الهجرة ودورها في التمازج العربي الأفريقي
تعددت حلقات التمازج العربي الأفريقي ، وتنوعت وشائجه الموغلة في القدم ، وتفردت كل منها بخصائص وسمات مميزة . ويتناول هذا المقال ظاهرة الهجرة ودورها في التمازج العربي الأفريقي .
لقد لعبت تحركات المجموعات البشرية وهجرتها دوراً هاماً في صياغة العلاقات العربية الأفريقية ، وساهمت بشكل فعال في انتشار الإسلام والثقافة العربية في القارة الأفريقية . ونستعرض فيما يلي جانبا من التحركات والهجرات التي حدثت بعد ظهور الإسلام ، وجسدت التلاحم العربي الأفريقي .
أولاً – شرق أفريقيا وبلاد النوبة
تعتبر هجرة المسلمين إلى الحبشة أول اتصال بين العرب ومنطقة شرق أفريقيا بعد ظهور الإسلام . فقد أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم – على أصحابه بالهجرة بعدما اشتد أذى قريش لهم ، وعظمة معاناتهم وفتنتهم في دينهم .
ان اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكمته وبعد نظرهالحبشة مكاناً وملاذاً لاصحابه ، عند ملكاً لا يظلم عنده أحد يدفع إلى القول : ان الهجرة إلى الحبشة لم تكن ردة فعل ارتجالية متعجلة من طرف الرسول - صلى الله عليه وسلم – بل كانت عملاً مدروساً يستند إلى التاريخ ، وعمق العلاقة بين العرب وبلاد الحبشة .
وقد تمت الهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة ، ويشير ذلك إلى أن العلاقات والاتصالات بين بلاد العرب ، وبلاد الحبشة وثيقة وعميقة لدرجة تجعل كل من المنطقتين عمقاً استراتيجياً للأخرى "[1]".
ويقال ان ود بن هشام المخزومي خرج مغاضباً صحبة قبيلته من الحجاز ، استياءً من بعض سياسات الخليفة عمر بن الخطاب ؛ فكان أول مسلم سمع به مهاجراً ومستقراً في بلاد الحبشة . واليه تنسب الإمارة التي أقامها العرب في إقليم شوا بجنوب هضبة الحبشة في أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي . وربما شجع قيام إمارة بني مخزوم على استيطان العرب في تلك الأنحاء ، وتوطيد العلاقات الودية مع البلاد العربية"[2]" .
لقد أدت الصراعات السياسية التي عصفت بالدولة العربية - بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان - إلى دفع الإطراف المغلوبة عسكرياً وسياسياً للهجرة نحو أفريقيا فراراً من ملاحقة الدولة الأموية"[3]" ؛ فصارت أفريقيا مستقراً وموطناً للمناوئين للسلطة القائمة .
ويكاد يجمع المؤرخون على أن أولى الهجرات العربية الجماعية الاستيطانية الكبرى إلى شرق أفريقيا بعد الإسلام حدثت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ( 65 – 85 هـ / 685_705 م ) ويردون ذلك إلى إتباع عبد الملك سياسة قبلية في شبه الجزيرة العربية تقوم على الاستعانة ببعض القبائل على الأخرى . بينما يرى صاحب كتاب بلاد القرن الإفريقي ان ضربات عبد الملك المتوالية للخوارج حول كل من البصرة وبلاد فارس ؛ دفعتهم للانسحاب إلى عمان أولاً ثم طاردتهم جيوشه ففروا إلى شرق أفريقيا . واستطاع عبد الملك بن مروان القضاء على حركة عبد الله بن الزبير في مكة عام 73 هـ ، وحركة عبد الرحمن بن الأشعث ، الذي قتل عام 85 هـ ، فهاجر أنصار الحركتين خارج مناطق سيادة الدولة الأموية ؛ الأمر الذي أمد بلاد الشرق الأفريقي بالكثير من المجموعات الخاسرة وكانت في الغالب من الخوارج والشيعة ."[4]"
كما قصدت شرق أفريقيا ، في الفترة من (75 _ 85 هـ / 694-704 م ) ، هجرة خرجت من عمان بقيادة الأخوين سليمان وسعيد بن عباد الجلندي من قبيلة الازد العمانية ؛ اثر تغلب قوات الاموين عليهم بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي ، ونزلوا في [ لامو ] عند الطرف الجنوبي للصومال . ويعتقد أن ما يعرف اليوم في الصومال بقبيلة [ جلدي ] هي نفسها قبيلة الجلنديين العمانية ، وان [ جلدي ] هو تحريف لكلمة [ جلندي ] العربية "[5]".
ويذكر ان جماعات من عرب هوازن عبرت البحر الأحمر في نهاية القرن السابع الميلادي ، واستقرت في أرض البجاة حيث عرفوا باسم الحلانقة "[6]".
إن الأحداث التي تعاقبت على الخلافة أدت إلى ظهور الفرق الدينية ، والسياسية ، والمضطهدة من الدولة ؛ وساهمت في توالي الهجرات العربية إلى أفريقيا الشرقية ، فقصدت جماعة من أنصار الإمام العلوي زيد بن الحسن بن علي شواطئ شرق أفريقيا ، حيث استقروا وغيرهم ممن عارض الحكومات المتتالية ، وأسسوا إمارات على الساحل الصومالي"[7]".
لقد استقر الزيدية بالقرب من مقديشو ، ولعل كلمة [ اموزيدج ] التى كانت تطلق على طائفة من العرب في أفريقيا هي تحريف لكلمة [ الزيدية ] . وظل الزيدية مسيطرين على ساحل بنادر الصومال حتى قدمت هجرة عربية أخرى من إقليم الإحساء ، حيث نزحت في القرن العاشر الميلادي ، اثر الصراع بين الخلافة والقرامطة ، جماعات من سكان الشاطئ الغربي للخليج العربي تحت زعامة أخوة من قبيلة الحارث العربية ، واستوطنت الساحل الصومالي عند مقديشو وبراوة ، وكان لهذه الهجرة اثر عميق في تاريخ المنطقة . وبسبب اختلاف المذاهب بين الزيدية الشيعة ، وبني الحارث السنيون فضل الزيدية الانسحاب إلى الداخل الأفريقي ، واختلطوا بالصوماليين واندمجوا فيهم ، وتزاوجوا معهم ، وحدثت عملية انصهار كبرى بين الجانبين "[8]" . وعملت هذه الهجرات على إضفاء الصبغة العربية الإسلامية على منطقة شرق أفريقيا .
ولما قوض العباسيون الدولة الأموية عام 132 هـ اتبعوا ذلك بمطاردة الأمويين ؛ ما دفع الأخيرين للفرار إلى المناطق النائية طلباً للنجاة . ويذكر انه بعد مقتل مروان بن محمد _ آخر الخلفاء الأمويين في المشرق – (( سار أولاد مروان وشيعتهم على شاطئ النيل إلى أن دخلوا ارض النوبة فأخرجهم ملكها ثم ساروا حتى توسطوا أرض البجاة … ))"[9]" .
وكانت الهجرات العربية آخذة في التزايد والانتشار في بلاد النوبة منذ القرن الأول الهجري ، وبدأ اثر هذا العنصر العربي يتزايد في بلاد النوبة منذ القرن الثالث الهجري ، فقد أثبتت الأبحاث الأثرية وجود شواهد قبور في مريس تحمل أسماء عربية بتاريخ 217 هـ / 813 م .
ولم يعش هؤلاء المهاجرون بمعزل عن السكان المحليين ، بل اختلطوا بهم ، واصهروا إليهم . وشهد العصر الفاطمي قيام إمارة عربية نوبية أسسها بنو ربيعة . ولم يكن المهاجرون من ربيعة فقط وليس من المستبعد ان تكون المجموعة الجعلية قد شرعت تهاجر من مصر في ذات الفترة من القرن العاشر .
ومن الهجرات العربية التي دخلت بلاد النوبة على عهد المماليك هجرة جهينة ، وهي خليط من القبائل العدنانية والقحطانية ببطونها المختلفة ، أقامت أول الأمر في شمال النوبة ثم أوغلت بعض بطونها جنوباً . وكذلك اشتركت قبيلة فزارة في هذه الهجرات التي حدثت في عصر المماليك"[10]" .
وتذهب بعض المصادر ان اصل الفونج مؤسسي سلطنة سنار يرجع إلى سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين - عقب وثوب الأخيرين إلى السلطة - وانهم جاءوا الى الحبشة اولاً ثم الى السودان الشرقي حيث تصاهروا مع ملوك السودان "[11]" .
ومن الهجرات الهامة تلك التي حدثت في القرن الثالث عشر الميلادي حين استطاع السلطان سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني – صاحب عمان – الاقتران بابنة إسحاق السواحلي حاكم باتا ؛ وأصبح بذلك الأمير الشرعي وورث الملك ، ونقل بلاطه من عمان إلى شرق أفريقيا ، وأسس الأسرة النبهانية الحاكمة في باتا"[12]" .
وفي القرن الثالث عشر الميلادي وصلت جماعة من سلالة عقيل بن أبي طالب إلى ارض الزيلع ، وأقامت في مدينة الجبرت ( أوفات ) . ولم تقتصر الهجرات العربية على سواحل شرق أفريقيا فقط ، بل وصلت إلى جزر أفريقيا المتناثرة في المحيط الهندي . ومن امثلة تلك الهجرات : نزول بعض بني يعرب المناذرة وغيرهم من قبائل عمان بجزر القمر . ثم توالى قدوم الجماعات إليها سيما من عرب اليمن وحضرموت . وباستمرار تدفق الهجرات العربية تكونت العديد من المدن والإمارات الإسلامية التي ساهمت في نشر الحضارة العربية الإسلامية"[13]" .
لقد اندفعت الهجرات العربية إلى شرق أفريقيا بتأثير جملة من العوامل السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ؛ وأدى ذلك إلى بروز العديد من الممالك و المراكز والمدن التجارية ، ذات الطابع العربي الإسلامي في إرتريا ، والصومال ، وزنجبار ، والى الجنوب من خط الاستواء حتى موزمبيق . وكان من بين نتائج هذا الاختلاط بين الهجرات العربية وقبائل البانتو الافريقية ظهور شعب الصومال الذي جاءت ملامحه قريبة الشبه من الملامح والتقاطيع العربية"[14]" .
إن السمات والملامح التي تميز أبناء القرن الإفريقي دليل واضح على عمق الصلات بين هذه البلاد وبلاد العرب قبل وبعد الإسلام . تلك الهجرات التي تركت بصمتها في شتى مناحي الحياة : السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية . ولم تتوقف عبر فترات التاريخ المتعاقبة ، ولعل هجرة قبيلة الرشايدة العربية من جدة إلى إرتريا عام 1869 م خير دليل على تواصل واستمرارية الهجرات العربية لشرق أفريقيا"[15]" .
ثانياً _ غرب أفريقيا وبلاد السودان
وفي غرب أفريقيا ساهمت الهجرة في انتقال التأثيرات العربية والإسلامية إلى مناطق جنوب الصحراء . وقد تمركزت تلك الهجرات في ( السنغال ، مالي ، النيجر ، تشاد ) أي حول حوضي السنغال والنيجر وبحيرة تشاد"[16]" .
وحينما عرف الأوربيون دواخل نيجيريا ، كانت المناطق المكشوفة منها موطناً لشعوب زنجية أو مغربية الأصل ومنها شعب اليوربا . ويرى البعض أن شعوب اليوروبا جاءت من مكة أي من الشرق ، في حين يرى آخرون أنها جاءت من صعيد مصر ، ويقال أنهم جاءوا إلى غرب أفريقيا بعدما طردهم يعرب بن قحطان من بلاد العرب . واثبت الدراسات ( الاثنوغرافية ) أنهم ليسوا من اصل زنجي ، وإنما خالطتهم دماء زنجية "[17]". ويصب ذلك في تعزيز انتمائهم لأصول عربية .
ومن القبائل العربية في برنو تلك المعروفة بـ ( الشواء ) التي أصهرت إلى القبائل السودانية ، وتمخض ذلك عن مولدين عرفوا باسم ( البولالا ) ، وهناك الكثير من القبائل في غرب أفريقيا تعود بأصولها إلى العرب"[18]".
ويصادفنا إلى جانب شعوب غرب السودان الخالصة مجموعات كبيرة من العرب ، الطوارق ، المور ( المغاربة )"[19]" .
وكان لهجرات الهلاليين وأحلافهم منذ القرن الحادي عشر أثراً عميقاً في نشر الدم واللسان العربي والديانة الإسلامية في شمال وغرب أفريقيا ، إذ تمكنت بعض القبائل من عبور جنوب مراكش إلى منطقة ادرار ، ثم الوصول الى السنغال الأدنى في نهاية القرن السادس عشر الميلادي مثل : بني حسن ، ثم استداروا نحو الشرق . وقد تسببت حركة الهلالين في هجرة عدة قبائل نحو الجنوب كهوارة ، ولواته ، ونفزاوة . حيث ظلت هجرات الطوارق تؤثر في منطقة السنغال والنيجر حتى القرن الثامن عشر . كما امتدت هجرات البربر إلى بلاد برنو ، وأوغلت شرقاً حتى دار فور ، ويمثل شعب الطنجور في دار فور هجرات بربرية قدمت إلى المنطقة بعد غارات بني هلال . ويعتقد أن هجرات الفولاني هجرات بربرية انحدرت من منطقة ادرار شمال السنغال ، واندفعت نحو السودان الغربي بعد إخراج المسلمين من الأندلس ، وكان لها دوراً هاما في حركة عثمان بن فودي ، وتأسيس سلطنة سكت إبان القرن التاسع عشر"[20]" .
ويمكن القول أن القبائل العربية منذ القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي طفقت في التوغل جنوباً حتى وصلت مشارف النيجر والسنغال ؛ تدفعها جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد ساهمت العوامل السابقة بمجملها في انسياب الهجرات العربية ، ومن ثم تصاهرها مع العناصر الأفريقية مثل : التكرور ، والفلاته ، والولوف ، والسوننكة ، والسنغاي ، والماندنجو ، والهوسا ، والكانوري ، والكانميون . حيث لازالت تجري دماء أولئك المهاجرين في عروق بعض شعوب السودان . وليس من المستبعد ان تكون دماء الأفارقة قد تركت أثارها في العرب شمال الصحراء ؛ فالهجرات التي حدثت بين الشمال والجنوب قد أسهمت في التزاوج ، والمصاهرة، والتمازج الاجتماعي"[21]".
ولم يتوقف تقاطر الهجرات عبر الصحراء شرقاً وغرباً ، وشمالا وجنوباً حتى في الفترة القريبة ومن أمثلة ذلك : هجرة عدة مجموعات قبلية من ليبيا إلى تشاد على فترات مختلفة من القرن التاسع عشر والقرن العشرين . حيث نجد تشكيلات قبلية ذات امتداد اثني في الجانبين منها :
· قبلية توبو في منطقة بوركو – انيدي – تبستي في تشاد ، ولها امتداد في جنوب ليبيا.
· قبيلة الحساونة "عرب كانم " وتقيم في كانم ولها امتداد في ليبيا ، وكذلك الطوارق .
· مجموعات القبائل الليبية المهاجرة إلى تشاد ومن بينها : أولاد سليمان ، والمغاربة ، والورفلة ، والقذاذفة ، والمجابرة ، والزوية ، والحساونة . ويعيش هؤلاء في مناطق بوركو ، انيدي ، تبستي ، كانم ، وغيرها من المدن التشادية . أما مناطقهم الأصلية في ليبيا فمنها : فزان ، وسرت ، واجدابيا . "[22]" .
ونستخلص من العرض السابق لبعض الهجرات العربية إلى أفريقيا ما يلي :
- كانت الهجرة أحد جسور التلاقي العربي الأفريقي ، وساهمت في تلوين النسيج الاجتماعي بسمات خاصة تعكس التمازج والاندماج بين الجانبين .
- إن هذه الهجرات كانت امتداداً لنظائرها قبل الإسلام ، وأنها توالت عبر فترات التاريخ المتعاقبة .
- إن الترابط الجغرافي للبلاد العربية والأفريقية ، وما نجم عنه من أحداث تاريخية يؤكد حقيقة ، وحتمية اندماج العرب والأفارقة ، ويؤكد ادعاء بعض الشعوب الأفريقية نسباً عربياً يعود بأصولها إلى الجزيرة العربية .
- ظهر التسرب السلمي كسمة غالبة على الهجرات العربية إلى أفريقيا ، فلم تصطدم بالسكان المحليين ، بل اندمج المهاجرون فيهم ، واصهروا إليهم ؛ فكانت العلاقات أخوية ، وودية بناءة .
- ساهم العرب في تفعيل وتطوير الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية في المناطق التي استقروا بها ، واليهم يرجع الفضل في ظهور العديد من المدن والممالك الأفريقية .
- ان العلاقات بين العرب والأفارقة تستمد عمقها من حقائق الجغرافيا ، وأحداث التاريخ ، وان التواصل والتلاحم بينهما شمل جميع مناحي الحياة : السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ؛ بما جعل كل من الجانبين عمقاً استراتيجياً للآخر في الماضي ، والحاضر ، وحتماً في المستقبل .
المراجع
1- ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ،ج1 ، دار الآفاق الجديدة – بيروت ، د ت .
2- امحمد مصباح الأحمر ، تاريخ العلاقات العربية الأفريقية ، دار الملتقى – بيروت ، ط1 ، 2001 .
3- أمين توفيق الطيبي ، الحبشة عربية الأصول والثقافة ، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية – طرابلس ، 1993 .
4- حسن إبراهيم حسن ، انتشار الإسلام في القارة الأفريقية ، مكتبة النهضة المصرية – القاهرة ، ط3 ، 1984 .
5- حسن احمد محمود ، الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا ، دار الفكر العربي – القاهرة ، ط3 ، 1986 .
6- عطية مخزوم الفيتوري ، دراسات في تاريخ شرق أفريقيا وجنوب الصحراء ، جامعة قار يونس – بنغازي ، ط1 ، 1998 .
7- عمر المشري محمد ، بلاد القرن الأفريقي ، شعبة التثقيف والإعلام والتعبئة – طرابلس ، ط1 ، 1428 .
8- محمد المبروك يونس ، تاريخ التطور السياسي للعلاقات العربية الأفريقية ، الشركة العامة للورق والطباعة – الزاوية ، ط2 ، 1991 .
9- محمد شريف جاكو ، العلاقات السياسية بين ليبيا وتشاد ، مكتبة مدبولي – القاهرة ، ط1 ، 1998 .
[1] - عمر المشري محمد ، بلاد القرن الأفريقي ، شعبة التثقيف والإعلام والتعبئة ، طرابلس ، ط1 ، 1428 ميلادية ،ص 69 .
[2] - أمين توفيق الطيبي ، الحبشة عربية الأصول والثقافة ،مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية ، طرابلس ، 1993 ، ص 69 – 70 .
[3] - عطية مخزوم الفيتوري ، دراسات في تاريخ شرق أفريقيا وجنوب الصحراء ، جامعة قار يونس ، بنغازي ،ط1 ، 1998 ، ص122 .
[4] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 75 ، 76.
[5] - المرجع نفسه ، ص 77 .
[6] - حسن احمد محمود ، الاسلام والثقافة العربية في افريقيا ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط3 ، 1986 ، ص 60 .
[7] - امحمد مصباح الأحمر ، تاريخ العلاقات العربية الأفريقية ، دار الملتقى ، بيروت ، ط1 ، 2001 ، ص 66 .
[8] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 78 – 80 .
[9] - ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ، ج1، دار الافاق الجديدة ، بيروت ، د ت ، ص 184 .
[10] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، ص 288 - 295 .
[11] - حس إبراهيم حسن ، انتشار الإسلام في القارة الأفريقية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط3 ، 1984 ، ص 154 .
[12] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، ص 399 .
[13] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، 86 ،87 .
[14] - محمد المبروك يونس ، تاريخ التطور السياسي للعلاقات العربية الأفريقية ، الشركة العامة للورق والطباعة ، الزاوية ،ط2 ، 1991 ،ص26.
[15] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 91 ، 92 .
[16] - عطية مخزوم الفيتوري ، مرجع سابق ، ص 124 .
[17] - حس إبراهيم حسن ، مرجع سابق ، ص 124 ، 125 .
[18] - امحمد مصباح الاحمر ، مرجع سابق ، ص 170 .
[19] - عطية مخزوم الفيتوري ، مرجع سابق ، ص 32 .
[20] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، 60 - 62 .
[21] - محمد المبروك يونس ، مرجع سابق ، ص 18،19 .
[22] - محمد شريف جاكو ، العلاقات السياسية بين ليبيا وتشاد ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، ط1 ، 1998 ، ص17 ، 29 .
تعددت حلقات التمازج العربي الأفريقي ، وتنوعت وشائجه الموغلة في القدم ، وتفردت كل منها بخصائص وسمات مميزة . ويتناول هذا المقال ظاهرة الهجرة ودورها في التمازج العربي الأفريقي .
لقد لعبت تحركات المجموعات البشرية وهجرتها دوراً هاماً في صياغة العلاقات العربية الأفريقية ، وساهمت بشكل فعال في انتشار الإسلام والثقافة العربية في القارة الأفريقية . ونستعرض فيما يلي جانبا من التحركات والهجرات التي حدثت بعد ظهور الإسلام ، وجسدت التلاحم العربي الأفريقي .
أولاً – شرق أفريقيا وبلاد النوبة
تعتبر هجرة المسلمين إلى الحبشة أول اتصال بين العرب ومنطقة شرق أفريقيا بعد ظهور الإسلام . فقد أشار الرسول - صلى الله عليه وسلم – على أصحابه بالهجرة بعدما اشتد أذى قريش لهم ، وعظمة معاناتهم وفتنتهم في دينهم .
ان اختيار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحكمته وبعد نظرهالحبشة مكاناً وملاذاً لاصحابه ، عند ملكاً لا يظلم عنده أحد يدفع إلى القول : ان الهجرة إلى الحبشة لم تكن ردة فعل ارتجالية متعجلة من طرف الرسول - صلى الله عليه وسلم – بل كانت عملاً مدروساً يستند إلى التاريخ ، وعمق العلاقة بين العرب وبلاد الحبشة .
وقد تمت الهجرة إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة ، ويشير ذلك إلى أن العلاقات والاتصالات بين بلاد العرب ، وبلاد الحبشة وثيقة وعميقة لدرجة تجعل كل من المنطقتين عمقاً استراتيجياً للأخرى "[1]".
ويقال ان ود بن هشام المخزومي خرج مغاضباً صحبة قبيلته من الحجاز ، استياءً من بعض سياسات الخليفة عمر بن الخطاب ؛ فكان أول مسلم سمع به مهاجراً ومستقراً في بلاد الحبشة . واليه تنسب الإمارة التي أقامها العرب في إقليم شوا بجنوب هضبة الحبشة في أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي . وربما شجع قيام إمارة بني مخزوم على استيطان العرب في تلك الأنحاء ، وتوطيد العلاقات الودية مع البلاد العربية"[2]" .
لقد أدت الصراعات السياسية التي عصفت بالدولة العربية - بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان - إلى دفع الإطراف المغلوبة عسكرياً وسياسياً للهجرة نحو أفريقيا فراراً من ملاحقة الدولة الأموية"[3]" ؛ فصارت أفريقيا مستقراً وموطناً للمناوئين للسلطة القائمة .
ويكاد يجمع المؤرخون على أن أولى الهجرات العربية الجماعية الاستيطانية الكبرى إلى شرق أفريقيا بعد الإسلام حدثت في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ( 65 – 85 هـ / 685_705 م ) ويردون ذلك إلى إتباع عبد الملك سياسة قبلية في شبه الجزيرة العربية تقوم على الاستعانة ببعض القبائل على الأخرى . بينما يرى صاحب كتاب بلاد القرن الإفريقي ان ضربات عبد الملك المتوالية للخوارج حول كل من البصرة وبلاد فارس ؛ دفعتهم للانسحاب إلى عمان أولاً ثم طاردتهم جيوشه ففروا إلى شرق أفريقيا . واستطاع عبد الملك بن مروان القضاء على حركة عبد الله بن الزبير في مكة عام 73 هـ ، وحركة عبد الرحمن بن الأشعث ، الذي قتل عام 85 هـ ، فهاجر أنصار الحركتين خارج مناطق سيادة الدولة الأموية ؛ الأمر الذي أمد بلاد الشرق الأفريقي بالكثير من المجموعات الخاسرة وكانت في الغالب من الخوارج والشيعة ."[4]"
كما قصدت شرق أفريقيا ، في الفترة من (75 _ 85 هـ / 694-704 م ) ، هجرة خرجت من عمان بقيادة الأخوين سليمان وسعيد بن عباد الجلندي من قبيلة الازد العمانية ؛ اثر تغلب قوات الاموين عليهم بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي ، ونزلوا في [ لامو ] عند الطرف الجنوبي للصومال . ويعتقد أن ما يعرف اليوم في الصومال بقبيلة [ جلدي ] هي نفسها قبيلة الجلنديين العمانية ، وان [ جلدي ] هو تحريف لكلمة [ جلندي ] العربية "[5]".
ويذكر ان جماعات من عرب هوازن عبرت البحر الأحمر في نهاية القرن السابع الميلادي ، واستقرت في أرض البجاة حيث عرفوا باسم الحلانقة "[6]".
إن الأحداث التي تعاقبت على الخلافة أدت إلى ظهور الفرق الدينية ، والسياسية ، والمضطهدة من الدولة ؛ وساهمت في توالي الهجرات العربية إلى أفريقيا الشرقية ، فقصدت جماعة من أنصار الإمام العلوي زيد بن الحسن بن علي شواطئ شرق أفريقيا ، حيث استقروا وغيرهم ممن عارض الحكومات المتتالية ، وأسسوا إمارات على الساحل الصومالي"[7]".
لقد استقر الزيدية بالقرب من مقديشو ، ولعل كلمة [ اموزيدج ] التى كانت تطلق على طائفة من العرب في أفريقيا هي تحريف لكلمة [ الزيدية ] . وظل الزيدية مسيطرين على ساحل بنادر الصومال حتى قدمت هجرة عربية أخرى من إقليم الإحساء ، حيث نزحت في القرن العاشر الميلادي ، اثر الصراع بين الخلافة والقرامطة ، جماعات من سكان الشاطئ الغربي للخليج العربي تحت زعامة أخوة من قبيلة الحارث العربية ، واستوطنت الساحل الصومالي عند مقديشو وبراوة ، وكان لهذه الهجرة اثر عميق في تاريخ المنطقة . وبسبب اختلاف المذاهب بين الزيدية الشيعة ، وبني الحارث السنيون فضل الزيدية الانسحاب إلى الداخل الأفريقي ، واختلطوا بالصوماليين واندمجوا فيهم ، وتزاوجوا معهم ، وحدثت عملية انصهار كبرى بين الجانبين "[8]" . وعملت هذه الهجرات على إضفاء الصبغة العربية الإسلامية على منطقة شرق أفريقيا .
ولما قوض العباسيون الدولة الأموية عام 132 هـ اتبعوا ذلك بمطاردة الأمويين ؛ ما دفع الأخيرين للفرار إلى المناطق النائية طلباً للنجاة . ويذكر انه بعد مقتل مروان بن محمد _ آخر الخلفاء الأمويين في المشرق – (( سار أولاد مروان وشيعتهم على شاطئ النيل إلى أن دخلوا ارض النوبة فأخرجهم ملكها ثم ساروا حتى توسطوا أرض البجاة … ))"[9]" .
وكانت الهجرات العربية آخذة في التزايد والانتشار في بلاد النوبة منذ القرن الأول الهجري ، وبدأ اثر هذا العنصر العربي يتزايد في بلاد النوبة منذ القرن الثالث الهجري ، فقد أثبتت الأبحاث الأثرية وجود شواهد قبور في مريس تحمل أسماء عربية بتاريخ 217 هـ / 813 م .
ولم يعش هؤلاء المهاجرون بمعزل عن السكان المحليين ، بل اختلطوا بهم ، واصهروا إليهم . وشهد العصر الفاطمي قيام إمارة عربية نوبية أسسها بنو ربيعة . ولم يكن المهاجرون من ربيعة فقط وليس من المستبعد ان تكون المجموعة الجعلية قد شرعت تهاجر من مصر في ذات الفترة من القرن العاشر .
ومن الهجرات العربية التي دخلت بلاد النوبة على عهد المماليك هجرة جهينة ، وهي خليط من القبائل العدنانية والقحطانية ببطونها المختلفة ، أقامت أول الأمر في شمال النوبة ثم أوغلت بعض بطونها جنوباً . وكذلك اشتركت قبيلة فزارة في هذه الهجرات التي حدثت في عصر المماليك"[10]" .
وتذهب بعض المصادر ان اصل الفونج مؤسسي سلطنة سنار يرجع إلى سلالة عربية أموية هربت من وجه العباسيين - عقب وثوب الأخيرين إلى السلطة - وانهم جاءوا الى الحبشة اولاً ثم الى السودان الشرقي حيث تصاهروا مع ملوك السودان "[11]" .
ومن الهجرات الهامة تلك التي حدثت في القرن الثالث عشر الميلادي حين استطاع السلطان سليمان بن سليمان بن مظفر النبهاني – صاحب عمان – الاقتران بابنة إسحاق السواحلي حاكم باتا ؛ وأصبح بذلك الأمير الشرعي وورث الملك ، ونقل بلاطه من عمان إلى شرق أفريقيا ، وأسس الأسرة النبهانية الحاكمة في باتا"[12]" .
وفي القرن الثالث عشر الميلادي وصلت جماعة من سلالة عقيل بن أبي طالب إلى ارض الزيلع ، وأقامت في مدينة الجبرت ( أوفات ) . ولم تقتصر الهجرات العربية على سواحل شرق أفريقيا فقط ، بل وصلت إلى جزر أفريقيا المتناثرة في المحيط الهندي . ومن امثلة تلك الهجرات : نزول بعض بني يعرب المناذرة وغيرهم من قبائل عمان بجزر القمر . ثم توالى قدوم الجماعات إليها سيما من عرب اليمن وحضرموت . وباستمرار تدفق الهجرات العربية تكونت العديد من المدن والإمارات الإسلامية التي ساهمت في نشر الحضارة العربية الإسلامية"[13]" .
لقد اندفعت الهجرات العربية إلى شرق أفريقيا بتأثير جملة من العوامل السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ؛ وأدى ذلك إلى بروز العديد من الممالك و المراكز والمدن التجارية ، ذات الطابع العربي الإسلامي في إرتريا ، والصومال ، وزنجبار ، والى الجنوب من خط الاستواء حتى موزمبيق . وكان من بين نتائج هذا الاختلاط بين الهجرات العربية وقبائل البانتو الافريقية ظهور شعب الصومال الذي جاءت ملامحه قريبة الشبه من الملامح والتقاطيع العربية"[14]" .
إن السمات والملامح التي تميز أبناء القرن الإفريقي دليل واضح على عمق الصلات بين هذه البلاد وبلاد العرب قبل وبعد الإسلام . تلك الهجرات التي تركت بصمتها في شتى مناحي الحياة : السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية . ولم تتوقف عبر فترات التاريخ المتعاقبة ، ولعل هجرة قبيلة الرشايدة العربية من جدة إلى إرتريا عام 1869 م خير دليل على تواصل واستمرارية الهجرات العربية لشرق أفريقيا"[15]" .
ثانياً _ غرب أفريقيا وبلاد السودان
وفي غرب أفريقيا ساهمت الهجرة في انتقال التأثيرات العربية والإسلامية إلى مناطق جنوب الصحراء . وقد تمركزت تلك الهجرات في ( السنغال ، مالي ، النيجر ، تشاد ) أي حول حوضي السنغال والنيجر وبحيرة تشاد"[16]" .
وحينما عرف الأوربيون دواخل نيجيريا ، كانت المناطق المكشوفة منها موطناً لشعوب زنجية أو مغربية الأصل ومنها شعب اليوربا . ويرى البعض أن شعوب اليوروبا جاءت من مكة أي من الشرق ، في حين يرى آخرون أنها جاءت من صعيد مصر ، ويقال أنهم جاءوا إلى غرب أفريقيا بعدما طردهم يعرب بن قحطان من بلاد العرب . واثبت الدراسات ( الاثنوغرافية ) أنهم ليسوا من اصل زنجي ، وإنما خالطتهم دماء زنجية "[17]". ويصب ذلك في تعزيز انتمائهم لأصول عربية .
ومن القبائل العربية في برنو تلك المعروفة بـ ( الشواء ) التي أصهرت إلى القبائل السودانية ، وتمخض ذلك عن مولدين عرفوا باسم ( البولالا ) ، وهناك الكثير من القبائل في غرب أفريقيا تعود بأصولها إلى العرب"[18]".
ويصادفنا إلى جانب شعوب غرب السودان الخالصة مجموعات كبيرة من العرب ، الطوارق ، المور ( المغاربة )"[19]" .
وكان لهجرات الهلاليين وأحلافهم منذ القرن الحادي عشر أثراً عميقاً في نشر الدم واللسان العربي والديانة الإسلامية في شمال وغرب أفريقيا ، إذ تمكنت بعض القبائل من عبور جنوب مراكش إلى منطقة ادرار ، ثم الوصول الى السنغال الأدنى في نهاية القرن السادس عشر الميلادي مثل : بني حسن ، ثم استداروا نحو الشرق . وقد تسببت حركة الهلالين في هجرة عدة قبائل نحو الجنوب كهوارة ، ولواته ، ونفزاوة . حيث ظلت هجرات الطوارق تؤثر في منطقة السنغال والنيجر حتى القرن الثامن عشر . كما امتدت هجرات البربر إلى بلاد برنو ، وأوغلت شرقاً حتى دار فور ، ويمثل شعب الطنجور في دار فور هجرات بربرية قدمت إلى المنطقة بعد غارات بني هلال . ويعتقد أن هجرات الفولاني هجرات بربرية انحدرت من منطقة ادرار شمال السنغال ، واندفعت نحو السودان الغربي بعد إخراج المسلمين من الأندلس ، وكان لها دوراً هاما في حركة عثمان بن فودي ، وتأسيس سلطنة سكت إبان القرن التاسع عشر"[20]" .
ويمكن القول أن القبائل العربية منذ القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي طفقت في التوغل جنوباً حتى وصلت مشارف النيجر والسنغال ؛ تدفعها جملة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وقد ساهمت العوامل السابقة بمجملها في انسياب الهجرات العربية ، ومن ثم تصاهرها مع العناصر الأفريقية مثل : التكرور ، والفلاته ، والولوف ، والسوننكة ، والسنغاي ، والماندنجو ، والهوسا ، والكانوري ، والكانميون . حيث لازالت تجري دماء أولئك المهاجرين في عروق بعض شعوب السودان . وليس من المستبعد ان تكون دماء الأفارقة قد تركت أثارها في العرب شمال الصحراء ؛ فالهجرات التي حدثت بين الشمال والجنوب قد أسهمت في التزاوج ، والمصاهرة، والتمازج الاجتماعي"[21]".
ولم يتوقف تقاطر الهجرات عبر الصحراء شرقاً وغرباً ، وشمالا وجنوباً حتى في الفترة القريبة ومن أمثلة ذلك : هجرة عدة مجموعات قبلية من ليبيا إلى تشاد على فترات مختلفة من القرن التاسع عشر والقرن العشرين . حيث نجد تشكيلات قبلية ذات امتداد اثني في الجانبين منها :
· قبلية توبو في منطقة بوركو – انيدي – تبستي في تشاد ، ولها امتداد في جنوب ليبيا.
· قبيلة الحساونة "عرب كانم " وتقيم في كانم ولها امتداد في ليبيا ، وكذلك الطوارق .
· مجموعات القبائل الليبية المهاجرة إلى تشاد ومن بينها : أولاد سليمان ، والمغاربة ، والورفلة ، والقذاذفة ، والمجابرة ، والزوية ، والحساونة . ويعيش هؤلاء في مناطق بوركو ، انيدي ، تبستي ، كانم ، وغيرها من المدن التشادية . أما مناطقهم الأصلية في ليبيا فمنها : فزان ، وسرت ، واجدابيا . "[22]" .
ونستخلص من العرض السابق لبعض الهجرات العربية إلى أفريقيا ما يلي :
- كانت الهجرة أحد جسور التلاقي العربي الأفريقي ، وساهمت في تلوين النسيج الاجتماعي بسمات خاصة تعكس التمازج والاندماج بين الجانبين .
- إن هذه الهجرات كانت امتداداً لنظائرها قبل الإسلام ، وأنها توالت عبر فترات التاريخ المتعاقبة .
- إن الترابط الجغرافي للبلاد العربية والأفريقية ، وما نجم عنه من أحداث تاريخية يؤكد حقيقة ، وحتمية اندماج العرب والأفارقة ، ويؤكد ادعاء بعض الشعوب الأفريقية نسباً عربياً يعود بأصولها إلى الجزيرة العربية .
- ظهر التسرب السلمي كسمة غالبة على الهجرات العربية إلى أفريقيا ، فلم تصطدم بالسكان المحليين ، بل اندمج المهاجرون فيهم ، واصهروا إليهم ؛ فكانت العلاقات أخوية ، وودية بناءة .
- ساهم العرب في تفعيل وتطوير الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية في المناطق التي استقروا بها ، واليهم يرجع الفضل في ظهور العديد من المدن والممالك الأفريقية .
- ان العلاقات بين العرب والأفارقة تستمد عمقها من حقائق الجغرافيا ، وأحداث التاريخ ، وان التواصل والتلاحم بينهما شمل جميع مناحي الحياة : السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ؛ بما جعل كل من الجانبين عمقاً استراتيجياً للآخر في الماضي ، والحاضر ، وحتماً في المستقبل .
المراجع
1- ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ،ج1 ، دار الآفاق الجديدة – بيروت ، د ت .
2- امحمد مصباح الأحمر ، تاريخ العلاقات العربية الأفريقية ، دار الملتقى – بيروت ، ط1 ، 2001 .
3- أمين توفيق الطيبي ، الحبشة عربية الأصول والثقافة ، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية – طرابلس ، 1993 .
4- حسن إبراهيم حسن ، انتشار الإسلام في القارة الأفريقية ، مكتبة النهضة المصرية – القاهرة ، ط3 ، 1984 .
5- حسن احمد محمود ، الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا ، دار الفكر العربي – القاهرة ، ط3 ، 1986 .
6- عطية مخزوم الفيتوري ، دراسات في تاريخ شرق أفريقيا وجنوب الصحراء ، جامعة قار يونس – بنغازي ، ط1 ، 1998 .
7- عمر المشري محمد ، بلاد القرن الأفريقي ، شعبة التثقيف والإعلام والتعبئة – طرابلس ، ط1 ، 1428 .
8- محمد المبروك يونس ، تاريخ التطور السياسي للعلاقات العربية الأفريقية ، الشركة العامة للورق والطباعة – الزاوية ، ط2 ، 1991 .
9- محمد شريف جاكو ، العلاقات السياسية بين ليبيا وتشاد ، مكتبة مدبولي – القاهرة ، ط1 ، 1998 .
[1] - عمر المشري محمد ، بلاد القرن الأفريقي ، شعبة التثقيف والإعلام والتعبئة ، طرابلس ، ط1 ، 1428 ميلادية ،ص 69 .
[2] - أمين توفيق الطيبي ، الحبشة عربية الأصول والثقافة ،مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية ، طرابلس ، 1993 ، ص 69 – 70 .
[3] - عطية مخزوم الفيتوري ، دراسات في تاريخ شرق أفريقيا وجنوب الصحراء ، جامعة قار يونس ، بنغازي ،ط1 ، 1998 ، ص122 .
[4] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 75 ، 76.
[5] - المرجع نفسه ، ص 77 .
[6] - حسن احمد محمود ، الاسلام والثقافة العربية في افريقيا ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط3 ، 1986 ، ص 60 .
[7] - امحمد مصباح الأحمر ، تاريخ العلاقات العربية الأفريقية ، دار الملتقى ، بيروت ، ط1 ، 2001 ، ص 66 .
[8] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 78 – 80 .
[9] - ابن العماد الحنبلي ، شذرات الذهب ، ج1، دار الافاق الجديدة ، بيروت ، د ت ، ص 184 .
[10] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، ص 288 - 295 .
[11] - حس إبراهيم حسن ، انتشار الإسلام في القارة الأفريقية ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، ط3 ، 1984 ، ص 154 .
[12] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، ص 399 .
[13] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، 86 ،87 .
[14] - محمد المبروك يونس ، تاريخ التطور السياسي للعلاقات العربية الأفريقية ، الشركة العامة للورق والطباعة ، الزاوية ،ط2 ، 1991 ،ص26.
[15] - عمر المشري محمد ، مرجع سابق ، ص 91 ، 92 .
[16] - عطية مخزوم الفيتوري ، مرجع سابق ، ص 124 .
[17] - حس إبراهيم حسن ، مرجع سابق ، ص 124 ، 125 .
[18] - امحمد مصباح الاحمر ، مرجع سابق ، ص 170 .
[19] - عطية مخزوم الفيتوري ، مرجع سابق ، ص 32 .
[20] - حسن احمد محمود ، مرجع سابق ، 60 - 62 .
[21] - محمد المبروك يونس ، مرجع سابق ، ص 18،19 .
[22] - محمد شريف جاكو ، العلاقات السياسية بين ليبيا وتشاد ، مكتبة مدبولي ، القاهرة ، ط1 ، 1998 ، ص17 ، 29 .