علاقة الحجاج بن يوسف بعمان وتاريخ عمان

    • علاقة الحجاج بن يوسف بعمان وتاريخ عمان

      كانت بداية وصول الإسلام إلى كينيا مبكرة ، تعود إلى العقد الأخير من القرن الهجري الأول ، وذلك عندما أقام بعض المغامرين من البحارة العرب مركزاً لهم على الجزر المقابلة لساحل شرقي أفريقيا ، ثم بدأت الهجرات الإسلامية لهذا الساحل عندما انتشرت الخلافات في نهاية العصر الأموي .
      وكانت الهجرة الأولى لجماعة من مسلمي الشام دب الخلاف بينهم وبين الحجاج بن يوسف الثقفي ،والهجرة الثانية كانت من أهل عمان ، وهم من أزد عمان ، وهكذا ظهرت امارة إسلامية في لامو في شمالي مدينة ممبسة . ثم جاءت هجرة أخرى إلى بر ( الزنج ) وهو الاسم الذي أطلقه العرب على ساحل شرقي أفريقيا ، وكانت في سنة 111هـ - 729 م ، واستقرت في مدينة شنجايا في موضع مدينة ( بورت دنفورد ) وظهرت امارة إسلامية جديدة ، ثم جاءت هجرات من شيراز ، وأسست هذه الهجرات عدداً من المدن الإسلامية على ساحل شرقي أفريقيا منها كاسو ، وكلوا ، وهكذا كثر عدد الهجرات فجاء بنو نبهان من عمان إلى مدينة باتا وتقع في شمال مدينة لامو في كينيا . وهكذا ظهرت امارات إسلامية على سواحل شرقي أفريقيا ، أو كما سمي بر الزنج ، وأصبح المسلمون خليطاُ من الأفارقة ، والشيرازيين ، والعرب ، وأطلق عليهم (السواحليون ) ويدأت تظهر اللغة السواحلية واتخدت من الحروف العربية قاعدة لها .
      وانتشرت الدعوة الإسلامية من الساحل إلى الداخل مع تحركات المسلمين في التجارة ، وفي بداية القرن السادس عشر تعرضت الامارات العربية إلى حرب صليبة مدمرة ، شنها البرتغاليون بعد اكتشافهم طريق رأس الرجاء الصالح ، وتعاونت معهم الحبشة في هذه الحرب ضد الإسلام ، فدمر البرتغاليون مدينة زيلع وأغروا على بربرة ، واستمر الصراع فأحرقوا ممبسة خمس مرات ، ودمروا مدينة لامو ، وباتا وقتلوا الشيوخ والنساء والاطفال ولقد شن البرتغاليون حرباً دامت قرنين . ثم تعقبتهم القوة العمانية في الساحل الأفريقي حتي قضت على نفودهم في شرقي أفريقيا ، وقامت دولة إسلامية سيطرت على هذا الساحل ، وهاجرت إليها عناصر عربية عديدة .
      وبدأت الصلات الثقافية بين شبه الجزيرة العربية ، وساحل شرقي أفريقيا ، واتسمت بالطابع الديني ، وأرسلت البعثات إلى المدن العربية الإسلامية ، وعاد أبناء شرقي أفريقيا لتعليم الإسلام وقواعده إلى شعوبهم وبرزت مدن إسلامية على الساحل الأفريقي مثل لامو ، وممبسة ، وتانجا وأصبحت مراكز إشعاع للدعوة الإسلامية .
      وانتقل الإسلام إلى الداخل فتوغل في كينيا ، وتنجانتقا ، وموزمبيق ، وأوغندا ، ووصل إلى زائير ، وازدهرت التجارة بين الساحل والداخل وأخد الإسلام ينتشر في داخل شرقي أفريقيا مع التجارة ، وظهرت مراكز تجارية مثل كيتوتو ، وساباى وممباس في داخل كينيا ، ومثل طابورة واجيجي في تنجانيقا واتخد العرب والسواحليون منها مراكز استقرار في الداخل ،
      ووصل الإسلام إلى كينيا عن طريق محور آخر ، حبث كانت القبائل الصومالية دعامته ، فانتقل الإسلام عن طريقهم إلى شمالي كينيا ، وحيث انتشر بين القبائل التي تعيش في شمالي كينيا ، وامتد نفوذ دولة آل بوسعيد من زنجبار إلى داخل شرقي أفريقيا خلف انتشار الإسلام .
      وعندما فرض الاستعمار الألماني والإنجليزي سيطرتهما على هذه المنطقة عرقلا سريان الدعوة الإسلامية ، وشجع البعثات التنصيرية ، وقاوم المسلمون الاستعمار والتنصير ونشبت الثورات في كينيا منها ثورة (وينو ) في سنة 1890 م ، وثورة (المازوري ) في سنة 1895 م ، وانتشرت الثورات في ساحل كينيا .
    • ندوة " عمان في التاريخ " التي تبنتها ونظمتها وزارة الا علام في عام التراث الذي لم طلق فعالياته ونشاطاته صاحب ،لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم بدء هذا ،لعام ، وعيا بمسؤولية تاريخية جسيمة، بضرورة وصل الحاضر المشرق بدلك الماضي الذي تتجلى أطوار مجده وعظمته في لم كثر من حقبة ومنعطف تاريخي . كما أكد ذلك جلالته بمقولته السامية "بأن عمان تسير في ركب التقدم من قاعدة صلبة وهي التاريخ و،لحضارة العمانية " . . فالتقدم ،لحضا ري هو هذا ،لمركب الشامل بعناصره الروحية والما دية التي تسري في عروق الزمن والمجتمع لتغذي كل تطور وتقدم.،،

      تستدعي الندوة الهامة والواسعة " عمان في التاريخ " التي " انعقدت بتاريخ24-27 سبتمبر 1994، تستدعي أكثر من وقفة تأمل وتفكير . فمن جهة كانت حدثا في ذ اته تحقق عبر هذا الحشد من الباحثين والمؤرخين الذي يصل الى الثمانين من، مختلف أنحاء الوطن العربي والعالم . ذهبت أبحاثهم ورؤاهم وانشغالاتهم مذاهب شتى في التنقيب والنظر الى كنوز التاريخ العماني ولآلةالخبيئة وانجازاته التي تناسلت وتقادمت عبر أزمنة سحيقة وعهود شتى، جامعها الأساسي قوام الشخصية العمانية والمجتمع العماني في حربه وسلمه ، بره وبحره ، سفحه وجبله ، داخله وخارجه . جامعها الانجازات المعرفية الكبيرة التي تحققت في حقول شتى ومجالات ارتاد أفاقها الصعبة، العقل والخيال العمانيين ببصيرة ثاقبة وخيال خلاق اقترن وتوازى وتداخل مع العقل العماني وتجلياته المختلفة في الداخل الذي ابتنى قاعدة تاريخية وعمرانية ومجتمعية حصينة تعالت في لحظاتها الكبرى لمواجهة الأ عداء والخصوم والطامعين ، على الانقسامات القبلية والطائفية، تلك التي تفتت أي وحدة مجتمعية، عروة المواجهة والبناء والعمران فكان المجتمع العماني وقيادته النابعة من صميم بنائه وتكوين عبر تاريخه الطويل ، مثالا لهذا التلاحم و الاندماج والابداع في المواجهة والعمران.

      ومن جهة أخرى فتحت هذه الندوة بوابة الأسئلة والاحتمالات والرؤى المختلقة، بقديمها ومعاصرها على هذا التاريخ الزاخر، الذي لم تمض فيه الدراسات الماصرة بعيدا في سبر أغواره وملاحقة أحداثه وتحليلها وتصويبها في نسق وسياق متكاملين أي ان مهمة الدارس لهذا التاريخ وأحداثه ومعارفه ستكون على جانب من الصعوبة، فالمادة الموجودة في بطون الكتب والوثائق والنصوص والآثار، ممتدة عبر مساحة بالغة الاتساع في الزمان والمكان ، كما يتضح ذلك في دراسات المقارنات والمقاربات التي تذهب نحو العهد السومري وعلاقات السومريين بالعمانيين والتفاعل الحضاري والمعرفي بين سومر وعمان أو تلك التي تذهب صوب شواطىء أفريقيا وتخومها ' شرقا وشمالا، وامتداد القيم والدين والأنساب ابان كانت عمان امبراطورية مترامية القوة والأطراف . أو بعلاقات الحضارات وحوارها وتصادمها أحيانا مع الغزاة البرتغاليين وغير ذلك مع الهند وأقاليم من أوروبا وأمريكا فضلا عن علاقتها مع محيطها العربي والاسلامي. يتطرق البحث المعاصر الى ما تقدم وغيره ، ويتطرق بشكل أساسي الى الانجازات المعرفية والدينية والأدبية والعلمية .. فالانجاز العماني على صعيد الحوار والصراع المعرفي بين المدارس الاسلامية ومذاهبها المتعددة يعد اثراء للفكر الاسلامي وتنويعا يتسم بالخلق والاجتهاد والابتكار ضمن الطموح نحو وحدة الفكر الاسلامي الكبرى التي تعلو على التعصب والتطرف والتمذهب الأعمى وربما هذه الصفات الأخيرة هي التي عصفت بروح الاسلام وحقيقته الأزلية الخالدة. ان العمانيين كما يتضح من خلال البحث الموضوعي ليسوا ، كما يصفهم الخصوم اللامعرفيون ، بأنهم دعاة انكفاء وانغلاق فقد ساهموا في السجال الاسلامي بروح منفتحة وصدر رحب ، والانكفاء والصرامة كانا حيز يستشعرون من قبل "الآخر" تهديدا وخطرا على وجودهم الروحي والمادي .

      ***

      أشرنا الى أن البحوث تتوزع عبر خارطة كبيرة في التاريخ والجغرافيا والسياسة والعلوم ، لا يتسع لها المجال في هذه العجالة، التي ليست الا اشارات لأهمية الندوة والندوات القادمة التي ستكون على شاكلتها من التنوع والجدية و والاحاطة بتضاريس التاريخ والانسان المختلفة في عمان . . صوب التاريخ يذهب بحث الدكتور فوزي رشيد في ايضاح خلفية العلاقات بين حضارة وادي الرافدين وعمان ، فالمختصون في تاريخ العراق القديم والدراسات المسمارية، أجمعوا على ان الاسم الحديث لبلاد "مجان " القديمة هو عمان ، لقد استورد سكان بلاد الرافدين بشكل خاص حجر الدايورايت من مدينة مجان .. والآثار المصنوعة من هذا الحجر والكتابات المسمارية تؤكد بأن السفن العمانية كانت تجلب هذا الحب وبطلب من التجار العراقيين منذ زمن الملك سرجون الأكدي ( 2240ــ2384 ق .م )، وقد فضل العراقيون القدامى هذا الحجر كثيرا بحيث ورد في كتابات الحاكم كودبا(2144ــ2224ق .م ) بأنه أفضل من أي معدن اخر معروف وحتى أنه أفضل من الذهب .. إن العلامات المسمارية التي كتبت بها مدينة مجان قد أكدت لنا بأن المدينة المذكورة كانت مشهورة بصناعة السفن التجارية، لأن اسمها كان يكتب بالعلامتين ((ما)) التي تعني سفينة و"جان " التي تعني هيكلا، وبذلك يكون معنى الاسم كاملا هيكل السفينة" مما يؤكد أنها كانت تمارس صناعة السفن والذي يزيد هذا التأكيد سطوعا هو ان عمان خلال الفترة العباسية وحتى أوائل القرن التاسع عشر كانت مشهورة أيضا بصناعة السفن ومثال السندباد البحري وانطلاقه منها بارزا. يمضي البحث نحو أدغال ذلك التاريخ البعيد في الصناعة والحياة وما ينتج عنهما من علا قات وتبادلات لأبرز قوى ذلك العصر وأكثرها تأثيرا في مسار التاريخ ، وحيث تتناسل قيم التاريخ والمعارف عبر

      العهود السيطة والمتأخرة . فا لبلدان العريقة لا يغرب نجم قيمها وقوام شخصيتها وان شهد ركودا في بعض المراحل والأزمان لاتفتأ أن تقوم وتتواصل وتتجدد .

      ان الشخصية العمانية التي يحتل البحر جزءا أساسيا من تكوينها ولحمتها ومداها كانت تحقق ذاتها وتتواصل وتنشر قيم الاسلام والعروبة عبر البحار، في جهات شتى، منها شرق افرقيا.

      وكما يوضح الدكتور عبدالفتاح حسن علته بأن الدور العماني لم يقتصر في هذا الاتجاه على مناطق شرق افريقيا بل تعداه الى الهند والصين وأصبحت التجارة العمانية رائدة الطرق البحرية المطلة على الهند، وعلى الساحل الشرقي الافريقي

      ولعب الاسطول العماني دورا أساسيا في الجهاد والدفاع ضد البرتغاليين ابتداء من أسرة اليعاربة، وتضافرت جهود العمانيين في ظل ألامام سلطان بن سيف اليعربي الذي تمكن من طرد البرتغاليين عام . 1650 م . وتابع العمانيون جهادهم ضد الغزاة بطردهم من الخليج العربي وتصفية نفون هم في مناطق شرق افريقيا ومناطق من الهند وتوجت هذه الجهود والمواجهات الحادة مع القوى الخارجية، باكتمال المشروع الحضاري العماني في عهد الأسرة البوسعيدية وفي عهد السيد سعيد بن سلطان الذي كان استمرارا تطوريا لجده السب أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية سنة 1700ــ 1783 م ، الذي حرر ووحد عمان بعد حروب وانقسامات داخلية وغزوات خارجية ممثلة في الزحف الفارسي الذي احتل أجزاء أساسية من عمان قبل طرده بقيادة السيد الامام أحمد بن سعيد وتحرير البلاد من الفرس بشكل كامل.

      وفي مرحلة مؤسس الدولة البوسعيدية، شهدت عمان قوة وازدهارا فإلى جانب اهتمامه بالاستقرار السياسي اهتم بالناحية التجارية فكان الى جانب امتلاكه اسطولا حربيا كان يمتلك اسطولا تجاريا ضخما وقد توسعت التجارة في عهده ت وسعا لم يسبق له نظير في أي عهد وأصبحت مسقط من أهم ا لمدن التجارية في الخليج العربي وغدا ميناؤها من أهم الموانىء التجارية الذي ترتاده السفن الأوروبية .

      وعبر تاريخها اللاحق استمرت الأسرة البوسعيدية في متابعة هذه المنطلقات الكفاحية العظيمة في مطاردة الغزاة من عمان بفعالية ودأب كبيرين كقيادة للشعب العماني وتقاليد نضاله وحريته واستقلاله .

      وشكلت عمان في تاريخها حاضرة بلاد العرب ونافذتها المطلة على المحيط الهندي وبلاد السند والهند. ورغم الدور الطليعي الذي قامت به عمان في سياق الأمة العربية والاسلامية ووقائعه المشرقة، لكنها ظلت ، لبعدها عن مراكز الخلا فة الاسلامية وانشغال المؤرخين بأخبار الخلافة، لم تنل القدر الذي يليق بها من اهتمام المؤرخين وأصحاب الأخبارورغم الاسلام المبكر لأهل عمان لكني م ظلوا سادة بلادهم ولم يسمحوا لجيوش الخلافة بالسيطرة عليها على غرار البلدان الأخرى وظلت ادارة شؤون البلاد بيد أهلها وكان الخلفاء الراشدون يحترمون هذه الخصوصية للعمانيين الذين ساهموا في الجهاد العسكري العربي الاسلامي وفي فتوح المشرق ومشاغلة القوات الفارسية وشاركوا في بناء المدن الإسلامية كالبصرة والكوفة.

      لما وصل زمن الخلافة الى فترة الحجاج بن يوسف الذي أغضبته خصوصية العمانيين فأرسل جيوشه التي هزمها العمانيون اثنتي عشرة مرة بقيادة "ال الجلندي " قبل أن تسيطر الجيوش الأموية لاحقا وبشكل مؤقت.

      تدل الكشوفات الأثرية والأنثربولوطجية على علاقة عمان التي سميت بهذا الاسم نسبة الى "عمان بن قحطان " حسبالمؤرخ العلامة نور الدين السالمي ، الذي استقاه من ياقوت الحموي في معجم البلدان . رواية أخرى تقول انها سميت باسم "عمان بن ابراهيم الخليل " الذي بنى المدينة. وفي النواحي الاشتقاقية، أعمن اذا أتى عمان ، ويقال أعمن يعمن اذا أتى عمان ، والعمن المقيمون بعمان ، ويقال رجل عامن وعمون ومنه اشتق اسم (عمان ). . وقيل اعمن دام على المقام بعمان .

      وتدل هذه الكشوفات الما قبل اسلامية على طابع عروبة المنطقة وروحها تقاليدها. . وقد كان مجىء القبائل الأزدية بعد خراب سد مأرب التي اكتسحت الاحتلال الفارسي وأعادت البلادالى روحها وأصالتها، تأكيدا وتتويجا لهذا الطابع البعيد والعميق في تاريخ المنطقة. وحسب الكشوفات التي ينقلها الدكتور غنيمي الشيخ عن أهمية الطرق المتبعة منذ العصور القديمة التي تمتد الى مطلع الألف الثالثة ق م في استغلال النحاس وتعديته وشبكات الري الزراعية وغيرها، فإن هذه الفعاليات التعدينية لات زال ممتدة منذ الأزمنة السحيقة حش اليوم في عمان بجانب أشكال أخيرى من الفعاليات ، في الزراعة وفي بناء القنوات تحت الأرضية المزودة بابار للتهوية (الأفلأج ) وشبكات المياه والطواحين القادرة على رفع المياه من الوديان الى المصاطب الزراعية باستخدام دوا ليب تتحرك لولبيا وتغذية أحواض خرانات متباعدة .

      وكان نمط المعمار والبناء في عمان عبر عصور وأطوار مختلفة، شاهدا حقيقيا على مقدرة التحدي لقوى الطبيعة ومقدرة استيعابها واستثمارها لصالح الفرد وا لمجتمع ، هذه الطبيعة التي من الصعب قهرها والتكيف معها الا عبر العبقرية والتعامل الفذ قي الاخضاع والاستثمار والانسجام.

      في مسار التاريخ العماني في العهودالاسلامية ينقل غنيمي الشيخ عن صلاح العقاد تشخيص وقائع مرحلة السيد سعيد بن سلطان حفيد مؤسسة أسرة البوسعيد الحاكمة في أنها من أزهر العصور التي مرت بعمان من خلال القرن التاسع عشر ان لحم يكن أكثرها ازدهارا رغم الصعوبات الكثيرة التي واجهته في بناء الدولة، ويرى المؤرخون ان السيد سعيد بن سلطان هو بلا شك أبرز الشخصيات في أسرة البوسعيد التي لعبت دورا في تاريخ عمان والخليج وشرق افريقيا ولا نكون مبالغين اذ ا اعتبرناه من الشخصيات الهامة جدا في تاريخ العرب الحديث .

      وفي عهدا السلطان سعيد بن سلطان أقيمت العلاقات والاتفاقات الدولية بين الامبراطورية العمانية ودول أجنبية منها الولايات المتحدة الأمريكية واليي بعت السيد سعيد سفينته المسماة (سلطانة) في رحلة الى ميناء نيويورك الأمريكي عام . 1840 لتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وللتجارة وشراء الأسلحة التي كان في حاجة اليها أثناء صراعه مع الوجود البرتغالي في موزنبيق . واختار السيد سعيد، أحمد بن نعمان أمين سره الخاص ، ليكون ممثلا له في الولايات المتحدة كأول مبعوث عماني .. وفي ظل العلاقات الدولية المؤثرة خلال القرن التاسع عشر تصدت الدولة العمانية لعدد من الاضطرابات الداخلية الخارجية خلال عهد السيد سعيد بن سلطان .

      وقد تميز نظام حكمه الاداري بطابع التحديث والرقي . واستطاع السيد سعيد أن يحافظ على ممتلكات الدولة بواسطة دبلوماسيته المعهودة باستغلا ل الامكانيات الاقتصادية لتأمين سلامة الدولة. بفضل حنكته الدبلوماسية أظهر السيد سعيد بن سلطان تعاونا مع البريطانيين اتسم غالبيته بالطابع التجاري السلمي وتعاون معهم في محاربة تجارة الرقيق .

      وخلال عهده أبرم السيد سعيد بن سلطان الكثير من الاتفاقيات الدولية بدأها مع حكومة الهند والولايات ا لمتحدة الأمريكية خلان عام 1833 م ووثق علاقته المتصاعدة مع بريطانيا عام 1839 م التي بموجبها ربط علاقات البلدين بهذه الاتفاقية المشهورة التي وضعت وأطرت أسس التعامل المستقبلي بين البلدين .

      كما وقع السيد سعيد بعد خمس سنوات اتفاقية أخرى مع فرنسا عام 1844. وتجىء أهمية هذه الاتفاقيات من ناحية تركيزها على التنظيم التجارتي والعلاقات الودية بين الدولة العمانية وهذه الدول .

      كما عكست تلك الاتفاقيات اهتمام حكومة السيد سعيد بن سلطان بمظاهر تحسين مواردها الاقتصادية والتجارية وزيادة حركة الموانىء التجارية والعائد الاقتصادي لها والتطويرالادري والتنظيمي وتأمين سلامة ممتلكات الدولة الواسعة الأطرأف وابعادها عن شبح الصراعات والأطماع الدولية. . . انها سيرة تاريخ مكتظ بالوقائع والأحداث والاشراقات والبطولات على كافة الأصعدة.

      فتحت ندوة "عمان في التاريخ " الجدل والاجتهاد بحرية تامة وكانت بوابة لندوات وتظاهرات ثقافية يتطلبها الوضع الثقافي والفكري في السلطنة. فالثقافة العمانية قديمها الزاخر المتراكم وجديدها الآخذ في التبلور والوضوح بحاجة الى هكذا ندوات تفتح فيها حرية البحث والرأي المسؤولين ، وتذهب نحو التوثيق والتنقيب كما تذهب نحو التحليل والوجهة الابداعية
    • كتاب
      (دراسة تاريخية)
      الإمام جابر بن زيد الأزدي وأثره في الحياة الفكرية والسياسية
      عرض : عبدالستار خليف
      * مدخل..
      تأتي اهمية هذا البحث من كونه يتعلق بالامام جابر بن زيد وأثره في الحياة الفكرية والسياسية وخاصة ارتباطه الفكري بالمحكمة (قضية التحكيم بين الامام علي ومعاوية بن ابي سفيان) وكذلك العلاقة التي ربطت عبدالله بن اباض بالامام جابر بن زيد.
      ومن ناحية اخرى تأتي اهمية هذا البحث لكونه رسالة ماجستير من اعداد سامي صقر عيد ابي داود تبحث في مرحلة تاريخية من التاريخ الاسلامي هي فترة الحكم الاموي حيث نشأت حركة تنويرية كان مؤسسها هو التابعي الامام جابر بن زيد الازدي الذي يكون نشاطه الفكري محور هذه الدراسة ومحاولة لالقاء الضوء على الجانب السياسي المغمور من نشاط الامام جابر بن زيد.
      يقع البحث في اربعة فصول وعدة ملاحق وقبل ذلك المقدمة وتتضمن تحليلا ودراسة لاهم المصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحث في هذا البحث.
      وقد حصل هذا البحث على درجة الماجستير في التاريخ الاسلامي بكلية الاداب والعلوم بجامعة آل البيت بالاردن تحت اشراف الاستاذ الدكتور فاروق عمر فوزي.
      * الفصل الاول : الامام جابر بن زيد وعلاقته بالمحكمة..
      يبدأ هذا الفصل بالحديث عن معركة صفين ورفع اهل الشام المصاحف على اسنة الرماح مطالبين بالتحكيم بينهم وبين اهل العراق وقبول التحكيم ووقوع معركة النهروان وظهور لتيار المحكمة وأن جماعة المحكمة انقسمت الى اربع فئات : الازارقة والنجدات والصفرية والاباضية وأن المحكمة كانت بما يشبه تيارا فكريا عاما يضم الكثير من العلماء وعكرمة مولى بن عباس وعمران بن حطان.
      ثم تطرق الباحث الى علاقة الامام جابر بن زيد برجالات المحكمة الاوائل وعلى رأسهم ابو بلال مرداس بن ادية التميمي وعبدالله ابن اباض وأن علاقته مع الاول كانت علاقة صداقة قوية ولم تكن ذات طابع حركي نظرا لانه لم يكن للمحكمة تنظيم سياسي اما علاقته بالثاني فقد كانت علاقة حركية تمثلت في انضمام عبدالله بن اباض بعد انقسام المحكمة سنة 64هـ للحركة التي اسسها الامام جابر بن زيد وهي التي نسبها المؤرخون الى عبدالله بن اباض وان الواقع التاريخي يدل بوضوح على علاقة الامام جابر بن زيد بالحركة الاباضية وقيادته لها وان المصادر الاباضية تجمع على ان الامام جابر بن زيد امامها ومن خلال رسائله التي ارسلها الى دعاته فهو يطلب من اتباعه ان يمحوا كتبه وان لا يذكروا اسمه مما يدل على وجود صلة تنظيمية تربطه بهم.
      * الفصل الثاني : الامام جابر بن زيد نشأته وعلاقته بعلماء عصره..
      هو جابر بن زيد الازدي اليحمدي الجوفي , العماني كان مولده في (فرق) وهي منطقة قريبة من نزوى بعمان ولا تفصل المصادر اكثر من ذلك عن نسبه ويحتمل ان يكون والده صحابيا ويتطرق الباحث الى تحصيله العلمي ومكانته عند العلماء ولدى علماء الجرح والتعديل الذين شهدوا له بالعدالة والعلم والزهد وقد تعامل مع اتباعه بمرونة وثقة واحترام وتقدير مكنت الامام جابر بن زيد من التأثير في اتباعه وقد كان يستخدم في ذلك ايات القرآن الكريم والسنة واستنباط الاحكام والاساليب المؤثرة في النفوس وقد كان لباسه متواضعا والتقوى في نظره احسن سلاح يتذرع به الداعية اذا اراد ان يفوز بالنجاح في دعوته وبنيل الاجر عند الله.
      وتلقى الامام جابر بن زيد العلم على يد مجموعة من علماء عصره كان اشهرهم الصحابي عبدالله بن عباس والسيدة عائشة ام المؤمنين وعبدالله بن عمر وأنس بن مالك الا ان الامام جابر كان اكثر التصاقا بعبدالله بن عباس واكثر ملازمة له من غيره وعنه اخذ جل علمه فكان شيخه الرئيسى وكانت علاقته به من الوثوق بحيث انه يسأله عن صديق له ويقول الامام جابر عن شيخه عبدالله بن عباس : أدركت سبعين من اهل بدر فحويت ما عندهم الا البحر وقال شيخه مستنكرا على احد اهل البصرة عندما سأله عن مسألة (تسألوني وفيكم جابر بن زيد) ويقول كذلك فيه : لو ان اهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعكم علما عما في كتاب الله.
      * الفصل الثالث : النشاط السياسي للإمام جابر بن زيد..
      في هذا الفصل يتطرق الباحث الى النشاط السياسي للامام جابر بن زيد حيث يتعرض الى علاقة الامام بالسلطة الاموية سياسيا والكيفية التي تعامل بها مع ولاة بني امية في العراق وبالذات مع الحجاج بن يوسف الثقفي فقد اتسمت بالود والمرونة واتخذ لنفسه سياسة ذكية تمثلت في البعد عن الاصطدام المباشر مفضلا اتباع سياسة السرية والكتمان وقد اتصفت مواقف الامام بالسلم والاعتدال تجاه ولاة الامويين وكان يأخذ العطاء من الدولة الاموية ويعتبره حقا من حقوقه لا منة او صدقة منهم وفي زمن ولاية الحجاج اعتذر الامام جابر بن زيد عن تولي القضاء بلطف ودهاء عندما عرض عليه ويذهب بعض الباحثين الى ان الحجاج نفى الامام جابر بن زيد الى عمان الا ان الباحث سامي صقر عيد ابي داود لا يؤيد هذا لعدة اسباب منها لا يوجد ذكره في المصادر الاباضية المتقدمة لهذا النفي وان شيوخ الاباضية ومؤرخيها في هذا العصر لا يذكرون اي شيء عن هذا النفي ولا يملكون الدليل على اثبات نفيه الى عمان وبالنظر لما امتاز به الامام جابر من طبع هادئ في تعامله مع السلطة الاموية فانه لا يمكن الجزم بصحة بعض الروايات وفي هذا الفصل تلقي الدراسة الضوء على جهود الامام جابر في تأسيس التنظيم الاباضي والوسائل والاساليب التي استعملها لتحقيق اهداف حركته وكيفية اعداد الدعاة الذين ارسلهم للامصار الاسلامية والخطوات التي اتبعها في وضع الاسس الفكرية والسياسية للاباضية وكان حرص الامام على قيم العدل شديدا حيث انه كان دائم التذكير بالله وعقابه فهو يطلب من اتباعه البعد عن مزالق الظلم والاعتداء على الناس واقامة العدل.
      * الفصل الرابع : دور الامام جابر بن زيد الازدي في وضع أسس الفكر الاباضي سياسيا وعقائديا..
      قام الامام جابر بن زيد بتنظيم حركته بواسطة حلقة منظمة من الدعاة الذين ارسلهم الى الامصار المختلفة وربطهم بمركزه في البصرة حيث غدت الدعوة الاباضية حركة منظمة لها مركز وفروع وقد حرص على ان تكون العلاقة بين مركز الدعوة في البصرة واطرافها دائمة ومتينة لما في ذلك من منع للشقاق والخلاف.
      كما تناول هذا الفصل الدور الذي قام به الامام جابر في احكام التنظيم الاباضي وموقفه من الحركات التي عاصرها كالخوارج والازراقه وتوجيه حركته الى بلاد عمان.
      ولاهتمامه بتنظيم النساء في الدعوة وترسيخه للجانب العلمي بين أعضاء دعوته وافرادها وطبيعة تعامل الامام مع المخالفين له في الرأي والعقيدة وقيامه باستخدام مبدأ (التقية) كوسيلة لحماية دعوته ودوره في استمرار الحركة الاباضية وقد طبقت الحركة الاباضية من بعد الامام جابر هذا المبدأ (التقية) وقام علماؤها بتأصله وتبين احكامه وشروطه بحيث كانت عندهم جائزة في القول غير جائزة بالفعل وبشرط الا تجر ضررا بانسان او تلف نفس وكان للسياسة التي اتبعها الامام اثر في بقاء الدعوة الاباضية واستمرارها من بعده رغم محاولات السلطة انذاك القضاء عليها وتتلخص اهم هذه السياسات في اتباع اسلوب الكتمان وعدم الانفصال عن المجتمع الاسلامي مما ساعد الدعاة على الاحتكاك بالناس والتعرف على مشاكلهم ونشر ارائهم بينهم اضافة الى اعتدال رأي الامام جابر بن زيد وحركته تجاه المسلمين المخالفين لهم في العقيدة والرأي مما ابعد دعوته عن مزالق التطرف المنفرة للناس وسهل انتشارها بينهم كما سعى الامام في ايجاد كيان سياسي لدعوته في مناطق الاطراف كعمان لكونها بعيدة عن مركز الدولة وهو ما تحقق بعد وفاته واصبحت عمان من اهم مواطن الاباضية.
      * الخاتمة..
      من خلال هذه الدراسة اتضح للباحث سامي صقر عيد خصائص شخصية الامام جابر بن زيد التي اتصف بها وجعلت منه قائدا متميزا كالدهاء السياسي الذي مكنه من ان يقود الحركة الاباضية وأن يتعامل بذكاء مع السلطة الاموية كذلك اتضحت مكانة الامام جابر العلمية عند شيوخه وعلماء عصره وأن الامام جابر بن زيد الازدي هو مؤسس الحركة الاباضية ومنشئها كما تناولت الدراسة جهود الامام جابر بن زيد في بناء التنظيم الاباضي وفي اعداد الدعاة المتمرسين لنشر مبادئ الحركة الاباضية في الامصار الاسلامية.
      وفي نهاية الكتاب يورد الباحث بعض الملاحق عن النصوص التي تدعم بحثه وتؤكد الثقة بالروايات التي اعتمد عليها في اعداد هذه الدراسة.
    • أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الجوفي البصري من قبيلة اليحمد العمانية

      نسبه :

      هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الجوفي البصري من قبيلة اليحمد العمانية، والجوفي نسية إلى درب الجوف بالبصرة،ولم تحدد كتب السيرة تاريخ مولده، ولكن يمكن تحديد بين عامي (18- 22هـ) للهجرة -على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- ، أما بالنسبة لوفاته فتختلف المصادر حول تاريخ وفاته، والأصح أو الأرجح كما جاء عن بعض الرواة أنه توفي في نفس الأسبوع الذي توفي فيه أنس بن مالك ، وقد مات هذا الأخير عام 93هـ.



      وأبو الشعثاء كنيته، وهو اسم بنته وقبرها لا يزال موجوداً ومعروفاً إلى الآن في بلدة فرق من أعمال ولاية نزوى بعمان.أما أخلاقه فكانت أخلاق العلماء الذين يتقيدون ويتبعون سلوك السلف، (وفي روح المعاني )" أنه سئل أيوب السختياني: هل رأيت جابراً. قال: نعم، كان لبيباً، لبيباً، لبيباً" . وقال فيه الشيخ أبو نعيم: "ومن الأولياء المتحلي بعلمه عن الشبة الظلماء، المتسلي بذكره في الوعورة و الوعثاء، جابر بن زيد أبو الشعثاء، كان للعلم عيناً معيناً، وفي العبادة ركناً مكيناً، وكان للحق آيباً ومن الخلق هارباً وهو من قدماء التابعين".

      ووصفه صالح الدهان فقال: "كان لا يماكس في ثلاث في الكراء إلى مكة، وفي الرقبة يشتريها للعتق، وفي الأضحية. وقال : كان جابر بن زيد لا يم اكس في شيء يتقرب به إلى الله عز وجل" . ومن ورعه ما روى عنه صالح الدهان ومالك بن دينار قالا: خرج جابر بن زيد لواد فأخذ قصبة من حائط فجعل يطرد بها الكلاب فلما أتى بيته، وضعها في المسجد، ثم قال لأهله: احتفظوا بهذه القصبة، وقال " لو كان كل من مر بهذا الحائط أخذ قصبة لم يبق منه شيء" فلما أصبح ردها.

      وللإمام جابر مواقف في الحق مشهودة، فقد جاء في الدليل والبرهان "روى أن الحجاج كان يكتب وجابر حاضر لديه، فسقط القلم من يد الحجاج، فقال لجابر ناولني القلم،فقال له جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمدة قلم )).

      وفي الجامع الصحيح ((قسم المقاطع )) جاء أن جابر بن زيد سأله الحجاج بن يوسف وقال: يا أبا الشعثاء أخبرني عن أول آيه من سورة البقرة؟، فقال: تلك للمؤمنين، قال: والثانية؟، قال: تلك للكافرين، قال والثالثة؟، قال: فيك وفي أصحابك.

      وقد اشتهر الإمام بالحرص الشديد على طلب العلم، فكان يكثر من الأسفار في سبيل ذلك، وينتهز مواسم الحج للقاء الصحابة والعلماء،ومن ذلك أنه ذهب إلى عائشة أم المؤمنين، فكان يسألها عن كل شيء يتعلق بحياة النبي -صلى الله عليه وسلم- الخاصة، وقد وجد في مسند الربيع عدة مسائل في ذلك، أما مكانته في الإجماع فهي مكانة مرموقة بحيث لا يمكن الاعتداد بالاجماع في المسائل التي يكون لجابر فيها رأي مخالف، فعن الإمام ابن حزم أنه قال " أف لكل إجماع يخرج عنه علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وابن عباس، والصحابة -رضي الله عنهم-، ثم التابعون بالشام، وابن سرين وجابر بن زيد".


      •جابر بن زيد والحركة الإباضية :


      ترجع علاقة جابر بن زيد بالحركة الإباضية إلى وقت مبكر من شبابه، بعد لجوء مرداس بن أدية التميمي وأصحابه للبصرة في أواخر العقد الرابع من القرن الأول، على أن نشاطه معهم كان في نطاق من السرية وبأسلوب لا يلفت النظر إليه، فكان طوال ولاية زياد على البصرة يصلى الجمعة خلفه، وعندما سئل عن ذلك يجيب: "إنها صلاة جماعة وسنة متبعة"، ويذكر المؤرخون واقعتين سأذكر واحدة منها،- من يرد الزيادة يرجع إلى ( فقه الإمام جابر بن زيد ) "عن أبي سفيان محبوب بن الرحيل: إذ يذكر أن شيخاً من القعدة يدعى أبا سفيان قنبر قد أخذه عبيد الله بن زياد وجلده ليدله على أحد من المسلمين (العقدة) فلم يفعل، قال جابر: وكنت قريباً منه، وما كنت انتظر إلا أن يقول: هذا هو، فصمه الله".

      وكان بين جابر وأبي بلال بن مرداس بن أدية علاقة متينة وودية، وكانت هذه العلاقة تزداد وتتوثق بسرعة، وأخذ مرداس يدرك مدى علم جابر وذكائه، فكان يتردد عليه آناء الليل وأطراف النهار؛ ليغرف من معرفته الواسعة وعلمه الغزير،ويبدو من الروايات أن نجم جابر أخذ يتألق في سماء الحركة الإباضية قبل عام 61هـ ،وهو العام الذي قتل فيه أبو بلال مرداس التميمي (شيخ القعدة في البصرة بعد معركة النهروان)، حتى إن بعض الروايات تجزم على أنه لم يقم بعمله- أي (أبوبلال)- إلا بعد مشورة من جابر وقبول منه.

      وقد اتفق القعدة على أن يتولى جابر أمرهم وتنظيم دعوتهم منذ المراحل الأولى لتطور الدعوة في البصرة؛ إيماناً منهم بذكائه؛ واعتماداً على اطلاعه الواسع وتحصيله العميق في العلوم الدينية، وخاصة ما يتعلق بالتفسير وعلم الحديث، وعلى الرغم من تبوء الإمام جابر لزعامة القعدة منذ ذلك الوقت المبكر فإنه لم يشترك في الأحداث السياسية التي جرت في تلك الفترة من التاريخ الإسلامي، ولم يبد لعامة سكان البصرة أن جابراً كان إماماً وزعيماً للقعدة، أو حتى إنه كان على علاقة بهم؛ لك لأته أخفى انتماءه السياسي، وساعده أصحابه على ذلك؛ لأنهم كانوا يحبون ستره عن عيون السلطة فيؤدي ذلك إلى تصفيته جسدياً أو معنوياً، فتموت دعوتهم في مهدها.


      •الإمام جابر المفسر:


      يحتل الإمام جابر مكانة مرموقة بين علماء الإسلام العارفين بالقرآن، فقد احتج بأقواله مجموعة من المفسرين، وأشادوا بآرائه في هذا المجال، ومن هؤلاء المفسرين ما أورده السيوطي في الإتقان (ج4ص26) والألوسي في روح المعاني وابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير، وابن حجر في تهذيب التهذيب، والقرطبي في أحكام القرآن، وابن تيمية.

      ولم يكن الإمام جابر عالمًا بالتفسير فحسب، بل كان أيضاً من أصحاب القراءات، وبمراجعة كتب التفسير يعلم أن لجابر قراءات متعددة، ويتميز الاتجاه في تفسير الإمام جابر بأنه يجنح إلى المأثور عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، كما يتميز بالبعد عن الأساطير والإسرائيليات والميل إلى المدلول اللغوي.


      •الإمام جابر المحدث:


      يعتبر الإمام جابر من أئمة السنة في البصرة،وقد وثقه جميع نقاد الحديث وأجمعوا على ضبطه وعدالته، بل يعتبر من رجال أصح الأسانيد بالرغم مما حام حوله من تهمة الإباضية،(راجع ترجمته في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر).

      فقد روى ابن حزم حديثاً عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس فقال: "هذا إسناد لا يوجد أصح منه" ، ويعتبر سند الإمام جابر عند الإباضية في الذروة العليا من مرتبة الإسناد وإن عنعنته مقطوع باتصالها؛ لان الربيع بن حبيب أخذ عن أبي عبيدة، وأبو عبيدة أخذ عن جابر، وجابر أخذ عن ابن عباس، وعن جمع من الصحابة، يقول الإمام جابر : حويت العلم من سبعين بدرياً إلا البحر يعني ( ابن عباس)، وكان جابر يعنى بكتابة العلم عامة، وكان يراسل العلماء؛ لأخذ رأيهم في المسائل المطروحة عليه.

      وكان جابر يتتبع المظان التي توجد فيها كتب السنة، فقد نقل عنه أنه قال: "انتهيت إلى بني عمرو بن حزم، فطلبت إليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أبيهم عمرو بن حزم إلى أصل اليمن، فأوقفوني عليه" ، وغير بعيد أن يكون قد نسخ هذا الكتاب.

      ويعتبر جابر بن زيد من جملة أصحاب مدرسة الحديث بالعراق التي تتميز بقلة الرواية والتشكك في رواية الحديث بصفة عامة، ولكنه يتميز عنهم بالخصائص التالية:


      •يتميز عنهم بعلو السند فهو معدود من بين كبار التابعين وأوائلهم.
      •أنه كثير التنقل إلى الحجاز ومن هنا استطاع أن يروي أحاديث مكة والمدينة ويتصل بالصحابة الذين لم يعرفوا العراق.
      •إنه محل ثقة الجميع، سواء بالعراق أو بالحجاز.
      •أنه كتب الحديث حفظت لنا عددا كبيراً من الصحابة الذين روى عنهم أما مباشرة وأما عن طريق الإرسال، وروي مرسلاً عن خلق كثير من الصحابة ( راجع كتاب فقه الأمام جابر بن زيد والجامع الصحيح للربيع بن حبيب).
      •حملة العلم الذين رووا عن الإمام جابر:



      روى عن الإمام جابر عدد كبير من رجال السنة من مختلف الأقطار، ولقد تتبعت مظانهم في بطون كتب التراجم والسنة المطهرة فبلغ عددهم نحواً من سبعين، وأذكر منهم على سبيل الاختصار: أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، الحجاج بن الأسود، حراب بن زياد، الربيع بن حبيب، ضمام بن السائب، عمرو بن دينار المكي، مالك بن دينار، (راجع فقه الإمام جابر).


      •الإمام جابر والقضاء:


      لم يكن جابر قاضياً،ولكنه عرض عليه القضاء كما عرض على الأئمة من قبله ومن بعده، فاحتال التنصل منه،عن عمرو بن دينار قال: قال أبو الشعثاء: "كتب الحكم بن أيوب نفراً للقضاء أنا منهم، ثم قال:" أي جابر فلو ابتليت بشيء منه لركبت راحلتي وهربت في الأرض".


      •الإمام جابر مفتي البصرة وموسم الحج:


      تتحدث المصادر التاريخية عن الإمام جابر أنه كان يستفتى في البصرة وفي موسم الحج وفي مناسبات أخرى، فقد حدث زياد بن جبير قال: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- عن مسألة فقال فيها، ثم قال " كيف تسألوننا وفيكم أبو الشعثاء" ، وقال عمرو بن دينار:" ما رأيت أحداً أعلم من جابر بن زيد".

      ولما دفن جابر بن زيد قال قتادة: "اليوم دفن علم الأرض" ، وقال يحي بن سعيد القطان، عن سليمان التميمي قال: "كان الحسن يغزو وكان مفتي الناس ههنا جابر بن زيد".



      ولما انتصب جابر للفتيا لقيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- في الطواف فقال له: "يا جابر أنك من فقهاء البصرة، وإنك تستفتي فلا تفتين إلا بقرآن ناطق أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك فقد هلكت وأهلكت" . وقال إياس:" أدركت البصرة ومفتيهم رجل من أهل عمان" ،وعن جرير بن حازم قال: سمعت إياس بن معاوية يقول: "أدركت البصرة وما لهم مفت يفتيهم غير جابر بن زيد".

      وكان الخاصة من الحكام يستفتون الإمام جابر حتى عندما يكون داخل السجن،أما في موسم الحج فإن الكتب الفقهية أفادتنا بأن جابراً كانت إليه الفتيا، وكانت ترد إلى جابر مراسلات من بعض الولاة يسألون فيها عن مسائل تتعلق بالتسيير المالي، أو الإجارات أو الطلاق أو المعاملات.


      •الإمام جابر الفقيه:


      يتميز الفقه في العصر الأموي بأنه كان فقهاً حراً، بمعنى أنه نشأ وتطور بفضل اجتهاد العلماء ومحاولاتهم الخاصة داخل الحلقات التي كانوا يمارسون فيها نشاطهم العلمي في المساجد، ولم يكن للخلفاء دخل فيه فالدولة لم تحتضن الفقه ولم توله رعاية خاصة ولا صبغة معينة،فما إن عرفت الدولة الاستقرار في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز حتى ظهرت العناية الكبرى بالفقهاء والمحدثين، وفي ظل هذا الوضع نشأ فقه حر، وظهر فقهاء عظام وضعوا أسس الثقافة الفقهية للأجيال التي أتت من بعدهم، منهم في المدينة، ومنهم في الشام، وكان منهم في البصرة: الحسن البصري، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، ومسروق وغيرهم. فظهرت من هذا التوزيع وتحت تأثير عوامل أخرى مدرستان هامتان في تاريخ الفقه الإسلامي:


      1.مدرسة الرأي، أو كما تسمى مدرسة العراق.
      2.مدرسة الحديث أو مدرسة الحجاز.



      ولكن إطلاق هذا التصنيف لا يعني وضع حدود فاصلة بين المدرستين فكثير من فقهاء الحجاز كان لهم نصيب من الرأي، ولعل نشأة جابر بن زيد في العراق جعلت منه فقيهاً منتسباً إلى أهل الرأي، فقد نقل الإمام ابن عبد الله أن جابراً كان ممن يقول بالرأي، وأنه قائس على الأصول ما لم يجد فيه نصاً، ولكن التزامه لعلماء الحجاز وخاصة ابن عباس جعله يجمع بين المدرستين، فقد كان -رضي الله عنه- يلتزم في فتواه الثابت من نصوص الكتاب والسنة، وقد أثبتت كتب السنة أن الإمام أبا الشعثاء خصص عاماً من حياته لمجاورة القبر الشريف -على ساكنه أفضل الصلاة وأزكى والتسليم-، أتصل خلاله بعلماء الحجاز وحملة السنة راوياً ومروياً عنه.



      وكان أيضاً يلجأ إلى القياس فيما لا حكم له في الكتاب أو السنة، كما يفيد استعراض فتاواه حيث إنه كان يجد شبهة في أمر فإنه يبادر إلى وصفه بالكراهية ليرغب السائل عنه. وتدلنا الأخبار على أنه ترك ديواناً ضخماً تعرض فيه لمسائل الفقه والأحكام، وهذا الديوان لم يصل إلينا، ولعل نوائب الدهر أتت عليه في ظروف لم نطلع بعد عليها. ولكن الشيء المؤكد أن له رسائل متفرقة موجودة اليوم في خزائن الكتب، فمنها ما هو في دار الكتب المصرية، ومنها ما هو في وزارة التراث القومي، ومنها ما هو في المملكة المتحدة (بريطانيا)، وفي المكتبة البارونية في جزيرة جربة، ولعلها جزءاً أو بعض أجزاء هذا الديوان العظيم الذي أشار إليه حاجي خليفة في كتابه (كشف الظنون) بدون أن يذكر عنه أي تفصيلات، لقد كان الإمام جابر شديد الشغف في طلب العلم، وكان ملحاً في السؤال عن أدق أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- للتأسي والاقتداء.

      وكانت لجابر -رضي الله عنه- نظرة خاصة للإسلام وتعاليمه، وكان يتنزه عن اللجوء في فتاويه إلى الحيل الشرعية ويرى بطلانها،ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب فقه الإمام جابر بن زيد، بل يرجع إلى أمهات الكتب الإباضية، ولا يكتفي بالسماع و قيل وقال. نسأل الله السلامة كما نسأله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
    • بطرانو كتب:

      كانت بداية وصول الإسلام إلى كينيا مبكرة ، تعود إلى العقد الأخير من القرن الهجري الأول ، وذلك عندما أقام بعض المغامرين من البحارة العرب مركزاً لهم على الجزر المقابلة لساحل شرقي أفريقيا ، ثم بدأت الهجرات الإسلامية لهذا الساحل عندما انتشرت الخلافات في نهاية العصر الأموي .
      وكانت الهجرة الأولى لجماعة من مسلمي الشام دب الخلاف بينهم وبين الحجاج بن يوسف الثقفي ،والهجرة الثانية كانت من أهل عمان ، وهم من أزد عمان ، وهكذا ظهرت امارة إسلامية في لامو في شمالي مدينة ممبسة . ثم جاءت هجرة أخرى إلى بر ( الزنج ) وهو الاسم الذي أطلقه العرب على ساحل شرقي أفريقيا ، وكانت في سنة 111هـ - 729 م ، واستقرت في مدينة شنجايا في موضع مدينة ( بورت دنفورد ) وظهرت امارة إسلامية جديدة ، ثم جاءت هجرات من شيراز ، وأسست هذه الهجرات عدداً من المدن الإسلامية على ساحل شرقي أفريقيا منها كاسو ، وكلوا ، وهكذا كثر عدد الهجرات فجاء بنو نبهان من عمان إلى مدينة باتا وتقع في شمال مدينة لامو في كينيا . وهكذا ظهرت امارات إسلامية على سواحل شرقي أفريقيا ، أو كما سمي بر الزنج ، وأصبح المسلمون خليطاُ من الأفارقة ، والشيرازيين ، والعرب ، وأطلق عليهم (السواحليون ) ويدأت تظهر اللغة السواحلية واتخدت من الحروف العربية قاعدة لها .
      وانتشرت الدعوة الإسلامية من الساحل إلى الداخل مع تحركات المسلمين في التجارة ، وفي بداية القرن السادس عشر تعرضت الامارات العربية إلى حرب صليبة مدمرة ، شنها البرتغاليون بعد اكتشافهم طريق رأس الرجاء الصالح ، وتعاونت معهم الحبشة في هذه الحرب ضد الإسلام ، فدمر البرتغاليون مدينة زيلع وأغروا على بربرة ، واستمر الصراع فأحرقوا ممبسة خمس مرات ، ودمروا مدينة لامو ، وباتا وقتلوا الشيوخ والنساء والاطفال ولقد شن البرتغاليون حرباً دامت قرنين . ثم تعقبتهم القوة العمانية في الساحل الأفريقي حتي قضت على نفودهم في شرقي أفريقيا ، وقامت دولة إسلامية سيطرت على هذا الساحل ، وهاجرت إليها عناصر عربية عديدة .
      وبدأت الصلات الثقافية بين شبه الجزيرة العربية ، وساحل شرقي أفريقيا ، واتسمت بالطابع الديني ، وأرسلت البعثات إلى المدن العربية الإسلامية ، وعاد أبناء شرقي أفريقيا لتعليم الإسلام وقواعده إلى شعوبهم وبرزت مدن إسلامية على الساحل الأفريقي مثل لامو ، وممبسة ، وتانجا وأصبحت مراكز إشعاع للدعوة الإسلامية .
      وانتقل الإسلام إلى الداخل فتوغل في كينيا ، وتنجانتقا ، وموزمبيق ، وأوغندا ، ووصل إلى زائير ، وازدهرت التجارة بين الساحل والداخل وأخد الإسلام ينتشر في داخل شرقي أفريقيا مع التجارة ، وظهرت مراكز تجارية مثل كيتوتو ، وساباى وممباس في داخل كينيا ، ومثل طابورة واجيجي في تنجانيقا واتخد العرب والسواحليون منها مراكز استقرار في الداخل ،
      ووصل الإسلام إلى كينيا عن طريق محور آخر ، حبث كانت القبائل الصومالية دعامته ، فانتقل الإسلام عن طريقهم إلى شمالي كينيا ، وحيث انتشر بين القبائل التي تعيش في شمالي كينيا ، وامتد نفوذ دولة آل بوسعيد من زنجبار إلى داخل شرقي أفريقيا خلف انتشار الإسلام .
      وعندما فرض الاستعمار الألماني والإنجليزي سيطرتهما على هذه المنطقة عرقلا سريان الدعوة الإسلامية ، وشجع البعثات التنصيرية ، وقاوم المسلمون الاستعمار والتنصير ونشبت الثورات في كينيا منها ثورة (وينو ) في سنة 1890 م ، وثورة (المازوري ) في سنة 1895 م ، وانتشرت الثورات في ساحل كينيا .


      سبحان الله ...

      ما أجمله من تاريخ نفتخر به جميعا كعمانيين وعرب ومسلمون

      بصراحة استفدت كثير من الحلقة الأولى ...

      وخاصة عن كيف ظهرت اللهجة السواحيلية...


      شكرا بطرانو

      وسأحاول قراءة باقي الحلقات

      أحسنت وبارك الله فيك
      سبحان الله وبحمد