مجموعة بحوث ان شاء الله تستفيدوا منها

    • مجموعة بحوث ان شاء الله تستفيدوا منها

      عندي مجموعة من البحوث بنزلها لكم بالدفعات

      هي بصراحة كتبة بحوث :)


      ابن الرومي

      إهـــــــــــــــــــــداء

      إلى التي تحمل مشاعل النور..... إليك هذه الأحرف والسطور
      يا من تلهميني من كل كلمة ... ألف معنى
      يا من تلهميني من كل معنى ... ألف مغزى
      يا من تلهميني من كل مغزى ... ألف كتاب


      المقدمة:

      يعد ابن الرومي احد اعلام الشعر العربي، وقد عرف بغزارة شعره وابداعه في كل غرض ولون، فقد اجاد الوصف والتصوير، وبرع في الهجاء، وفاق بذلك كثير من معاصريه ، ورثى ابناءه وغير ابنائه رثاء يعكس اصدق آلام النفس واعمقها وكان اقدر شعراء عصره على العتاب بأسلوبه العميق ولا يماثله احد في التحليل النفسي وتصوير المجتمع.

      هو اول شاعر تحدث بالتفصيل عن انواع الفاكهة فوصف العنب والمشمش والرمان واول شاعر تناول المآكل بالتفصيل فوصف السمك والبيض والدجاج واللوزنجج والقطايف والزلابية وأول شاعر وصف الحياة والناس، فصور الاحدب والاصلع والثقيل والمتكبر وصاحب الوجه الطويل واللحية الكثة والانف الضخم والخباز وقالي الزلابية والاغنياء المزيفين ومحدثي النعمة الجهلة كما جسم الأزهار والاثمار وعبر عن كل شكل من اشكال الطبيعة وكل حركة تدب فيها.

      ميلاده ونشأته:

      وُلد علي بن العباس بن جريج، المعروف بابن الرومي، ببغداد في (27 من جمادى الأولى 221 هـ = 19 من مايو 836م)، وكان جده "جريج" من أصل رومي، وكان مولى لعبد الله بن عيسى بن جعفر بن المنصور العباسي.
      أما أمه فقد كانت فارسية، وهو ما جعله في فخره يدّعي نسبه إلى ملوكهم والساسانيين حيثما يفتخر بأصوله وخؤوله من الفرس، كما كان يفتخر بنسبه الرومي، وينسب نفسه إلى اليونان كثيرا في شعره.
      وكان أبوه ميسور الحال، وهو ما هيأ له أن يتجه إلى التعليم وهو في سن صغيرة، فالتحق ببعض الكتاتيب ليحفظ القرآن الكريم ويتلقى شيئا من علوم النحو واللغة والأدب والحساب، وأبدى شغفا بالعلم والمعرفة منذ حداثة سنه، وكان مثالا نادرا للحفظ والاستيعاب. إلا أن المآسي والتعاسة لازمتاه طوال حياته ويتضح اثرهما في شعره، كقوله:

      انـا ذاك الـذي سقته يـد السقم كــؤوسـا مــن المـرار رواء
      ورأيت الحِمام في الصّور الشنع وكانت لولا القضاء قضاء
      ورمــاه الزمـان في شقّة النفس فـأصمى فـؤاده إصماء


      فالشاعرفقد والده باكراً فكفله اخوه الوحيد (محمد) ومن بعد وفاة اباه فقد خاله الذي كان صديقه وثقته، ثم فجع بأمه واخيه محمد. ورث ضيعة ودارين في بغداد. تزّوج في سن متأخرة، ورزق ثلاثة من الذكور تخطّفهم الموت الواحد تلو الآخر وهم صغاراً وما لبثت الزوجة ان لحقت بالأولاد. فغدا يرثيهم. أما أراضيه (الضيعة التي ورثها) فاتلفتها الحريق وأُجبر على بيع داره.

      من صفاته وأخلاقه:
      برغم ما تميز به ابن الرومي من الذكاء والفطنة والأدب الا إنه كان شاحب اللون، ضئيل البنية، معتل البدن، دميم الوجه، قبيح الملامح فلا ينبئ مظهره عن حقيقة جوهره وشاعريته الفذة، ومع ذلك فقد كان ابن الرومي مدركًا لتلك العبقرية الفذه والشاعرية الفياضة التي حباه الله بها، فكان كثير الفخر بشاعريته وسعة علومه، وتبحره في العلوم والفلسفة. فضلا عن تطلعه من اللغة العربية كما يتبين من المفردات التي يستخدمها
      وقد اتخذ من قبح مظهره ودمامة ملامحه دعابة وسخرية من نفسه، فيقول:
      يصلح وجهي إلا لـذي ورع شغفت بالخدر الحسان وما
      ولا يشهد فيها مساجد الجمع كي يعبد الله في الفــلاة
      وعرف ابن الرومي بتطيره وتشاؤمه، ولعله كان يبالغ في ذلك ليتجنب الخروج من منزله و المجالس التي لا يرغب في حضورها، حتى إنه كان يلزم داره اياما كثيرة، وقد اشتهر بذلك حتى غدا أكبر شاعر متطير في عصره، وهناك العديد من الروايات والاخبار التي تروي ذلك.
      المدح في شعره:
      من الطبيعي أن يمدح الشاعر الخلفاء والوزراء والامراء كما شاع في عصره و قد عاش مع الخلفاء : الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد والمعتضد ولكنه لم يمدح غير المتوكل ومع هذا عجز في الحصول على مكانة في نفس الخليفة وسائر الامراء لانه كان غريب الاطوار ومجلبة للنحس كما كان يظن هو نفسه ويظن به معاصروه.
      وهو يقول في اساءة الممدوحين معاملته و ردهم قصائده اليه لانها غير صالحة او في تمنعهم عن بذل العطايا له:
      قد بلينا في دهرنا بملوك
      ادباء علمتهم شعراء
      ان اجدنا في مدحهم حسدونا
      فحرمنا منهم ثواب الثناء
      او اسأنا في مدحهم انبونا
      وهجو شعرنا اشد الهجاء
      الهجاء:
      من نادر شعره الساخر،وهو في قمة الروعة، والغرابة في المعنى، والبراعة في دقة الملاحظة والوصف، شعره الذي قاله في الأحدب الذي كان يطالعه، قريباً من منزله، في معظم الأحيان، فتطير الشاعر منه. ويقول فيه:
      قصرتْ أخادعُه وغارَ قذالُه فكأنّه متربّصٌ أنْ يُصفعا
      وكـأنّما صُفعتْ قفاه مـرّةً فـأحسَّ ثانيةً لها فتجمّعا*
      الرثاء :
      نظم ابن الرومي أروع الرثاء وأندره ،وأجوده، وأصدقه عاطفة والتعبير عن نفسه، وأرقّه عبارة، وأشده حزنا.
      رثاء ابن الرومي لابنه محمد يشهد بقدرته على صياغة الاحاسيس الصادقة والتعبير عن لوعة الاسى.فيقول:
      ـــــــــــــــــــــ

      ابن الرومي، حياته من شعره ص143



      وآنست من أفعاله آية الرشد على حين شمت الخير من لماحته
      ولا قبلة أحلى مذاقا من الشهد كأني ما اسـتمتعت منك بنظـرة
      ولا شمة في ملعب لك أو مهد* كأني ما اسـتمتعت منك بضـمة
      الطعام :
      عرف عن ابن الرومي نهمه وشدة شهوته إلى الطعام والحلوى والثمار وكثر في شعره وصف الأطعمة والأشربة من كل لون وصنف، كما يصف الطهاة والخبازين وصنعتهم. ومن أبدع الوصف ونادره جودة وبراعة، وصفه الخبازالذي مرَّ به يبسط الرقاق بيديه بمهارة، وكان ابن الرومي يقول: انظروا إذا وصفت، أين يقع الناس كلهم مني، وهل أحد قط أملح من قولي في صفة الرقاقة:
      يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر ما أنس لا أنس خبازا مررت به
      وبيـن رؤيتهـا زهـراء كالقمر ما بين رؤيتهـا في كفـه كـرة
      في صفحة الماء يُرمَى فيه بالحجر* إلا بمقـدار مـا تنـداح دائـرة
      ولشدة نهم ابن الرومي، وإعجابه بأطايب الطعام والفاكهة، فإن الموز في شعره حيزاً لا ينكر، يدل على ذلك قوله فيه، وهو من نادر الشعر:
      ليس بمعدود ولا محسوب للموز إحسان بلا ذنوب
      يـدفعه البلع إلى القـلوب* يكاد من موقعه المحبوب
      وتوفي ابن الرومي في (28 جمادى الأولى 283 هـ / 13 يوليو 896م) عن عمر بلغ نحو ستين عاما، وقيل: إن "القاسم بن عبيد الله" دسّ له السُمّ في طعام قدّمه إليه، فلما أحس بالسم في بطنه نهض مسرعا، فقال له القاسم: إلى أين؟ فأجابه إلى حيث أرسلتني. فقال له متهكما: سلّم على والدي عبيد الله. فأجابه: ما طريقي على النار!

      الديوان
      نموذج من شعره يعاتب صديقاً لهْ:
      كان ابن الرومي صديقاً لأبي القاسم التوزيِّ، أحد مشاهير عصره في لعبة الشطرنج، حدث بينهما خلاف فأنشأ قصيدة طويلة يعاتب فيها أبا القاسم، منها هذه الابيات:
      (ا)
      يا أخي، أين عَهدُ ذاكَ الإخاءِ؟ أين ما كان بيننا من صفاءِ؟
      كَشَفتْ منكَ حــاجتي هَنــَوات غُطِّيتْ بُرْهَة ً بـِحُسْن اللقاء ِ
      تركتني ولم أكــُنْ سَيِّئَ الـظــ ــَّنِّ أُسئُ الظنونَ بالأصدقاءِ
      يا أخي، هَبْكَ لم تهب لي من سعـــيكَ حظّاً كسائرِ البُخَلاءِ
      أّفــلاَ كــانَ مــنْكَ رَدٌّ جَمـيلٌ فـيه للنفسِ رَاحـة مـِنْ عـَنَاءِ؟
      يا أبا القاسمِ الذي كُنْت أرجوهُ لِدَهْرِي قَطَعْتَ مَتْنَ الـرجاءِ
      (ب)
      رُبــَّمَا هـَالَنـي وَحـَيــَّرَ أمـْرِى أخـذُكَ الــلاَّعبِينَ بـالبَأْسـَاءِ
      واحتراسُ الدُّهاة منك وإِعصا فــُك بـالأقـويـاءِ والضـعفاءِ
      غَلِطَ الناسُ لستَ تَلْعَبُ بالشِّط رَنـــجِ، لكن بـأَنـفُسِ الـلُّعَباءِ
      لَكَ مَكْر يَدبُّ في القوم أخْفَى من دَبيب الغِناء في الأعضاءِ
      تَقتلُ (الشاهَ) حيثُ شئتَ مـن الـرُّقـــعة طَبّاً بالقِتْلَةِ النَّكراءِ
      غَيْرَ ما ناظرٍ بعينيكَ في الدّسْــ ـــتِ، ولامُقْبِلٍ على الرُّسَلاءِ
      (ج)
      أنْتَ أدْوَيْتَ صَدْرَ خِلِّك فَاعذرْه على النَّفْث. إِنَّهُ كالدَّواءِ
      قَدْ قَضَيْنَا لُبانَةً من عِتَاب وجَميِلٌ تَعَاتُبُ الأكفاءِ

      شرح الأبيات:
      (1)
      يعاتب الشاعرُ صديقَه على تَنَكُّره له، وعدم قيامهِ بما تقضِى به واجبات الصداقة:
      1. فيتساءَل متحسراً: اين عهد الإخاء الذي كان يربط بين قلوبنا؟ وأين أيام الصفاء التي نعمنا بها حينا؟ لقد انقضى ذلك كله.
      2, 3. كانت بي حاجة إليك، وكنت آمل أن يتحقق على يدكن ولكن هذه الحاجة كشفت عن حقيقة نفسك التي كانت تختفي تحت ستار من البشاشة الخدَّاعة. وقد نالت هذه الصدمة من نفسي، فجعلتني مع حسن ظَنِّي بالناس أُسِئُ الظن حتى بالأَصدقاءِ.
      4 ،5. وإذا كانت هِمَّتُك قد قَصُرت بك عن الاستجابة إلى ما طلبت،شأن البخلاء الذين يضنون على الناس بما يملكون- أفما كان يجدر بك أن تردَّ ردّاً جميلا يريح النفس، ويُجَنِّبُها الشعور بالخيبة؟

      6. لقد كنت الصديق الذي أدَّخرهُ لدهري، واستعين به على نوائب الأيام، ولكنك بدَّدت الأمل، وقطعت كل رجاء.

      الأبيات تفيض بشعور المرارة لموقف أبي القاسم، إلى جانب هذا الشعور العاتب، صراحة الصديق لصديقه، حين يعمل جاهداً على بقاء الصداقة، وانقاذها بالمصارحة والمكاشفة.
      والصور في الأبيات قليلة، لكنها معبرة عن مرارة العتاب وقسوته، كقوله في البيت الثاني: (كشفت منك حاجتي هنوات) فيه استعارة مكنية شخصت هذه الهنوات وجعلتها تطل بمرآها القبيح وتظهر للعيان، بعد أن كانت خفية تسترها البشاشة الكاذبة.
      وقوله في البيت السادس: (قطعت متن الرجاء) استعارة مكنية خَيَّلَت للرجاء متنا يقصمه إخلاف الموعد، وفيه تصوير لخيبة امل الشاعر.
      وألفاظ الابيات عذبة رقيقة، وعباراتها لينة سلسلة، ويظهر في بعضها الطباق النابع من الموقف المتناقض الذي واجه الشاعر
      مثل: كشفت – غطيت. لم أكن سيئ الظن – أسئ الظن. راحة- عناء.
      كما يتكرر اسلوب الاستفهام : يحمل في البيت الأول معنى المرارة والعتاب والتحسر، ويحمل في البيت الخامس معنى السخط والإنكار.


      (ب)

      ينتقل الشاعر في هذه الأبيات إلى الحديث عن براعة صديقه في لعبة الشطرنج، دهِشاً من أنه يتورط في هذه السقطة مع ذكائه. يقول:
      7 ، 8. إنه لممَّا يحيرني، ويأخذ بلُبِّي، أنّك تتغلب في قوة مذهلة على كل من ينافسك على الشطرنج برغم احتراس الدهاة منك، وأن الأقوياء والضعفاء أمام اكتساحك لهم سواءٌ.
      9 ، 10. لقد أخطأ من وصفك بأنّك لاعب شطرنج، فما أنت في الحقيقة إلا لاعب بالنفوس، تحرك مشاعر منافسيك كيف تشاء، بين يأس ورجاءٍ وأنَّ لديك من الدهاءِ فوق ما لهم منه، ومن المكر ما يسري إلى عقولهم في خفاءٍ يُذهلها، مثلما تسري نشوةُ الغناءِ في النفوس، فتشغلها عن كل شئٍ.
      11 ،12. فأنت تصرع (الشاه) في أي وقت، وفي أي موقع شئت من رقعة الشطرنج، خبيراً بالضربة القاضية التي لا قيام منها.
      وقد بلغت بك براعتك أنك تلعب ولا تنظر إلى الرقعة، ولا تُقبٍلُ على منافسيك؛ لأنَّ لك من الثقة بنفسك ما يجعلك غير مكترث بهم.

      ينتقل الشاعر إلى لعبة الشطرنج انتقالة مفاجئة، ولكنه في قرارة نفسه يرى تناقضا بين مقدرته العقلية الفذة في هذه اللعبة، وخطئه الغريب في معاملة صديقه.
      ومن الصور التي عبَّرت عن مهارة صديق الشاعر قوله في البيت الثامن: (وإعصافك بالأقوياء والضعفاء) وفيه استعارة تصريحية في كلمة (إعصافك) جعلت هجومه كاندفاع العاصفة التي تجتاح في طريقها كل شئٍ.
      وقوله في البيت العاشر (لك مكر يدب في القوم أخفى) فيه تشبيه جعل المكر يؤثر في القوم كتأثير الغناء في النفوس، وان كان أخفى من ذلك.
      وفي قوله (تقتل الشاه) في البيت الحادي عشر استعارة مكنية شخَّصت قطعة الشطرنج، وجعلت لها حياة تنتهي على يدي أبي القاسم حين يشاء.
      وفي قوله: (غير ما ناظر بعينيك في الدست) كناية عن الثقة بالنفس وعدم المبالاة بخطط اللاعبين.
      والألفاظ واضحة المعاني، دقيقة في مواضعها غاية الدقة، الى جانب ذلك هي موحية بالشعور في كثير من المواطن، ومن ذلك: (هالني – أخذك اللاعبين – طبّاً - النكراءِ)
      (ج)
      يعود الشاعر، بعد الحديث عن الشطرنج، إلى موقف العتاب الذي استولى على نفسه فيقول:
      13 ، 14. لقد ملأت نفسي بالأسى، فكان لابد أن تنفِّس عما بها بالنفث، فمعذرة، فإن الإفضاء بما يُمِضُّ النفس شفاءٌ لها.
      ولعلِّي بهذا أكون قد أرحت نفسي، وبلغت الغاية التي يحققها العتب الجميل بين الأصدقاء.
      والشاعر في هذين البيتين يجنح إلى الهدوء والتلطفن ويفتح باب الأمل لعودة الصفاء بينه وبين صديقه.
      والاسلوب الخبري يميل إلى التقرير، ويشير بحالة الرضا والراحة بعد الإفضاء بما كان في النفس.
      والصورة في قوله: (فاعذره على النفث،إنه كالدواء) تشبيه صادق من الناحية النفسية، لان النفث كثيرا ما يخفف الغيظ المكظوم.
      وكان الشاعر دقيقا في قوله: (لُبانة)؛ فهي توحي بأنه كان يتطلع إلى بثِّ ما في نفسه من شجن.

      التعليق:
      · يتميز الشاعر بحدة الحس، والمقدرة على استقصاء افكاره ومعانيه، فهو إذا عرض لفكرة تناولها من كل جوانبها.
      · يُجَسِّمُ المعنويات، كهنوات، والرجاء.
      · أنه ذو خيال بارع، يجعل افكاره صورا مُحَسَّة لها تأثيرها في النفوس.
      · ألفاظه عذبة سائغة، وهي في الوقت نفسه دقيقة غاية الدقةن وعباراته تتدفق في سلاسة مع مقدرة على الاداء البارع والايحاء والتأثير.

      الخاتمة:
      لم نعرف في الشعراء القدامى شاعر عبر عن نفسه وخلجات وجدانه مثلما عبر ابن الرومي، فرغم العذاب والهم الذي عاناهما الشاعر إلا أنه عوضّ عن ذلك بنجاح باهر تمثل في الاشعار الوصفية والهجائية والوجدانية وأروعه الوصف الوجداني الذي يجسد عواطف الشاعر واحاسيسه كما عبر في الهجاء عن سخطه وحرمانه ، وتميز بروعة الاداء والسخرية والمبالغة.




    • أبو الطيب المتنبي وقصيدة على قدر أهل العزم

      أبو الطيب احمد بن الحسين المعروف بالمتنبي من اصل عربي ينتهي إلى كهلان من القحطانية. ولد في الكوفة سنة 915 من أسرة فقيرة في محلة تدعى "كندة" فنسب إليها، وكان أبوه سقاء في الكوفة يستقي على جمله لأهل محلة كندة ويعرفه القوم بعبدان السقاء، والمرجح أن أمه ماتت وهو طفل، فقامت له جدته مقام الأم

      ونشأ الفتى في الكوفة، أحد مواطن الحضارة العباسية وأهم موطن للشيعة ، وما لبث أن اشتهر بقوة الذاكرة وشدة النباهة والذكاء، والجد في النظر إلى الحياة، والمقدرة على نظم الشعر
      وفي سنة 925م استولى القرامطة على الكوفة، ففر الشاعر مع ذويه إلى السماوة الشرقية، ومكث فيها سنتين اختلط خلالهما بالبدو حتى تمكن من ملكة اللغة العربية الأصيلة؛ ثم عاد إلى الكوفة سنة 927م، واتصل بأحد أعيانها أبي الفضل الكوفي. وكان أبو الفضل قد اعتنق مذهب القرامطة فتشرب الشاعر المذهب القرمطي.
      قدم سيف الدولة انطاكية سنة 948 وبها أبو العشائر الحمداني ولديه المتنبي يمدحه، فقدمه إلى سيف الدولة وأثنى عليه. وكان سيف الدولة عربياً يملك على حلب منذ سنة 944، وكان محباً للأدب وأصحابه، يجمع في بلاطه عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء حتى قال ابن خلكان: "يقال انه لم يجتمع بباب أحد من الملوك؛ بعد الخلفاء، ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر، ونجوم الدهر". فضم سيف الدولة الشاعر الجديد إليه، ورجع به إلى حلب، فنال المتنبي لديه حظوة كبيرة، وصحبه في بعض غزواته وحملاته على الروم والبدو.
      وقد لاقت نفسية الشاعر احسن ملاءمة مع نفسية الامير، فكانت تلك الحقبة أطيب حقبة في حياة المتنبي وأخصبها، فقد حاز لدى سيف الدولة من الإكرام ما لم يحزه شاعر آخر، وطار له في الشعر صيت طوى البلاد؛ ولكن كثر من جراء ذلك حساده؛ وراحوا يرمونه بالوشايات وهو يقاومهم بعنف وكبرياء، حتى نغصوا عليه العيش؛ وقد لاحظ في آخر عهده عند سيف الدولة جفوة من الأمير وانحرافاً، إذ جرت في حضرته مناظرة بين الشاعر وابن خالويه أدت إلى المهاترة والغضب، وضرب ابن خالويه الشاعر بمفتاح شج به رأسه؛ فغادر المتنبي حلب وفي نفسه حنق جبار وحزن أليم عميق على فردوسه المفقود.
      توجه الشاعر إلى دمشق ولكنه لم يلبث فيها طويلاً، واتى الرملة بفلسطين، فسمع كافور الإخشيدي بأخباره فطلبه. وكان كافور عبداً زنجياً.
      وقصد المتنبي الفسطاط عاصمة مصر الاخشيدية إذ ذاك ومدح كافوراً فوعده بولاية طمعاً في إبقائه بالقرب منه؛ ورأى المتنبي في ذلك الوعد تحقيقاً لأحلامه في السيادة التي لم تبارحه سحابة حياته، ووسيلة لقهر حساده؛ وانقضت سنتان والوعد لا يزال وعداً، فشعر أبو الطيب بمكر كافور وتبين حيلته، فانحاز إلى قائد اخشيدي اسمه أبو شجاع فاتك لقي منه حسن التفات واخلاص ومودة، إلا أن الحظ لم يمتعه به طويلاً، فمات أبو شجاع فجأة وترك للشاعر لوعة واحتداماً، وقد عزم أن يهرب، ولكن كافوراً مانعه في ذلك وضيق عليه، خشية من لسانه وهجائه؛ وفي كانون الثاني من سنة 962 سنحت الفرصة فهرب المتنبي، وهجا كافوراً هجاء ضمنه كل ما في نفسه من مرارة واحتقار. وراح يضرب في البلاد، قاصداً العراق؛ وقد وصف رحلته هذه في قصيدة شهيرة عدد فيها الأماكن التي مر بها وختمها بهجاء كافور،
      قدم الشاعر بغداد ومكث فيها نحو سنة التف حوله، في خلالها، جماعة من علماء اللغة والنحو كعلي البصري، والربعي، وابن جني، فشرح لهم ديوانه واستنسخهم اياه؛ ثم برح بغداد وقصد ابن العميد في أرجان، وكان ابن العميد وزير ركن الدولة البويهي، فانتهى إليه في شباط من سنة 965م. قدم الشاعر بغداد ومكث فيها نحو سنة التف حوله، في خلالها، جماعة من علماء اللغة والنحو كعلي البصري، والربعي، وابن جني، فشرح لهم ديوانه واستنسخهم اياه؛ ثم برح بغداد وقصد ابن العميد في أرجان، وكان ابن العميد وزير ركن الدولة البويهي، فانتهى اليه في شباط من سنة 965م ومدحه، ولبث عنده نحو ثلاثة أشهر، ثم انطلق إلي شيراز نزولا عند طلب عضد الدولة السلطان البويهي، ولقي حظوة كبيرة، ومدح السلطان بقصائد عدة، وفي شهر آب من سنة 965م غادره متشوقاً إلى بلاده، وودعه بقصيدة كانت آخر ما نظم، مطلعها:
      فِدى لكَ مَن يُقَصِرُ عن مَداكا فلا مَلِكٌ إذَنْ إلا فِداكا
      مقتله: ترك المتنبي شيراز وعاد إلى ارجان، ووقف قليلاً في واسط بالعراق، ثم نوى الوصول إلى بغداد؛ فحذر كثيراً من اللصوص الذين يكمنون في الطريق من واسط إلى بغداد إلا انه لم يصغِ إلى أحد، وسار مع ابنه وبعض غلمانه، فعرض له فاتك بن جهل الأسدي في جماعة، وكان الشاعر قد هجا أخته، فقتل المتنبي وتناثر ديوانه الذي خطه بيده، وذلك في شهر أيلول من سنة 965م بعد حياة حافلة بالطموح والفشل.


      قصيدة على قدر أهل العزم
      يمدحه ويذكر بناءه ثغر الحدث
      سنة ثلاث وأربعين وثلاث مئة
      (954م):



      على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
      وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
      يكلف سيف الدولة الجيش همه وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم
      ويطلب عند الناس ما عند نفسه وذلك ما لا تدعيه الضراغم
      يفدي أتم الطير عمراً سلاحه نسور الفلا أحداثها والقشاعم
      وما ضرها خلق بغير مخالب وقد خلقت أسيافه والقوائم
      هل الحدث الحمراء تعرف لونها وتعلم أي الساقيين الغمائم
      سقتها الغمام الغر قبل نزوله فلما دنا منها سقتها الجماجم
      بناها فأعلى والقنا يقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم
      وكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمائم
      طريدة دهر ساقها فرددتها على الدين بالخطي والدهر راغم
      تفيت الليالي كل شيء أخذته وهن لما يأخذن منك غوارم
      إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً مضى قبل أن تُلقى عليه الجوازم
      وكيف ترجي الروم والروس هدمها وذا الطعن أساس لها ودعائم
      وقد حاكموها والمنايا حواكم فما مات مظلوم ولا عاش ظالم
      أتوك يجرون الحديد كأنما سروا بجياد ما لهن قوائم
      إذا برقوا لم تعرف البيض منهم ثيابهم من مثلها والعمائم
      خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أُذن الجوزاء منه زمازم
      تجمع فيه كل لسن وأمةٍ فما يفهم الحداث إلا التراجم
      فلله وقت ذوب الغش ناره فلم يبق إلا صارم أو ضبارم
      تقطع ما لا يقطع الدرع والقنا وفر من الفرسان من لا يصادم
      وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
      تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضاح وثغرك باسم
      تجاوزت مقدار الشجاعة والنهى إلى قول قومٍ أنت بالغيب عالم
      ضممت جناحيهم على القلب ضمة تموت الخوافي تحتها والقوادم
      بضرب أتى الهامات والنصر غائب وصار إلى اللبات والنصر قادم
      حقرت الردينيات حتى طرحتها وحتى كأن السيف للرمح شاتم
      ومن طلب الفتح الجليل فإنما مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم
      نشرتهم فوق الأحيدب كله كما نثرت فوق العروس الدراهم
      تدوس بك الخيل الوكور على الذرى وقد كثرت حول الوكور المطاعم
      تظن فراخ الفتخ أنك زرتها بأماتها وهي العتاق الصلادم
      إذا زلقت مشيتها ببطونها كما تتمشى في الصعيد الأراقم
      أفي كل يوم ذا الدمستق مقدم قفاه على الإقدام للوجه لائم
      أينكر ريح الليث حتى يذوقه وقد عرفت ريح الليوث البهائم
      وقد فجعته بابنه وابن صهره وبالصهر حملات الأمير الغواشم
      مضى يشكر الأصحاب في فوته الظبى لما شغلتها هامهم والمعاصم
      ويفهم صوت المشرفية فيهم على أن أصوات السيوف أعاجم
      يسر بما أعطاك لا عن جهالة ولكن مغنوما نجا منك غانم
      ولست مليكا هازماً لنظيره ولكنك التوحيد للشرك هازم
      تشرف عدنان به لا ربيعة وتفتخر الدنيا به لا العواصِم
      لك الحمد في الدر الذي لي لفظه فإنك معطيه وإني ناظم
      وإني لتعدو بي عطاياك في الوغى فلا أنا مذموم ولا أنت نادم
      على كل طيار إليها برجله إذا وقعت في مسمعيه الغماغم
      ألا أيها السيف الذي ليس مغمداً ولا فيه مرتاب ولا منه عاصم
      هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلى وراجيك والإسلام أنك سالم
      ولم لا يقي الرحمن حديك ما وقى وتفليقه هام العدى بك دائم

    • الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي
      صاحب القصيده الشهيره :

      إذا الشعب يوما اراد الحياة ... فلابد ان يستجيب القدر
      ولابد لليـل الطويل ان ينجلي ... ولابد للقيد ان ينكســـر

      ولد أبو القاسم الشابي في 24 فيفري 1909 الشابية، قرب توزر، في أسرة موسرة [...] وقد زاول والده محمد الشابي دراسته بجامع الأزهر بالقاهرة حيث كان تلميذا نابها من تلامذة الشيخ محمد عبدة (ت 1905)، وعاد إلى تونس محرزا على الإجازة المصريّة، وعيّن قاضيا أوّل أمره بسليانة (22 مارس 1910).

      وكان ذلك بداية سلسلة من التنقّلات مكّنت أبا القاسم من معرفة البلاد التونسيّة كلّها تقريبا، فقد كان يرافق اباه طول الوقت غلى أن بلغ سنّ الدراسة [بالزيتونة] بتونس العاصمة، فاقتصرت مرافقته إيّاه على العطل .

      وكانت دراسة أبي القاسم الابتدائيّة باللّغة العربيّة دون غيرها، ثمّ أرسله أبوه، وهو لم يبلغ الثّانية عشرة إلى تونس لمتابعة الدّراسة الثانوية بجامع الزيتونة. ويضبط ملفّه الجامعي أنذه رسم بهذا الجامع يوم 11 أكتوبر 1920,أخذ أبو القاسم يحضر الدّروس التي كانت تلقي بجامع الزّيتونة، وكان موضوعها الأساسيّ الفقه والعربيّة، إلاّ أنّه كان يختلف غلى المكتبة ويكثر من المطالعة إلى جانب تلك الدّروس التي لم يكن ليكتفي بها.

      فقد كانت - غير بعيد عن جامع الزّيتونة - مكتبتان على درجة من الأهميّة كان أبو القاسم الشّابي يختلف إليهما بانتظام، وهما مكتبة قدماء الصّادقيّة والمكتبة الخلدونيّة. ويمكننا - اعتمادا على مختلف المعلومات المكتوبة الشّفويّة التي توصّلنا غلى جمعها أن نصنّف مطالعاته غلى ثلاث مجموعات :

      الأدب العربيّ القديم، وخاصة الشعراء (المشهورين أو المغمورين) مع ميل واضح إلى الآثار الصّوفيّة.الأدب العربيّ الحديث من خلال مدرستي المهجر والمنشورات المصريّة.

      الأدب الأوروبيّ من خلال التّرجمات العربيّة والمؤلّفات المعرّبة، وتتكرّر ثلاثة أسماء [في تلك المعلومات] بإجلال كبير وهي : "غوته" (
      Goethe) و"لامرتين" (La martine) و"أوسيان (Ossian).

      وما أن تترك له كتبه بعض الفراغ حتّى يختلف بنفس الشّغف غلى المجالس الأدبيّة والحلقات الدّراسيّة والمنتديات الفكريّة .

      ويبدو أنّ الشّابّي أقبل في شهر أكتوبر 1927 على السّنة الدّراسيّة التي أعدّ فيها شهادة التّطويع، وهي شهادة ختم الدّروس الثانويّة ثمّ انخرط في مدرسة الحقوق التونسيّة وبدأ سنته الدّراسيّة الجديدة (1928-1929).

      وفي غرّة فيفري 1929 القى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشّعري عند العرب" وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كلّ البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس واتّضح، من خلال سعيه إلى تحديد تصوّره الشّعر وإلى بلورة رؤية شعريّة، أنّه ناقد على ثقة بنفسه وإن لقي صعوبة في إقناع سامعيه الذين صدمهم أكثر ممّا استمالهم.

      وقد فاجأت هذه المحاضرة التي ألقاها طالب في العشرين من عمره لم يكن يعرف لغة أجنبية ولا غادر بلاده بما في أحكامها من جرأة، وبما في الآراء الواردة فيها من طرافة، وبما في ذوق صاحبها من جدّة، فأثارت في تونس أوّلا ثمّ بالمشرق العربيّ بعد ذلك سلسلة من ردود الفعل العنيفة ضدّ مؤلّفها .

      وأقبل عليه صيف ذلك العام بهموم جديدة : فقد غادر ابوه الذي اشتدّ به المرض زغوان (جويلية / أوت 1929) غلى مسقط رأسه، ولم يكن بوسع الشابي إلاّ أن يشهد احتضار ابيه، فثار حينا وأحسّ بنفسه على شفا الهاوية حينا آخر وتوفّي أبوه - رحمه الله - يوم 8 سبتمبر .
      وبدأ الشابي يوم غرة جانفي 1930 كتابة "مذكّراته" ولكنّه توقّّف للأسف عن كتابة المذكّرات في شهر فيفري من السّنة نفسها. وذكر في مذكّرة 13 جانفي أنّه عليه أن يلقي محاضرة عن الأدب العربي. وذهب صحبة بعض أصدقائه إلى الموعد ولكنّه ألفى القاعة فارغة، فلم يعد أحد يرغب في الاستماع إليه بعد محاضرته السّابقة عن "الخيال" . وقد أثّر فيه مشهد القاعة فارغة تأثيرا عميقا، فنظم في نفس ذلك اليوم قصيدته الشّهيرة : كالنبيّ المجهول".

      وأتمّ في تلك السّنة نفسها دراسته في مدرسة الحقوق التونسية، وكان وقتها مريضا، ولسنا نعلم على وجه الدّقّة متى بدأ يحسّ بالمرض، غير أنّ أخاه الأمين ذكر أنذ عوارض المرض الأولى ظهرت عليه سنة 1929 وظلّ مرضه غير معروف على وجه الدقّة ولم يسع إلى الإقبال على عمل، بسبب مشاغله العائلية ومرضه أو بسبب تصوّره دور الشاعر أو لكلّ هذه الأسباب مجتمعة، فاكتفى، كسائر طلبة الحقوق، بإجراء تربّص لدى المحاكم التونسية .

      وسهر على مصالح عائلته وواصل كتابة الشّعر، وظلّ على ما كان عليه من نشاط وحماسة في بعث المنتديات الأدبية وبثّ الرّوح فيها.

      وقضى صيف 1933 بالمشروحه بالتّراب الجزائري حيث رتّب ديوانه، وقد ظنّ عند عودته غلى مسقط رأسه أنّ الدّيوان قد ضاع في مصالح البريد، وتبدو الأزمة التي انتابته بسبب ذلك من خلال رسائله إلى صديقه محمّد الحليوي.

      وإثر هذه الأزمة النّفسيّة انتابته أزمات أخرى جسديّة أعادته إلى صراعه المرهق مع المرض. ونكاد لا نعرف شيءا عن حياته طوال شتاء 1934، وقد ظلّ بتوزر، غير أنّ أزمة شديدة الخطر (جانفي 1934) أجبرته على ملازمة الفراش طوال بضعة أشهر، وأضحى يعاني من مرضه الغريب شديد المعاناة، وأضحى يعاني خاصّة من عجزه عن الخروج والاستمتاع بالطّبيعة .

      وواصلت مجلّة "أبولو" المصرية نشر أشعاره بانتظام، فكان ذلك بداية الشّهرة.

      وانتقل مع بداية الرّبيع غلى بلدة الحامّة التي تبعد عن توزر تسعة كيلومترات ولكنّه كان متعبا، عاجزا عن الحركة، خائر القوى، وهو الذي كان قبلا لا تهدأ حركته، فصار يحسّ بأنّه منهك فصار قلقا وازدادت حاله سوءا، وتوالت عليه الأزمات فأجبرته على مغادرة الجنوب للمعالجة بشمال البلاد .

      ووصل إلى تونس العاصمة ودخل يوم 3 أكتوبر 1934 المستشفى الإيطالي بتونس [مستشفى الحبيب ثامر]، وفيه توفّي بعد بضعة أيّام، يوم الثلاثاء 9 أكتوبر 1934 ساعة الفجر



      الشاعر أبو قاسم الشابي

      المقـدمـة:

      لم يكن الشابي ومضة في حياة الشعر العربي وإنما كان بحياته القصيرة الطويلة نقطة تحول في الشعر العربي فقد كان من كبار المجددين الذين رأوا في الشعر العربي القديم تراثا يجب احترامه وليس منهجا يجب اتخاذه. فكان رأيه هذا سببا في نفور الناس منه لأنهم لم يفهموه لأنه سبق عصره أم اليوم فنحن فهمناه فاستوعبنا أراه.

      لقد كان الشابي بشعره يقف في مصاف كبار جنود وسياسيي العالم الثالث(المستعمر) فقد كان حربا لا هوادة فيها ضد الاستعمار، وأخذ على عاتقه محاربة الرجعية و الجهل وظلام التخلف.
      كما أنه لم يظهر نجمه بعد موته لأن بعد موته بفترة بسيطة أشتعل العالم بنيران الحرب العالمية الثانية، وتلتها ثورات التحرير في الوطن العربي، فكاد العالم أن ينسى الشابي إلى أن نشر زميله وأخوه آثاره وبعض النقاد كذلك.

      لهذه الأسباب وغيرها رأينا أن نقدم تقرير نعرض فيه نبذة عن حياته وشعر هذا (الشاعر البلسم) بلسم الشعوب المستعمرة بالجهل والمكبلة بالرجعية، ثم نتحدث حول الإطار الاجتماعي الذي عاش فيه، ونختم ذلك بذكر بعض المعاني في شعره.
      حياة الشابي.

      ولد في مارس 1909 في بلدة (الشابة) على مقربة من توزر، وعين أبوه قاضيا في نفس عام ولادته وراح يتنقل من بلد لبلد، وتلقى تعليمه الأول في المدارس القرآنية وكان ذكيا قوي الحافظة فقد حفظ القرآن وهو في التاسعة من عمره، بعد ذلك أرسله والده لجامع الزيتونة وحصل على شهادة التطويع 1927 وهو في سن الثامنة عشرة، ولم يكتف أبوه بذلك فأدخله كلية الحقوق وتخرج منها سنة 1930 .

      وكانت نقطة التحول في حياة شاعرنا موت حبيبته وهي مازلت شابة، ثم تبعه بعد ذلك الموت وأختطف أبوه، فتسبب هذين الحادثين في اعتلال صحته وأصيب بانتفاخ في القلب فأدى ذلك لموته وهو صغير السن في عام 1934 بمدينة تونس، ونقل جثمانه لمسقط رأسه قرية الشابة.

      ثقافته وشخصيته:

      نشير في هذا المحور لشيء من ثقافته، نشأ في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس

      لدراسة الحقوق أن ينضم (للنادي الأدبي) وأخذت مواهبه الأدبية تبرز و تعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاصرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي بآت بالفشل لأن طائر الموت أختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.

      والآن نبين شخصية الشابي التي وجدت الرومانسية الملاذ الوحيد له ليعبر عن ما في نفسه وقد كان الطابع المميز لشبان عصره وهو سر الذيوع. وقد كان مؤمنا بقضيته السياسة وكان من الذين حاربوا الاستعمار، وأبرز عاطفته الصادقة في عدة مواضع.


      * بعض المعاني في شعره:

      الوطنية:

      نلاحظ أن ما أثار وطنية الشابي بالدرجة الأولى هي اصطدامه بالرجعية، ووطنيته وطنية جد صارخة ذات هجمات نارية عاتية مدمرة، ولكن لم تكن موجهة للاستعمار بقدر ما هي موجهة لسلاحه الرجعية التي حبست أنفاس الشعب والتي تقيد طموح الشعب فمنعه من التحرر والانطلاق أرجعته بقوة للماضي البالي الذي فقد معناه في نفوس الشباب المتفهم لرسالته في الحياة.

      الطبيعة:

      حين نتأمل شعر الشابي في ذكره للطبيعة نستطيع وصف حالته بأنه يصفها وصف المعبود وينظر إليها بعاطفة رفيعة تنبعث من مشاركته لظواهرها والاندماج معها. وتصل به هذه العبادة إلى حد الموت الفاني في جمالها وهنا ندرك مدى شدة تركيب شعوره، لأنه لم يتذوقها إلا بعميق إحساسه حتى أنه يبعث من الطبيعة دفئا وحنانا، وهو يظهرها أمامك في كامل بهائها بما تملكه عباراته من قدرة على الإحياء.

      الـمـرأة:

      من خلال شعر الشابي الذي يتشوق فيه إلى المثالية المرضية لطموحه ويشبع روحه و الشعر الذي قاله في المرأة لا نستطيع أن نجد فيه على أمراه معينة، لها شخصيتها و طبائعها و مزاياها التي تتفرد بها، ونحن نلاحظ أن شعر الشابي صادر عن نفسه المحرومة وكان يتغنى في المرأة كمثل أعلى.


      أسلوبه:

      نجد أن شعر الشابي منبثق من قوة إحساسه، أنه أسلوب محسوس لأن الروح التي تسري فيه تسد عليك طريقك وتحاصرك فلا تعرف تحديد موضع القوة فيه، وقوة الإحساس هي كل شيء في فنه وشعره، وقد وجهته هذه القوة توجيها خطابيا فلم يستطع التحرر من تلك الصفة التي أخذها على الشعر العربي وهناك أمثلة كثيرة من شعره التي يشعرك فيها بأنه واقف بين قومه يلقنهم تعاليمه أو يصب عليهم جام غضبه ونقمته.

      أيها الشعب! ليتني كنت حطا با فأهوي على الجذوع بفأسي!
      أنت روح غبية، تكره النو ر،وتقضي الدهور في ليل ملس

      الخاتمة:

      قدمنا في هذا التقرير نبذة قصيرة عن سيرة شخصية للشابي وأدبية لشعره وقد استخلصنا منها ثلاث نقاط وهي:

      1. أوضحنا نظرة الشابي للشعر العربي القديم بأنه تراث يجب احترامه، وأنه يجب أن يبدأ مرحلة جديدة من الشعر الذي يشخص الجمادات فيعمق في وصفها.
      2. رأينا أن وطنية الشابي نابعة من الظروف التي دعت كل شخص التعلق بها جراء الاستعمار، فصدق تعبيره عنها.
      3. عاطفة الشابي صادقة فهو ذا حس مرهف فقد تأثر بموت حبيبته وأبوه، وأدى ذلك لموته.
      نتمنى أن نكون قد بين حياة أحد كبار المجددين في الشعر الذي وهب حياته وشعره لدينه ووطنه وحبه.

      رأيي في شخصية أبو القاسم الشابي:

      يعجبني,, لان أشعاره تدخل في السياسة , وأيضا يعايش الأمة آلامها , اتصف في شعره بالرومانسية , اعتقاده بالعبودية وغلى حد أكبر له في أشعاره يذكر عبوديته لله والخوف من الموت , كان يمدح في المرأة وليس مقصده الغزل ولكن جعلها له مثالية.



      المصادر:
      1. الشابي: د. عبد اللطيف شرارة
      2. الشابي وجبران: خليفة محمد التليم

    • أبوالعلاء المعري
      وُلد أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في بلدة "معرَّة النعمان" من أعمال "حلب" بشمال "سوريا" في (27 من ربيع الأول 363هـ = 26 من ديسمبر 1973م).ونشأ في بيت علم وفضل ورياسة متصل المجد، فجدُّه "سليمان بن أحمد" كان قاضي "المعرَّة"، وولي قضاء "حمص"، ووالده "عبد الله" كان شاعرًا، وقد تولى قضاء المعرَّة وحمص خلفًا لأبيه بعد موته، أمَّا أخوه الأكبر محمد بن عبد الله (355 - 430هـ = 966 – 1039م) فقد كان شاعرًا مُجيدًا، وأخوه الأصغر "عبد الواحد بن عبد الله" (371 – 405هـ = 981 - 1014م) كان شاعرًا أيضًا.محنة في محنةوعندما بلغ أبو العلاء الثالثة من عمره أُصيب بالجدري، وقد أدَّى ذلك إلى فقد بصره في إحدى عينيه، وما لبث أن فقد عينه الأخرى بعد ذلك.ولكن هذا
      البلاء على قسوته، وتلك المحنة على شدتها لم تُوهِن عزيمته، ولم تفُتّ في عضده، ولم تمنعه إعاقته عن طلب العلم، وتحدي تلك الظروف الصعبة التي مرَّ بها، فصرف نفسه وهمته إلى طب العلم ودراسة فنون اللغة والأدب والقراءة والحديث.فقرأ القرآن على جماعة من الشيوخ، وسمع الحديث عن أبيه وجدِّه وأخيه الأكبر وجدَّتِه "أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق"، وعدد من الشيوخ، مثل: "أبي زكريا يحيى بن مسعر المعري"، و"أبي الفرج عبد الصمد الضرير الحمصي"، و"أبي عمرو عثمان الطرسوسي".وتلقَّى علوم اللغة والنحو على يد أبيه وعلى جماعة من اللغويين والنحاة بمعرَّة النعمان، مثل: "أبي بكر بن مسعود النحوي"، وبعض أصحاب "ابن خالوية".وكان لذكائه ونبوغه أكبر الأثر في تشجيع أبيه على إرساله إلى "حلب" – حيث يعيش أخواله – ليتلقى العلم على عدد من علمائها، وهناك التقى بالنحوي "محمد بن عبد الله بن سعد" الذي كان راوية لشعر "المتنبي"، ومن خلاله تعرَّف على شعر "المتنبي" وتوثقت علاقته به.ولكن نَهَم "أبي العلاء" إلى العلم والمعرفة لم يقف به عند "حلب"، فانطلق إلى "طرابلس" الشام؛ ليروى ظمأه من العلم في خزائن الكتب الموقوفة بها، كما وصل إلى "أنطاكية"، وتردد على خزائن كتبها ينهل منها ويحفظ ما فيها.وقد حباه الله تعالى حافظة قوية؛ فكان آية في الذكاء المفرط وقوة الحافظة، حتى إنه كان يحفظ ما يُقرأ عليه مرّة واحدة، ويتلوه كأنه يحفظه من قبل، ويُروى أن بعض أهل حلب سمعوا به وبذكائه وحفظه – على صغر سنه – فأرادوا أن يمتحنوه؛ فأخذ كل واحد منهم ينشده بيتًا، وهو يرد عليه ببيت من حفظه على قافيته، حتى نفد كل ما يحفظونه من أشعار، فاقترح عليهم أن ينشدوه أبياتًا ويجيبهم بأبيات من نظمه على قافيتها، فظل كل واحد منهم ينشده، وهو يجيب حتى قطعهم جمعيًا.آثاره أبي العلاءوقد ترك أبو العلاء تراثًا عظيمًا من الشعر والأدب والفلسفة، ظل موردًا لا ينضب للدارسين والباحثين على مر العصور، وكان له أكبر الأثر في فكر وعقل كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في شتى الأنحاء، ومن أهم تلك الآثار:- رسالة الغفران: التي ألهبت خيال كثير من الأدباء والشعراء على مَرِّ الزمان، والتي تأثر بها "دانتي" في ثُلاثيته الشهيرة "الكوميديا الإلهية".- سقط الزند: وهو يجمع شعر أبي العلاء في شبابه، والذي استحق به أن يوصف بحق أنه خليفة المتنبي.- لزوم ما لا يلزم (اللزوميات)، وهو شعره الذي قاله في كهولته، وقد أجاد فيه وأكثر بشكل لم يبلغه أحد بعده، حتى بلغ نحو (13) ألف بيت.- الفصول والغايات (في تمجيد الله والمواعظ).- عبث الوليد: وهو شرح نقدي لديوان "البحتري".- معجز أحمد: وهو شرح ديوان "أبي الطيب المتنبي".- رسالة الملائكة.- رسالة الحروف.- الرسالة الإغريضية.- الرسالة المنيحية.أهم مصادر الدراسة:· أبو العلاء المعري: أحمد تيمور باشا.· مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - (1390هـ = 1970م).· أبو العلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ).· الدار المصرية للتأليف والترجمة - القاهرة - (1385هـ = 1965م). [سلسلة 'أعلام العرب': 38].· تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان - نقله إلى العربية: د. رمضان عبد التواب - دار المعارف - القاهرة - (1397هـ=1977م) - (الجزء الخامس).· تجديد ذكرى أبي العلاء: طه حسين.· دار المعارف - القاهرة - (1402هـ = 1982م).· الكوميديا الإلهية: دانتي إليجيري - ترجمة: د. حسن عثمان.· دار المعارف - القاهرة - (1408هـ = 1988م) - (الجحيم).· نكت الهيمان في نكت العميان: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي.· وقف على طبعة: أحمد زكي بك - المطبعة الجمالية بمصر - القاهرة - (1329هـ = 1911م).

    • أبوالعلاء المعري
      وُلد أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان في بلدة "معرَّة النعمان" من أعمال "حلب" بشمال "سوريا" في (27 من ربيع الأول 363هـ = 26 من ديسمبر 1973م).ونشأ في بيت علم وفضل ورياسة متصل المجد، فجدُّه "سليمان بن أحمد" كان قاضي "المعرَّة"، وولي قضاء "حمص"، ووالده "عبد الله" كان شاعرًا، وقد تولى قضاء المعرَّة وحمص خلفًا لأبيه بعد موته، أمَّا أخوه الأكبر محمد بن عبد الله (355 - 430هـ = 966 – 1039م) فقد كان شاعرًا مُجيدًا، وأخوه الأصغر "عبد الواحد بن عبد الله" (371 – 405هـ = 981 - 1014م) كان شاعرًا أيضًا.محنة في محنةوعندما بلغ أبو العلاء الثالثة من عمره أُصيب بالجدري، وقد أدَّى ذلك إلى فقد بصره في إحدى عينيه، وما لبث أن فقد عينه الأخرى بعد ذلك.ولكن هذا
      البلاء على قسوته، وتلك المحنة على شدتها لم تُوهِن عزيمته، ولم تفُتّ في عضده، ولم تمنعه إعاقته عن طلب العلم، وتحدي تلك الظروف الصعبة التي مرَّ بها، فصرف نفسه وهمته إلى طب العلم ودراسة فنون اللغة والأدب والقراءة والحديث.فقرأ القرآن على جماعة من الشيوخ، وسمع الحديث عن أبيه وجدِّه وأخيه الأكبر وجدَّتِه "أم سلمة بنت الحسن بن إسحاق"، وعدد من الشيوخ، مثل: "أبي زكريا يحيى بن مسعر المعري"، و"أبي الفرج عبد الصمد الضرير الحمصي"، و"أبي عمرو عثمان الطرسوسي".وتلقَّى علوم اللغة والنحو على يد أبيه وعلى جماعة من اللغويين والنحاة بمعرَّة النعمان، مثل: "أبي بكر بن مسعود النحوي"، وبعض أصحاب "ابن خالوية".وكان لذكائه ونبوغه أكبر الأثر في تشجيع أبيه على إرساله إلى "حلب" – حيث يعيش أخواله – ليتلقى العلم على عدد من علمائها، وهناك التقى بالنحوي "محمد بن عبد الله بن سعد" الذي كان راوية لشعر "المتنبي"، ومن خلاله تعرَّف على شعر "المتنبي" وتوثقت علاقته به.ولكن نَهَم "أبي العلاء" إلى العلم والمعرفة لم يقف به عند "حلب"، فانطلق إلى "طرابلس" الشام؛ ليروى ظمأه من العلم في خزائن الكتب الموقوفة بها، كما وصل إلى "أنطاكية"، وتردد على خزائن كتبها ينهل منها ويحفظ ما فيها.وقد حباه الله تعالى حافظة قوية؛ فكان آية في الذكاء المفرط وقوة الحافظة، حتى إنه كان يحفظ ما يُقرأ عليه مرّة واحدة، ويتلوه كأنه يحفظه من قبل، ويُروى أن بعض أهل حلب سمعوا به وبذكائه وحفظه – على صغر سنه – فأرادوا أن يمتحنوه؛ فأخذ كل واحد منهم ينشده بيتًا، وهو يرد عليه ببيت من حفظه على قافيته، حتى نفد كل ما يحفظونه من أشعار، فاقترح عليهم أن ينشدوه أبياتًا ويجيبهم بأبيات من نظمه على قافيتها، فظل كل واحد منهم ينشده، وهو يجيب حتى قطعهم جمعيًا.آثاره أبي العلاءوقد ترك أبو العلاء تراثًا عظيمًا من الشعر والأدب والفلسفة، ظل موردًا لا ينضب للدارسين والباحثين على مر العصور، وكان له أكبر الأثر في فكر وعقل كثير من المفكرين والعلماء والأدباء في شتى الأنحاء، ومن أهم تلك الآثار:- رسالة الغفران: التي ألهبت خيال كثير من الأدباء والشعراء على مَرِّ الزمان، والتي تأثر بها "دانتي" في ثُلاثيته الشهيرة "الكوميديا الإلهية".- سقط الزند: وهو يجمع شعر أبي العلاء في شبابه، والذي استحق به أن يوصف بحق أنه خليفة المتنبي.- لزوم ما لا يلزم (اللزوميات)، وهو شعره الذي قاله في كهولته، وقد أجاد فيه وأكثر بشكل لم يبلغه أحد بعده، حتى بلغ نحو (13) ألف بيت.- الفصول والغايات (في تمجيد الله والمواعظ).- عبث الوليد: وهو شرح نقدي لديوان "البحتري".- معجز أحمد: وهو شرح ديوان "أبي الطيب المتنبي".- رسالة الملائكة.- رسالة الحروف.- الرسالة الإغريضية.- الرسالة المنيحية.أهم مصادر الدراسة:· أبو العلاء المعري: أحمد تيمور باشا.· مكتبة الأنجلو المصرية - القاهرة - (1390هـ = 1970م).· أبو العلاء المعري: د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ).· الدار المصرية للتأليف والترجمة - القاهرة - (1385هـ = 1965م). [سلسلة 'أعلام العرب': 38].· تاريخ الأدب العربي: كارل بروكلمان - نقله إلى العربية: د. رمضان عبد التواب - دار المعارف - القاهرة - (1397هـ=1977م) - (الجزء الخامس).· تجديد ذكرى أبي العلاء: طه حسين.· دار المعارف - القاهرة - (1402هـ = 1982م).· الكوميديا الإلهية: دانتي إليجيري - ترجمة: د. حسن عثمان.· دار المعارف - القاهرة - (1408هـ = 1988م) - (الجحيم).· نكت الهيمان في نكت العميان: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي.· وقف على طبعة: أحمد زكي بك - المطبعة الجمالية بمصر - القاهرة - (1329هـ = 1911م).

    • أحمد بن ماجد
      مقدمة :
      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم … أما بعد …
      يسعدني أن أتقدم بهذا البحث المتواضع بعنوان ( لؤلؤة البحار) ؛ لكي أقدم نبذة مختصرة عن حياة ( أحمد بن ماجد ) ، هذا الملاح الشهير الذي انتشر اسمه في المشرق والمغرب .
      وفي الحقيقة إن الكتابة عن حياة هذا الملاح لا تسعها الكتب والمجلدات ، ولكن أردت أن أقدم مقتطفات سريعة عن جوانب حياة هذا الملاح الشهير ، والذي تميزت حياته بحب البحر منذ الصغر ، والميل إلى المغامرات ، وصراع أمواج البحر القوية ، بالإضافة إلى المبتكرات والمخترعات التي قدمها وخاصة ما يتعلق بعلم البحر، بالإضافة إلى المؤلفات الكثيرة والأراجيز الشعرية المشهورة التي خلفها ، و أصبحت مرجعاً أساسياً لمن أراد أن يكتب عن البحر.
      و سأقسم البحث إلى ثلاثة أقسام رئيسة ، وكل قسم ينقسم إلى عناوين فرعية أخرى ، وستكون هذه الأقسام كالتالي :

      • القسم الأول : بعنوان ( ابن ماجد وحياته ) أتناول فيه تاريخ مولد ابن ماجد ومكان ولادته ، و المكانة التي اشتهر بها ، ثم بعض المغالطات التي أثيرت حوله ، ومحاولة تبرئته مما نسب إليه من إرشاد الملاح البرتغالي فاسكو دي جاما إلى ميناء كلكتا بالهند ، مما ساعد البرتغاليين في أطماعهم بالسيطرة على الشرق ، والدور العظيم الذي قام به صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي - عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة - في كتابه ( بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد ) الذي أثبت فيه بالبحث الأدلة براءة الملاح العربي من هذه التهمة .
      • القسم الثاني : فسيكون بعنوان ( جهود ابن ماجد وآثاره الأدبية ) ، وفي هذا البحث سأوضح أهم المؤلفات التي ألفها أحمد بن ماجد سواء كانت كتباً أو أراجيز شعرية .
      • القسم الثالث : فسيكون بعنوان ( جهود ابن ماجد و آثاره العلمية ) ، أوضح فيه الأفضال التي خلفها ابن ماجد عن الملاحة ، ثم سأقوم بعرض بعض الاختراعات التي اخترعها مثل : البوصلة وآلة الكمال ؛ كدليل على هذه الاختراعات وأخيراً سأوضح النصوص التي قالها أحمد بن ماجد عن الرياح الموسمية .

      أدعو الله - تعالى - أن يوفقني في بحثي هذا ، وأشكر كل الجهود المخلصة التي تسعى إلى توضيح الحقائق ، وإلى الافتخار بالرجال الأبرار الذين رفعوا شأن بلادهم ، وقدَّموا للأجيال علماً نافعاً .. وعلى الله فليتوكل المؤمنون ..






      القسم الأول : ابن ماجد وحياته :
      • أحمد بن ماجد ومولده :
      ابن ماجد هو شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن الحسين بن أبي معلق السعدي بن أبي الركائب النجدي ، بحار وعالم من علماء البحر والفلك والمسلمين، عاش في النصف الثاني من القرن التاسع الهجري ، و أوائل القرن العاشر ، وقد أغفلت معظم المصادر العربية ذكر هذا الملاح العربي وتاريخ حياته ، غير أنه تحدث عن نفسه في مؤلفاته ومنها نعلم أن أصله يرجع إلى نجد في وسط شبه الجزيرة العربية (1) .
      ومن ألقابه : ( ريس ) ، و ( معلم ) و ( ربان ) ، بل إن معاصريه يشيرون إليه بـ ( أسد البحار ) و ( ليث الليوث ) و ( ابن ربان البرين ) أي بر العرب و بر العجم .
      أما عن مولده فمن المحتمل أنه ولد عام 840 هـ في جلفار من الخليج العربي وهي مدينة رأس الخيمة حالياً بدولة الإمارات العربية المتحدة … من أسرة اشتهر أفرادها بريادة البحر وحب الأسفار والملاحة ، فتعلق قلبه منذ الصغر بالبحر (2) .
      • مكانة ابن ماجد :
      كان ابن ماجد يلوح في أفق المشرق العربي … قبس يضيء مجاهل البحار والمحيطات بما كان يتوفر لديه من خبرة ودراية شخصية حلقت في سماء المعرفة و برزت في ميدان الاختراع والابتكار والتأليف .
      و ها نحن نحلق مع شخصية أعطت المثل على أنها قدوة في السلوك والخلق الرفيع ، إنه أحمد بن ماجد العالم الذي اطلع على عدد من المؤلفات وخاض تجربة طويلة في الملاحة البحرية قبل أن يقدم لنا حصيلته العلمية في أكثر من خمسة وثلاثين أرجوزة كلها طريفة ومفيدة .
      لقد ظل اسم أحمد بن ماجد على ألسنة البحارة في خليج عمان والبحر الأحمر والمحيط الهندي قروناً عديدة بعد وفاته ، حتى أن السير ريتشارد بورتون (
      Sir Richard Burton ) يذكر في كتاب الخطوات الأولى في شرق أفريقيا ( First Foots tepsin Africa ) أنه لما أبحر من عدن عام 1854م تلا البحارة سورة الفاتحة قبل الإقلاع ترحماً على روح الشيخ أحمد بن ماجد (3) .
      • حياتــه :
      اشتهر ابن ماجد بريادة البحر وحب الأسفار والملاحة ، فتعلق بالبحر منذ الصغر ، واكتسب مهارات أجداده ، واستطاع بفضل تجاربه العديدة و سعة علومه البحرية ، التوصل إلى اكتشاف أساليب جديدة في فنون الملاحة مستخدماً علم الفلك بشكل واسع ، بالإضافة إلى البوصلة المائية التي استخدمها لتحديد الاتجاهات والمسارات البحرية ، وقضى معظم حياته أستاذاً ومرشداً ملاحياً في غرب المحيط الهندي والبحر الأحمر ، وقد كان ذلك سبباً في ذيوع شهرته وتردد اسمه كعلم من أعلام البحر في ذلك الزمان ، ووصلت أخباره إلى شواطئ أوروبا حيث كان الأسبان والبرتغال يحاولون استكشاف طرق جديدة للوصول إلى الشرق والهند بصفة خاصة عن طريق الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح الذي كان يسمى بـ ( رأس العواصف ) آنذاك .
      وقد كان ذلك بمثابة فترة حاسمة في التاريخ البحري حيث أدى تصادم النفوذ البحري العربي بالنفوذ الأوروبي إلى بداية عهد جديد … عهد التفوق الأوروبي من ناحية ، وتدهور النشاط البحري العربي من ناحية أخرى .
      لا يوجد تاريخ ثابت لوفاة أحمد بن ماجد ، إلا أنه من المتصور قد عاش أكثر من ستين سنة بعد أن كتب آخر مؤلفاته ، وقد شكا في إحدى قصائده الأخيرة العواقب الوخيمة للوجود البرتغالي في المنطقة مما يدل على أنه كان يدرك الخطر الذي ستجره تلك السيطرة على مكانة العرب البحرية (4) .
      • ابن ماجد يصف نفسه :
      وحين يتحدث ابن ماجد عن نفسه ، و يتكلم عن ( المعالمة ) المشهورين في البحر يقول : " غير أن خبرتهم مع ذلك محدودة فهم لم يركبوا البحر إلا من سيراف إلى بر مكران ، وساروا يسألون عن كل بر أهله ويؤرخون ، وكان في زمانهم من المعالمة المشهورين عبد العزيز بن أحمد المغربي وموسى القندراني وميمون بن خليل ، فكان في زمانهم من النواخذة المشهورة أحمد بن محمد بن عبدالرحمن بن أبي الفضل بن أبي المصري .. فيأخذون من كل أحد بره وبحره ويؤرخونه فهم مؤلفون لا مجربون " .
      وهو يزن نفسه بحق فيقول : " ونهاية المتقدم في الزمن بداية المتأخرين ( بعده ) وقد عظمنا علمهم وتأليفهم وأجللنا قدرهم بقولنا : أنا رابع ثلاثة ، وربما في العلم الذي اخترعناه في البحر ورقة واحدة تقيم ( تسوي ) في البلاغة والصحة والفايدة والهداية وعلى الطريق والدلالة ( في مسارب البحر ) بأكثر مما صنفوه " (5) .
      • مغالطات حول أحمد بن ماجد :
      - قصة إرشاد ابن ماجد لفاسكو دي جاما :
      للأسف الشديد فإن كثيراً من المراجع تناولت حياة ابن ماجد بشكل فيه مغالطات واضحة نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر :
      تشير المصادر العربية إلى أن أحمد بن ماجد تصادف وجوده في ماليندي أثناء زيارة فاسكو دي جاما، وأن الملاح البرتغالي حينما التقى به أعجب بغزارة علمه وشجاعته ، وطلب إليه أن يقوده في أول رحلة تتم عبر المحيط بين أوروبا والهند ، وكانت الدوافع العلمية هي الحافز الأساسي لقبول أحمد بن ماجد المهمة التي فتحت آفاقاً جديدة في تاريخ العالم البحري ، والتي جعلت منه شخصية تاريخية أسطورية .
      وقد قامت شهرة أحمد بن ماجد في الغرب باعتباره المرشد الذي قدم مساعداته للبرتغاليين إلى الموانئ التجارية في جنوب الهند وأهمها ميناء ( كاليكوت ) واكتسب هذا الحادث أهمية خاصة في نظر المعلقين الشرقيين والغربيين على حد سواء باعتبار أن الوصول إلى الطرق بين شرق أفريقيا والهند بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يمثل مفتاح السيطرة التجارية في هذه المياه .
      وقد ذكر بعض المؤرخين خاصة ممن اعتمدوا على المصادر البرتغالية ، أن المرشد الذي قاد فاسكو دي جاما لم يكن عربياً وإنما كان هندياً مسلماً ، وذلك بالنظر كما يقولون إلى الفصول المواتية للإبحار بين شرق أفريقيا والبحر الأحمر من ناحية و جنوب الهند من ناحية أخرى ، غير أن هذا الرأي لا يصمد للحقائق لأننا نعرف أن أحمد بن ماجد كان يلم إلماماً تاماً بالطريق البحري المباشر بين المليبار والساحل الصومالي ، ويترتب على ذلك ضمنياً أن الملاحين والمرشدين العرب كانوا قادرين بالفعل على الإبحار فيه (6) .
      وتتفق المصادر التاريخية على أن فاسكو دي جاما بعد أن عبر رأس الرجاء الصالح ألقى مراسيه في ماليندي على الشاطئ الشرقي لأفريقيا ، وهناك بحث عن دليل ليرشده إلى الهند لعدم معرفته بنظام هبوب الرياح الموسمية في شرق أفريقيا والمحيط الهندي ، وقد أدى ذلك إلى تحطم بعض سفنه .
      وقد عرَّف الكتَّاب البرتغاليون في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي ابن ماجد باسم (ماليموكانا ) وهو التحريف للقبه العربي الذي يعني ( المعلم الفلكي ) .
      وقد عرض فاسكو دي جاما على ابن ماجد آلاته البحرية المستخدمة عند البرتغاليين ، ولكن ابن ماجد لم يدهش لها ، بل عرض عليه الآلات البحرية التي طورها العرب ، ومنها آلات مثلثية مربعية الشكل لقياس ارتفاع الشمس ، وخصوصاً النجم القطبي ، كما أراه خرائط تفصيلية للمحيط الهندي وشرق أفر يقيا والجزيرة العربية قائمة على خطوط طول وعرض متوازية ، وهو شيء لم يعرفه الأوروبيون آنذاك ، كل هذا أدهش فاسكو دي جاما وازداد إعجابه بمرشده الملاحي فقرر الرحيل معه فوراً .
      أما الأثر الذي تركته هذه الحادثة والنتائج التي ترتبت على هذا الإرشاد فهو ما لم يكن في حسبان ابن ماجد ، حيث اتهمه المؤرخون المسلمون بعدة اتهامات بعد أن ظهرت نوايا البرتغال الحقيقية في الشرق ، والمصائب التي وقعت على المسلمين بسببهم (7) .
      يقول المؤرخ المسلم قطب الدين النهروالي في كتابه ( البرق اليماني ) : فلا زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلهم شخص ماهر يقال له أحمد بن ماجد ، صاحبه كبير الفرنج ، وكان يقال له ( الأملندي ) وعاشره في السكر فعلمه في الطريق في حال سكره ، وقال لهم لا تقربوا الساحل من ذلك المكان ، وتوغلوا في البحر ثم عودوا فلا تنالكم الأمواج ، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من السكر كثيراً من مراكبهم ، فكثروا في بحر الهند (8) .
      غير أن ما قاله النهروالي عن شخصية ابن ماجد يجب أن يؤخذ بكثير من الحذر ، فيبدو أن ابن ماجد كان رجلاً متديناً وخاصة وأنه رجل عاصر المخاطر والمهالك في البحر ، فلا بد أن قلبه كان دائماً مع الله عز وجل ، ونلمس في كتاباته روح التدين العميق مثل قوله : " وينبغي للمعلم - يقصد ربان السفينة أو قائدها - أن يكون عادلاً تقياً لا يظلم أحداً مقيماً على طاعة الله ، متقياً الله حق اتقائه تعالى" .
      يضاف إلى ذلك أنه من المستبعد أن يصدق فاسكو دي جاما رجلاً عاقره في الخمر ، وهو مقدم على شيء مجهول بالنسبة له يخاف مخاطره ، بل الأصوب أن يأخذ بكلام رجل عالم ذكي يثق بنفسه وقد وثق به فاسكو دي جاما .
      والأرجح أن يكون ابن ماجد قد رضي أن يرشد أسطول فاسكو دي جاما إلى الهند بعد أن كلفه بذلك ملك مالندي واعتبر ابن ماجد ذلك تكريماً له ، كما أن التفكك السياسي الذي أصاب المسلمين في ذلك الوقت ساعد البرتغاليين كثيراً في تنفيذ أهدافهم ، ولا يمكن أن نلقي اللوم على شخص واحد هو ابن ماجد .
      وكيفما كان الأمر فقد بقي فاسكو دي جاما ثلاثة أشهر في كاليكوت تبادل المحادثات والهدايا مع حاكم الثغر ، وأظهر له النوايا الحسنة والرغبة في التجارة فقط (9) .
      وعلى كل فإن قصة ابن ماجد و فاسكو دي جاما تعرضت إلى النقد ودراسات كثيرة أثبت بعضها أن ابن ماجد لم يكن البحار الذي دلَّ فاسكو دي جاما الطريق إلى الهند .
      في معجم ( المنجد في اللغة والأعلام ) : ابن ماجد ( أحمد ) ( ت بعد 1498م ) : بحار ورائد عربي يقال أنه رافق فاسكو دي غاما إلى الهند (10) .
      في موسوعة المعرفة : كان البرتغاليون يسمونه ( المالندي ) أو ( الميرانتي ) ومعناها : أمير البحر ، وفي سفينة فاسكو ديجاما جانب من قصة هذا البحار العالمي العربي ، الذي استعان به فاسكو ديجاما ، في رحلته الشهيرة حول رأس الرجاء الصالح إلى الهند .
      وفي مخطوطات معهد الدراسات الشرقية ( بليننجراد ) ، مخطوطة عربية كتبها ابن ماجد بالشعر في ثلاث فصول ، وصف فيها طرق الملاحة المختلفة عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي ، في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي وبداية القرن السادس عشر ، وتعد هذه المخطوطة بمثابة مرشد الملاح في تلك البحار ، والحق أنه لولا ابن ماجد ما استطاع البرتغاليون عبور المحيط الهندي لعظم أمواجه وشدة رياحه خصوصاً في موسم هبوب الرياح الجنوبية الغربية الممطرة .
      وتستمر الموسوعة في شرح قصة الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح ، ذاكرة أن ساحل أفريقيا الغربي كان مجهولاً لدى الأوروبيين ، فقد أحاطت به الهواجس والأوهام ، وكان الأوروبيون يعتقدون أن السفن التي تصل إلى هناك لا تعود …
      وفي عام 1486م أرسل البرتغال بعثة إلى الهند ، عن طريق مصر ، وفي طريق العودة توقف قائد البعثة وهو البحار ( كوفيلهام ) في جزيرة سقوط جنوبي شبه جزيرة العرب ، وهناك التقى بالبحار العربي ابن ماجد ، وسمع عن جزيرة القمر ، وهي جزيرة مدغشقر - اليوم - وعندما وصل إلى القاهرة سارع بإرسال خطاب إلى ملك البرتغال ، يحثه على إرسال بعثة للطواف من حول إفريقيا والوصول إلى جزيرة القمر ، وعرض معاونة ابن ماجد ، وفي عام 1498م أتم فاسكو ديجاما تلك الرحلة بنجاح بمعاونة ابن ماجد كما قدمنا (11) .
      وللأسف الشديد نجد كتاب اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي يكرر الفكرة السابقة فيقول : ومما أكسبه شهرة دولية واسعة ، إرشاده للملاح البرتغالي فاسكو دي غاما من ميناء ( مالندي ) في كينيا ، واجتيازه البحر دون أن يلقى عقبة أو مشقة ، حتى وصل إلى ( كاليكوت ) في الهند ، بفضل إرشاد الربان العربي ، ولقد كان ابن ماجد مخلصاً في صحبته للرحالة البرتغالي ، ولكن هذا الرحالة وقومه البرتغاليين استغلوا الكشوف الجغرافية لأغراضهم الاستعمارية في منطقة الخليج العربي ، وقد أسف ابن ماجد لذلك وسجل هذا الشعور في كتبه (12) .
      ويتكرر أيضا في كتاب التاريخ للصف الأول الثانوي : وفي مدينة ماليندي زوده حاكمها ببحار عربي ماهر هو : أحمد بن ماجد ليدله على الطريق إلى الهند ، حيث أوصله ( قاليقوت ) على الساحل الغربي للهند ، المسمى بساحل (الملبار ) وهناك عقد مع حاكمها اتفاقات تجارية … (13) .
      × في موسوعة عباقرة الإسلام : وروى فاسكو دي غاما مرافقة ابن ماجد له في إحدى سفراته ، وكان يسميه ( كانا كان ) (14) .
      في كتاب جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم : والأرجح أن يكون ابن ماجد قد رضي أن يرشد أسطول فاسكو دي جاما إلى الهند ، بعد أن كلفه بذلك ملك ماليندي ، واعتبر ذلك تكريماً له (15) .
      - براءة أحمد بن ماجد :
      يستحق صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي - حاكم الشارقة - الشكر والتقدير ؛ لتصحيحه العديد من التشويهات المغرضة لتاريخ العرب ، وتثبيته لكثير من العلوم والأمجاد العربية التي حاول الأعداء والكارهون تزييفها ، أو نسبتها لغير أصحابها من علماء العرب الذين كانوا سباقين إلى صنع الحضارة والمجد .
      وكان كتابه ( بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد ) خير دليل على ذلك ، حيث وثق الحقائق ، وأنهى مشكلة علمية، وتاريخية ، مفحماً المشككين والمقتنعين بما يقوله المستشرقون من دون الأخذ بما يقوله أقرانهم العرب، حيث ما زال يتشبث بعض أساتذة التاريخ إلى الآن بما جاء جهلاً وخطأ في كتاب (قطب الدين أحمد محمد النهروالي) - الهندي العربي الأصل - ( البرق اليماني في الفتح العثماني ) الذي صدر في نحو عام 1575م أي بعد مرور ثلاثة وثمانين عاماً على رحلة فاسكو دي غاما إلى الهند .
      يقول سموه تحت عنوان : المرشد الغجراتي : إن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر ، قد أجمعوا أن فاسكو داغاما قد استفاد من مساعدة مرشد غجراتي عندما أبحر من شرق أفريقيا إلى الهند عام 1498م وهي المرحلة الأخيرة من رحلة المشهورة من البرتغال إلى الهند والتي دلت القوى الأوروبية للدخول مباشرة إلى المحيط الهندي والخليج العربي (16) .
      واستدل سموه بشهادة مؤرخين من الغرب أمثال : كاستا نهيدا ، وباروس ، وفاريا إي سوزا ، وداميادي غويس.
      وأورد سموه الفقرة الخاصة بالمرشد المسيحي كما جاءت في مخطوطة ليوميات الرحلة الأولى بفاسكو داغاما : في يوم الأحد التالي والذي صادف 22أبريل صعد أمين سر الملك من السفينة ظافرة إلى ظهر السفينة ، ولأنه لم يكن أحد قد اقترب من سفينتنا خلال اليومين السابقين فقد قام القائد باعتقاله ، وأرسل إلى الملك طالباً منه إرسال المرشدين الذين وعد بإرسالهم إليه ، وفور تسلم الملك للرسالة أرسل له مرشدأ مسيحياً ، فأطلق القائد بعد إذ سراح الرجل النبيل الذي كان قد احتجزه في سفينته ، ولقد سررنا كثيراً بالمرشد المسيحي الذي أرسله الملك لنا (17).
      كان عمر ابن ماجد 75عاما عند وصول فاسكو دي جاما إلى المنطقة ، ثم انقطعت أخباره بعد بلوغه عامه الحادي والثمانين ، عام 906هـ - 1500م أي أنه انتقل إلى رحمة ربه في الوقت الذي هاجم البرتغاليون ميناء عدن وغيره من الجزر .
      لم يزر ابن ماجد ملندة ، ولم يدخلها بمركب في حياته ولا علاقة له البتة بملكها الزنجي أو العربي فكيف يجتمع بها بفاسكو داغاما ؟ ومن أين يتلقى الأخبار عنهم إذا لم يتصل بهم أبداً .
      لم تشر أي من المصادر البرتغالية المعاصرة لرحلات فاسكو دي غاما عن مرافقة أي عربي أو مسلم له في رحلاته فكل ما جاء في المصادر البرتغالية يشير إلى اسم ( كاتا ) كما ذكر المؤرخ البرتغالي (كاستا تهيدا ) المطبوع عام 1552م وكذلك المؤرخ ( كويش ) المطبوع عام 1566م في كتابه عن الملك البرتغالي مانويل فتردد الاسم نفسه في كتاب ( باروش ) المطبوع عام 1777م الذي جاء في الصفحة 38 من الكتاب قوله : لقد أقبل معهم أحدهم (
      Maure) من كاجارات يحمل اسم ( كانا ) فانضم إلى صحبتنا يلتمس المتعة والسلوان بقدر ما كان يتسول لإرضاء حاكم ماليندي الذي كان يبحث عن ربان يرشد البرتغاليين ، وهو الذي أبحر مع ديجاما في العام 1498م .
      وحملة تبرئة ابن ماجد توالت في الفترة الأخيرة في أكثر من مناسبة علمية مثل :
      ندوة ابن ماجد في معرض اكسبو لشبونة عام 1998م بمشاركة عدد من العلماء والمؤرخين البرتغاليين وبحضور الشيخ حامد بن زايد آل نهيان .
      وفي ندوة تاريخ العلوم عند العرب في اللاذقية برعاية الرئيس الراحل حافظ الأسد وحضور عدد من العلماء والمؤرخين العرب والأجانب وبمشاركة الدكتورة صالحة سنقر وزيرة التعليم العالي سابقاً .
      وكذلك في مؤتمر عُمان في التاريخ والذي أقيم تحت رعاية السلطان قابوس وحضور جمع من العلماء والسيد فيصل وزير التراث القومي .

      القسم الثاني : جهوده وآثاره الأدبية :
      • مؤلفات أحمد بن ماجد :
      أما مؤلفات أحمد بن ماجد … كما رتبها الدكتور أنور عبد العليم (18) كالتالي :
      1-أرجوزة بر العرب في خليج فارس ( 100 بيت ) .
      2-أرجوزة في قسمة الجمة على أنجم بنات نعش ( 221 بيتاً ، ألفت سنة 900 هـ ) .
      3-أرجوزة في النتخات لبر العرب ( 255 بيتاً ) .
      4-أرجوزة مخمسة ( في شؤون البحر ، 17 بيتاً ) .
      5-الأرجوزة المعربة ( 178 بيتاً ) عربت الخليج البربري وصححت قياسه ، ألفت سنة 890هـ .
      6-البليغة في قياس السهيل والمرامح ( 64 بيتاً ) .
      7-التائية ( 55 بيتاً ، من جدة إلى عدن ) .
      8-تصنيف قبلة الإسلام في جميع الدنيا ، و تسمى تحفة القضا ( 295 بيتاً ألفت سنة 893 هـ ) .
      9-حاوية الاختصار في أصول علم البحار ( 1082 بيتاً ) ألفت سنة 866 هـ .
      10-الذهبية ( 193 بيتاً ) في المرق والمغزر .
      11-السبعية ( 307 بيتاً ) في سبعة علوم من علوم البحر .
      12-ضريبة الضرائب ( 192 بيتاً ) في القياسات الفلكية .
      13-عدة الأشهر الرومية ( 13 بيتاً ) .
      14-الفائقة ( 57 بيتاً ) في قياس الضفدع وقيد سهيل .
      15-القافية ( 33 بيتاً ) في قياس النجوم المشهورة .
      16-القصيدة المكية ( 171 بيتاً - السفر من جدة لسواحل المحيط الهندي ) .
      17-كنز المعالمة في علم المجهولات في البحر ( 71 بيتاً ) .
      18-كتاب الفوائد في أصول علم البحر والفوائد ( في العلوم البحرية ) .
      19-كتاب المول ( سواحل المحيط الهندي ) .
      20-المعلقية ( أرجوزة من 273 بيتاً ، تصف المجاري وقياساتها من بر الهند إلى بر سيلان وناج باري و بر السيام و ملقة و جاوة ، وما كان في طريقهم من الجزر والشعبان .
      21-السفالية ( أرجوزة من 807 بيتاً تصف المجاري و القياسات في مليبار و كنكن و جوراته و السند و الأطواح إلى السيف الطويل و السواحل و النريج و أرض السفال و القمر ، و ما إلى ذلك .
      22-ميمنة الإبدال ( 57 بيتاً ) في الواقع وذوبان العيوق .
      23-الهادية ( 155 بيتاً ) في قياس النجوم والنتخات والأسفار ) .
      24-نادرة الإبدال ( 57 بيتاً في الواقع وذوبان العيوق ) .
      25-الفصول ( وعددها 9 ، متعددة المواضع ) .
      هذا غير مؤلفات مفقودة وردت الإشارة إليها في كتاب الفوائد .
      • كتابات ابن ماجد :
      - كتاب أرجوزة الفوائد في أصول علم البحر والقواعد :
      تعتبر أرجوزة الفوائد في أصول علم البحر والقواعد أهم وثيقة وصلتنا في الجغرافية الملاحية من العصور الوسطى على الإطلاق (19) وهو من أبرز مؤلفات أحمد بن ماجد النثرية ألفها عام 14 ، ويضمن البحث عن أصول الملاحة وحجر المغناطيس ومنازل القمر والنجوم التي تقابل أقسام الإبرة المغناطيسية الاثنين والثلاثين (20) حيث يقول " ومن اختراعاتنا ( علوم البحر ) تركيب المغناطيس على الحلقة ، وهي بيت الإبرة أو البوصلة بنفسه ولنا فيه كلمة كبيرة لم تكتب في كتاب (21) .
      وعرض بعض الثغور الموجودة في المحيط الهندي والبحر الصيني ومراحل ساحل الهند الغربية والجزر العشر الكبرى المشهورة وهي ( جزيرة العرب ، جزيرة القمر ، وزنجبار ، وجزيرة البحرين … إلخ ) وبعد أن يتعرض لذكر الرياح الموسمية في المحيط الهندي يصف البحر الأحمر بالتفصيل ؛ مراسيه و أعماقه ومخوره الظاهرة والخفية .
      وهذا الكتاب الدرة كما ينعته فيران ، ألفه أحمد بن ماجد في ثمان سنوات قبل وصول فاسكو دي جاما إلى المنطقة ، أي عندما بلغ سن الستين عام .
      وتجدر الإشارة إلى أن ابن ماجد أخذ يشعر وهو يؤلف كتاب الفوائد بأن الشمس على أطراف النخيل، أي أنه بصدد الوداع : " نخاف أن يدركنا الموت ونوادر الحكم في القلوب " على حد تعبيره ، يضاف إلى هذا الشعور باكتمال مهمته وإيمانه بأنه قد بذل جهده فيما يعرف ، وأن على الذين يأتون من بعده أن يقوموا بدورهم في البحث على نحو ما قاله مؤلفون أكفاء من قبله ، أمثال الحموي وابن خلدون ، قال ابن ماجد : " وهذا حساب خفي قد وقعته ولم أدر من يبحث فيه " (22) .
      - ومن كتاب الفوائد أيضاً :
      " ينبغي إنك إن ركبت البحر أن تلزم الطهارة فإنك في السفينة ضيف من ضيوف الباري عز وجل فلا تغفل عن ذكره " ، هذا من ناحية الاستقراء ومحاولة تحليل شخصية الرجل مما خطه قلمه ، أما من الناحية العقلية الصرفة فإن ابن ماجد بحار متمرس لديه فيض من الخبرة بمسالك المحيط الهندي والساحل الأفريقي ، والبرتغاليون غزاة من النصارى أي من الفرنج في نظر أهل ذلك الزمان ، وهو يدرك حق الإدراك أن هداية البرتغاليين إلى طريق الهند ستعود بالضرر الأكيد على أهل ملته ، فهل من المعقول أن يعمد رجل في منزلة ابن ماجد وعلو شأنه إلى الغفلة عن هذا الباب ؟ (23).
      - بعض من نـثـر ابن ماجد :
      يقول أحمد بن ماجد في كتاب الفوائد : " إن لركوب البحر أسباباً (1) كثيرة فأهمها وأولها معرفة المنازل والأخنان (2) والدير (3) والمسافات والباشيات (4) والقياس والإشارات (5) وحلول الشمس والقمر والرياح ومواسمها ، وكذلك مواسم البحر (6) والآلات السفينية وما يحتاج إليها وما ينفعها وما يضطر إليها في ركوبها ، وينبغي أن تعرف ( أيها الربان ) المطالع (7) و الإستوائيات (8) وجلسة القياس في كل طريقة (9) و( على الربان ) أن يكمل جمع الآلة في السفينة ، وتتفقد الحمولة في أحضان ( تجويف ) السفينة ورجالها ، ولا يشحنها غير العادة (10) ولا يطلع في مركب لا يطاع فيه ، ولا مركب بغير اعتداد، ولا في موسم ضيق (11) " (24) .
      ملاحظة : كل ما بين القوسين هو من مؤلف الكتاب والشارح عمران أبو حجلة .
      (1) وسائل ميسرة للإبحار .
      (2) الأخنان : الاتجاهات .
      (3) الدير : الأراضي شطآن البلاد .
      (4) الباشيات : القياسات الرأسية عند البحارة .
      (5) الإشارات : خاص بما يتلقاه صاحب السكان من الربان .
      (6) مواسم البحر : أوقات العواصف .
      (7) المطالع : مسارب النجاة و أمكنة و أوقات طلوع الأفلاك .
      (8) الإستوائيات : الاعتدالات الفلكية .
      (9) طريقة رفعه من البحر .
      (10) يشحنها غير العادة : أكثر مما تستطيع حمله ، ومن الصنف التي خصصت لنقله .
      (11) في موسم ضيق : في وقت محصور قبل هبوب العاصفة المحتوم .
      القسم الثالث : جهوده وآثاره العلمية :
      إن لابن ماجد جهوداً وآثاراً علمية كثيرة كان لها الفضل الكبير فيما بعد والاسترشاد بها في التأليف والاختراع ، فقد كان من اختراعاته البوصلة وآلة الكمال وغيرها من الاختراعات البحرية التي استخدمها العرب في البحر ، وكان له فضل كبير في الملاحة البحرية .
      • أفضال ابن ماجد على الملاحة البحرية :
      يعتبر ابن ماجد أول من طور البوصلة الملاحية بالمفهوم الحديث ، وكانت في أيامه تسمى ( الحقة ) وكلمة البوصلة كلمة إيطالية تعني الصندوق أو الحق وهي ترجمة حرفية ، فكلمة الحقة العربية ، وكتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد أقدم الوثائق الجديدة التي وصلتنا عن الملاحة في البحار الجنوبية بلغة من اللغات ، كما أنه يلقي كثيراً من الضوء على ما بلغه العرب من تقدم في فنون البحر والملاحة حتى القرن الخامس عشر للميلاد وعلى مدى تأثر أصحاب الموسوعة البحرية التركية التي تسمى ( المحيط ) والتي ألفت في القرن السادس عشر بكتاب ابن ماجد الذي يحتوي على كثير من المصطلحات العلمية والفنية التي تعتبر في حد ذاتها ثروة كبرى للغة العربية ، كما أن هذا الكتاب مثال لما يمكن أن تحتوي عليه المرشدات الملاحية العالمية ، ويستخلص منه أعمال ابن ماجد الأخرى ما يفيد بأن العرب هم الذين وضعوا أساس دستور البحر والتقاليد الملاحية بمفهومها الحديث ، لذلك ليس غريباً أن يقول أحد القواد الأتراك الذين أرسلهم السلطان العثماني لصد الغزو البرتغالي للبحار الجنوبية ولديار الإسلام : إن ابن ماجد أفضل ربابنة الساحل الهندي الغربي في القرنين الخامس والسادس عشر مقدرة ونزاهة ، تغمده الله برحمته ، وليس غريباً أيضاً أن تظل شهرة ابن ماجد كبحار عظيم شائعة طوال العصر الحديث ، إذ يقرر البحارة الإنجليزي ريتشارد بيرتون في كتابه السبيل إلى أفريقيا واكتشاف هرر - طبعة لندن - سنة 1828م أنه في أوائل القرن الماضي كان ملاحو جزر المالديف يستعينون بمرشد ملاحي يسمونه ( كتاب ماجد ) ويقول فران أن وصف ابن ماجد للبحر الأحمر بغض النظر عن بعض خطوط العرض التي تستوجب التصحيح ، لا تعادله أية إرشادات أوروبية خاصة بالسفن الشراعية ؛ فأبوه كان رباناً يلقب بربان البحر ، وقد دون هذا الربان تجاربه في مصنف ضخم هي الأرجوزة الحجازية التي تضم أكثر من ألف بيت ، كما كان جده أيضاً ملاحاً مشهوراً ولم يؤثر عنه أية مؤلفات ، وأما حفيده أحمد بن ماجد فقد عثر له الباحثون على ما يزيد على خمسة وعشرين مؤلفاً ، غير مؤلفات أخرى مفقودة وردت الإشارة إليها في كتاب الفوائد (25) .
      • البوصلة :
      أصل اللفظة إيطالية وتعني الصندوق ، ثم شاع استعمالها لإبرة المغناطيس التي تتجه صوب الشمال دائماً ، وإن كانت في الأصل للوعاء الذي توضع فيه تلك الإبرة .
      وإذا رجعنا إلى تاريخ صنع أول (صندوق ) للإبرة في إيطاليا والتي اتخذته منها الملاحة الأوروبية كافة ، وتاريخ استعمال ( الحق ) وهو ذلك الصندوق في العربية وجدنا ابن ماجد يسبق بنصف قرن على الأقل .
      • آلة الكمال أو ( خشبات ابن ماجد ) :
      وهي في الأصل خشبة واحدة طورها ابن ماجد فيما بعد إلى أربع خشبات وجميعها على شكل متوازي مستطيلات، وسطحها ثقب يمر فيه خيط مدرج بعقد مختلفة المسافات حسب ظل تمام الزاوية أو ظل تمام زاوية الارتفاع .
      أما أصل هذه الآلة فهو الاستفادة من حساب المثلث في معرفة ظل تمام الزاوية (26) .
      • ما قاله ابن ماجد عن الرياح :
      إن ارتياد مراكب العرب والمسلمين بحر الهند وبحر الصين وبحر الزنج وخضوع هذه المناطق لتأثير الرياح الموسمية يعني بطبيعة الحال أن الربابنة العرب قد عرفوا تلك الرياح ، أما استفادتهم منها في الموسم فتعني أنهم عرفوها ودرسوا اتجاهاتها … من أين تهب وإلى أين تسير ، ولهذا يقول ابن ماجد : " وللرياح مواقيت معلومة و حدود في أولها وفي آخرها ووسطها " .
      قــد راح عــمـــري في الـمـطـلــعـــات .... وكـــثـــرة التــســاؤل في الـــجــهــات
      وكــــم رأيـــت في خطــــوط الشــــول .... ونــظمــهــم و النــثــــر و الـفصــــول
      وكــــم نـظـرت في الحـســاب الـعـربـــي .... وحـــســبـة للهـــند مــذ كنــت حبـــي
      ومما سبق ننفذ إلى القول : " إن الزعم بأن أحمد بن ماجد شخصياً هو الذي دلَّ البرتغاليين إلى طريق الهند أمر مشكوك فيه ، لكن كتبه وخبرته هي الأصل الذي استفادوا منه في ذلك " (27) .



      الخاتمة
      وهكذا فإن أحمد بن ماجد بما يحمله معه من تاريخ حافل يجب أن يلقى الضوء على حياته وآثاره ، وخير مَن يقوم بهذا الواجب هم أبناء جلدته من أبناء المنطقة الذين يظلون مدينين لابن ماجد فيما كتب عن ديارهم ، وعن سواحلهم ، وعن بحورهم وعلومهم ، وعبقريتهم ، بما فيهم المتواجدون على شاطئ الخليج العربي أو خليج عمان أو المحيط الهندي ، وسائر أفريقيا الشرقية ، وعن أولئك الذين تظل جغرافيتهم بتراء وشوهاء ، إن لم تعتمد على إفادات ابن ماجد .
      وهذه دعوة إلى الذين يعيشون على نفس الأرض التي نشأ فيها و يستظلون بنفس السماء التي كان يستظل بها ابن ماجد ، و الذين نبهت أجدادهم صيحات ابن ماجد وإنذاراته للخطر المحدق بهم من الطامعين في خيراتهم .
      لذلك فإنني أطالب إخواني من أبناء هذا الخليج العربي أن ينتهجوا نهج هذا الرجل العظيم ، وأن يبحثوا في مؤلفاته وكتبه ، وأن ينشروا اسمه في جميع مؤلفاتهم وبحوثهم فيما يختص بعلم البحر وعليهم أن يعرِّفوا بقدر ابن ماجد فيرفعوا عنه ما لحقه من ظلم واتهامات ، ويفتخروا به حيث كان شمعة مضيئة أضاءت دروب البحار في حين كان الغرب يخشى البحر ولا يدرك من أسراره إلا القليل مما أدركه هذا البحار العربي الفذ ، و علينا أن نستحضره وهو يخاطب مواطنه بالأمس :
      فإن تجهـلوا قـدري فـإنـمــا ...... سيأتي رجال بعدكم يعرفوا قدري
      وختاماً أتمنى أن يكون بحثي هذا مقدمة لبحوث أخرى من قبل أبناء الوطن …… وما توفيقي إلا بالله


      المراجع :
      1-أحمد حمود المعمري - عمان وشرق أفريقيا - وزارة التراث - مسقط - 1980م .
      2-أنور عبد العليم - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت - عدد13 - سلسلة عالم المعرفة - كانون ثاني 1979م .
      3-د. رجب محمد عبد الحليم - العمانيون والملاحة والتجارة - مكتبة العلوم - مسقط - 1979م .
      4-د. سلطان بن محمد القاسمي - بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد .
      5-سيد نوفل - الأوضاع السياسية لإمارات الخليج العربي وجنوب الجزيرة - دار المعرفة - القاهرة .
      6-د. عبد الهادي التازي - ابن ماجد والبرتغال - سلطنة عمان - وزارة التراث القومي والثقافة - 1986م .
      7-نوال حمزة الصيرفي - النفوذ البرتغالي في الخليج العربي - الرياض - مطبوعات دار الملك عبد العزيز - 1983م .
      ---------------------------------------------------------------
      1-جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم - جمعية أم المؤمنين النسائية - عجمان .
      2-وزارة التراث القومي والثقافة - عمان وتاريخها البحري - سلطنة عمان - 1979م .
      3-وزارة التربية والتعليم والشباب - دولة الإمارات العربية المتحدة - التاريخ للصف الأول الثانوي.
      4-وزارة التربية والتعليم والشباب - دولة الإمارات العربية المتحدة - اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي .
      5-وزارة التربية والتعليم والشباب - سلطنة عمان - تاريخ عمان والخليج العربي .
      6-المنجد في اللغة والأعلام - ( من قسم الأعلام ) .
      7-موسوعة عباقرة الإسلام - د. محمد أمين فرشوخ - الجزء الأول .
      8-موسوعة المعرفة ، المجلد السابع عشر - د. محمد فؤاد إبراهيم وآخرون
    • أمير الشعراء أحمد شوقي

      كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر. وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية. ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب. المولد والنشأة أحمد شوقي ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

      وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته. السفر إلى فرنسا وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر. العودة إلى مصر عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في أسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط. شعره في هذه الفترة ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض. ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها: غمرت القوم إطراءً وحمدًا وهم غمروك بالنعم الجسام خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا أضيف إلى مصائبنا العظام لهجت بالاحتلال وما أتاه وجرحك منه لو أحسست دام وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة: المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والدان يا خادم الإسلام أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسى في الزائرين وروّع الحرمان وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول: أما الخلافة فهي حائط بيتكم حتى يبين الحشر عن أهواله لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم فمصيبة الإسلام من جُهّاله ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1987م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله: بسيفك يعلو والحق أغلب وينصر دين الله أيان تضرب وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله: سل يلدزا ذات القصور هل جاءها نبأ البدور لو تستطيع إجابة لبكتك بالدمع الغزير ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين. وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة: ريم على القاع بين ألبان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف: قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم جهل وتضليل أحلام وسفسطة فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل على الجمال له عتابًا كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده. وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر. النفي إلى أسبانيا وفي الفترة التي قضاها شوقي في أسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في أشبيلية وقرطبة وغرناطة. وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته. وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها: صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله: أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي شهد الله لم يغب عن جفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي العودة إلى الوطن أحمد شوقي و سعد زغلول عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال. لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً: إلام الخلف بينكم إلا ما؟ وهذي الضجة الكبرى علاما؟ وفيم يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصاما؟ وأين الفوز؟ لا مصر استقرت على حال ولا السودان داما ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها: قفي يا أخت يوشع خبرينا أحاديث القرون الغابرينا وقصي من مصارعهم علينا ومن دولاتهم ما تعلمينا وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها: بني سوريّة اطرحوا الأماني وألقوا عنكم الأحلام ألقوا وقفتم بين موت أو حياة فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا وللأوطان في دم كل حرٍّ يد سلفت ودين مستحقُّ وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدَقُّ ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها: عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معالم الأفراح كُفنت في ليل الزفاف بثوبه ودفنت عند تبلج الإصباح ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحَّاح إمارة الشعر أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً: بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجِّعي أعيدي على الأسماع ما غردت به براعة شوقي في ابتداء ومقطع أمير القوافي قد أتيت مبايعًا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي مسرحيات شوقي بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد. وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة". ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد. وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث. مكانة شوقي منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث. وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمة وحديثه. وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء. وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الإطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة. وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة ألآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة. وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة". وفاته ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م)

    • كان يوسف إذ ذاك غلاما يافعا ، يضيء الطلعة ، مليح الهيئة ، فتّان المشاهدة ، ماتت أمه راحيل ، وتركنه وأخاه بنيامين في الثامنة عشرة من عمره ، أشدّ ما يكونان حاجة الى قلبها الرءوم ، وصدرها العطوف . ولهذا اثرهما يعقوب بالحُبّ ، وخصهما بفضلٍ وحنان ، ثم جاءت هذه الرؤيا مُذْكِيِةٍ لهذا الحب، مضاعفة لهذا الحنان . إذ قال يوسف عليه السلام لأبيه : يا أبت ، إني رأيت ليلة الأمس رؤيا جميلة ، أضاءت لها جوانب نفسي ونشرح لها صدري ( رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) فقال له أبوه : لا تقصص رؤياك على إخوتك فقد عرفت غيرتهم مما أخصك به وأخاك من رعاية وأوثركما به من إعزاز . ولم تخف على إخوة يوسف منزلته ومنزلة أخيه عند يعقوب ، وإن تحوط في الكتمان وتظاهر بحب الجميع . تآمر أولاد سيدنا يعقوب عليه السلام على أخيهم يوسف من أبيهم ، ظناً منهم أن أباهم يحبُّهُ أكثر منهم . فطلبوا منه أن يسمح ليوسف اللعب معهم ، وعندما أبدى لهم خوفه عليه ، طمأنوه ، بأنهم قادرون على حمايته فأخذوه معهم ، وعندما ابتعدوا عن الناس اتَّفقوا على إلقائه في البئر وذبحوا طيرا ولطخوا به قميص يوسف ، ورجعوا إلى أبيهم يبكون ، وقالوا له بأن الذِّئب قد أكله .
      ولكن سيدنا يعقوب عليه السلام لم يصدقهم . وفي هذه الأثناء مرت قافلة فذهب واحد منهم ليسقي من البئر ، فأدلى دلوه ، وعندما سحبه كان فيه سيدنا يوسف عليه السلام ، فأخذه معه إلى مصر ‘ وباعه إلى عزيز مصر . فعاش في رفاهية وسعادة ، وأحبته زليخا زوجة العزيز ، ولكنه رفض حبَّها ، فشكته لزوجها ، فوضعه في السجن . وكان معه في السجن اثنان ، يخبرهم عما يأتيهم من الطعام . وذات يوم قال احديهما: رأيت في منامي أن الطير تأكل من رأسي ، فقال له يوسف : تفسير منامك أنك ستقتل . وقال الثاني : رأيت في منامي أني أقدِّم الخمر للملك . فقال له يوسف ، أنت ستصبح ساقي الملك . فاذكرني عنده ولا تنساني .
      وعندما رأى الملك في منامه سبع بقرات سمانٍ يأكلهنَّ سبع بقرات هزيلات ، وعجز السَّحرة والكهنة عن تفسير الرؤية ، استأذن السَّقي الملك وقال : أيها الملك إنّ بالسجن فتى كريما ، صائب الفكر ، ملهم الرأي ، يكشف ودائع الغيوب بنور عقله ، ويصيب شاكلة الصواب بثاقب تدبيره ، تعرض عليه الرؤيا فيخمِّرُها ويُجليها ، ويجيد الفكرة فيها ويطيلها وثم يخرج بعد ذلك برأي الوثيق ، والتأويل الصادق ولو أرسلتني إليه لجئتك بالخبر اليقين، وانطلق الساقي إلى يوسف في سجنه ،و مهبط آلامه ، فوجده كما تركه صابرا محتسبا ، مؤمنا فانتاً ، قال له : يوسف أيها الصديق ، جئتك فيما أرجوا أن يكون لك فيه فرجا من ضيقك ، وعافيتٌ من محنتك ، أفتنا في سبع بقراتٍ
      سمانٍ يأكُلُهُنَّ سبع عجافاً مهازيل ، وسبع سنبُلاتٍ خضرٍ ، وأخرى يابسات فلعلك بعلمك تروي نفوسا للتأويل ظامئة ، ويجيب على أسئلةٍ في الصدور مختلجة ، ثم أرجوا أن يعرف القوم فضلك الواسع ، وعلمك الفياض .
      ويوسف عليه السلام لم يكن عالما يؤوِّل الرؤيا فحسب ، بل كان رسولاً مصلحا أرسله الله هادياً للناس في دنياهم وآخرتهم ، ومعاشهم ومعادهم ، فما كان يرى فيه فرصة يتنفس بها برسالته إلا انتهزها ولا فرصة للدعوة إلا علق بها . فمن سنين مضت سأله الفتيان رؤياهما ، فوجدها فرصة لإعلان كلمة التوحيد فأعلنها ، وللتنديد بعبادة الأصنام فهزىء بها ، واليوم يسأله الملك عن رؤياه فيعرف التأويل ، فلا يقصر حديثة عليه ، بل يمزج بالتأويل رأيه ، ويسدي إلى الشعب نصحه .
      قال : إنكم تستقبلون سبع سنوات ليّنة رُخاء ، تكونون في أخصب تربة وأمرع جناب ، تزدهر حقولكم ، وتزيد غلاتكم ، يصفو لكم العيش ، وتطيب الحياة . ثم تأتي في أعقابها سبع شداد يظلكم فيها الأمل ، وتكشف لكم الأيام عن سحاب خلب ، ووميض خادع ، ينكص النيل فلا يفي بوعده، ولا يمدُّكم برفده ، ويتجهم وجه الأرض ، فلا تبثكم مكنون خيرها ، ثم لا تجدون قائما يُحصد ، ولا حصيداً يخزن ، وتصابون من دهركم بالداهية الجُلّى ، والنائبة العظمى .
      ثم بعد ذلك تصالحكم الأيام ، ويُقبل عليكم الزمان ، تتهلّل وجوه النُّجح ، وتنحلّ عقد الأمور ، ويُظلُّكم عام خصيب ، تغاثون من شدّتكم ، وتصلحون ما فسد من أموركم ، تجود الأرض بالحنطة والشعير تأكلون ، والقُرْطُم والزيتون والسمسم ، فتعصرون وتأتدمون . ذلك تأويل الرؤيا ، وذلك ما أشرقت به نفسي ، وما تلقيته بالوحي عن ربي .
      وإذا كان ما أخبرت واقعا لا محالة ، فما حصدتم في سنيكم الرخاء فاخزنوه في أهرائكم ودوركم ، مصونا في سنبلة ، حتى يظل سليما نقيا ، إلا ما تحتاجون إليه ما يقي أود كم ، ويحفظ حياتكم ، لتتقوا السبع الشداد ، والسنين العجاف .
      ولما وصل إلى الملك هذا التفسير ، وفطن لذلك النصح والتدبير ، أدرك أن وراء هذا عقلا حصيفا ، فدعاه إليه ليختبره ، ويدرك به الغاية ويفيد من رأيه وعلمه .
      حضر إليه الرسول وناداه : يا يوسف ، إن الملك يدعوك إلى حضرته ، ويطلبك في مجلسه ، فقد رأى من تعبيرك علما غزيرا ، ولمح من نصحك رأيا حصيفا ؛ ليوشك أن يرتفع مقدارك ، ويطلع نهارك .
      وسأله الملك عن أمر النسوة اللاتي قطّعن أيديهن ، فعترفت النساء بمكيدتهن ومكرهن وبر أن سيدن يوسف من تهمتهن.
      فأراد يوسف علية السلام أن يمتلك الزمام الذي يستطيع أن يقود به الأمة إلى خيرها ، وأن يمسك بدفة التي يستطيع أن يسيّر بها سفينتها ، فقال للملك : إن أردت أن أكون مسئولا عن هذه الأمة ، محاسبا عن تدبير شئونها ، فأجعلني أميناً على خزائنها ، ووزيرا لأموالها ، وستجد الأمة إن شاء الله ما ترجو من صلاح الأعمال ، واطراد الأحوال ، العسر واليسر ، والرخاء والبلاء .
      فعينه الملك مسئولا عن خزائن الأرض . وعندما جاء إخوته قال لهم هل لواحد منكم أن بفضي إلي بحقيقة حالكم فلعلة يمزق قناع الشك ويبدد سحاب الريب ؟ قالوا أيها العزيز نحن اثنا عشر أخا سلالة نبي كريم ورسول عظيم عشرة منهم هم رسله ألان بين يديك وأمالهم منتهية إليك وأما الحادي عشر فقد خلفناه عند أبية ليقوم بأمره ويسهر على رعايته وأما الثاني عشر فقد فقدناه ولا ندري قد أختاره الله بجواره أم هو يضرب في الأرض الواسعة سهلها وحزنها وغورها ونجدها ذلك هو أمرنا ظاهره وباطنه .قال يوسف قد يكون حقا ما تقولون ولكن لا وزن لقول لم يعزز ببينة أو يدعهم بشاهد فأقيموا عندي البينة أو أتوا بالشاهد وحتى اطمئن لحقيقة حالكم واسكن لصحة أقولكم قالوا أيها العزيز أنا في غربي من بلادنا وعزلة عن أصدقائنا وأهلينا فلأتمس لنا غير هذا المخرج وشيئا غير هذا السبيل قال : إني سأجهزكم وأوقر بالميره ركائبكم وعلى أن تعودوا ومعكم أخوكم الذي خلفتموه عند أبيكم وازيدكم حملة بعير في غلاتكم فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون .وأمر غلمانه أن يوفوا لهم الكيل وأن يدسوا لهم في رحالهم البضاعة التي حملوها والفضة التي جاءوا يبتاعون بها وليكون ذلك أدعى لرجوعهم وأماكن لعودتهم ورحلوا عن مصر وذهبوا إلى بلادهم وتلقاه يعقوب وأخذ يستوضح أخبارهم ويستقصي أنبائهم قالو : يا أبانا إنا لقينا رجلا عظيما ووزيرا كريما عرف فضلنا وأرم وفادتنا ووفى لنا الكيل وأنزلنا خير منزل ولكنه أخذ علينا عهودا وشروطا ألا يكيل لنا من بعد حتى نأتيه بأخينا ويخبره بحقيقة حالنا إذ أنه شك في أمرنا وداخلة الريب في رحلتنا . وغدا سنفرغ الميرة ونحتاج غيرها فأرسله معنا ليكون معينا لنا على الكيل مساعد لنا في العطاء .قال يعقوب لن أذن لكم بسفرة ولن أستريح لفراقه وهل تروني أمنكم عليه كما أمنتكم على أخيه من قبل فاصرفوا عني كيدكم واكفوني شركم . ولما فتشوا رحالهم وجدوا بضاعته ردت إليهم فذهبوا إلى أبيهم مسرورين وقالوا يا أبانا ما كذبناك حين زعمنا أنا لقينا عزيزا وافر الفضل جم المروءة وما خدعناك حينما طلبنا أخينا فأرسل معنا أخانا ورأى يعقوب أن حاجتهم إلى الميرة وأخيهم ماسة ورغبتهم في الرحلة الاكيده فأذن لهم ببنيامين على أن يأخذوا عليهم عهدا وثيقا أن يأتوه به سليما معافى إلا أن يحاط بهم بقدر لم يكن في الحسبان .
      وساروا يخفضهم وهد يرفعهم نجد حتى ألقوا عصاهم بساحة يوسف ورأى يوسف أخاه فحنا علية ورق له ولكنة أخفى عواطفه وستر ما في نفسه ودعاهم إلى طعامه وأجلسهم مثنى مثنى . وبقي بنيامين وحيدا وبكى وقال لوا كان أخب يوسف حيا لجلس معي فأجلسه معه في مائدته ثم قال : لينزل كل أثنين منكم بيننا وهذا لا ثاني له فيكون معي فبات عنده فاخبره يوسف بالحقيقة وقال له : إني أنا أخوك الذي تهتف باسمه وتتلهف لرؤيته وعندما جاء أخوته لاستلام حصتهم من الحبوب ، وضع صاع الملك في رحل أخيه من أمه بنيامين ، وقيض عليه الحرَّاس ، وأحضروه إلى يوسف فعرفه على نفسه وأبقاه عنده بعد أن رفض الحراس عرض إخوته في أن اخذوا غيره بدلا منه .وعندما رجع إخوته إلى أبيهم أخبروه أن أخاهم قد سرق صواع الملك فحزن عليه خزنا شديدا وعندما رجعوا ثانية لاستلام حصتهم من الحبوب عرفهم يوسف على نفسه وأعطاهم قميصه ليلقوه على وجه أبية . وعندما اقتربت القافلة من ديارهم قال يعقوب علية السلام لجلسائه : إني أشم رائحة يوسف وبعد أن دخلوا القو القميص على وجه أبيهم عاد إليه بصرة فرح سيدنا يعقوب عليه السلام فرحا عظيما عندما عاد إلية بصرة وتأكد أن ابنه يوسف على قيد الحياة فسار مع أبنائه إليه وعندما اجتمعوا سجدوا له فتحققت رؤية سيدنا يوسف علية السلام عندما قال لوالدة : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .
      المصدر : كتاب قصص القرآن . تأليف : * محمد أحمد جاد المولى * علي محمد البجاوي * محمد أبو الفضل إبراهيم * السيد شماتة .
    • شكرا روزي على الجهد الكبير ،، بصراحة من فترة طويلة كنت أدور شعر من أشعار المتنبي، وما لقيت شي .. بس الحمدلله صار في عندنا ... :)

      شكرا جدا جدا جدا

      يعطيج ألف صحة وعافية
    • rozalinda كتب:

      أمير الشعراء أحمد شوقي

      كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر. وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية. ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب. المولد والنشأة أحمد شوقي ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م) لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

      وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل أن ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته. السفر إلى فرنسا وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر. العودة إلى مصر عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في أسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط. شعره في هذه الفترة ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض. ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها: غمرت القوم إطراءً وحمدًا وهم غمروك بالنعم الجسام خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا أضيف إلى مصائبنا العظام لهجت بالاحتلال وما أتاه وجرحك منه لو أحسست دام وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة: المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والدان يا خادم الإسلام أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان لمّا نُعيت إلى الحجاز مشى الأسى في الزائرين وروّع الحرمان وارتبط شوقي بدولة الخلافة العثمانية ارتباطًا وثيقًا، وكانت مصر تابعة لها، فأكثر من مدح سلطانها عبد الحميد الثاني؛ داعيًا المسلمين إلى الالتفات حولها؛ لأنها الرابطة التي تربطهم وتشد من أزرهم، فيقول: أما الخلافة فهي حائط بيتكم حتى يبين الحشر عن أهواله لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم فمصيبة الإسلام من جُهّاله ولما انتصرت الدولة العثمانية في حربها مع اليونان سنة (1315هـ = 1987م) كتب مطولة عظيمة بعنوان "صدى الحرب"، أشاد فيها بانتصارات السلطان العثماني، واستهلها بقوله: بسيفك يعلو والحق أغلب وينصر دين الله أيان تضرب وهي مطولة تشبه الملاحم، وقد قسمها إلى أجزاء كأنها الأناشيد في ملحمة، فجزء تحت عنوان "أبوة أمير المؤمنين"، وآخر عن "الجلوس الأسعد"، وثالث بعنوان "حلم عظيم وبطش أعظم". ويبكي سقوط عبد الحميد الثاني في انقلاب قام به جماعة الاتحاد والترقي، فينظم رائعة من روائعه العثمانية التي بعنوان "الانقلاب العثماني وسقوط السلطان عبد الحميد"، وقد استهلها بقوله: سل يلدزا ذات القصور هل جاءها نبأ البدور لو تستطيع إجابة لبكتك بالدمع الغزير ولم تكن صلة شوقي بالترك صلة رحم ولا ممالأة لأميره فحسب، وإنما كانت صلة في الله، فقد كان السلطان العثماني خليفة المسلمين، ووجوده يكفل وحدة البلاد الإسلامية ويلم شتاتها، ولم يكن هذا إيمان شوقي وحده، بل كان إيمان كثير من الزعماء المصريين. وفي هذه الفترة نظم إسلامياته الرائعة، وتعد قصائده في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أبدع شعره قوة في النظم، وصدقًا في العاطفة، وجمالاً في التصوير، وتجديدًا في الموضوع، ومن أشهر قصائده "نهج البردة" التي عارض فيها البوصيري في بردته، وحسبك أن يعجب بها شيخ الجامع الأزهر آنذاك محدث العصر الشيخ "سليم البشري" فينهض لشرحها وبيانها. يقول في مطلع القصيدة: ريم على القاع بين ألبان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم ومن أبياتها في الرد على مزاعم المستشرقين الذين يدعون أن الإسلام انتشر بحد السيف: قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا لقتل نفس ولا جاءوا لسفك دم جهل وتضليل أحلام وسفسطة فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم ويلحق بنهج البردة قصائد أخرى، مثل: الهمزية النبوية، وهي معارضة أيضًا للبوصيري، وقصيدة ذكرى المولد التي مطلعها: سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل على الجمال له عتابًا كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده. وقد صاغ شوقي هذه الحكايات بأسلوب سهل جذاب، وبلغ عدد تلك الحكايات 56 حكاية، نُشرت أول واحدة منها في جريدة "الأهرام" سنة (1310هـ = 1892م)، وكانت بعنوان "الهندي والدجاج"، وفيها يرمز بالهندي لقوات الاحتلال وبالدجاج لمصر. النفي إلى أسبانيا وفي الفترة التي قضاها شوقي في أسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في أشبيلية وقرطبة وغرناطة. وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته. وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها: صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس وقد بلغت قصيدة شوقي (110) أبيات تحدّث فيها عن مصر ومعالمها، وبثَّ حنينه وشوقه إلى رؤيتها، كما تناول الأندلس وآثارها الخالدة وزوال دول المسلمين بها، ومن أبيات القصيدة التي تعبر عن ذروة حنينه إلى مصر قوله: أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس وطني لو شُغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي شهد الله لم يغب عن جفوني شخصه ساعة ولم يخل حسي العودة إلى الوطن أحمد شوقي و سعد زغلول عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال. لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً: إلام الخلف بينكم إلا ما؟ وهذي الضجة الكبرى علاما؟ وفيم يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصاما؟ وأين الفوز؟ لا مصر استقرت على حال ولا السودان داما ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ آمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح، فنظم قصيدة رائعة مطلعها: قفي يا أخت يوشع خبرينا أحاديث القرون الغابرينا وقصي من مصارعهم علينا ومن دولاتهم ما تعلمينا وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها: بني سوريّة اطرحوا الأماني وألقوا عنكم الأحلام ألقوا وقفتم بين موت أو حياة فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا وللأوطان في دم كل حرٍّ يد سلفت ودين مستحقُّ وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدَقُّ ولم تشغله قضايا وطنه عن متابعة أخبار دولة الخلافة العثمانية، فقد كان لها محبًا عن شعور صادق وإيمان جازم بأهميتها في حفظ رابطة العالم الإسلامي، وتقوية الأواصر بين شعوبه، حتى إذا أعلن "مصطفى كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة سنة 1924 وقع الخبر عليه كالصاعقة، ورثاها رثاءً صادقًا في قصيدة مبكية مطلعها: عادت أغاني العرس رجع نواح ونعيت بين معالم الأفراح كُفنت في ليل الزفاف بثوبه ودفنت عند تبلج الإصباح ضجت عليك مآذن ومنابر وبكت عليك ممالك ونواح الهند والهة ومصر حزينة تبكي عليك بمدمع سحَّاح إمارة الشعر أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً: بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجِّعي أعيدي على الأسماع ما غردت به براعة شوقي في ابتداء ومقطع أمير القوافي قد أتيت مبايعًا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي مسرحيات شوقي بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد. وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا، وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة". ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد. وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث. مكانة شوقي منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث. وكان شوقي مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأ؛ حتى قيل بأنه كان يحفظ أبوابًا كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرمًا بالتاريخ يشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على بصره بالتاريخ قديمة وحديثه. وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء. وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الإطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة. وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل، ووصف وحكمة، وله في ذلك أوابد رائعة ترفعه إلى قمة الشعر العربي، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة ألآس"، و"أسواق الذهب"، وقد حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة. وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة". وفاته ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م)


      مشكووووووووووووووووووووووووورة حبيبتي rozalinda ع الموضوع الحلو الله يعطيكي العافية يسلموووووووووووووو