الـدخـول الـمـدرسـي " أحلام الأبناء و كوابيس الآباء"

    • الـدخـول الـمـدرسـي " أحلام الأبناء و كوابيس الآباء"

      الدخول المدرسي اليوم على الأبواب ..و متاعبه و تبعـاته تحاصر الجميع و ترهق كاهل الجميع أيضا...
      بداية من الوزارة الوصية .. التي تبذل جهدا جبـار فـــي محاولـة احتواء العدد الهائــل مـــن التــلاميذ الجدد و القدامى و توفير كل المستلزمات لهم.. المتاعب البيداغوجية , من نقص المناصب في مختلف التخصصات الإدارية و التربوية.. و التي تسعى الوزارة و مختلف فروعها على مستوى مديريات التربية في احتواء هذا العدد الهائل من المتمدرسين حتى توفر دخول مدرسي ناجح أو على الأقل مقبول..
      ففي عز الصيف , حيث كنا و كان أغلبنا يقظون عطلهم على الشواطئ.. كان هؤلاء المسؤولون يقومون بعملهم خلف المكاتب , حيث تتم دراسة مختلف النواحي في الدخول المدرسي ..وقامت الشاحنات في عز الصيف أيضا بتوصيل الآلاف من مختلف الكتب المدرسية إلى كل مدرسة في الولاية , و لكي تكون جاهــزة قبل الدخول المدرسي..و ما تزال حتى اليــوم المساعي حثيــثة للـقضاء عــلى مختلف الصعوبات و العراقيل بمختلف أنواعها , لا يحدوها سوى أمل خدمة هذا الوطن و أبناء هذا الوطن ..
      ومن زاوية أخرى فيشترك أيضا في التحضير و التعب و الإرهاق..الأولياء..خاصة محدودي الدخل منهم , فهم يكدون و يجهدون حتى يدخل أبناؤهم المدرسة في أحسن حال... الحال المادي طبعا و الذي بدوره ينعكس على الحالة المعنوية و النفسية للتلاميذ...الكثير من الأولياء يعمل بجد وبتعب مضاعف حتى يوفر لأولاده كل اللوازم المدرســية ..بدايـة مـن المـلابـس و التي تشهد أسعارها يوما بعد يوم غليانا و لهيبا يحرق الجيوب و النفوس أيضا ...و من لم يصل ما عليه سوى أن يعد الدفتر ( طبعا الدفتر الخاص بالدين ..الكريدي كما هو معلوم بطبيعة الحال ) هذا بطبيعة الحال أيضا إذا وجد من يقدم له المساعدة ..
      حيث أصبحت الطوابير أمام الملابس المستعملة و التي تحمل ذلك الإسم القبيح ( الشيفون ) أصبحت الطوابير شيئا عاديا جدا و أصبحت كلمة الحشمة و الكرامة تحت ضغط الواقع المؤلم شيئا من الماضي... فترى الأب يحيط به أبناؤه ( و الذي في الغالب يكون عددهم أكبر من الواحد ) ..الكل يختار بنفسه و على ذوقه من هذه الملابس الرثة و الوسخة في عدد من الأحيان...
      و إن كان البعض يشعر بالإحراج من وقوفه أمام هذه الملابس في وقت سابق .. فاليوم كلهم في الهم و الفقر سواء.. البطالون و الموظفون و الفلاحون أحيانا جنبا الى جنب في هذه المأساة.. ومن المفارقات المضحكة المبكية في آن واحد -- ففي مجتمعنا الذي تكثر فيه ظاهرة التقليد حتى لأتفه الأسباب و أسوء المظاهر -- يزاحم عدد من ميسوري الحال وأؤكد على ميسوري الحال جدا ..يزاحمون الفقراء في اقتناء هذه الملابس القديمة المستعملة ( وهم الذين لديهم القدرة المالية لشراء السوق بما فيها و بمن فيها إن لم أكن مبالغا .. ) و بالرغم من أن هؤلاء المطحونين ينظرون شزرا إلى هؤلاء إلا أنهم يجدون في قربهم منهم بعض السلوى و بعض الشماتة في آن واحد....
      العذاب لدى هؤلاء المتعبين مقسم على مراحل..يقطعون المرحلة الأولي و المتمثلة في الملابس. الحمد لله ( يتنفسون الصعداء و يدعون الله أن يوفقهم فيما تبقى من المراحل المتبقية ..)

      المرحلة الموالية هي الأدوات المدرسية..حيث تتحول المكتبات -- طبعا التي تبيع الأدوات المدرسية -- إلى ما يشبه محلات الجزارة تدخل بخير و عافية و تخرج لا تكاد تقف على قدميك ..حيث تقف في كطابور طويل و الكل يصرخ و ينادي و لا تكاد تسمع سوى كلمة – بعقلك—طبعا تسمعها بخشونة حيث تشعر بمرارة كأنك متسول تشحذ لقمة تسد بها رمقك و ليس زبونا تشتري بمالك.. حيث بعد الجهد الجهيد كما يقال تفوز في المرحلة الثانية و تشتري الأدوات المدرسية اللازمة ...و لكن بعد ان تكون ضحيت بنسبة كبيرة من المرتب و عليك أن تستلف لتكمل بقية الشهر..لا يهم فهذه لن تكون المرة الأولى على أي حال .
      لكن لا تفرح كثيرا بالنجاح ففي هذه المرحلة هناك استئناف.. فالبعض من المعلمين و الأساتذة لا يعجبهم كراس أو لون غلاف أو أي شيء ....و ما عليك سوى العودة إلى محل الجزارة -- أقصد المكتبة -- لشراء الأدوات على ذوق المعلم أو الأستاذ أو غير ذلك... وإن تسألني ماذا يمكن أن تفعله بالكراس الجديد القديم الـذي استبـدلتـه أي تـركته لديك و اشتريت غيره.. ..أقترح عليك أن تكــتب فيــه مـذكــراتك ..تتركها حكمة و شهادة على هذا الزمن المتعب....و تحكي للمستقبل عما فعل بك الماضي ...
      تتحمل الخسائر بروح رياضية و تبتسم في وجه أولادك و حسادك أيضا ..على الأقل أن تستعد بنفسية قوية للمرحلة الثالثة.. و هي مرحلة شراء الكتب المدرسية..وهنا أيضا لنا وقفة..
      أنت أيضا تقف طويلا أمام معرض هذه الكتب في المكتبات أو في المدرسة ..و تتمنى ان تكون ليله القدر في تلك الساعة و في النهار حتى تدعو الله دعاء واحدا أن يغنيك حتى تتمكن من شراء كل هذه الكتب و بالأسعار التي تلهب الوجوه عند مشاهدتها..و الشيء المتعب جدا في الموضوع هو ان كل الكتب إجبارية الشراء على الأقل من وجهة نضرك أنت و أبناؤك حتى يتمكنوا من النجاح ..و لا يشعروا بعقدة الفقر....حيث استلاف الكتب على مر السنة أو الطرد من الحصص..لإهمال تحضير الدروس أو عدم إنجاز الواجبات
      هناك حل أخر ..فهناك الكتب المدرسية القديمة المستعملة سابقا. -- لا أقول كتب الشيفون --في الأسواق جنب إلى جنب مع الشيفون.. تعرف أصحاب هذه الكتب من كتبهم.. فالكتب الجدية نوعا ما قد تدل على أن صاحبها لم يبذل جهدا كبيرا في تصفحها.. و البعض الأخر قديم و متهالك و هناك الكثير من الكتابة عليه و إن كنت محظوظا فسوف تجد الكثير من الحلول المدونة بقلم الرصاص... و يكون لك في هذه الحلول الجيدة التأسي و السلوى عن الكتاب الجديد مثل بقية زملائك...
      و لكن أين هم التلاميذ من كل هذه المتاعب...كيف ينظرون و بماذا يحلمون و في ماذا يفكرون عندما يسمعون كلمة الدخول المدرسي..
      هل نكون حالمين و مثاليين أم نكون واقعيين أو على الأقل قريبين جدا من الواقع .. و حسب ما وصلت إليه..من اجتهاد متواضع.. فكثير من الأحلام أبشع من الكوابيس و الأمنيات أدنى من السراب..
      البداية نتفق في شيء..مراحل التعليم مختلفة , و بناء على هذا الاختلاف تكون النتائج متباينة .....
      فالنظرة الطفولية للتلاميذ في المرحلة الابتدائية تتسم بروح الاستكشاف لعالم المدرسة الساحر..خاصة الأطفال ميسوري الحال و أبناء ميسوري الحال أيضا و الذين تمكنوا من الذهاب الى جنة الأطفال أو روضة الأطفال ...أما الذين لم يسبق لهم دخول – الجنة – فهؤلاء في الكثير من الأوقات يصابون بنوع من الرهبة من هذا العالم الجديد و خاصة ممن لم يسبق لوالديهم أن مهدوا لهم لدخول... الجنة...
      أما المرحلة المتوسطة فهي بين بين..و لكنها تـتـفـق في عدد من الأشياء مع المرحلة الثانوية...
      حيث تزهر أحلام المراهقة لدى الفتى و الفتاة..و تحتل أحلام اليقظة فيها النصيب الأكبر..
      الفتاة تستعد بأجمل الملابس على طريقة الموظة الجديدة مهما كلفت من ثمن ( طبعا هي لن تدفع الثمن ..على الأقل في الوقت الحالي لأن الوالد أو الوالد و الوالدة أيضا هم الذين يدفعون ثمن الجهاز – الملابس التي هي أقرب إلى جهاز العروس -- و لكن إذا تمادت الفتاة في طيشها و استسلمت لعواصف المراهقة فسوف تدفع الثمن أيضا....
      تبحث الفتـاة عـلى فـارس الأحـــلام و عن الفتى الذي يحمل مواصفات النجوم على طراز .. ستار أكاديمي و غير ذلك..و الفتى أيضا لا يقل شراهة للأحلام عن الفتاة..
      لقد غزت المسلسلات العربية و غير العربية عقول المجتمع بأسره من مختلف طبقاته و شرائحه.. بداية حتى من الأطفال الصغار إلى الكهـول و الشيوخ – لا أقصد هنا شيوخ المساجد أو شيوخا آخرين معينين -- و العــجائز ( و كانت لي مفاجأة عندما سمعت أن بعض العجائز و الشيوخ مدمنين على مشاهدة بعــض المسلسلات المـدبــلجــة و التــي و كل الأحــوال هــي من الدراما العاطفية..و لا نريد أن ندخل هنا في تفاصيل بعض المشاهد التي تعرض في مثل هذه المسلسلات الدخيلة علينا و على قيمنا... )
      ففي بعض الحالات و منذ اليوم الأول ....يدخل الجميع او الأغلبية في سباق محموم على الفوز بالطرف الأخر...الفتيان يتسابقون .. و الفتيات يتسابقن أيضا.. و الكل يستعمل أقصى ما لديه من قوة و من إمكانيات مادية و معنوية....و في هذه المرحلة يتعلم بعض أبنائنا شرب الدخان كما يقال..ربما لإثبات الرجولة أو تحت تأثير الضغط النفسي من جراء المتاعب التي قد يصادفها في السباق الذي أشرنا إليه فيما سبق .. و تتحول الحياة و المستقبل و أقصى الأمنيات أن يحقق كل طرف أحلامه و أمانيه.. غير عابئين بأي جهد بذل و يبذل كل يوم في سبيلهم..سواء من طرف الدولة .ممثلة بمؤسساتها الوصية و لا الأباء و لا أي شيء آخر
      وعود على بدء. فالذي لو يحالفه الحظ في الحصول على أمنيته ما عليه سوى الانتظار أو الاستحواذ على أي واحدة باستعمال أساليب الفتنة أو تفويض أمره لله..لكن القليل فقط هم من يختارون الطرق الثالث..و إن كان الثاني هو الملجأ في غالب مثل هذه الأحوال ...
      جراء هذا تحدث الكثير من المتاعب و العداوات في مثل هذه المرحلة ...و التي تبقى خيوط اللعبة فيها خفية دائما..لا يعلمها لا الأباء و لا الإدارة.. حيث يتساوى كما قلنا الذكور و الإناث أحيانا في مثل هذا الصراع.... وقد تحدث أحيانا المفاجآت التي تخلط كل حسابات هؤلاء ..خاصة في حــالة وصــول عنصر جديد ..و خاصة إذا توفر على مقومات الجاذبية ..فالنتائج معروفة .....( و الذي لا يعرف نقول له البقاء للأقوى و الأذكى أحيانا....
      لكن بقيت كلمة أخيرة..
      ففي هذه المرحلة الحساسة أين هي قيم العلم و الاجتهاد ومن يقف الى جانب هؤلاء التلاميذ و من ينير لهم الطريق ؟ ؟ ؟ ؟ ومن يهديهم في سراديب المراهقة الموحشة. .؟ ؟ ؟
      إن دور الأباء ليس توفير الملابس و المأكل و المشرب و الأدوات الدراسية فقط.. إن دورهم أكبر و رسالتهم أعظم ..و هم يدركونها بطبيعة الحال .. و لست أنا من يدلهم على مصلحة أبنائهم أو يخاف على مصير أبنائهم أكثر منهم...على أي حال...
      و المعلمون في مختلف المراحل ليس دورهم ليس التلقين و العمل على إتمام المقرر الدراسي فقط و لو على الورق ورسالتهم أعظم و الحمل على عاتــقم أثقل .. فهم ورثة الأنبياء..قبل و بعد كل شيء..و الله من يحاسبهم على أمانة العلم قبل حساب الوصاية و قبل حساب التاريخ لهم..
      و الكلمة الأخيرة لتجار ملابس موضة الشياطين و محلات الجزارة ..و مسؤولي بث مسلسلات الدمار الشامل لأجيال من أبنائنا.. ( و إن كنت لا آمل كثيرا في أنهم سيسمعونني ) ...اتـقوا الله فينا و في الوطن


      الرجاء الدعاء لى بالجمع بينى وبين زوجتى المدرسة بدولة عمان وجزاكم الله خير
      أخوكم أحمد عثمان