الجنس في فردوس امريكا المزيف-غشاء البكاره, منظومة قيم

    • الجنس في فردوس امريكا المزيف-غشاء البكاره, منظومة قيم

      اخترت لكم هذا
      من كتاب " الفردوس المستعار و الفردوس المستعاد"
      للدكتور أحمد خيري العمري
      akomari70@yahoo.com

      غشاء البكارة؟ لم لا؟
      سيقولون، إظهر وبان على حقيقتك، بعد كل اللف والدوران، ها أنت مثل كل الآخرين، تعير الغربيين بما تعتبره أنت عار، وتترك كل محاسن حضارتهم وتركز على مثلبة واحدة: الجنس!، بل أنك تركز على ما تعده أنت مثلبة، وفق مفاهيمك المرتكزة على المنظومة الدينية.. أما هم، فهم سعداء بهذا ولا يبدون منزعجين لما يدور عندهم..
      سيقولون :كلكم هكذا، سيقولون، أنتم الإسلاميون، مهما بدوتم مختلفين، ومهما تحدثتم بأسلوب مختلف.. كلكم في النهاية لا يهمكم إلا غشاء البكارة..
      **************
      أريد أن لا أكون مختلفاً هنا، وأنا أقول، بل وأنا أصرخ في وجه ذلك الإعصار القادم من هناك: نعم، غشاء البكارة مهم. ولن أسمح، لأي إعصار من القيم الأخرى، أن يخترق هذا الغشاء ويمزقه..
      نعم، غشاء البكارة مهم.ذلك إنه ليس مجرد غشاء . إنه مجموعة قيم ومنظومة أخلاقية متكاملة، يرتبط فيها الفرد بالمجتمع بروابط العفة والإخلاص والعائلة..
      غشاء البكارة مهم، وهو ليس مجرد غشاء رابط،و الكيفية التي يتمزق بها، تعبر عن أشياء أعمق بكثير من مجرد التمزق والنزيف الذي يحصل عندها..
      إنها قيم كاملة، منظومة متكاملة من القيم الأخلاقية غشاء البكارة يعبر عنها، إنه لم يخلق هكذا إعتباطاً، ولم ينشأ بيولوجيا دونما غرض.
      غشاء البكارة ليس (زائدة دودية)، إنتفت الحاجة إليها مع تطور أنواع الأغذية- فضمرت وإضمحلت وصارت بلا وظيفة..
      لقد بقي!. رغم كل الإحصاءات، ورغم كل هذا المشاع الجنسي، بقي موجوداً.. ولا يزلن الإناث يولدن عذراوات..
      أقف بوجه الإعصار، وبوجه من يقول (لا تهتمون إلا لغشاء البكارة)..
      .. وأصرخ، غشاء البكارة ،نعم. لأنه أكثر من مجرد غشاء
      ..
      ***************
      ولست هنا أنادي بعفة المرأة مقابل السماح بحرية جنسية للرجل..
      فغشاء البكارة- الإجتماعي- لا يعني أن المرأة عفيفة فقط.. ذلك أن فض البكارة يتطلب إثنان، رجل وإمرأة..
      والحفاظ عليه، يعني أن العفة سائدة بين الجنسين.
      ********************
      سيقولون، مطمئنين، كلا، لن تصل الأمور الى هذا الحد. تقاليدنا ثابتة وراسخة، مهما لبسنا و(تمدننا)-!-، ومهما تابعت بناتنا ونسوتنا الموضة، ومهما أخذنا من مظاهر الحياة الأمريكية وإستمتعنا بها.. مع ذلك كله، ورغم ذلك كله، سيبقى حصن الشرف إياه حصيناً لا يمسه أحد..
      نعم، هكذا سيقولون، كله إلا غشاء البكارة،..
      *******************
      انها العولمة فأنتبهوا: الارقام تصدر ايضا ايها السادة..
      و"كله إلا غشاء البكارة" سيكون معناه أن هناك عمليات جنسية أخرى (شاذة غالباً) ستجري. وأن غشاء البكارة –كغشاء بيولوجي- سيكون سليماً، لكن منظومة القيم الأخلاقية ستكون قد إنتهكت..
      عندما نأخذ نمط الحياة، بكل محفزاتها ودوافعها، بكل البريق والوهج الذي يدفع نحو (المتعة، الآن، وهنا).. ونتصور أن بإمكاننا التوفيق مع مفاهيم الشرف، والمحافظة على غشاء البكارة، فإننا لا نخدع إلا انفسنا (.. ولوقت بسيط جداً).. ستكون هناك تلك العمليات الشاذة(الجارية حاليا كجزء من انحلالنا الذي لا توثقه احصاءات)، وربما سيكون هناك بعض الترقيع الجراحي لحل المشكلة..
      لكن في النهاية، هذا التوفيق لن ينفع..
      وسيطلع علينا إحصاء، يكشف الأمر، ويوثقه..
      *********************
      .. عندما تنتهك القيم، وتدنس، وتستبدل..
      نتوقع، أن غشاء البكارة، سيدنس، وينتهك.
      ولو بعد حين..
      *************************

      أتوقف عن الصراخ الآن.
      وألجأ الى الهمس.. أفكر ببناتي، وبنات الآخرين، أفكر أيضاً بأولادي.. وبأولاد الآخرين. فالأمر يتطلب إثنان دوماً، الزنا يتطلب إثنان، والعفة كذلك، تتطلب أن تكون الإناث عفيفات والذكور كذلك.
      .. أهمس بدعاء من أجل الستر، على الجميع.. من أجل أن لا تكون أرقام الجيل القادم مثل أرقام الفردوس المستعار..
      تذكروا أنه قبل مائة عام فقط، كانت أمريكا بلداً محافظاً جداً.
      ***************
      .. ولأن الرقم يجر رقماً، فقد إنتهت إحصاءات المتعة والحرية الجنسية الى نتائج إجتماعية خطيرة- هدمت من بنية الأسرة التقليدية دون أن تقدم بديلاً لها..
      .. بعد أن تنتهي اللذة العابرة، والجنس العابر، والمتعة، الآن وهنا، يحدث أن ينتج (طفل) عن تلك اللحظة الممتعة العابرة..
      تروح السكرة، وتأتي العبرة، رغم كل التعليمات والتحوطات ووسائل منع الحمل.. تأبى سنة البيولوجيا إلا أن تفرض نفسها على الأرقام ويحدث الحمل..
      **************
      ما بعد اللذة: طفل يصرخ
      ما كان متعارفاً على تسميته بطفل (غير شرعي) في النصف الأول من القرن العشرين، صار إسمه بالتدريج (خارج نطاق الزواج) ((out of wedlock، أو غير زوجي (non-martial birth) .. هذا التغيير في التسمية لا يعكس تغييراً في الفكرة لتلك الولادات فحسب، بل يعكس زيادة عدد تلك تلك الولادات الى الحد الذي صارت تعد أمراً طبيعياً جداً.
      ومن المؤكد أن تعبير (طفل غير شرعي) لم يعد لها معنى، إذ إن ما هو شرعي، وما هو غير شرعي، تعرض لمعايير جديدة لا يمكن أن تنتمي لأي شرعية، بأي شكل من الأشكال.
      ******************
      بشكل عام، إرتفعت أرقام الولادات غير الشرعية من 5% فقد عام 1960 الى 32.6% عام 1994..، وظلت تواجه صعوداً في كل الأعراق المكونة للنسيج الاجتماعي في الفردوس المستعار كل سنة تالية.
      [1]
      معدلات الزواج أيضاً شهدت إنخفاضاً فبعد أن كانت تتراوح بين 92-148 (إمرأة فوق سن الزواج) من كل ألف إمرأة – وصلت عام 1995 الى رقم قياسي في الإنخفاض بالرقم 51، وعام 1996 كسرت هذا الرقم بالهبوط الى رقم 50..
      مع بداية القرن الجديد شهدت أعداد أولئك الذين لم يتزوجوا قط إرتفاعاً تاريخياً، ثلث الرجال، وربع النساء، في عام 2000 ميلادية.. في الفردوس المستعار- لم يتزوجوا قط (أي أن هذا لا يشمل الأعداد الهائلة للمطلقين..)
      *******************
      ومع كل هذه الأرقام، نستطيع أن نتخيل كيف أن شكل العائلة الأمريكية (التي غزت أفكارنا بنموذج السيارة والزوج والزوجة في المقعد الأمامي والأطفال في الخلف) تغير تماماً..
      في الستينات، العائلة التقليدية (المكونة من زوج وزوجة وأطفال) شكلت 75% من كل العوائل (households)...
      مع عام 2000،نسبة العائلة التقليدية هبطت بنسبتها الى 53% (يشمل هذا طبعاً أن يكون الزوج هو ذكر آخر غير الأب البيولوجي للأطفال.لكن مجرد وجود رجل وإمرأة وأطفال يجعل هذه العائلة في الخانة التقليدية ..و يشمل هذا ان لا يكون هناك زواج قانوني يربط بين الاثنين)..
      مقابل هذا الهبوط، نشأت مفاهيم جديدة، فرضت نفسها بقوة على الإحصاءات، منها مفهوم المنزل غير العائلي (non family household) – أي منزل يعيش فيه شخص لوحده، وبلغت نسبته 31%، وظهرت بقوة العائلة المكونة من والد واحد مع الأطفال (single parent family) وممكن أن يكون هذا الوالد هو الأم، أو الأب..و نسبة هذا النوع بلغت 27%..
      [2]
      (وها هم يبشروننا الآن، بالعائلة الجديدة، المكونة من زوجين شاذين، قد يكونان رجلين، أو إمرأتين..، مع أطفال متبنين- أتصور أن تركهم يرتعون في الشارع أفضل بكثير من مصير عائلة مرعبة الأم والأب فيها رجلان من قوم لوط..).
      إنها صورة مرعبة. وهي الناتج النهائي- الذي لم يكن في الحسبان ساعة الشهوة، ساعة (الآن .. وهنا..).
      **************
      "ما هو الاب؟"
      أتذكر الآن نكتة كلاسيكية عن صورة العائلة الأمريكية.
      طفل صغير، خمس سنوات أو أكثر، يتهجأ إعلاناً عن الإحتفال بيوم الأب fathers day، تبدو عليه الحيرة وهو يسأل، بكل بساطة "what is a father?"..
      ما هو "الأب"؟.
      **************
      هل ضحكتم؟.
      سأفترض ذلك.
      (سأفترض أيضاً أنني ضحكت قليلاً..).
      لكن لا شيء هناك يضحك في هذه النكتة، لو فكرنا أنها ستحدث عندنا..
      لن نضحك، لو أننا فكرنا أن واحداً من أحفادنا، بعد جيلين، سيسأل ذلك السؤال..
      "ما هو الأب؟".
      لن نضحك، لو تذكرنا أن أمريكا، التي تسخر منها النكتة، كانت محافظة جداً قبل مائة سنة من الآن.
      لن نضحك، لو فكرنا، أن روافد هذه النكتة، وخلفياتها، قد تسربت إلينا، سارت في نمط حياتنا.. دون أن نشعر.. دون أن نعي.
      لن نضحك، لو تذكرنا، لو إنتبهنا الى تلك الدبابة الأمريكية التيمرت للتو أمامي، في قلب عاصمة (الخلافة!)..- لم تأت تلك الدبابة من أجل النفط فقط، كما يحلو لنا أننتوهم، ولا من أجل الديمقراطية كما يزعمون، ولكنها القيم.. القيم..
      .. سأعيد النكتة الآن، وأفترض أنكم لن تضحكوا هذه المرة، طفل صغير، خمس سنوات أو أكثر، يتهجأ إعلاناً..
      .. "ما هو الأب"؟.
      ***************
      .. أكرر هنا أني لست بصدد تعداد هذه الأرقام من أجل تعيير الغربيين عموماً والأمريكيين خصوصاً بها. هذا شأنهم وحدهم. يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون بأنفسهم سواء مارسوا الجنس مع أمثالهم أو مع محارمهم أو مع جثث موتاهم- لا شأن لي بهذا، إنما الأمر، أن هذه الأرقام معرضة للتصدير لنا، فالأمركة هي مجموعة من القيم قد تؤدي ضمن ما تؤدي اليه الى هذه الأرقام.. لا يمكن أن نفصل حقاً بين نتائج نريدها ونتائج أخرى (لا نريدها)..

      ***************
      منقول من كتاب "الفردوس المستعار و الفردوس المستعاد" الدكتور أحمد خيري العمري
      دار الفكر دمشق 2006