هواك اختيار (قصصي شعري)

    • هواك اختيار (قصصي شعري)

      السلام عليكم ...

      عمل اعجبني احببت ان انقله لكم ...

      العمل بعنوان ( هواك اختياري)

      وهو للكاتب الصامت ونزيف الورد ...




      (هواك اختياري)

      بـِــدَايَــــة الـقـِـصِّــــة..!!


      أقبل خـالد وهو شاب في مقتبل العمر أسود الشعر طويل القامة ذو نظرة ثاقبة فاحصة، و تقاطيع وجهه تقول " أنا عربي", وتترجم سمرته الهادئة فخره بعروبته , اعتاد أن يسمع من شقيقه الأكـبـر عادل كلمة ( بدين ) , رغم أنه يعي في سريرة نفسه أن قوامه ليس بدينا, بل هو عريض المنكبين , مفتول العضلات , متشحا بالوقار والاتزان .

      تقدم الشاب نحو عادل ركَنَ الشاحنة قرب إحدى الأشجار المناسبة بداخل المزرعة .. لتسهيل عملية إنزال آلة الري ..

      وبعد العملية الصعبة قال عادل متسائلا وهو ينظف يديه من الزيت الذي علق بهما :
      * أيها البدين .. ما كان يجب أن تترك أختنا جواهر تقوم بأي عمل في المزرعة مجددا ..
      - أخي .. إنها لا تقوم بعمل صعب .. فالعمال يقومون بكل شيء في المزرعة ..!!

      تقدما نحو -الخص- وهما يواصلان الحديث .. فأردف عادل مجددا:

      *لِـمَ كانت تحمل الدلو إذن ؟!!
      نظر خالد إلى أخته جواهر قبل أن يقول وهو يرسم ابتسامة ..
      -أنت تعرف أختك جيدا ..!! فهي تقوم بكل ما كانت تفعله أمنا رحمها الله ..
      ردد عادل :
      *رحمها الله .. كلنا يحبها .. ولا ..
      فقالت جواهر مقاطعة :
      -ألا يكفي أن وافقت أخيرا على الرحيل عنكما ..
      وأجهشت بالبكاء ..
      فقام عادل وضم أخته وقال بشيء من المواساة :
      *إنها سنة الحياة .. أختاه.
      لطالما ضحيت لأجلنا .. وطالما رفضت الزواج حتى نكبر ..
      وها نحن أصبحنا كبارا .. ولا نستطيع أن نقف دوما في طريق حياتك ..
      أضاف خالد وهو يتناول بساط المائدة من يدها :
      -نعم .. فأنت لن ترحلي بعيدا .. وليس أبدا .. وابن خالك آثــر الانتظار طويلا حتى قبلتي الزواج به أخيرا ..
      أفلا يستحق بعد هذا الانتظار .. الزواج منك ؟؟
      هتف عادل :

      *بلى ..إن مازنا ً خير زوج لأختنا الغالية.
      قالها ثم راح يضع الإفطار على البساط ..
      جلس الثلاثة على المائدة في انتظار الضيف الذي لم يصل بعد ..!
      بعدها قال عادل متسائلا :
      *ما الذي يؤخر مازن ..؟!!
      فـردّ خالد :
      -أنت تعرفه .. فهو غير دقيق في مواعيده !! دعنا نأكل .. فأمامنا أعمال كثيرة ..
      رفض عادل ذلك , وقال :
      *يجب علينا أن ننتظر الصهر وابن الخال ..!
      فقالت جواهر وهي تنظر في عيني أخيها الصغير:
      -كُلا أنتما .. سأنتظره أنا وسآكل معه ..
      و لم تكد تنهي كلامها حتى مد خالد يده للطعام، وقال بشيء من المزاح :
      -سمعت ما قالت .. والنحيف مثلك يستطيع الانتظار طويلا ..

      بعدها بدقائق توقفت سيارة مازن داخل المزرعة ..
      فترجل منها وأسرع نحو الخص، ثم قال على عجل بعد أن حيا الجميع :
      *لم يكتب لي نصيب بالإفطار مع أبناء عمتي يوما ..
      فعلق خالد وهو ينهي إفطاره :
      -لا تقلق فسأعاود الإفطار معك ..
      * يسعدني هذا .. و لكن..
      ثم أضاف بشيء من المزاح :
      ألم تخبرنا بأنك عامد إلى إنقاص وزنك ..؟
      -ما أسهل الكلام يا ابن الخال ..فلا تحرجني أكثر ..

      قالها وأخفى ابتسامة ماكرة قصد بها شيء لا يعرفه إلا مازن ..!!

      هيا .. يا أيها الجامعي البدين .. فأمامنا عمل ..
      قالها عادل وهو يقف بالقرب بانتظار خالد الذي نظر إلى ابن خاله وقال :
      -أرأيت .. هاهو يصفني بشيئين لم أصلهما بعد .. !
      فأنا لا أزال طالبا في الجامعة .. كذلك لست بدينا ..
      -أنت في الطريق يا أخي .. هيا .. ألا تزال جالسا ..
      ثم أضاف ساخرا :
      -هل تعلم بأن من أسباب السمنة هو الجلوس الطويل ..
      عندها قال خالد مغيرا دفة الحديث، وهو يقف ليلحق بــ عادل :
      عندي بعض الدروس لك !! ولنقل "فن العشق" ..
      ثم أضاف وهو ينطلق مبتعدا :
      أراك لاحقا أيها التلميذ !
      تفحصت جواهر أخاها وهو ينطلق مبتعدا فقالت متعجبة :
      -تلميذ !! .. ماذا يقصد بذلك..؟!
      *أخبرتك من قبل حبيبتي ..إن أخاك قد خرّف ..
      ثم أضاف معلقا:
      -أظن بأن للجامعات فوائد عديدة بصقل الشخصيات!!
      ثم عاد لتلك المحاولات الساخرة المازحة :
      -بالإضافة إلى تبدين الأجسام ..!





      يتبع <<

    • الـجَــــامِـــعَـــة ...!!




      رمـى خالد بحقيبته وهو يدخل شقته في العاصمة قريبا من الجامعة بعد إجازته القصيرة، والتي قضاها مع الأهل.. وقد ناله التعب والإرهاق من عناء السفر .. فلم ينتظر .. وراح يسير بخطى ثقيلة نحو السرير .. وألقى بنفسه على الفراش ..

      كان في هذه الشقة منذ السنتان .. وستكون هذه السنة الأخيرة له هنا، فهو قد أوشك على مفارقة بيته الثاني حيث صقْل الشخصية و تكوين المستقبل المشرق من هنا!

      وقد آثر هذا الشاب في السكن بمفرده عن بقية زملاءه، حبا له في العزلة والاستقلال الشخصي، و هو من النوع الذي يميل إلى التحفظ .. مع المرح .. فالجمع بينهما يجعل الشخصية الناتجة محببة في الوسط المجتمعي ..
      فلا هو مع المحافظين الذين يميلون إلى العزلة التامة حينما يعلن الاختلاط .. ولا مع أصحاب النفوس التي أينما وقعت تشكلت على البيئة التي وقعت بها، دون أن ترسم شخصها .. فتكتفي بالتأثر فقط .. !


      وكونه في مقتبل عقده الثاني إلا أنه غالبا ما يعتمد على نفسه .. فهو صاحب قرار .. لا يحبذ أن يتدخل أحد في شؤونه التي لا يراها تخص أحد غيره ..

      لذا كان لا يلتفت إلى تلك التوسلات .. وإن بدا عليها الاستفزاز .. فالمستقبل في ناظريه يخصه هو وحده أولا وأخيرا .. وحتما هذا موقفه حينما يكون على بينة من أمره .. بعيدا عن الأنانية .. ومن بين تلك الاستفزازات كان هذا القول يتردد على أذنه باستمرار ..
      "ستندم كثيرا باختيارك هذا المجال بمحض إرادتك .. وأنت ممن يجب أن يكون في الطب أو الهندسة!"
      محاولة منهم للتأثير عليه .. لكن ذلك لم ينجح، فالشاب قد أتخذ قراره ولا سبيل للرجوع ..

      ومضى بكل إصرار نحو هدفه .. ليرد أيضا جزءا من تضحية أخيه عادل وأخته جواهر ، اللذان سانداه طوال الوقت و قدما له المال والتفرغ، مع عدم موافقتهما له في اختياره لكلية التجارة .. فأبى إلا أن يعوضهما عن ذلك بالتفوق والتخرج في كلية التجارة لميله الشديد وحبه لذلك المجال ..

      كان خالد من القلة الذين تحصلوا على هذه النسبة العالية بعد الثانوية .. والتي تخولهم خوض الغمار الذي يـريدون .. لكنه لم يلتفت يوما إلى سقم ذلك القول .. بل سار على عكس المتوقع بكل ثقة وعزيمة، إلا أنه تردد مرات عدة في قبول الأمر أو نفيه ..
      حينما هتف قلبه بالعشق .. فعسى تلك الأيام تعود .. و يدخل كلية الطب مع من يحب ..!
      لكن .. ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!

      فالنبض الجديد قد بدأ منذ السنة .. ولم يكن هذا الإعجاب بذي العمر الطويل .. ولكنه كان كافيا ليهز قلبا مرهفا .. كالذي عند خالد , ويدفعه أحيانا إلى سلك بعض الطرق التي لم يحبذها يوما ..!
      فكونه قد نشأ على الطرق التي يتغنى بها الناس اليوم، وكانت مضربا للعفة .. والتي باتت شبه نادرة .. إلا أنه طرق بابا لا يتساهل معه المحافظون !!




      يتبع <<


    • مَــــلامِـــحُ الـحُـــب..!!


      كان الشاب يتعرض لــ نـدى في بعض المواقف ..! تلك الطالبة المثابرة في كلية الطب .. فيكون ردها له غريبا .. يتجاوز ما قدّره خالد ..!!

      وهذا ما حدث حينما ردت على رسالته الجريئة عن طريق هاتفه النقال .. فكتبت له :


      ( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا. !!)

      قرأ رسالتها الصادقة .. لكنها قد خيبت ظنه ..!! فلم ترد على أشعاره كالعادة ..
      فهي مصرة على موقفها السابق .. ولولا ما حدث يومئذ، لكن الأمر كما هو، ولم يتغير .. فعاد يستنتج من جديد ذلك الموقف الذي اختارته الصدفة .. ليكون سببا من أسباب الخلاف !!
      فلم يتمالك نفسه أبدا حينما علم أنها أتت برفقة زوج أختها مجددا .. وقد أخبرها مرارا بأن ذلك لا يجوز للمرأة المسلمة .. أن تخلو برجل ..!
      فأشتعل غيظا وغيرة .. فما هو عذرها الآن ..؟ فطالما رددت بأن زوج أختها - بـدر - يعد من المحارم لأنها لا تحل له كزوجة ..!
      فهو زوج أختها سلوى .. و لا زالت تصر على موقفها حتى جاءها بالدليل ..!

      ثم أخبرته مرة أخرى بأنها ذات أدب وخلق .. وأن أهلها قد أحسنوا تربيتها ..
      فأغلقت أمامه جميع السبل .. فكلما قال لها شيئا ردت عليه بحجتها ..

      فالحافلة التي تجتمع بها الطالبات ويسافرن لا تناسبها ..! فهي متعبة، وبطيئة، ومكلفة، و بـدر مهذب ..! وهو يعمل بالقرب من الجامعة .. فتذهب معه حينما يعود إلى مدينته ..
      فما المانع إذن بحسب رأيها ..؟
      ذلك المنطق الذي يهز الرجل الشرقي الغيور، ولا شك بأن خالد لا يعبأ بأي شيء حينما تتعدى تلك الحدود، وإن كان الخسران هذه المرة ما يحب !

      ثم انتهى الموقف حينما حسمته مجددا :
      -أنت يا خالد رجل تحل لي .. ولا يجب أن نتحدث مع بعضنا مجددا ..

      ارتسمت ابتسامة على وجه الشاب .. وهو يرى أنه بين نقيضين !! ولم يعد له خيار !
      فقال فورا :

      *معكِ حق، ولكن هل يعني ذلك بأنك حينما تقعين في الخطأ فإنه لن يكون الأخير ..؟
      فأنا لم أقل ذلك تشكيكا في أدبك أو أدب زوج أختك .. لكنه حرصا مني على كل مــ ..

      -لِِم لم يكن الحرص يا خالد وقتئذ .. قبل أن تسمح لنفسك بالدخول في حياتي ..!
      فأرغمتنا على هذا التواصل الغير لائق ..
      * نـدى .. لم نفعل الشيء الذي يعيب ..!فلم نتقابل سوى مرات لا تتعدى أصابع الكف الواحدة ..
      -لكن رسائلنا لا تحصى يا خالد .. وأخشى أن الجميع بات يعلم سرنا ..
      كانت نـدى ترى بأن تأثير الغيرة عند خالد هي سبب هذا ..!! وهذا عيبه الأكبر، وعندها يتضح تناقضه، فـتبدأ أوامره وقراراته !
      فقال فورا بعدما فكر في جملتها قليلا:
      *هل سيتكرر ذهابك مع زوج أختك إن توقفنا ..؟
      فسكنت نـدى قليلا .. فأضاف قبل أن تقول أي شيء :
      * نـدى ... لا تعودي إلى ذلك التصرف وأنا أعدك بأنني سأكف عن مراسلتك .. وكل شيء، حتى وقت تخرجك .. كما ترغبين ..!
      ومع تلك الصدمة التي وقعت على الفتاة إلا أنها تمالكت نفسها، وهي تقول :
      -أرأيت !!ها أنت تؤكد قولي ..! فأنت تفعل المستحيل لتروي ظمأ الغيرة لديك ..
      *سأضطر أن انهي النقاش هنا .. فقد بينت هذا الأمر سابقا .. فأتمنى أن تعودي إلى الحافلة كما تفعل الطالبات، وفيهن قريباتك أيضا، وأظنك تعلمين سبب امتناعهن عن الذهاب معك !
      -ليس كما تظن !! فلديهن أسبابهن .. !
      *لم يعد للحديث .. !
      ثم قطع حديثه فجأة، بينما ترك الكلام لتلك العيون المرتجفة غضبا !!


      إستيقظ خالد من تلك الذكريات .. فقد مر على ذلك اللقاء الأخير أشهر .. لكن نـدى عادت إلى مرافقة زوج أختها كأن لم يكن شيئا ..!
      فهو قد حرم نفسه ما تشتهيه .. و فارق التواصل بتلك الرسائل .. وأي شيء غير لائق ..!
      ومع ذلك فندى تعتقد أنها الغيرة .. !!
      لذا كان للغيظ نصيب الأسد عند خالد حينما أتاه الخبر بأنها قد أتت برفقة بـدر مجددا ..!!

      "لكن كيف أمنعها .. وأنا .. حبيب ..؟ لا زوج .."
      قالها في نفسه وكتم غضبه عمن حوله .. ثم خلا بنفسه .. فقد أشعلت تلك اللحظات خواطر ترددت من العمق النابض في جوف خالدد ...


      أنـَـا لـَـــسْـــــــــــتُ أنــْـكِــــرُ حُـــــبِّــــي لَـكِ
      ولــَـسْـــــــــــتُ لِـــقــَــوْل ِ الــهَـــوَى أدّعِـــي

      عَــرَفـْــتُ الــحَــنـَــانَ لـَــدَيْـــكِ ويَــبْــــــقــَـى
      حَــنـَــانـُـــــكِ لِــي دَائِــمَـــا ً مَــطـْــمَــــعِـــــي

      ولـَــكِــنْ صُــروفُ الـلـَّــيَــالِــي سَــتـَـقـْـضِـي
      بـِمَــوْتٍ عَــلى حُــبِّــــنَــــــا مُــــــــــــفـْـجـِــع ِ

      فـَــلا تـَـــــيْـــــأسِـــي لِـــرَحِــيـــــــــــلــي ولا
      لِـــقـَــلـْـبـِــكِ يَــا مـُـنـْـيَـــتِـــي تـُـوجـِــــــــعِـي

      فـَــلـَـوْ فـَــارقـَــتـْــنِي ابْــتِــــسَــامَــة ُ ثـَـغـْـركْ
      وغـَـابَ غِــنـَــاءُكِ عَـــــنْ مَــسْــمَــــعِـــــــــي

      سَـــأبْــقـَى أحِــبُّـــكِ قـَــلـْـبــا ً ورُوحـَــــــــــــا ً
      وتـَـبْــقـَــيْــنَ رغـْــمَ الـــفـُـــــراق ِ مَــعِــــــــي


      توقف القلم .. بعد أن توقف سيل المشاعر .. وهدأ القلب العاشق !
      فراح الحبيب يتذكر تلك اللحظات الأولى .. تلك الصدفة ..

      لأنه يعشق الشعر .. و نـدى أيضا .. كان اللقاء، والتقت الأفكار .. فكان الحضور الأول، ومن بين أولئك الطلاب جميعا .. كان خالد الطالب المثالي ..

      وكعادة الفتيات .. كانت نـدى حذرة .. مترددة، فهي لم تأتي إلى هذا المكان مفارقة لأهلها إلا للدراسة ! تلك الفتاة الهيفاء العشرينية العمر .. ذات العينين النجلاوين, والبشرة البيضاء التي يخالطها بريق من الحمرة الناعمة, ومسحة خفيفة من الجمال الهادئ تلقي في نفس الرائي إليها صفاءً, يشبه تماما ابتسامتها لحظة رضا.

      لكن الأمور تطورت .. ولم تنفع تلك الثقة في النفس حينما يطلق لها العنان .. و أوقدت نبضا لا يخفق إلا لواحد .. و حضور خالد كان المميز دائما ..!
      فلما اكتظت تلك الأحداث أنهكت طاقة الفتاة المحدودة .. ولم تكتفي بالكتمان الداخلي .. فنطقت به .. وصارحت به نفسها .. لترتاح قليلا .. وتحط جزءا من هذا العبء .. إلا أن الأمر لم يكن مرضيا حتى ولو هدأ معه بعض النبض ..
      وكثيرا ما كانت تحاور روحها الهائمة , الحالمة .. قائلة ً :



      قـُــــلْ لي بـربِّــكْ ..
      مَــنْ تـَـكُـــــونْ .. ؟!!
      يا خالدُ وكفى ظــنونْ
      هل أنت حلمٌ أو خيال
      نسجوه من وهم الجنونْ..؟!!
      أم في حــياتي واقــــعٌ
      و لا أراه بذي العيون..؟!!
      هل يعتب العشاق قوْلي
      أم تراهم يعـــــذرون..؟!!
      إذ يعلمون بأنني أهـوى ..
      ولكن .. من يكون..؟!!
      مــنْ يــكـُـــــون..؟!!


      وقد عاد من جديد .. عاد أقوى من قبل .. لتجد بأن خالد قـد بدأها .. فتخطى كل مطـب .. مناورا .. مستلا سيف الشعر الذي يجمعهما .. فلاحقها في كل مكان تلجأ إليه .. و لم يكن من ملجأ أفضل سوى قلبه ...!!

      فوجد بأن الأيام التي مضت قد مهدت دربا كان يفترض به أن يكون طويلا ..!






      يتبع <<<<<


    • بَــوْحُ الـمَـشـَـــــاعِـــر ..!!




      نوال هي شريكة نـدى في السكن الجامعي للطالبات .. وشريكتها أيضا في الأدب الشعري العذب !!
      فهي من الشاعرات اللواتي يشاركن في النشاط الطلابي .. كندى أيضا .. !!
      ولم يخفى على هذه الفتاة ما خالجها لفترة ليست بالقصيرة .. فـ نـدى باتت تتصرف بطريقة مثيـرة .. وهدوؤها وشرودها غريبان في هذه الفترة !!


      وذات مساء رن جرس هاتف نـدى .. فقفزت الفتاة لتتناوله .. سكنت نوال وهي تراقب صديقتها أثناء صمتها وهي تقرأ ما جاء في رسالة الهاتف ..
      فراحت تقرأ .. وارتسمت على شفتيها ابتسامة جميلة .. فما يخفى عالمها الحالم عن صديقتها نوال ...!!

      ومن بين ذلك الصمت راحت نـدى تلقي على أذن صديقتها بيت شعرٍ لطالما رددته .. وكأنها تود البوح لولا أنها متحفظة لأبعد الحدود !!

      فقالت نوال بشيء من الاستفزاز المرح :
      -حبيبتي ندى ما رأيك في هذه الأبيات :



      رأيْــتُ الـعُــيـُـونَ تــُـشِــيــرُ اتـْــهَـــامـا ً
      إلـيَّ.. وبـِـالـزور تــَـنـْـهَــشُ عِــرْضِــي

      تـَـسَـاءَلـتُ حَـيْـرَى عَـن الـذنـبِ.. قـَـالوا
      بـِأنَّ ذنـُـوبي هـي الـيَـــومَ ( نـَـبْــضِـي )

      وثــَـــــارُوا لأنِــي عَـــــرفـْــتُ هـَـــواكَ
      ولـَـمْ يَــكُ هَــذا الـشُـــعُـورُ بـِـمُــرْضِــي


      فـَـجـِئـْــتــُــكَ أشـْـكـُـو أسَــــايَ فـَـقـُـلـْـتَ
      إذا هُـــمْ أسَــاءُوا إلــيـْـكِ .. فـَـأغـْـضِــي



      تابعت نوال حديثها بإستطراد وهي تقوم من مكانها متجهة نحو نـدى .. فقالت وهي تجلس إلى جوارها:
      *هل سيكون لنا نصيب بما أفرحكم .. ورسم الأبتسام على محياكم .. ؟
      أجابت نـدى وهي تميل نحو الفتاة :
      -في الأول أم الثاني ؟
      *كلاهما .. تلك الأبيات أعرف الشاعرة الرائعة التي قالتها .. ومتى .. وأين ..؟

      ثم أردفت وهي تلقي نظرة على هاتف نـدى
      -لكن الله وحده يعلم ما .. ؟!!

      وقطعت حديثها فجأة .. بينما لم تعلق نـدى بشيء!! بل راحت تفكر قليلا .. كأنها لم تسمع ما قالته نوال ..


      فهمّـت نوال لتأخذ الهاتف من يدها .. فذعرت نـدى قليلا، وجفلت .. وما أن هدئت حتى قالت وهي تقدم الهاتف إليها :
      *أفزعتني ..
      ثم راحت تسأل :
      *ما رأيك في هذا البيت ..؟!!
      قرأت نوال ما جاء في الهاتف من أبيات .. ثم قالت وهي تخفي ابتسامة عذبة:
      - نـدى ... نسيت أن تكتبي اسم صاحب الرقم ..
      فسحبت نـدى الهاتف من يدها بسرعة .. ثم قالت :
      *لم أسالك عن هذا .. !!
      ثم سكنت، وراحت تفكر قليلا قبل أن تقول :
      *إن هنالك ما أود البوح به !!
      فهمّـت نوال بالاقتراب والإصغاء جيدا، ولسان حالها يقول "وأنا الصدر الذي سيحفظ سرك كما عهدتني، وكما كنا منذ زمن !!"
      فتابعت نـدى ...

      *سألتني عن سر أبياتي وكيف أصف العيون التي تشير إلي .. وعلى تلك الأبيات أرد بأبيـات ..


      أتـَى كـَـالـمَــاءِ يَـــروي لِــي ظـَـمَـايَــا
      حَـبـِـيبُ الـقـَـلـْـبِ خـَـالِـدُ ذو الـعَـطَـايَا

      أتـَى والـشـَّــــــوقُ يَـحْـمِـلـُــهُ لِـــدَربي
      أتـَى كـَـالـطـَّـيْــر حَــلـَّـقَ فِــي سَـمَـايَا

      فـَـلـَـمْ أبْـخـَـل بِـمَـا عِـنْــدِي لأعُــطِــي
      حَــبـيـبي كـُـلّ مـا عِـنـْـدي هَــــدايَــــا

      فـَـمَـا عِــنـْدي قـَـلِـيلٌ غـَـيْـر أنـَّـــــــي
      وهَــبْــتُ لـَــهُ فـُـــؤَادا ً فِــي الـحَـنـَايَـا

      فـَـكـَـمْ أدْمَـتْ صُروفُ الـدَّهـْر قـَـلـْـبي
      وكـَـمْ ألـْـقـَـتْ صِعَــابا ً فِــي خُـــطايَـا

      لِـيَــأتِــي خـَـالـدٌ فـيـــُزيــحَ هَـــمِّـــــي
      ويَــمْــحُــو بــابـتِـسَـامَـتِـــهِ أسَــــايَــــا

      فصَـــار كـبَــلـْسَــم ٍ يَـشْـفِـي جُـروحِي
      وفَــاضَ مَــشَــاعِرا ً وسِعَتْ فـَضَـايَــا

      عَـزيزُ الـنـفس .. مِفـْــضَــالٌ .. ودودٌ
      كـَـريم الـروح .. مـوفـُــور الـسَّـجَـايَـا

      فـَـــــــلا عَـجَـبٌ إذن .. فـالحُـــبُّ داءٌ
      وخـَـــالِــدُ كـَـانَ لِــي حَــقـا ً دَوايَــــــا



      وفور انتهاء نـدى قفزت نوال وقالت وهي تخطف الهاتف النائم في أحضان نـدى ...

      -اسمه سهل .. أيصعبك كتابته .. ؟؟
      ثم راحت تضغط على أزرار الهاتف الخلوي بصمت، وسرعة .. ولما فرغت قالت بشيء من الثقة :
      -لا تتحاذقي عليّ .. فأنا أعرفك منذ زمن .. وأعرف سركِ من عينيك .. ولا داعي بأن تتظاهري ..
      فهمّـت نـدى بالرد لكن نوال أضافت ...

      -لا تقلقي من هذا الأمر .. وأنا أؤيدكِ .. فهنا يجب الحرص والتصرف كما فعلت أنت!!
      فألسنة الناس لا ترحم أبدا ..!
      ثم مالت نحوها مازحة, رغبة منها في تلطيف الجو :
      - أتنكري أن علامات العشاق صارت واضحة عليك , وضوح الشمس في رابعة النهار ..؟!!
      ختمت نوال قولها ذلك بغمزه, زفرت على إثرها نـدى تنهيدة حرى قائلة :



      لا لستُ أنكر أن بي أشياء مما يشعرونْ..
      فأحس أني كالأسير طوته آلام السجونْ ..
      ليعيش في جنح الظلام مكبلا قيد الشجونْ ..
      نارٌ وبردٌ ذا الهوى لكنكم لا تعلمونْ ..
      رغم العذاب بأنني أحتاجُ للقلبِ الحنونْ ..







      يتبع <<<<<

    • ودَاعَــــــا ً نـَــــــــدَى...!!



      انتفض خالد سماع صوت السيارة وهي تتوقف أمام المنزل .. فطرد تلك الذكريات .. فهو ينتظر الوعد الذي قطعه على نفسه .. بأن يطرق باب منزل نـدى .. بشكل صحيح وصادق ..!
      وهذا جل ما تنتظره الفتاة من حبيبها، وعربون الحب الحقيقي ..!

      دخلت جواهر ومعها عادل .. كان الحديث مستمرا على مسمع خالد ولكنهما توقفا فور دخولهما .. فقفز خالد وهتف قبل أن ينطق أخويه ببنت شفة .. فقال:
      *ماذا حدث .. ؟
      تبسم عادل وهو يرى شوق أخيه إلى الخبر الأهم .. الذي يتعلق بمشواره في الحياة .. والشراكة الأجمل ..!!
      فقال وهو يهم بالانصراف :
      -إنني منهك .. ستخبرك جواهر بكل الأحداث .. وإن أحببت ستبدأ من حيث انطلقنا ..
      فرد خالد بسرعة وجدية :
      *إن ما يهمني هو ما حدث في منزل نـدى ..!!


      كان عادل قد ودعهما تاركا إجابة ذلك السؤال عند أخته فهي أفضل منه في هذه المواقف التي تحتاج إلى اللين والهدوء .. فقالت وهي تلقي بحقيبتها على احد الكراسي وتجلس على الآخر .. وبعد أن أشارت إليه ليجلس بمحاذاتها .. ثم قالت بعد أن جلس :
      - خالد .. قلت لك من قبل .. إن أكثر الآباء لا يحبذون زواج بناتهم إلا بعد تخرجهن ..!
      هز خالد كتفيه .. وتملكته ردت فعل مستاءة، بدت على وجهه دون أن يتفوه بها .. ثم قال بحيرة :
      *ما الذي قاله بالضبط ..؟
      -أخبرتك .. قال : "فلتنتظروا حتى التخرج ..!!"
      هذا بعد أن رحب بالفكرة وأبدى رغبة بالتعرف علينا عن كثب .. فأنت يا أخي تعرف أمور الزواج ..!! لا تتم بسرعة، والأفضل للأسر أن تتعرف على بعضها جيدا .. فلم نعد نعيش في الزمن السابق ..
      *أهذا كل شيء .. ؟!!
      -نعم .. !
      ستحدث بيننا زيارات بالطبع .. لكن بعد أن توافق نـدى أولا ..!!
      سكت خالد قليلا يفكر بغرابة الخبر .. ثم قال متسائلا :
      *ألم توافق ..؟
      -لا .. هي لم تتكلم عند سؤالنا إياها .. سكن ليفكر في ذلك، ثم علقت بعد قليل، وهي تنظر في عيني خالد :

      -أظنها مرتابة قليلا ..
      فعند حديثنا ألمحت إليّ قائلة :
      "أفضّل أن يكون زوجي ذو كلمة لا تقبل القسمة على اثنين ..!"
      فكر في معنى تلك الجملة، ثم قال متسائلا :
      *وهل أنا من هذا النوع .. ؟!!
      -لا تسيء الفهم في الفتاة .. فهي لم تذكر اسمك .. كنا نتكلم بشكل عام .. !

      استمر الحديث قليلا .. بعدها غادرت جواهر
      لتنام من شدة الإرهاق، وبقي خالد
      ساهرا يفكر بمستقبله بعد التخرج والعمل في التجارة ..
      فغمغم :
      "فماذا بعد الآن يا نـدى .. ألم أطرق الباب ؟!!"








      يتبع <<<<<


    • قـَـبْـلَ أنْ تـُـعَـالِـجـي الـنـَّـــاس ..!!


      كانت العاصمة العمانية تشهد عمرانا متطورا .. فالبنايات الحديثة تتنافس في الطول والعرض والهياكل الجميلة، فأعطى ذلك جمالا لهذه المنطقة ذات الطابع التجاري ..
      وهو ما أوحى لهذا الشاب .. حديث التخرج .. إلى البدء من هنا، فأحب أن يمضي قدما بشيء من المغامرة .. والتجربة ..
      فلم تمضي إلا مدة، وكان المشروع قائما كالجبل الشاهق بين جبال لا تقل عنه طولا .. و صلابة ..

      وهو المشروع الذي سينسيه نـدى .. وربما حقق النجاح الذي أفتقده، وخسر الفوز بقلب حبيبته .. لكن الأمور قد تبدلت .. فقابل برود وهدوء نـدى .. بالانسحاب الفوري !!
      و ترك الأيام تتكفل بمحو ذلك الهيام .. وأعتمد على أن يركز تفكيره في حلمه الآخر !!

      رن جرس الهاتف في مكتب السكرتير إبراهيم .. كان هذا المكتب الأنيق جديدا، فلم يدم على إنشائه إلا أشهر قليلـة .. !! وهو في عمارة من عدة طوابق يمتلكها رئيس المكتب السيد خالد .
      فكان هذا المكتب الوحيد الذي يتميز بعدة صلاحيات من غيره .. ! ولعل خاصيته الوحيدة هي الأهم ..!! فبينما يود البعض جلب فتاة لهذا المنصب .. فإن قاعدة هذا الشاب كانت الأندر.
      فارتكزت على ذلك التحدي القديم الذي بات يتصرف بموجبه .. ولكن كقاعدة غير ثابتة أحيانا .. فعندما تخل بنظام العمل يجوز تجاوزها .. !
      كان الاتصال للرئيس الغائب .. ! فدون إبراهيم أهم الملاحظات .. وكأي سكرتير فقد أبقى بعض التحفظ في ذكر وجود رئيس شركة السياحة .. من عدمه .. !



      كان الأمر غريبا على إبراهيم وهو يرى هذا الإصرار .. فهذه الفتاة تصر على مقابلة مدير مكتبه .. و قد استبدلت تلك الكلمات المستعطفة التي من البديهي أن يقولها أي راغب في زيارة السيد خالد .. بكلمات ذات قوة .. وثقة .. فقالت :
      *الآنسة نـدى ..!
      لم تفارق عيني السكرتير وجه هذه الفتاة، وانعصفت برأسه عدة أسئلة بدت غريبة .. لكنه ظل جامدا يتمعن النظر ..
      فأضافت شاقة ذلك الجمود :
      *لست على موعد معه .. لكن .. قل له بأنني أود مقابلته .. ! فقط قل له الآنسة نـدى .. أو إن شئت الطبيبة نـدى !!

      مضى إبراهيم إلى مكتب رئيسه مباشرة .. وأدرك بأن إبلاغ رئيسه لا يجب أن يكون بجهاز الملاحظات ذلك الذي في مكتبه، فشق المسافة بسرعة وأغلق الباب خلفه .. ثم عاد بعد لحظات .. وقال بكل أدب :
      -تفضلي آنستي ..
      ثم أردف فورا قبل أن تخطو نـدى خطوتها الثانية :
      -وأنا أعتذر .. فلم تخبرينني بأنك من قريباته آنستي .. فالسيد خالد بابه مفتوح للجميع .. خاصة أقربائه.
      رفعت الطبيبة نـدى حاجبيها في عجب مما سمعته من السكرتير، لكنها لاذت بالصمت، و راحت تتقدم نحو مكتب السيد خالد .

      بعد لحظات كانت في ذلك المكتب الفاخر، فقالت بعد أن حيت الشاب .. ورد عليها بالمثل :
      *جعلتني في حيرة .. فبطريقتك الغريبة تلك لتفسير زيارتي لسكرتيرك .. !
      ثم قطعت حديثها لتشير إلى الباب، وأضافت :
      *فكما ترى فالباب قد أبقيته مفتوحا ..
      ثم سكتت فجأة فور سماعها خطوات السكرتير ليغلق الباب .. لكن السيد خالد قد أومأ له أن يدعه .. فانصرف السكرتير ..
      بعدها قال السيد خالد وهو يرسم ابتسامة على وجهه :
      -تابعي أرجوك ..
      *هل فهمت ما كنت أقصده ؟
      فأجاب الشاب :
      -لا تشغلي نفسك كثيرا .. فلا أهمية للأمر .. تفضلي .. كيف أخدمك ؟
      قالت نـدى فورا :
      *إن أي خدمة أقدمها لبلادي هي جل ما أتمناه لرد ذلك الجميل الذ ..
      -الذي لن نستطيع رده أبدا .. !
      قالها مقاطعا .. ثم تابع :
      -أظنني فهمت ما تودين قوله ..
      ثم تذكر فجأة الموقف الجديد الذي باتت عليه الآنسة نـدى .. فهي الآن طبيبة .. فأضاف فورا :
      -ولا أنسى أن أبارك لك .. الوظيفة التي كنت تحلمين ..!
      فهمّت لتقول وهي ترمقه بنظرة خاطفة .. بينما صد بعينيه إلى ساعة الحائط الضخمـة في ذلك الوقت ..
      فقالت بعد أن أكتفت بإيماءة شكر :
      *المستوصف ..! أتذكره ؟
      فرد بسرعة وهو يضغط على جهاز خاص ليطلب السكرتير :
      -بكل تأكيد .
      كان إبراهيم قد وقف قريبا من باب المكتب .. فقال له السيد خالد :

      -سيدركني الوقت إن ذهبت إلى أخي عادل .. دع السائق يسلمه الحقيبة .. وانتظرني أنت في السيارة، سأوافيك فورا ..
      أنطلق السكرتير بعدما اخذ تلك الحقيبة السوداء .. فقامت الآنسة، وقالت بشيء من الأسف ..
      *يبدو أنني جئتك في وقت غير ملائم ..
      -إطلاقا آنستي .. لكنني مسافر للعمل ..


      يتبع <<

    • ثم تابع حديثه وهما يسيران إلى خارج المكتب :
      -سأعود بعد أسبوع .. أتمنى أن أرى دراستك التي أعددت لهذا المشروع ..
      سارا حتى وصلا إلى ممر خاص قد أنشأ لصاحب الشركة فيصله مباشرة بالموقف الخاص لسيارته .. فقال :
      -هل أوصلك ..؟!!
      ثم أتنبه للأمر فجأة .. !! فأضاف بسرعة :
      -عفوا !! أعني .. ألديك سيارة، أم تحتاجين للسائق لكي .. ؟!
      فقالت بسرعة وقد تفحصته بغضب :
      * خالد .. إنك لم تنسى ما مضى ..!
      هز كتفيه نافيا .. ثم قال في عجب :
      -أختي .. لم أرك يوما إلا قمة من قمم الأدب والأخلاق ..
      ثم أضاف وقد أثاره شيء ما في عينيها .. وكأن كلمة قالها قد أخفت بريقا تملكها حتى تلك اللحظة القريبة ..
      فقال :
      -والعفة .. فأنت محلا للثقة .
      بعدها استطرد بينما ارتسمت ابتسامة ساخطة على وجه نـدى .. فقال وهو يرى ذلك :
      -لم أقصد سوى المساعدة ..

      كان الممر هادئا بعيدا عن مكاتب الشركة .. و ما هي إلا خطوات قليلة حتى يجد من يسلكه بأنه واقفا أمام مكان لا يتسع إلا لسيارتان ..
      في تلك الأثناء دست نـدى يدها في حقيبتها بسرعة، فأخرجت هاتفها المحمول وضغطت على مفاتيحه في عجالة .. ثم قالت وهي تقدمه للشاب الواقف أمامها مباشرة :
      *لقد احتفظت بها ..!
      قالتها وقدمت الجهاز إليه :
      "قبل أن تعالجي الناس .. أبدئي بنفسك"
      كان السيد خالد يقرأ تلك العبارة المرسلة، والتي احتفظت بها الفتاة منذ زمن في الهاتف ..قرأها بصمت، ولم يعلق بشيء .. وحاول إخفاء تلك الآثار التي دائما ما ترتسم بوجهه لحظة العبوس !!
      فعادت تردد عبارته بامتعاض وهي تهم بالانصراف :
      *أختي .. أنت محلا للثقة .. أظنها أيضا نفس الكلمة التي خدعت بها سكرتيرك .. فظن المسكين بأنني أختك ؟!

      ذلك آخر ما سمعه السيد خالد وهو لا يزال واقفا في الممر، لكنه أدرك بأن نـدى لم تؤلمها رسالته الغاضبة القديمة، بقدر ما آلمتها تلك الكلمة اللطيفة حينما قال لها "أختي" ..!
      فرجي أن زيارتها تلك لم تكن لهذا الموقف، بل للمشروع الذي ربما كان آخر ما يذكرهما بالمرحلة القديمة واللحظات الجميلة السالفة .

      ارتمت نـدى وهي تقتحم غرفتها على السرير باكية , ورددت بحرقةٍ وأسىً قائلة :




      لـظـى الـبُــعـد في الروح آهُ احــتـراقْ
      لـقــلــبٍ يـئــنُّ هـــــوىً واشـتـيــــــاقْ

      ومَــــالي أراكَ أيـــــــــا خـــــــــالــــدٌ
      أطلـْـتَ ابتعادا ً.. أطلـْـتَ الـفراقْ..؟!!

      ويـغـْـشَـــاكَ صــمــتٌ كــلـيـلٍ بـهـيـم ٍ
      وما عـــاد هـــذا الـســـكـــوتُ يُــطاقْ

      عــيــونـــكَ حـيــرى كـــأن الـســـؤال
      يــلــفُّ بـجـيـــدكَ حــبــل الـخــنــــاقْ

      أأعْــيـاك هــذا الـسـؤالُ حـــبيبي ..؟!!
      أتخشى ضياعا ؟!! أتخشى انزلاق ؟!!

      تــمـهَّـل .. فــإني أســيــــر هَـــــواك َ
      وأرقـــبُ مـنـــك حــبـيــبي الـوفـــاق ْ

      وإن بــقــلــبـي حـــنـيـــــنٌ إلـــيـــــك َ
      وما كــان هـــذا الـشـعـور اخـتــــلاقْ

      وإن كــان طـعــم الهـوى عـــــلــقـمــا
      بقــربك يغــدو لــــذيــذ الــمـــــــــذاقْ

      وثــقْ يا حــبيبي بــأنـّــك مـــهْـــمَـــــا
      ابتعـــــدتَ فــإني عـــلى الحُــــب باقْ



      يتبع <<


    • حَــنِــيـــنُ الــقـَـــلـْـــب ..!!





      لم تمر أياما حتى كان "المستوصف الحلم" قد أتمم، وباشر العمل به .. فكانت نـدى صاحبة شرف إدارته بتخويل من الممول له السيد خالد ..

      وفي يوم افتتاحه كانت اللحظة التي قرر فيها خالد أن يستيقظ .. ويقرر لنهاية حبه بشكل الذي اختاره أخيرا، وخالف نفسه مرغما لها ..
      وفي تلك الليلة أيضا كان للأحداث أن تفسخ حاجبها المؤقت .. فألقى خالد بحمل صدره ..

      فالآن قد رفع راية الاستسلام والرضوخ .. وغمغم شوقا لحنين الماضي وهو يقرأ رسالة الحبيبة في هاتفه :


      أأنـْـتَ تـُكــابـــرُ .. أم لا تـَـعِــي ..؟!!
      عَـــذابـــا ً يـقــضُّ له مـضْــجَـعِــــــي

      أتـنـْـوي الــرحِـيــل أيـا خـَــالِــدُ ..؟!!
      أتـتـْـركُ لي حُـــرقـَـة الأدْمُــــع ِ ..؟!!

      بـِـربِّــكَ قـُــلْ لِـي حَـبيبي لِــــمَــــــاذا
      تـقـُــودُ فـُـؤادِي إلى الـمَــصرع ِ ..؟!!









      يتبع <<<<<


    • الــنـِّـــهَـــــــايَــــــــــة ..!!



      كانت جواهر قد حاصرت أخاها بأسئلتها الكثيرة .. ولم يعد له خيارا للفرار أكثر .. وقد عزم على البــدء من جديد .. فواجه خالد أخته بأسراره التي أحتفظ بها .. !
      فقال وزفير أيام الطفولة يسابقه :
      -أختاه .. أنت أمي الحبيبة التي أفتقدها .. ولم أرها .. !!
      فردت وهي تضمه بين ذراعيها ..
      *بل رأيتها حبيبي .. لكنك لا تذكر .. كنت في الثانية من عمرك حينما رحلت ..
      عاد يقول وشوق الحنين يداعبه :
      -إذن أنت من رباني .. فأحسن تربيتي ..
      ثم سكن وهدأ قليلا قبل أن يضيف :
      -ثقي بي يا حنان أمي .. و جأش أبي .. إنني لم أخطئ .. و لا أنكر أنني أتصرف كطفل مدلل .. فظلمت معي الجميع .
      *حبيبي الصغير .. إن الإنسان يخطئ .. لكن خير الخطاءين التوابين .. !
      فرفع خالد رأسه وكأنه أحس بما ترمي إليه جواهر .. فقال :
      -إذن تلك غلطتي الأولى والأخيرة .. !!
      *و الأخيرة .. ؟!!
      رددتها أيضا قبل أن تضيف بعد صمت قصير :
      *بلا شك أنك سترهق نفسك بهذا .. قلتها لك .. نحن بشر، ولسنا معصومين ..
      فقال بعد أن فكر قليلا :
      -إنك ترمين إلى شيء .. !!
      ثم استطرد ولا يزال على هدوءه :
      -أظنك تعرفين .. الندم .. ؟؟
      عندها قامت جواهر فأمسكت بيديه وهمست بقلق :
      *أنت ما أن طمأنتني حتى عدت لتقلقني من جديد .. فكلامك غامض!




      يتبع <


    • ساد المكان صمت طويل, انشغلت فيه جواهر بملاطفة وليدها الصغير, في حين أسند خالد ظهره على الأريكة الناعمة, وأطلق لروحه العنان كي تسافر وتحلق بعيدا, حيث النبض, وميلاد الحب الأول, تذكر حبيبته الجميلة , ورسالتها التي زرعت في روحه معنى عذبا للحياة, حين جاءته قائله :



      لا أرتـجـي في ذي الــحــيــاةِ سِـــواكَ
      يا مُـهْـجَـتـي ما عـيشـتي لــــــــــولاكَ

      يا من مـلكـتَ شِـغـافَ قـلـبي بالهــوى
      والـشـوقُ قـد فاضـتْ بـه عـيْــنــــــاكَ

      والـقــلـبُ يـنـبضُ بالحـنـينِ وبالجـوى
      لمّـا عــلى دربِ الهـــوى ألـقـــــــــاكَ

      وشـعــرتُ أني طـائـرٌ فــوق الــــرُبى
      لمّا ارتـمـتْ يُـمـنــاي في يُـــمـنـــــاكَ

      والله خـيــرُ الــرازقـيـــن وإنــــــــــــه
      هــذا الحــنـان ونـبـعــهُ أعـــطـــــــاكَ

      مـا كـان قـلـبي يـسْـتـطـيـبُ تــمـلـُّـكـا ً
      لكــنــه بالـحُــــــــــــــــــبِّ قــد والاكَ

      ما حــيــلـتي وأنــا المكــبَّـــلُ بالهـوى
      أحــيا أســيـرا راجـــيــا لـــرضـــــاكَ

      لا لـيــس ضــعـفـــا ما أحِــسُ وإنـمــا
      لي خــافـــقٌ يا ســـيــــدي يـهــــــواكَ

      قــد سـرتُ في درب الـهـوى بـإرادتي
      مُـتـلـمِّـسـا يــا مُـنـيـتي لِـــخُــــطــــاكَ

      أعــطـيـكَ عــهــــدا للــــــــودادِ بأنني
      ما عِــشــتُ يــا حُـــبـي فـلـن أنْـسَــاكَ


      بعدها انتفض من جلسته كمن لدغته حيه رقطاء, فأفزع أخته الجالسة إلى جواره, وقال وقد صعب عليه تحمل ذلك ..
      - إنني لا أطيق فراق نـدى .. ولست عازما على المكابرة .. وأنا أعلن خطأي ..
      قالت بعد أن تذكرت عدم اعترافه :
      * نـدى .. ؟!! نـدى التي ..
      - نـدى التي لا أعرف غيرها يا أختي .. ولم يقظ مضجعي سوى أنني أتخيلها بعيدة عني .. ساعديني أختاه .. فلم أعد كما أتصنع أنني .. الصلب .. و العنيد .. !!
      *أخبرتك سابقا .. إنك تدور حول نقطة لا تستطيع فراقها .. هي ندى .. فما خطبك إذن .. أنت تناور وتعذب نفسك ..
      - كنت أخشى من أمر .. لكن الأيام قد تواطأت لتزيح كل الأسباب التي تمنعني من الزواج منها ..
      *لا أرى سببا في لوم الأيام .. !
      -لا .. إنما حدث ذلك لأموت إن فارقتها ..
      *أظنه عملها .. ؟!
      -اممم .. نعم ..
      فقالت مستبشرة :
      *إنها الآن بعيدة عن الجميع .. أليست كما تحب أن تكون زوجتك .. ؟؟ في مكان لا يتواجد فيه الرجال .. ؟!! ما الذي تنتظره ؟؟ تخلقت أسباب للصد عنها .. أفلا تملك سببا واحدا لتعود إليها .. والأسباب تحيط بك ..
      ثم أضافت بحزم :
      *ألم تقل لك سابقا "( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا .. !!)"
      فهز خالد كتفيه ..
      فعادت لتضيف :
      *هل تنتظرها لتأتيك .. ؟!! إذن ستبقى هنا وحيدا .. ثق بهذا .. فأنا لو لم ينتظرني مازن .. ووثقت من ذلك .. لكنت ممن يتزوجن منذ الساعة الأولى..
      فرد وهو يبتسم :
      - كنا قد اقتنعنا بأنك تضحين بكل شيء من اجلنا .. أظن موقف مازن قد ساعدك ..؟
      فهزت كتفيها وهي تشاركه الابتسامة، ثم أضافت :
      *لا شك عندي أن نـدى تسير على ذلك الطريق .. فلم يكن هجرك مقنعا لها ..


      لم يكن لدى خالد شيء يضيفه أو يفعله سوى انتظار شروق الشمس بفارغ الصبر .. وصدى نـدى .. يعود ليتردد من جديد :



      أتــنــسـى فـــــؤاداً أحــبـــكَ يــــومـــاً ؟
      و أنـــتَ تـــريــــدُ إلى الـنـــار قــــذفـــه

      إذا مـــــا نــســيــتَ بـــأنـــي ضــمـــــادٌ
      لجرحـكَ هـل تـنـسى جرحي و نـزفـَـه ؟

      أنــا لـســتُ أرضــى بـبـيـع شـُـعـــوري
      و مـا أنــا مـمـن يـرى الـحــب حِــرفــه

      و مـا كــنــتُ أرضـى بــحـــرق فـــــؤادٍ
      غــشـاهُ الـهــوى ذات يــوم و شـَــفـّـــه

      لأن الـــمُـحـــبَ رحــيــــمٌ كــــــــريـــــمٌ
      وفـي الـحـــب عــطـــفٌ سـلامٌ ورأفـــه

      إذا كــنــتَ تــنــوي الــرحـيـــل تـــذكـــر
      " هَـــواكَ اخـتـيارٌ .. وما كـان صـُدفـه "





      تـمـّــــت ,,,