الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
إن اللمز هو العيب ، والطعن في الآخرين ، سواء كان باللسان ، أو بحركات اليد ، أو بنظرات العين ، فكل ما كان منها بقصد الطعن على المسلم ، وتعييره ، وإظهار عيبه ، هو من اللمز المحرم شرعا .
وهذا المرض أكثر خطورة من سابقه ، لأن اللمّازون يقصدون قصدا إلى إيذاء الآخرين ، وجرح شعورهم ، وإظهار عيبهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
وإذا تفكرنا في حقيقة النفس البشرية المصابة بهذا المرض ، فإننا نصفها باللؤم ، والبعد عن المروءة ، والتعري من الإيمان .
قال صلى الله عليه وسلم (( ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذيء )) .
ثم إن من أسباب هذا المرض الخبيث الدفاع عن النفس ، ليس إلا ، فأصحاب العيوب يتوقعون نقدا لهم من ناصح أمين ، يظنونه مهاجما ، فيتداعون إلى أخذ زمام المبادرة ، وتحويل الهجوم بلمز ، ومن وراء الظهر ، بدليل ما ذكره القرآن الكريم في وصف المنافقين (( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم )) التوبة : 79 ، حيث إنهم قالوا عمن تصدق بالكثير : ما أعطى ابن عوف إلا رياء . وعمن تصدق بالقليل (( ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا )) ؟ فلا يسلم من تجريحهم ، وعيبهم أحد من الخيرين ، وفي نفس الوقت هم قاعدون متخلفون ، منقبضو الأيدي شحيحو الأنفس .
وإن من خطورة وجود هذا المرض ، وشيوعه في المجتمع المسلم ، أنه يؤدي إلى فتور العلاقات الأخوية ، ومن ثم انهيارها ، وذلك لأنه ينزع الألفة ، والمحبة من القلوب ، مما يهدد بانهيار المجتمع المسلم .
فعن عمير بن إسحاق قال (( كنا نتحدث أن أول ما يُرفع عن الناس الألفة )) .
ولعلاج هذا المرض ، ينبغي التأمل في قول الله تعالى (( ولا تلمزوا أنفسكم .. )) الحجرات : 11 . فإن في هذا التعبير القرآني البليغ معنى رادع عن اللمز ، وهو أن في قوله تعالى (( أنفسكم )) إيحاء بأن الذي يعيب ، يعيب نفسه في الحقيقة ، لأنه إنما يلمز الآخرين بما فيه من عيب ، قال بكر بن عبد الله المزني : إذا أردت أن تنظر العيوب جمّة ، فتأمل عيّابا ، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من عيب .
كما أن في هذا التعبير تذكير جميل لمعنى الأخوّة ، والتي تجعل المؤمنين ، كجسد واحد ، ونفس واحدة ، فمن عاب مؤمنا ، فكأنما عاب نفسه .
إن حقيقة الإسلام في نفس المسلم ، لا تقبل هذا الخُلق السيء ، وكذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول ـ واصفا المسلم ، أو حقيقة المسلم أنه (( من سلم المسلمون من لسانه ويده )) .
إن هذا الخلق السيء ينافي حقوق الأخوة الواجبة لكل مسلم ، قال صلى الله عليه وسلم (( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يعيبه ، ولا يتطاول عليه في البنيان ، فيستر عنه الريح إلا بإذنه ، ولا يؤذيه بقتار قدْره ، ثم قال ( احفظوا ، ولا يحفظ منكم إلا قليل )) .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم