! كيف لا والصحافة رغم كل شيء أداة من ادوات الدولة وسلطتها الرابعة، خاصة حين تكون الصحافة، او هذه الصحيفة، يمينية عنصرية وتكون الحكومة في البلاد يمينية وتستند الى دعم الفئات العنصرية المتطرفة؟ إن رئيس الوزراء لم يصدر أمراً الى الصحيفة بنشر هذه الصور ورئيس الوزراء لا يملك وفقاً للدستور لا صلاحية ولا وسيلة لمعاقبة الصحيفة، ولكن العلاقة بينهما لا يحكمها الدستور دائماً، فظهور رئيس الوزراء والرياء الذي اظهره بالحديث عن احترام الأديان لا مكان له في الدستور ايضاً وإنما اضطر الى ذلك تحت ضغط رجال الأعمال الذين سيرمونه في المزابل إذا استمر تدهور الوضع وتفاقمت الخسارة. فهؤلاء الرأسماليون لا شيء يتحكم بهم غير حسابات الربح والخسارة وكما قالها أحدهم قبل يومين بالدنماركية:
(Hvor der er profit, er der profet)
بمعنى (حيث يوجد ربح نعترف بالنبي).
وكلمة أخيرة بحق المنافق، فأنا والآلاف من أمثالي كنا سنحترمه اكثر لو انه قدم الاعتذار الأفلج على اساس ثقافي يتعلق بالحوار بين الشعوب وليس تحت ضغط القروش الهزيلة التي فقدها أسياده رجال الاعمال بمقاطعتهم في السعودية، فهو بهذا لم يعد لديه ما يعيب به على المسلمين المتسكعين على أبواب مكاتب المساعدات الاجتماعية في بلده، فقد أصبح مثلهم عندما تسكع على أبواب قناة العربية متوسلاً الى السعوديين أن لا يقاطعوا أجبانه. أجبروه على ذلك وخاف على الدعم الذي يقدمه الرأسماليون له ليبقى رئيساً للوزراء، ولم يشفع له في هذه الخسارة أن قراره الخسيس في المشاركة في احتلال العراق قد اكسب نفس الرأسماليين مليارات الدولارات سرقوها من ميناء البصرة وأجور عمال النفط العراقيين.
ولكن هل يكفينا يا إخوة أن نصب جام غضبنا على رئيس الوزراء الدنماركي او صحيفة اليولانس بوستن (التي نذكر بالمناسبة أنها كانت اثناء الاحتلال النازي للدنمارك الناطقة باسم حكومة الاحتلال. فهي صحيفة ذات تاريخ اسود باعت الدنمارك للنازيين ونحن نستغرب استفزازها لمشاعر المسلمين)؟
ما هذا الذي جرى ويجري؟ أنا كنت اتوقع شخصياً ان يتدخل علماؤنا ومثقفونا ورجال من طراز الشيخ أحمد الكبيسي في هذا النزال الثقافي، ولكن نحن المثقفون كعادتنا – الجماهير دائماً أمامنا وتسبقنا في الفعل. هل مثل هذا التحدي الثقافي والاخلاقي نرد عليه بحرق الأعلام والتهديد بالويل والثبور لكل من هو من هذه البلاد؟
اسمحوا لي أن اقول لكم إن احداث الايام القليلة الماضية قد بينت شيئاً مهماً. لقد بينت أننا نسينا الرسول في هذه المسألة وجعلنا انفسنا في مركز الاحداث. لقد جاء رد فعلنا على الجانب الذي يسيء الينا في هذه المسألة ولم يأت أي رد فعل على ما يسيء للرسول الكريم. نعم إن ما نفعله هو رد فعل على ما يجرح مشاعرنا .. رد فعل على ما يغضبنا وليس على ما يغضب الرسول.
بكل تأكيد اثبتت الاحداث أن الرسول موجود بيننا بروحه وفكره يوحدنا اليوم كما وحدنا قبل 14 قرناً وعلى الدوام. بينت الأحداث ان الأمة لن تموت طالما فيها روح واسم محمد، ولكن دعونا نفترض لو أن الرسول كان اليوم بيننا بشخصه. ماذا كان الرسول سيقول عن هذه الرسوم التافهة وعن التافه الذي وضعها في صحيفته أول مرة؟ حاشى للرسول ان يكون يأمر بحرق علم الدنمارك أو تهديد الدنماركيين كل الدنماركيين. والله ما كان إلا ليبتسم ويصف شانئيه بالسفهاء وكفى. أما أن يعاقب احداً بسبب عدوان على شخصه، فالتاريخ لم يذكر لنا عن الرسول إلا سلسلة من مثل قوله لأهل مكة الذين آذوه وآذوا أهله "ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ ... اذهبوا فأنتم الطلقاء". ولم يكن عبثاً أن قال تعالى بحقه "وإنك لعلى خلق عظيم".
نحن اخطأنا إذن مرتين، مرة لأن رد فعلنا جاء على ما يغضبنا ويجرح مشاعرنا نحن وليس على ما يمكن ان يغضب الرسول، ومرة أخرى لأننا لم نتخلق بأخلاق الرسول عندما جرحت مشاعرنا.
نحن مدينون للرسول لأنه يوحدنا من جديد، لأننا ولأول مرة منذ ثلاثين عاماً نخرج الى الشوارع من اقصى بلادنا الى اقصاها بصوت واحد وبقلب واحد، لأن صحيفة دنماركية جرحت مشاعرنا، الأمر الذي لم نفعله عندما داس الجنود الدنماركيون بأحذيتهم على رؤوس اهلنا في البصرة وعندما كانت الفلوجة وجوامعها تستغيث بنا وعندما قتل الامريكيون المصلين في الجوامع وعلى مرآى من عيوننا.
ما أعظمك يا رسول الله وما اتفهنا؟ لا شك أن سحق الفلوجة واستباحتها كانت – لو كنت بيننا بشخصك – ستؤذيك فتغضب بينما كانت سفاهة اليولاندس بوستن ستجعلك تبتسم. ماذا فعلتم ايها الناس إزاء احتلال العراق من قبل الصهاينة؟ ألا يغضب ذلك الرسول؟ لماذا لا تهبون من اجل المقاومة العراقية التي مرغت انف الامريكان في الأوحال من أجلكم ومن اجل قيم الرسول الكريم؟
أيها الناس ايهما يؤذي الرسول اكثر كاريكاتورات اليولاندس بوستن أم وجود القواعد الأمريكية على ارض الحجاز؟ لماذا هذا النفاق؟ أيهما يؤذي الرسول اكثر الكاريكاتورات السفيهة ام ان آل سعود الذين يتحكمون بكعبته وقبره يشاركون بوش اسهمه في شركات صناعة القنابل العنقودية؟ هل سمعتم ان القنابل العنقودية تستعمل لقتل احد غير المسلمين، في افغانستان وباكستان والعراق ولبنان وفلسطين؟ في قتلكم ايها المسلمون خير لآل سعود وزيادة في ملياراتهم التي لا تستفيد منها غير الصهيونية مالكة البنوك.
يجري بين ظهرانيكم ايها المسلمون كل يوم مليون جريمة تسيء للرسول. هل سمعتم بما تقوم به مخابرات الدول العربية؟ انها تعذب السجناء المسلمين نيابة عن السي آي أي. ألا يسيء هذا للرسول؟ فأين أنتم مما يسيء للرسول؟ أم أنكم لا يهمكم ما يسيء للرسول بل تريدون أن تحافظوا على مشاعركم الرقيقة من التجريح؟
دعوني أقول لكم شيئاً آخر. رئيس وزراء الدنمارك منافق، ولكن هل تعرفون من هو اشد نفاقاً منه؟ إنهم رجال الدين المسلمون في الدنمارك. هؤلاء شريك اساسي للمسيئين للرسول، فهؤلاء ساهموا بكل قوتهم في تقوية اليمين العنصري ووفروا له ذرائع الإساءة الى المسلمين واحتقارهم، واليوم يتدافعون للظهور في وسائل الاعلام فهذا غاية مناهم، أن تتسلط عليهم الأضواء وهم نكرات لم ينجزوا في منفاهم غير إغراق المسلمين في الفتاوى المنافية لروح الإسلام وتفتيت المسلمين الى شيع واحزاب. نحن في العالم الاسلامي نعرف بضعة مذاهب رئيسية في الإسلام. أما في الدنمارك فنكتشف أن كل مدينة لها مذهب حسب منشأ الإمام الدجال الذي تكرمت وارسلته الى الدنمارك. فهؤلاء جماعة فلان واتباع فلان، والفلانيون والفلانية، اسماء لا يعرفها المسلمون في العالم الاسلامي، والعياذ بالله.
انظروا! قبل عشرين سنة كان لليمين العنصري هنا في الدنمارك ممثل واحد فاز في الانتخابات ولكن البرلمان وفي اولى جلساته بعد الانتخابات منعه من الجلوس فيه، وتكرر ذلك في الانتخابات التالية. واليوم يملك ورثة ذلك المعتوه اكثر من عشرين مقعداً في البرلمان. والفضل في ذلك يعود، الى حد بعيد، لهؤلاء الذين يطلقون على انفسهم أئمة وشيوخ وابتليت بهم الجالية المسلمة في الدنمارك. لماذا؟ لأن الواحد منهم وصل الى الدنمارك لا ندري من اين وأعلن نفسه إماماً بمنزلة الشافعي وابن حنبل أو جعفر الصادق، يفتي ويحل ويحرم بما ما انزل الله به من سلطان. لقد أحلّوا السرقة وأحلّوا الموبقات.
دعوني اعطيكم مثالاً. تعالوا الى الدنمارك وانظروا كم من المسلمين قد طلقوا نساءهم من اجل حفنة من المال على شكل زيادة في المساعدات الاجتماعية. فقد اكتشف مسلمونا أن قانون المساعدات الاجتماعية الدنماركي يعطي للمرأة المطلقة حقوقاً إضافية على شكل تعويضات للأطفال وغير ذلك، فصار المسلم يهرع الى مكاتب الطلاق بمشكلة وهمية مع زوجته فيستحصل ورقة الطلاق ويحصل على المكاسب، ثم يأخذ زوجته مباشرة من مكتب الطلاق الى حضرة الإمام أو الشيخ ليزوجهما شرعياً على اساس انه استهلك طلقة واحدة من الطلقات الثلاث المسموح بها في مذهبه. أسألكم بالله هل هذا إمام من يعقد قران مثل هذا المسلم أم شيطان رجيم؟ لماذا لم يوقف أئمة الفساد هؤلاء المسلمين الجهلة من فعل ما لا يتناسب مع اخلاق الإسلام؟ والله إنهم منافقون إذ يتباكون على الكاريكاتورات السفيهة. فالله وحده يعرف كم من القصص المضحكة قد نجمت من قصص الطلاق اللاأخلاقي هذا من اجل دريهمات. خذ مثلاً ذاك المسلم الأبي الذي يتفاجأ وهو يزور زوجته واطفاله سراً في فترة سريان الانفصال قبل حصول الطلاق الرسمي قطعياً، يتفاجأ بأن مشرفة اجتماعية تطرق الباب وتريد الحديث مع الزوجة المطلقة، فيذهب المسلم الغيور ويختبيء في دولاب الملابس حتى تغادر المشرفة البيت. أي مسلم هذا؟ أية صورة ومثال يعطي لأطفاله؟
مثل هذه القصص وعشرات من امثالها فعلت فعلها على مدى السنوات العشرين الأخيرة لتخلق للمسلمين في هذا المجتمع مكانة منحدرة تسرّ اليمين الحاقد وترسم لنا صورة قبيحة وجعلتنا في المكان الذي يريده لنا الصهاينة. تتحدثون عن العنصرية وكره الأجانب.. الحق معكم ولكن لا تنسوا الدور الكبير الذي لعبه أئمة الفساد في تأجيج نار العداء ضدنا. فعلوا ذلك ليس من اجل الإسلام بل من اجل ان يخلقوا لأنفسهم مكانة ليسوا أهلاً لها.
أقول لكم بصراحة إن الأحمق الذي وضع الصور الكاريكاتيرية في صحيفته كان في أغلب الظن يظن أنه يستفز مسلمي الدنمارك وحدهم – وهو يعلم أنهم وبفضل ائمتهم لا يحسب لهم حساب. ولو أنه كان يدرك انه سيوقظ المارد النائم في نفوس المسلمين في كل مكان لكان يفضل ان يأكل حفنة من التبن بدل ان يسيء الى الرسول الكريم.
أريد أن أقول للمسلمين أنه آن الأوان أن نغضب للرسول ولما يؤذي الرسول وليس لما يؤذي مشاعرنا. أنا في غاية السرور لنهوض المارد الآن وكنت أتمنى أن أراه ينهض عندما كانت الطائرات الأمريكية تنطلق من ارض الحجاز لتلقي بحممها على المسلمين في العراق، وكنت اتمنى ان ينهض المارد عندما كان الاسرائيليون يجتاحون جنين ونابلس وينكلون بأهلهما، وكنت أتمنى أن ينهض المارد عندما كانت الفلوجة تستغيث وكانت بهرز تستغيث وسامراء تستغيث، وكنت اتمنى ان ينهض المارد إثر ما رأى الناس من اذلال العراقيين في "أبو غريب". ولكن لا بأس، إذ يبدو أن قضية فلسطين ومن ثم احتلال العراق لم تكن كافية لتوحيدنا بينما الرسول الكريم يمكنه أن يوحدنا.
أحني رأسي الى الأرض عند قدميك يا رسول الله، ولكن لتعلم أنه عندما كانت الفلوجة تذبح والمسلمون يتفرجون حكاماً وشعوباً كان الكثيرون من الدنماركيين يتظاهرون في الشوارع ضد المنافق أنس فو راسموسن، وظلوا طوال أيام يشعلون الشموع في ساحات مدنهم من اجل ارواح الأبرياء في الفلوجة وتضامناً مع المحاصرين فيها. لا بد أنك يا رسول الله ترضى عنهم أكثر مما ترضى عن آل سعود ومحسن عبدالحميد وكل المنافقين الذين يتسترون بدينك. ولا شك في أنك لن ترضى أن يدفع دنماركي بريء ثمن نفاق خادم رجال الأعمال عبد المال فو راسموسن.
أنا غاضب مما يغضبك يا رسول الله، "وإنك لعلى خلق عظيم". صدق رب العالمين.