«كن جميلاً ترى الوجود جميلاً»
لا أعلم على وجه التحديد مَن هو صاحب هذا القول، لكنني أشعر بأنه قول يحمل معنى شديد العمق. فقد قرأت اليوم بحثا نفسيا عن السعادة يطرح تساؤلا عن هذه الحالة ـ حالة أن تكون سعيدا ـ وخلص البحث إلى انها حالة يسعى إليها السواد الأعظم من البشر. ولسبب ما، قفزت إلى ذهني عبارة «كن جميلاً ترى الوجود جميلاً».
هل من الممكن أن نقول: كن سعيداً ترى الوجود سعيداً؟..
الدستور الأميركي يجعل السعي وراء السعادة هدفا وحقا من حقوق الإنسان، فهل السعادة هدف؟ هل هي شيء ملموس يمكن رؤيته وتحديده؟ هل لها كتلة ذات طول وعرض وعمق؟ أم هي حالة نصل إليها عبر تجارب وعلاقات وإنجازات؟.
في عام 2006، أجرت الـ «بي. بي. سي»، استفتاء شعبيا عن السعادة، وتبين أن نسبة السعداء بين البريطانيين انخفضت من 52% في عام 1957، إلى 36% في عام 2006.
ولعل أطرف ما جاءت به الدراسة هو أن 81% من المشتركين، اتفقوا على ان الحكومات يجب أن تهتم بما يجعل أفراد الشعب أكثر سعادة لا أكثر ثراء. ومعنى ذلك، أن الناس يفترضون أن هناك معادلة أو صيغة بيد الحكومة يمكن أن تجعل السعادة في متناول الجميع. وهو افتراض فتح الطريق لخلط المفاهيم. فلا السعادة صيغة قانونية، ولا اقتصادية. ولا هي قرارات تجعل المتعة في متناول الجميع بحيث تصبح السعادة في نظر البعض قرينا للمتعة. فالإحساس بالمتعة، يزول بزوال المؤثر، ومن ثم يصبح السعي وراءها لهاثا محموما، لا يزيد صاحبه إلا إحساسا بالخواء.
علماء النفس يرسمون حدود السعادة داخل إطار شبكة عواطف إنسانية مرتبطة بالرضا والقناعة والإقبال على ما يفعله الفرد في العمل أو في أوقات الفراغ، والإيمان بأن كل ما يفعله في حياته له معنى وهدف. وفي ميدان السعادة، تبين أن الآخر يلعب دورا بالغ الأهمية. فالسعيد حقا يتمتع بعلاقات طيبة مع الآخرين، أي أنك لا يمكن أن تكون سعيدا ما دمت وحيدا أو في حالة صراع مع الآخرين.
إذا كانت السعادة شركة مساهمة، فإن الأمل يمتلك حصة الأسد من أسهم الشركة. وإن كنت من الناس الذين يعترفون بالجميل، فاطمئن لأن أسهمك في بورصة السعادة بخير. وما دام الجديد يثير اهتمامك ويحضك على اكتشاف المزيد، فأنت أيضا تخطو نحو السعادة من دون أن تشعر.
الأبحاث تشير إلى أن السعداء يحققون نجاحا أكبر في الحياة. والمؤشرات تبدأ مبكرا ابتداء من الأداء المدرسي، مرورا بمواقع العمل والصداقة والزواج. كما أنهم يتمتعون بالعمر المديد لأن الإحساس بالعواطف الإيجابية يجعلهم أكثر مرونة وأكثر إبداعا وأكثر تسامحا، ويجعلهم في أمان نسبي من المرض.
ثقافتنا الشعبية تفترض أن السعادة هبة من السماء، والدليل على ذلك عندما نوظف هذا المفهوم في التخاطب مع أحدنا الآخر. أجد نفسي تلقائيا وأنا أطلب معروفا من قريب أو صديق أقول: أسعدك الله، هل لي أن أسألك كذا وكذا؟. السعادة إذن جزء من قدري وقدرك، ربما لأنها انعكاس لتفاعلك مع الوجود. فالإحساس بالاطمئنان ونقاء الضمير والتواصل المباشر مع الصديق والقريب، هي ركائز أساسية في حياتنا العاطفية. الشعور بالغبطة حين يتقن أحدنا عملا أو يؤدي مهمة توكل إليه، لا بد أن نشعره بالرضا.
لمسة حنان أو نظرة مودة أو لفتة وفاء تغسل تراب التعب والالم وتطيل عمرك عشرات السنين، وهي حتما هبات يمنحها موزع الارزاق
المصدر جريدة الشرق الأوسط