جـ 18 /
الآيات المطلوبة هي :
1) قوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195)
وجاء في تفسير بداية الآية عند القرطبي ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
روى البخاري عن حذيفة : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : نزلت في النفقة , وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا القسطنطينية , وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد , والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة , فحمل رجل على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله , يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب : سبحان الله ! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه , قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها , فأنزل الله عز وجل : " وأنفقوا في سبيل الله " الآية , والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد , فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية , فقبره هناك , فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله , وأن الآية نزلت في ذلك . وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك .
قلت : وروى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران هذا الخبر بمعناه فقال : " كنا بمدينة الروم , فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم , فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر , وعلى أهل مصر عقبة بن عامر , وعلى الجماعة فضالة بن عبيد , فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم , فصاح الناس وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة , فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس , إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل , وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه , فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت , وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه , فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها , فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد عليه ما قلنا : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " . فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو , فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة , فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه , وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره , والله أعلم . قال ابن عباس : أنفق في سبيل الله , وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص , ولا يقولن أحدكم : لا أجد شيئا , ونحوه عن السدي : أنفق ولو عقالا , ولا تلقي بيدك إلى التهلكة فتقول : ليس عندي شيء , وقول ثالث قاله ابن عباس , وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج إلى الجهاد قام إليه أناس من الأعراب حاضرين بالمدينة فقالوا : بماذا نتجهز ! فوالله ما لنا زاد ولا يطعمنا أحد , فنزل قوله تعالى : " وأنفقوا في سبيل الله " يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل الله , يعني في طاعة الله . " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يعني ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا , وهكذا قال مقاتل , ومعنى ابن عباس : ولا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا , أي لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء , فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا , وقول رابع - قيل للبراء بن عازب في هذه الآية : أهو الرجل يحمل على الكتيبة ؟ فقال لا , ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ولا فائدة في التوبة , فييأس من الله فينهمك بعد ذلك في المعاصي , فالهلاك : اليأس من الله , وقال عبيدة السلماني . وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد , وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق , أو يكون عالة على الناس , فهذه خمسة أقوال . )
2) قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35)
وجاء في تفسيرها عند ابن كثير : ( ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة . ثم ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " وقال الفقهاء إذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق وتشوف الشارع إلى التوفيق. ولهذا قال تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الكاره الراضي . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين قال معمر بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا وقال أنبأنا ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت : تصير إلي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فضحك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما فقال معاوية ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما فقال علي للحكمين أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي وقال الزوج أما الفرقة فلا فقال علي كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك. رواه ابن أبي حاتم ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي مثله ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي به وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا وهو رواية عن مالك وقال الحسن البصري الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ومأخذهم قوله تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ولم يذكر التفريق , وأما إذا كانا وكيلين من جهة الحاكم فيحكمان وإن لم يرض الزوجان أو هما وكيلان من جهة الزوجين على قولين والجمهور على الأول لقوله تعالى " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه وهذا ظاهر الآية والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه الثاني منهما قول علي رضي الله عنه للزوج حين قال أما الفرقة فلا فقال كذبت حتى تقر بما أقرت به قالوا فلو كانا حكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج والله أعلم . قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا من غير توكيل .)
وقوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:128)
وجاء في تفسير الجلالين للآية : ( "وإن امرأة" مرفوع بفعل يفسره "خافت" توقعت "من بعلها" زوجها "نشوزا" ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها "أو إعراضا" عنها بوجهه "فلا جناح عليهما أن يصلحا" فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة يصلحا من: أصلح "بينهما صلحا" في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها "والصلح خير" من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان "وأحضرت الأنفس الشح" شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها "وإن تحسنوا" عشرة النساء "وتتقوا" الجور عليهن "فإن الله كان بما تعملون خبيرا" فيجازيكم به )
3) قوله تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17 ،22 ، 32 ، 40)
جاء في تفسير الطبري لهذه الآية: ( وقوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } يقول تعالى ذكره : ولقد سهلنا القرآن , بيناه وفصلناه للذكر , لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ , وهوناه . كما : 25354 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { يسرنا القرآن للذكر } قال : هوناه . 25355 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } قال : يسرنا : بينا . وقوله : { فهل من مدكر } يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر , وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيعان عليه , وذلك قريب المعنى مما قلناه , ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله ; لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره . ذكر من قال ذلك : 25356 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } يقول : فهل من طالب خير يعان عليه . * حدثنا الحسين بن علي الصدائي , قال : ثنا يعقوب , قال : ثني الحارث بن عبيد الإيادي قال : سمعت قتادة يقول في قول الله : { فهل من مدكر } قال : هل من طالب خير يعان عليه . 25357 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما , عن ابن شوذب , عن مطر , في قوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قال : هل من طالب علم فيعان عليه . )
4) قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114)
وجاء في تفسيرها عند القرطبي : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا
" ومن " رفع بالابتداء , و " أظلم " خبره , والمعنى لا أحد أظلم . و " أن " في موضع نصب على البدل من " مساجد " , ويجوز أن يكون التقدير : كراهية أن يذكر , ثم حذف . ويجوز أن يكون التقدير : من أن يذكر فيها , وحرف الخفض يحذف مع " أن " لطول الكلام . وأراد بالمساجد هنا بيت المقدس ومحاريبه . وقيل الكعبة , وجمعت لأنها قبلة المساجد أو للتعظيم . وقيل : المراد سائر المساجد , والواحد مسجد ( بكسر الجيم ) , ومن العرب من يقول : مسجد , ( بفتحها ) . قال الفراء : " كل ما كان على فعل يفعل , مثل دخل يدخل , فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا , ولا يقع فيه الفرق , مثل دخل يدخل مدخلا , وهذا مدخله , إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين , من ذلك : المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمرفق ( من رفق يرفق ) والمنبت والمنسك ( من نسك ينسك ) , فجعلوا الكسر علامة للاسم , وربما فتحه بعض العرب في الاسم " . والمسجد ( بالفتح ) : جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود . والآراب السبعة مساجد , قاله الجوهري .
واختلف الناس في المراد بهذه الآية وفيمن نزلت , فذكر المفسرون أنها نزلت في بخت نصر ; لأنه كان أخرب بيت المقدس . وقال ابن عباس وغيره : نزلت في النصارى , والمعنى كيف تدعون أيها النصارى أنكم من أهل الجنة ! وقد خربتم بيت المقدس ومنعتم المصلين من الصلاة فيه . ومعنى الآية على هذا : التعجب من فعل النصارى ببيت المقدس مع تعظيمهم له , وإنما فعلوا ما فعلوا عداوة لليهود . روى سعيد عن قتادة قال : أولئك أعداء الله النصارى . حملهم إبغاض اليهود على أن أعانوا بخت نصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس . وروي أن هذا التخريب بقي إلى زمن عمر رضي الله عنه . وقيل : نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبي صلى الله عليه وسلم , وصدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية . وقيل : المراد من منع من كل مسجد إلى يوم القيامة , وهو الصحيح ; لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع , فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف , والله تعالى أعلم .
خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصر والنصارى بيت المقدس على ما ذكر أنهم غزوا بني إسرائيل مع بعض ملوكهم - قيل : اسمه نطوس بن اسبيسانوس الرومي فيما ذكر الغزنوي - فقتلوا وسبوا , وحرقوا التوراة , وقذفوا في بيت المقدس العذرة وخربوه . ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام , وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها .
قال علماؤنا : ولهذا قلنا لا يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت صرورة , سواء كان لها محرم أو لم يكن , ولا تمنع أيضا من الصلاة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة , وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ولذلك قلنا : لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة , ولا يمنع بناء المساجد إلا أن يقصدوا الشقاق والخلاف , بأن يبنوا مسجدا إلى جنب مسجد أو قربه , يريدون بذلك تفريق أهل المسجد الأول وخرابه واختلاف الكلمة , فإن المسجد الثاني ينقض ويمنع من بنيانه , ولذلك قلنا : لا يجوز أن يكون في المصر جامعان , ولا لمسجد واحد إمامان , ولا يصلي في مسجد جماعتان . وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في سورة " براءة " إن شاء الله تعالى , وفي " النور " حكم المساجد وبنائها بحول الله تعالى . ودلت الآية أيضا على تعظيم أمر الصلاة , وأنها لما كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجرا كان منعها أعظم إثما .
كل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له يسمى مسجدا , قال صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) , أخرجه الأئمة . وأجمعت الأمة على أن البقعة إذا عينت للصلاة بالقول خرجت عن جملة الأملاك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين , فلو بنى رجل في داره مسجدا وحجزه على الناس واختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حد المسجدية , ولو أباحه للناس كلهم كان حكمه حكم سائر المساجد العامة , وخرج عن اختصاص الأملاك .
أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ
أولئك مبتدأ وما بعده خبره . " خائفين " حال , يعني إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يتمكن الكافر حينئذ من دخولها . فإن دخلوها , فعلى خوف من إخراج المسلمين لهم , وتأديبهم على دخولها . وفي هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال , على ما يأتي في " براءة " إن شاء الله تعالى . ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان بعد بناء عمر بيت المقدس في الإسلام لا يدخله نصراني إلا أوجع ضربا بعد أن كان متعبدهم . ومن جعلها في قريش قال : كذلك نودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا لا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان ) . وقيل : هو خبر ومقصوده الأمر , أي جاهدوهم واستأصلوهم حتى لا يدخل أحد منهم المسجد الحرام إلا خائفا , كقوله : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله " [ الأحزاب . 53 ] فإنه نهي ورد بلفظ الخبر .
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
قيل القتل للحربي , والجزية للذمي , عن قتادة . السدي : الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي , وفتح عمورية ورومية وقسطنطينية , وغير ذلك من مدنهم , على ما ذكرناه في كتاب التذكرة . ومن جعلها في قريش جعل الخزي عليهم في الفتح , والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافرا .)
الآيات المطلوبة هي :
1) قوله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:195)
وجاء في تفسير بداية الآية عند القرطبي ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
روى البخاري عن حذيفة : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " قال : نزلت في النفقة , وروى يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال : غزونا القسطنطينية , وعلى الجماعة عبد الرحمن بن الوليد , والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة , فحمل رجل على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله , يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب : سبحان الله ! أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه , قلنا : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها , فأنزل الله عز وجل : " وأنفقوا في سبيل الله " الآية , والإلقاء باليد إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد , فلم يزل أبو أيوب مجاهدا في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية , فقبره هناك , فأخبرنا أبو أيوب أن الإلقاء باليد إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله , وأن الآية نزلت في ذلك . وروي مثله عن حذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك .
قلت : وروى الترمذي عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران هذا الخبر بمعناه فقال : " كنا بمدينة الروم , فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم , فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر , وعلى أهل مصر عقبة بن عامر , وعلى الجماعة فضالة بن عبيد , فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم , فصاح الناس وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة , فقام أبو أيوب الأنصاري فقال : يا أيها الناس , إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل , وإنما أنزلت هذه الآية فينا معاشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه , فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت , وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه , فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها , فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد عليه ما قلنا : " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " . فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو , فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقال حذيفة بن اليمان وابن عباس وعكرمة وعطاء ومجاهد وجمهور الناس : المعنى لا تلقوا بأيديكم بأن تتركوا النفقة في سبيل الله وتخافوا العيلة , فيقول الرجل : ليس عندي ما أنفقه , وإلى هذا المعنى ذهب البخاري إذ لم يذكر غيره , والله أعلم . قال ابن عباس : أنفق في سبيل الله , وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص , ولا يقولن أحدكم : لا أجد شيئا , ونحوه عن السدي : أنفق ولو عقالا , ولا تلقي بيدك إلى التهلكة فتقول : ليس عندي شيء , وقول ثالث قاله ابن عباس , وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر الناس بالخروج إلى الجهاد قام إليه أناس من الأعراب حاضرين بالمدينة فقالوا : بماذا نتجهز ! فوالله ما لنا زاد ولا يطعمنا أحد , فنزل قوله تعالى : " وأنفقوا في سبيل الله " يعني تصدقوا يا أهل الميسرة في سبيل الله , يعني في طاعة الله . " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " يعني ولا تمسكوا بأيديكم عن الصدقة فتهلكوا , وهكذا قال مقاتل , ومعنى ابن عباس : ولا تمسكوا عن الصدقة فتهلكوا , أي لا تمسكوا عن النفقة على الضعفاء , فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلبكم العدو فتهلكوا , وقول رابع - قيل للبراء بن عازب في هذه الآية : أهو الرجل يحمل على الكتيبة ؟ فقال لا , ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه ويقول : قد بالغت في المعاصي ولا فائدة في التوبة , فييأس من الله فينهمك بعد ذلك في المعاصي , فالهلاك : اليأس من الله , وقال عبيدة السلماني . وقال زيد بن أسلم : المعنى لا تسافروا في الجهاد بغير زاد , وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق , أو يكون عالة على الناس , فهذه خمسة أقوال . )
2) قوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35)
وجاء في تفسيرها عند ابن كثير : ( ذكر الحال الأول وهو إذا كان النفور والنشوز من الزوجة . ثم ذكر الحال الثاني وهو إذا كان النفور من الزوجين فقال تعالى " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " وقال الفقهاء إذا وقع الشقاق بين الزوجين أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة ينظر في أمرهما ويمنع الظالم منهما من الظلم فإن تفاقم أمرهما وطالت خصومتهما بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة وثقة من قوم الرجل ليجتمعا فينظرا في أمرهما ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق وتشوف الشارع إلى التوفيق. ولهذا قال تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ورجلا مثله من أهل المرأة فينظران أيهما المسيء فإن كان الرجل هو المسيء حجبوا عنه امرأته وقصروه على النفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة قصروها على زوجها ومنعوها النفقة فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضي أحد الزوجين وكره الآخر ثم مات أحدهما فإن الذي رضي يرث الذي لم يرض ولا يرث الكاره الراضي . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن عكرمة بن خالد عن ابن عباس قال بعثت أنا ومعاوية حكمين قال معمر بلغني أن عثمان بعثهما وقال لهما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا وقال أنبأنا ابن جريج حدثني ابن أبي مليكة أن عقيل بن أبي طالب تزوج فاطمة بنت عتبة بن ربيعة فقالت : تصير إلي وأنفق عليك فكان إذا دخل عليها قالت أين عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فقال على يسارك في النار إذا دخلت فشدت عليها ثيابها فجاءت عثمان فذكرت له ذلك فضحك فأرسل ابن عباس ومعاوية فقال ابن عباس لأفرقن بينهما فقال معاوية ما كنت لأفرق بين شخصين من بني عبد مناف فأتياهما فوجداهما قد أغلقا عليهما أبوابهما فرجعا وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما فقال علي للحكمين أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما فقالت المرأة رضيت بكتاب الله لي وعلي وقال الزوج أما الفرقة فلا فقال علي كذبت والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله عز وجل لك وعليك. رواه ابن أبي حاتم ورواه ابن جرير عن يعقوب عن ابن علية عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي مثله ورواه من وجه آخر عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي به وقد أجمع العلماء على أن الحكمين لهما الجمع والتفرقة حتى قال إبراهيم النخعي إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاث فعلا وهو رواية عن مالك وقال الحسن البصري الحكمان يحكمان في الجمع لا في التفرقة وكذا قال قتادة وزيد بن أسلم وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود ومأخذهم قوله تعالى " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ولم يذكر التفريق , وأما إذا كانا وكيلين من جهة الحاكم فيحكمان وإن لم يرض الزوجان أو هما وكيلان من جهة الزوجين على قولين والجمهور على الأول لقوله تعالى " فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها " فسماهما حكمين ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه وهذا ظاهر الآية والجديد من مذهب الشافعي وهو قول أبي حنيفة. وأصحابه الثاني منهما قول علي رضي الله عنه للزوج حين قال أما الفرقة فلا فقال كذبت حتى تقر بما أقرت به قالوا فلو كانا حكمين لما افتقر إلى إقرار الزوج والله أعلم . قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر وأجمع العلماء على أن الحكمين إذا اختلف قولهما فلا عبرة بقول الآخر وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع وإن لم يوكلهما الزوجان واختلفوا هل ينفذ قولهما في التفرقة ثم حكي عن الجمهور أنه ينفذ قولهما فيها أيضا من غير توكيل .)
وقوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:128)
وجاء في تفسير الجلالين للآية : ( "وإن امرأة" مرفوع بفعل يفسره "خافت" توقعت "من بعلها" زوجها "نشوزا" ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها "أو إعراضا" عنها بوجهه "فلا جناح عليهما أن يصلحا" فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد وفي قراءة يصلحا من: أصلح "بينهما صلحا" في القسم والنفقة بأن تترك له شيئا طلبا لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها "والصلح خير" من الفرقة والنشوز والإعراض قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان "وأحضرت الأنفس الشح" شدة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها "وإن تحسنوا" عشرة النساء "وتتقوا" الجور عليهن "فإن الله كان بما تعملون خبيرا" فيجازيكم به )
3) قوله تعالى : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر:17 ،22 ، 32 ، 40)
جاء في تفسير الطبري لهذه الآية: ( وقوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } يقول تعالى ذكره : ولقد سهلنا القرآن , بيناه وفصلناه للذكر , لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ , وهوناه . كما : 25354 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , وحدثني الحارث , قال : ثنا الحسن , قال : ثنا ورقاء جميعا , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { يسرنا القرآن للذكر } قال : هوناه . 25355 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر } قال : يسرنا : بينا . وقوله : { فهل من مدكر } يقول : فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر , وقد قال بعضهم في تأويل ذلك : هل من طالب علم أو خير فيعان عليه , وذلك قريب المعنى مما قلناه , ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله ; لأن ذلك هو الأغلب من معانيه على ظاهره . ذكر من قال ذلك : 25356 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } يقول : فهل من طالب خير يعان عليه . * حدثنا الحسين بن علي الصدائي , قال : ثنا يعقوب , قال : ثني الحارث بن عبيد الإيادي قال : سمعت قتادة يقول في قول الله : { فهل من مدكر } قال : هل من طالب خير يعان عليه . 25357 - حدثنا علي بن سهل , قال : ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما , عن ابن شوذب , عن مطر , في قوله : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قال : هل من طالب علم فيعان عليه . )
4) قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (البقرة:114)
وجاء في تفسيرها عند القرطبي : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا
" ومن " رفع بالابتداء , و " أظلم " خبره , والمعنى لا أحد أظلم . و " أن " في موضع نصب على البدل من " مساجد " , ويجوز أن يكون التقدير : كراهية أن يذكر , ثم حذف . ويجوز أن يكون التقدير : من أن يذكر فيها , وحرف الخفض يحذف مع " أن " لطول الكلام . وأراد بالمساجد هنا بيت المقدس ومحاريبه . وقيل الكعبة , وجمعت لأنها قبلة المساجد أو للتعظيم . وقيل : المراد سائر المساجد , والواحد مسجد ( بكسر الجيم ) , ومن العرب من يقول : مسجد , ( بفتحها ) . قال الفراء : " كل ما كان على فعل يفعل , مثل دخل يدخل , فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا , ولا يقع فيه الفرق , مثل دخل يدخل مدخلا , وهذا مدخله , إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين , من ذلك : المسجد والمطلع والمغرب والمشرق والمسقط والمفرق والمجزر والمسكن والمرفق ( من رفق يرفق ) والمنبت والمنسك ( من نسك ينسك ) , فجعلوا الكسر علامة للاسم , وربما فتحه بعض العرب في الاسم " . والمسجد ( بالفتح ) : جبهة الرجل حيث يصيبه ندب السجود . والآراب السبعة مساجد , قاله الجوهري .
واختلف الناس في المراد بهذه الآية وفيمن نزلت , فذكر المفسرون أنها نزلت في بخت نصر ; لأنه كان أخرب بيت المقدس . وقال ابن عباس وغيره : نزلت في النصارى , والمعنى كيف تدعون أيها النصارى أنكم من أهل الجنة ! وقد خربتم بيت المقدس ومنعتم المصلين من الصلاة فيه . ومعنى الآية على هذا : التعجب من فعل النصارى ببيت المقدس مع تعظيمهم له , وإنما فعلوا ما فعلوا عداوة لليهود . روى سعيد عن قتادة قال : أولئك أعداء الله النصارى . حملهم إبغاض اليهود على أن أعانوا بخت نصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس . وروي أن هذا التخريب بقي إلى زمن عمر رضي الله عنه . وقيل : نزلت في المشركين إذ منعوا المصلين والنبي صلى الله عليه وسلم , وصدوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية . وقيل : المراد من منع من كل مسجد إلى يوم القيامة , وهو الصحيح ; لأن اللفظ عام ورد بصيغة الجمع , فتخصيصها ببعض المساجد وبعض الأشخاص ضعيف , والله تعالى أعلم .
خراب المساجد قد يكون حقيقيا كتخريب بخت نصر والنصارى بيت المقدس على ما ذكر أنهم غزوا بني إسرائيل مع بعض ملوكهم - قيل : اسمه نطوس بن اسبيسانوس الرومي فيما ذكر الغزنوي - فقتلوا وسبوا , وحرقوا التوراة , وقذفوا في بيت المقدس العذرة وخربوه . ويكون مجازا كمنع المشركين المسلمين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام , وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإسلام فيها خراب لها .
قال علماؤنا : ولهذا قلنا لا يجوز منع المرأة من الحج إذا كانت صرورة , سواء كان لها محرم أو لم يكن , ولا تمنع أيضا من الصلاة في المساجد ما لم يخف عليها الفتنة , وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) ولذلك قلنا : لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة , ولا يمنع بناء المساجد إلا أن يقصدوا الشقاق والخلاف , بأن يبنوا مسجدا إلى جنب مسجد أو قربه , يريدون بذلك تفريق أهل المسجد الأول وخرابه واختلاف الكلمة , فإن المسجد الثاني ينقض ويمنع من بنيانه , ولذلك قلنا : لا يجوز أن يكون في المصر جامعان , ولا لمسجد واحد إمامان , ولا يصلي في مسجد جماعتان . وسيأتي لهذا كله مزيد بيان في سورة " براءة " إن شاء الله تعالى , وفي " النور " حكم المساجد وبنائها بحول الله تعالى . ودلت الآية أيضا على تعظيم أمر الصلاة , وأنها لما كانت أفضل الأعمال وأعظمها أجرا كان منعها أعظم إثما .
كل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له يسمى مسجدا , قال صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) , أخرجه الأئمة . وأجمعت الأمة على أن البقعة إذا عينت للصلاة بالقول خرجت عن جملة الأملاك المختصة بربها وصارت عامة لجميع المسلمين , فلو بنى رجل في داره مسجدا وحجزه على الناس واختص به لنفسه لبقي على ملكه ولم يخرج إلى حد المسجدية , ولو أباحه للناس كلهم كان حكمه حكم سائر المساجد العامة , وخرج عن اختصاص الأملاك .
أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ
أولئك مبتدأ وما بعده خبره . " خائفين " حال , يعني إذا استولى عليها المسلمون وحصلت تحت سلطانهم فلا يتمكن الكافر حينئذ من دخولها . فإن دخلوها , فعلى خوف من إخراج المسلمين لهم , وتأديبهم على دخولها . وفي هذا دليل على أن الكافر ليس له دخول المسجد بحال , على ما يأتي في " براءة " إن شاء الله تعالى . ومن جعل الآية في النصارى روى أنه مر زمان بعد بناء عمر بيت المقدس في الإسلام لا يدخله نصراني إلا أوجع ضربا بعد أن كان متعبدهم . ومن جعلها في قريش قال : كذلك نودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا لا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان ) . وقيل : هو خبر ومقصوده الأمر , أي جاهدوهم واستأصلوهم حتى لا يدخل أحد منهم المسجد الحرام إلا خائفا , كقوله : " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله " [ الأحزاب . 53 ] فإنه نهي ورد بلفظ الخبر .
لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
قيل القتل للحربي , والجزية للذمي , عن قتادة . السدي : الخزي لهم في الدنيا قيام المهدي , وفتح عمورية ورومية وقسطنطينية , وغير ذلك من مدنهم , على ما ذكرناه في كتاب التذكرة . ومن جعلها في قريش جعل الخزي عليهم في الفتح , والعذاب في الآخرة لمن مات منهم كافرا .)