بحث




    • كان "هاشم الرفاعي" رحمه الله شاعراً عظيماً فذاً، من هؤلاء الشعراء المطبوعين الذين تنساب اللغة من وجدانهم وأحاسيسهم دون تكلف أو عنت، فقد حفر لنفسه اسماً بارزاً بين كبار شعراء العربية والإسلام برغم أفول حياته في وقت مبكر إذ توفي رحمه الله وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وقد قال عنه الأستاذ "ذكي المهندس"، عميد كلية دار العلوم الأسبق وعضو مجمع اللغة العربية: "لو عاش هاشم الرفاعي إلى سن الثلاثين لكان أشعر أهل زمانه".
      ولد "السيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي" الذي ينتهي نسبه إلى الإمام أبي العباس أحمد الرفاعي في قرية "إنشاص الرمل" في محافظة الشرقية بمصر في منتصف مارس عام 1935م. ووالده هو الشيخ "جامع الرفاعي" أحد العلماء الشعراء المعروفين في عصره، وقد اشتهر الشاعر باسم جده - هاشم الرفاعي- تيمناً به، فقد كان أحد أعلام العلماء الفضلاء.
      حفظ "هاشم" القرآن الكريم في سن مبكرة في مكتب الشيخ "محمد عثمان"، ثم التحق في صباه بالتعليم المدرسي، ولكنه تركه وهو على أبواب الشهادة الابتدائية ليلتحق بمعهد الزقازيق الديني عام 1947، وقد أمضى به تسع سنين كاملة انتهت عام 1956م.
      بعدها التحق بكلية دار العلوم، ولكنه لم يتم الدراسة بها، حيث تُوفي مقتولاً قبل التخرج، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين، وسط ذهول من أهل قريته وأهله وكل من عرفوه.
      وبالرغم من حداثة سن "هاشم الرفاعي"، وبالرغم من أن حياته الشعرية لم تزد على العشر سنوات إلا أن تنوعاً كبيراً في أغراضه الشعرية يُوحي بموهبة شعرية غير عادية، فالمتصفح لديوانه يجد نفسه أمام ألوان مختلفة من الشعر ما بين المديح والرثاء والوصف والشعر الحماسي وأشعار المناسبات....إلخ.
      ويمكننا أن نتناول بعضاً من هذه الأغراض من خلال بعض النماذج الشعرية لشعره.
      كانت بداية الشاعر مع الشعر الحماسي حيث نجده في أول قصيدة كتبها وهي قصيدة "فلسطين" التي يقول فيها:

      آن الجهاد فأقدم أيها البطل
      وامسك حسامك واطعن قلب صهيونا
      جاءوا يريدون تقسيماً فقل لهم
      - والسيف يسطرهم- لن نقبل الهونا

      ومن شعره الوطني قصيدة كتبها عام 1951، وهي قصيدة "مصر الجريحة" فتجده يشبه مصر بالحسناء التي أنهكها الأنين، يفيض قلبها أسىً، وتذرف عيناها الدموع، تندب مجدها الضائع وعزتها المهدرة، ويشير فيها إلى الدعاة وما تحمَّلوه من عذاب في هذه الفترة العصيبة:


      ما راعني في الليل إلا أن أرى
      شبحاً بأثواب الدجى يتلفَّع
      يمشي الهوينى شاكياً فكأنه
      صبٌ بساعات الرحيل يودع
      فدنوت منه محاذراً فإذا به
      حسناء أنهكها الأنين الموجع
      فهتفت ما بال الفتاة أرى لها
      قلباً يفيض أسىً وعيناً تدمع
      من أنت يا فتاة؟ قالت يا فتى
      إني أنا مصر التي تتوجـع
      أبكي على مجدي وأندب عزتي
      هذان فقدْهُما مصاب مجزع
      ناديتها: نفسي فداؤك لا البكا
      يجدي ولا طول التفجع ينفع
      إن كان ساءك أن أرضك قد غدت
      مرعىً به ذئب الغواية يرتـع
      فهنا جند قام يسعى جاهداً
      في الدين يقتلع الفساد وينزع
      لله در القوم إن نفوسهم
      لتشع بالحق اليقـين وتنبـع
      فتحملوا ألم الأذى ببسالة
      وأمضهم كأس العذاب المنزع
      ففتى العقيدة مثخن بجراحه
      والشيخ يضرب بالسياط ويقرع

      وعندما دعا "يوسف السباعي" إلى استخدام العامية- بادعاء أن اللغة العربية بها قيود تحول بين الأديب والتعبير- قدم الشاعر قصيدة يدافع فيها عن اللغة العربية بعنوان "حول قيود اللغة العربية" يقول فيها:

      أشعلت حرباً لم تضع أوزارها
      تركت بكل صحيفة آثارها
      وحملة حملتك الجريئة فانبرت
      أقلام من خاضوا وراءك نارها
      ورميت أخت الضاد منك بطعنة
      كادت تدك قويةً أسوارها
      عجباً! أتحيون التراث بقتلها
      وترمون بهدمها أنهارها
      ورأيت قوماً يرمقون عيوبها
      طلباً وراحوا يطمسون نضارها
      رفقًا بعابرة القرون ورحمة
      أتريد منها أن تفارق دارها
      إني أعيذك أن تكون- إذا قضت
      يوماً وواراها الثرى- جزارها

      ويدعو الشاعر إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق ومحاربة الفساد، فتجده يخاطب فتيات الجامعة- اللاتي خرجن عن الأعراف الإسلامية- فيقول في قصيدته "رماد الفضيلة" عام 1957:


      لا تمدي لصيده أحبولة
      من تثنٍّ ومقلة مكحولة
      إنه ها هنا أخ وزميل
      أنت أخت له وأنت زميلة
      نحن في منهل للعلوم ولسنا
      في مباراة فتنة مصقولة
      فعلام الشفاه ترمي بنار
      خلفت تحتها رماد الفضيلة

      وينتقد الشباب المستهتر فيقول:

      وفتاك الذي جلست إليه
      جلسات قصيرة وطويلة
      تافه في الشباب حين نراه
      لا ندري فيه ذرة من رجولة
      من يظن المجون خفة ظل
      فهو يبدي خلاعة مرذولة
      يطلق النكتة السخيفة من
      فيه ويزجي العبارة المعسولة

      في الوطنية كتب قي بداية قصيدة مطولة بعنوان جزار الغرب عام1957

      سنا أمل ملأ الربا والمعالم
      واشلاء ليل غاله الصبح قاتم
      تاملت هذي الحياة فلم اجد
      سوى ذل مظلوم وطغيان ظالم
      وآمال قلب ينشد الخير تلتقي
      اذا أشرقت يوما بأطماع جارم
      وذي قوة قد راح يسطو بمخلب
      وناب على شعب وديع مسالم
      وذي قوة قد راح يسطو بمخلب
      وناب على شعب وديع مسالم
      جرئ على من يستكين بجنده
      جبان لدى القرم القوي المقاوم
      حياة الغاب استعارت شريعة
      فلا يلتقي فيها الضعيف براحم
      ومن ضم في جنبيه قلب نعامة
      فلا ينتظر الا وثوب الضراغم

      • وقال في مولد الرسول صلى الله عليه وسلم عام 1953

      أعد ذكراه في الكون شذوا مرنما
      فلله ما أحلاه ذكرا وأكرما
      وطف بالحديث في فم الدهر طاهر
      أضاء له وجه الورى وتبسما
      فما الكأس اذ تأتيك من يد كاعب
      مخضبة الاطراف معسولة اللمى
      تدور بها والعين فاضت بمثلها
      فلم تدر أيّا قد أصابك منهما
      بأطرب من ذكر الرسول اذا جرى
      وفاض فلم يترك فؤادا ولا فما

      وتحت راية الاسلام كتب عام 1959 قصيدة شباب الاسلام يقول فيها

      ملكنا هذه الدنيا قرونا
      وأخضعها جدود خالدونا
      وسطرنا صحائف من ضياء
      فما نسي الزمان ولا نسينا
      وآلمني وآلم كل حر
      سؤال الدهر اين المسلمونا ؟
      ترى هل يرجع الماضي فاني
      أذوب لذاك الماضي حنينا

      • ومما قاله في باب الدعابة والظرف عام 1952

      أتانا غنيما بالفطير وأحضرا
      وكنا حسبناه دجاجا محمرا
      بكى أحمد لما رأى اللفت دونه
      وأيقن أن الجوع كان مقدرا
      فقلت له لا تبك عينك اننا
      سنأكل لفتا أو نموت فنقبرا

      • وقال في الغزل عام 1959

      انا ياغادتي الحسناء
      أطوي في الحشا جمرا
      ظلمت هواي ولم اعشق
      سواك وليس لي أخرى
      ولو فكرت في هجري
      لعشت على سنا الذكرى
      وأبكيت الوجود معي
      وفجرت الاسى شعرا


      وقد ترك ديوانا رائعا حققه ودرسه اخوه عبد الرحيم جامع الرفاعي
      وقد لحنت بعض اشعاره اناشيد انتشرت انشارا واسعا منها قصيدة شباب الاسلام


      ملكنا هذه الدنيا قرونا
      وأخضعها جدود خالدونا
      وسطرنا صحائف من ضياء
      فما نسي الزمان ولا نسينا
      حملناها سيوفا لامعات
      غذاة الروع تأبى أن تلينا
      اذا خرجت من الاغماد يوما
      رأيت الهول والفتح المبينا
      وكنا حين يرمينا أناس
      نؤدبهم أباة قادرينا
      وكنا حين يأخذنا ولي
      بطغيان ندوس له الجبينا
      تفيض قلوبنا بالهدي بأسا
      فما نغضي عن الظلم الجفونا
      وما فتئ الزمان يدور حتى
      مضى بالمجد قوم آخرون
      واصبح لا يرى في الركب قومي
      بعد ان كانوا أئمته سنينا
      وآلمني وآلم كل حر
      سؤال الدهر اين المسلمونا ؟
      ترى هل يرجع الماضي فاني
      أذوب لذاك الماضي حنينا