المخالفات القانونية في محاكمة صدام حسين

    • المخالفات القانونية في محاكمة صدام حسين

      الحلقة الأولى



      أسعد الله جميع أوقاتكم



      نناقش هنا ما يجري في محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين ورفاقه وما يعترض هذه المحاكمة من مسائل قد نراها أنها أخطاء قانونية وأنها قد تؤثر على سير المحاكمة أو على سريان أحكامها وقبل الشروع في هذه المسائل أحببت أن أعرض لكم موجزا لهذه المحاكمة من خلال قرار إحالة الدعوى وما للمتهمين من ضمانات وإجراءات المحاكمة والعقوبات . والقانون الذي يحاكمون به . . وأسماء المتهمين والتهم المنسوبة إليهم . .

      التهمة الأولى المحال عليها صدام وشركاءه هي جريمة " إبادة 143 من قضاء الدجيل " وقد أنهت محكمة تحقيق المحكمة الجنائية العراقية المختصة التحقيق في هذه القضية التي ارتكبت في قضاء الدجيل عام 1982 إثر تعرض موكب الرئيس السابق في شهر تموز(يوليو) عام 1982 إلى إطلاق نار أثناء مروره في أحد الشوارع عندما أراد عشرون شاب من أهل القضاء اغتياله. وقضاء الدجيل يبعد مسافة 60 كيلو متراً شمال بغداد وعلى اثر ذلك انتقلت أجهزة أمنية متعددة تابعة للنظام السابق متمثلة بوحدات من قوات الحرس الخاص والآمن العامة والمخابرات العامة وحزب البعث إلى موقع الحادث للتحقيق ومن ثم اعتقال مئات الأفراد من أبناء القضاء وتم قتل (143) منهم أما الآخرين فقد تعرضوا إلى الحجز ألقسري في صحراء السماوة في سجن نقره السلمان المسمى ( ليا ) واحتجزوا هناك لسنوات بينهم رجال ونساء وأطفال وشيوخ كما وتم تجريف الأراضي الزراعية والبساتين العائدة للسكان الذين تم إعدامهم واعتقالهم ، وبعد أن استمعت المحكمة إلى الكثير من الشهود واطلعت على كثير من الوثائق التي تشكل دليل ضد المتهمين من هذه الوثائق بخط صدام نفسه ومنها مذيل بتوقيعه, وتنص هذه الوثائق على إعدام وقتل من تعرض لموكبه في ذلك اليوم الدموي من تاريخ أبناء هذا القضاء ، كما أن من هذه الوثائق مراسيم جمهورية لتكريم من قام بقتل وتصفية الضحايا , ومن الشهادات ضباط كبار شاركوا في هذه الجزرة من جهاز المخابرات العراقي ، وغيرها من الشهادات العيانية من نفس سكنه المنطقة,
      واهم دليل تعتمد عليه المحكمة هو اعتراف صدام حسين بالقتل معلل ذلك إلى صلاحياته المعطاة له بموجب دستور سنة 1970 وان هؤلاء ـ الضحايا ـ مجرمون يستحقون القتل لتعرضهم لموكب رئيس الجمهورية وان المحاكم العراقية هي من أصدرت قرار إعدامهم.
      قرار الإحالة الصادر من محكمة تحقيق المحكمة المختصة بالجرائم ضد الإنسانية تضمن إحالة المتهمين إلى محكمة جنايات المحكمة الجنائية العراقية / الهيئة الأولى كان وفق المادة ( 11 ) من قانون المحكمة الجنائية والمادة ( 15 ) منه فقرات الاشتراك والمادة (406) عقوبات ونصت المادة (11 ) الفقرة الأولى من قانون المحكمة الجنائية على ( لأغراض هذا القانون وطبقا للاتفاقية الدولية بمنع جريمة الإبادة الجماعية المعاقب عليها المؤرخة في 9 / كانون الأول / ديسمبر 1948 المصادق عليها من قبل العراق في 20 كانون الثاني/ يناير 1959، الإبادة الجماعية: ( تعني الأفعال المدرجة أدناه والمرتكبة بقصد إهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً: (أ) قتل أفراد من الجماعة. (ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة (ج) إخضاع الجماعة عمدا لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا (د) فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة (هـ) نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى. الخ.


      ضمانات المتهمين :


      نص قانون المحكمة الجنائية على ضمانات المتهم وتتمثل في
      ( 1 ) جميع الأشخاص متساوون أمام المحكمة.
      ( 2 ) المتهم بريء حتى تثبت إدانته أمام المحكمة وفقا للقانون.
      ( 3 ) لكل متهم الحق في محاكمة علنية ، كما إن للمتهم ( الحق في أن يعرف التهمة الموجهة إليه وان يتاح له الوقت الكافي لإعداد دفاعه وان تجري محاكمة دون تأخير وان يدافع عن نفسه شخصيا أو بواسطة محامي وفي حالة عدم وجود محامي لديه تندب المحكمة له محامي وتتحمل أجوره وله الحق في مناقشة الشهود والاطلاع على كافة أدلة الإدانة ومناقشتها ولا يجوز إرغامه على الاعتراف ) .



      القانون الذي يحاكم به صدام حسين ورفاقه


      وهو القانون الذي تخضع له محاكمة الرئيس العراقي، وهذا القانون قد أعده القانوني العربي المصري الأصل الأمريكي الجنسية " محمد شريف بسيوني القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية وأستاذ القانون في جامعه دي بول ، وهو من اعد قانون المحكمة الجنائية الدولية " بتكليف من مجلس الحكم السابق والأستاذ بسيوني استقى جّل أحكام هذا القانون من " قانون المحكمة الجنائية الدولية " يتكون القانون من ( 38 ) مادة تناولت الهيكل التنظيمي للمحكمة المختصة وتشكيلاتها وهيئاتها وطرق أدارتها ومؤهلات قضاتها وطرق اختيارهم كما نص على الأفعال المجرمة التي يحكمها القانون وبعض الإجراءات الجنائية الخاصة بالتحقيق والإحالة والمحاكمة إلى غاية صدور القرار والطعن به تمييزا إمام هيئة تمييزية نظم أحكامها هذا القانون أيضا واعتبر رئيس الهيئة التمييزية هو الرئيس الأعلى للمحكمة ويشرف على شؤونها الإدارية والمالية
      وفي حالة وجود الفراغ القانوني في نصوص هذا القانون والقواعد الصادرة بموجبة ، فإن المبادئ العامة للقانون الجنائي القابلة للتطبيق على اتهام ومحاكمة الأشخاص المتهمين هي المبادئ المنصوص عليها في القوانين الآتية
      1 ) للفترة من 17 / 7 / 1968 ولغاية 14 / 12 /1969 قانون العقوبات البغدادي لسنة 1919 الملغي .
      2 ) للفترة من 15 / 12 / 1969 لغاية 1 / 5 / 2003 قانون العقوبات العراقي المرقم ( 111 ) لسنة 1969 دون مراعاة أي تعديل جرى عليه،
      3 ) قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم ( 23 ) لسنة 1971 . والسبب الذي جعل المشرع يلزم المحكمة بإتباع أحكام قانونية نصت عليها تشريعات ملغية هو لكون أن هنالك جرائم قد وقعت في ظل هذه التشريعات حيث نصت الفقرة 2 من المادة الأولى من قانون المحكمة المختصة على ( تسري ولاية المحكمة على الجرائم التي ارتكبها عراقيون أو مقيمون في العراق ضمن الجمهورية العراقية أو خارجها خلال الفترة الممتدة بين تاريخي 17 / 7 / 1968 ولغاية 1 / 5 / 2003 ، تشمل الجرائم آلاتية :
      1 ) جريمة الإبادة الجماعية 2 ) الجرائم ضد الإنسانية 3 ) جرائم الحرب 4 ) جريمة انتهاك القوانين العراقية .



      من هم المتهمون
      1) صدام حسين المجيد 2 ) طه ياسين رمضان 3 ) برزان إبراهيم الحسن التكريتي 4 ) عواد حمد بندر السعدون 5 ) عبد الله كاظم رويد 6 ) مزهر عبد الله كاظم رويد 7 ) علي دايح علي 8 ) محمد عزاوي العلي


      ما هي الجرائم التي يواجهها المتهمون
      الدجيل ـ حلبجة ـ الحرب العراقية الإيرانية ـ انتفاضة الشيعة في الجنوب ـ تصفية الخصوم للنظام من أنصار اليسار العراقي ـ غزو الكويت




      أعزائي كان لابد من هذا التمهيد حتى نستطيع أن نناقش في الحلقات القادمة المسائل التي وردت في المحاكمة وتستحق التوقف عندها والتي من أبرزها ما يأتي :


      ـ ما مدى شرعية المحكمة التي تحاكم صدام وهل من اختصاصها نظر هذه الدعوى.
      ـ شهادة الشهود من وراء ستار .
      ـ ما مدى سريان القانون بأثر رجعي ؟ بمعنى أن القانون الذي يحاكم به صدام لاحق لجرم سابق قد وقع.
      ـ هل هذه الجرائم التي يحاكم بها صدام ورفاقه تصنف على أنها جرائم دولية أو داخلية؟ وكيف يمكن التفرقة بين الجريمة الدولية والداخلية؟
      ـ ما الحكم إذا كان الشاهد قاصرا وقت وقوع الجريمة؟
      ـ ما الصفة التي يحاكم بها صدام حسين ورفاقه. وما الهدف من إصرار الإدعاء فصل المحاكمة عن السياسة؟
      ـ هل يجوز وفقا للأصول الجزائية أن يكون المشتكي هو نفسه الشاهد.
      ـ هل يشترط أن تكون الشكوى من أصحاب الحق الشخصي ؟
      ـ قانونية انتقال المحكمة إلى المستشفى لأخذ شهادة أحد الشهود والذي توفي قبل عرض شهادته.
      ـ الصلاحيات الدستورية التي يملكها الرئيس صدام حسين.
      ـ قناعة القاضي الشخصية والقناعة القانونية.

      وإلى لقاء قريب في الحلقة القادمة,,,,



    • الـــــحـــــلـــقـــة الثـــــانيــــــــة

      أسعد الله جميع أوقاتكم

      نتابع في هذه الحلقة أيها الأعزاء بعض الأخطاء القانونية في هذه المحاكمة والتي حتما ستفيد فريق الدفاع عن المتهمين . .
      الدفع بعدم الاختصاص وعدم شرعية المحكمة:

      نلاحظ ومنذ البداية أن فريق الدفاع حدد وجهته وألمح في دفعه هذا اتجاها لنقل المحكمة لجنيف أو لاهاي وحتما سنده في ذلك الحق القانوني إذ رأى أن هذه المحكمة كونت بموجب قرار من الحاكم الاستعماري وليس من حقه إصدار ذلك وفقا للمبادئ الدولية التي تحدد سلطة المستعمر في البلد الضحية ( وحتما هذا دفع من صميم العمق القانوني وأشبه بمتراس منيع لا تستطيع محكمة تمتلك قرارها أن تتجاوزه دون الفصل فيه ) لأن الدفع بعدم الاختصاص دفع شكلي لابد من الفصل فيه قبل السير نحو الإجراءات الأخرى لأن ما بني على باطل حتما سيظل باطلا حتى لا تخلق المحكمة وضعا قانونيا يصعب إصلاحه لذا أي محكمة تواجه أمرا كهذا يكون عليها لزاما أن تفصل فيه وفقا للقانون طالما السيادة للقانون وطالما المقصد العدالة النزيهة وليس الحقد السياسي والظلم باسم القانون وتصفية الحسابات بسيف ألإجراءات الباطلة

      لـــذا التكييف القانوني الإجرائي لهذه المحاكمة يشوبه كثيرا من الغموض ويلوح في الأفق مبدأ تنازع القوانين في هذه الحالة لأن الطبيعية القانونية للقبض على صدام ورفاقه أيضا محل بحث هل هم أسرى حرب باعتبار أن الحرب مازالت قائمة في العراق باعتراف الرئيس الأمريكي ..

      ففريق الدفاع في وضع مهني متشابك حتى في طريقة بدء الإجراءات وتقديم الدفوع لجهة الاختصاص . . إن كان هناك اختصاص من أصله , وحتما وجود محامين مشهود لهم بالكفاءة في هذه المحاكمة يوضح لنا أن الاختصاص لن يكون منحصرا على القضاء العراقي بل المسألة أشمل من ذلك من حيث شرعية الاحتلال... ومبادئ الإسناد للقانون وتكييف الوقائع .

      أعزائي . . من أهم العوائق التي تعيق إجراء المحاكمة في العراق حماية المحامين والشهود .

      ففي حالة الارتباك النفسي .. والذهني تنعدم الطمأنينة ... ويتوجس اليقين الناطق بالحق وعنده يغيب مبدأ حق المتهم في أن ينال محاكمة عادلة كحق طبيعي نصت عليه كافة المواثيق والمعاهدات... فكيف تكون محاكمة عادلة ونزيهة... والظروف الأمنية التي تعيشها بغداد تجعل هم كل مواطن أن يحفظ حياته ليوم غدا.. لأن الأمن من الحاجات الأساسية للنفس البشرية والعدالة تأتي لاحقا فمثلا كيف يمكن لفريق الدفاع أن يجد الحرية في الحركة داخل العراق اليوم لإحضار شهوده ومستنداته في هذا الظرف ألأمني الرهيب ، والدليل على انعدام ألأمن وتأثيره على المحكمة ( شهادة الشهود من وراء حجاب ) وحتما ظرف كهذا سيتسبب في ضياع الحقوق إن كان المقصود الحق ،, لذا نرى أن أي فريق للدفاع تصادفه وقائع كهذه يكون قد نجح كثيرا حين يبين هذه المزالق للمحكمة.


      ولأننا لو ناقشنا مسألة دخول أمريكا للعراق فإنها قتلت الشرعية الدولية باحتلالها العراق استنادا لأسانيد مازال الرأي العام الأمريكي في كثيرا منه يرى فيها تضليل أعلامي .. وخداع سياسي . لذا ليس غريبا ... أن يصبح التحدي أمام القانون ... وضمير المحكمة وصناع السياسة والفصل بين القناعة السياسية ... أو بمعنى قانوني ( مبدأ الفصل بين السلطات ) والتدخلات السياسية فلو تم إعمال هذا المبدأ سيكون القانون حاضرا بقوة وحتما استقلال القضاء العراقي يكون سنده الأول خروج المستعمر حتى لا تكون شرعيته منقوصة أن لم تكن معدومة في هذا الظرف


      شهادة الشهود من وراء ستار

      في هذه المحكمة تكلم بعض الشهود من وراء ستار وتم تبرير ذلك لأسباب أمنية تتعلق بحماية الشهود وما نراه أن هذا أمر مرفوض .
      وتعليل ذلك بأن الأدلة في المحاكمات الجنائية إقناعية فيجب على القاضي الانتباه على وجه الشاهد وعلى حركاته فبعض تلميحات الوجه أو الحركات أثناء الإدلاء بالشهادة قد تدخل في نفس القاضي شكاً يجعله لا يقتنع بأقواله .
      كما أن فيها نوع من تضييع الحقيقة حيث أن مشاهدة القاضي للشاهد وهو يدلي بشهادته من أهم المسائل التي تناولها الفقه وبإسهاب شديد عند تناولهم لشروط تولي القضاء ومن أهم الشروط أن يكون القاضي مبصرا كما أن الحجاب الذي يحجب بين القاضي والشهود يحجب الحقيقة التي تجري من وراء الحجاب لعل الشاهد يدلي بأقوال مدونة أو هو غير الشاهد المعني .
      ورفعا للشبهات كان يمكن عرض الجلسات دون توجيه الكاميرا للشاهد لحمايته أو أن تكون الجلسات مغلقة للجمهور ويكفي بثه فقط فالعدالة أهم من الكسب الإعلامي .


      أيضا من المسائل المهمة في هذه المحاكمة هي مسألة عدم سريان القانون بأثر رجعي أي أن القانون الذي يحاكم به قانون لاحق للجرم المتهم به ، أي مدى قانونية المواد الذي يحاكم به النظام السابق . ومن المعروف أنه لا جريمة ولا عقاب بدون نص وفي حالة صدور قانون لاحق هل يحاكم بموجب القانون السابق أم اللاحق والعقوبة أيها تطبق السابقة أم اللاحقة .

      تمنياتي للجميع بأوقات ممتعة وإلى لقاء في الحلقة القادمة