السلام عليكم ورحمة الله.. 
السؤال :
 
الأستاذ وائل أبو هندي، أنا صاحبة مشكلة: الوسواس القهرى : أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى .
جزاك الله خيرًا على رد حضرتك هذا، وأنا أعتذر عن تأخير الرد على حضرتك، وسوف أجاوب على الأسئلة التي وجهتها إليَّ.
أولاً بالنسبة لطريقة العلاج لهذا المرض التي اتبعتها الدكتورة معي أنها كانت تعطيني عقارًا يسمى أنافرانيل وعقارًا آخر لا أذكر اسمه، ولكن كان الأصل هو أنافرانيل، وكانت في البداية تعطيني منه جرعات قليلة، ثم زاد بالتدريج.
وفي الحقيقة أنا لا أعرف معنى جلسات العلاج المعرفي السلوكي، ولكنها كانت تقابلني كل فترة مثل ثلاثة أسابيع أو شهر وكانت تتحدث معي في مجالات أخرى، وتحاول أن تفتح معي مواضيع ليس لها علاقة بالمرض، وتنصحني بمخالطة الناس، وهكذا...، وإن كانت هي تتميز بالهدوء فكنت لا أستشعر بفائدة هذه الجلسات، وأعتقد أن الدواء هو الأصل بعد الله عز وجل واستمررت على ذلك تقريبًا عامًا ونصفًا حتى شعرت بتحسن وهي كذلك، فأوقفت لي العلاج وكان على مراحل أيضًا.
أما قصدي بأني أخشى من عودتي للمرض، فأنا أخشى من الوسوسة ثانية وهذا الجحيم المتواصل ليل نهار، فأنا الحمد لله حاليا لا أشعر بقهر الأفكار مثلما كان قديما، ولكني أقصد بالأشياء البسيطة أني إلى حد ما لا أشعر بالثبات، فحضرتك تعرف أن الوسواس الخاص بي كان في العقيدة وذات الله عز وجل، فأنا الآن أصلي عادي ولا أشعر بألم أو قلق أو شك في أي شيء، ولا أقهر بأفكار، ولكن أحيانًا يخالط ذهني بعض الأفكار وإن كانت للحظات.
وأيضا هنا شيء يؤرقني إلى حد ما وهو أني أخشى أن أتعرض لأي شبهة مثل أن أقرأ عن النصارى مثلاً، أو أن أسمع أن أحد المسلمين ارتد أو غير ذلك من الأشياء التي تثير عندي شبهًا في صدري، وكذلك أخشي أن أنظر إلى السماء خوفا من عودة الأفكار إليَّ في ذات الله عز وجل، وإن كان كل هذا يحدث إذا تعرضت إليه، ولكن ما دمت أنا بعيدة عن هذه الأشياء فأنا طبيعية والحمد لله.
فأنا لا أعلم هل هذا آثار للمرض الذي يأخذ وقتًا حتى ينتهي ومع الوقت يذهب بالاستعانة بالله أم أن هذا شيطان؟ فأنا أدعو الله أن يثبت الإيمان في قلبي، وأشعر أن هذا أمر مؤقت وسينتهي بالدعاء؛ فأنا أتمنى أن أعود طبيعية 100%، وألا تخطر عليَّ مثل هذه الأفكار، وإن كنت أمارس حياتي بطريقة عادية جدا وأمارس الدعوة إلى الله والحمد لله، وأدرس وأقرأ القرآن، ولا أشعر بأي تعب أو اضطراب نفسي مثل الأول.
أرجو أن تكون حضرتك فهمتني واستطعت أن أرد على أسئلة حضرتك، وأنا في فارغ الصبر والشوق للرد، أرجو من حضرتك الرد، وجزاك الله خيرا.
الجواب:
 
أهلاً وسهلاً بك، وشكرًا على متابعتك، ونسأل الله تعالى أن يديم عليك تحسنك الحالي، وأن يهيئ لك ما يوصلك إلى كامل الشفاء والخلاص من معاناتك، ساعدتك طبيبتك إذن من الجانب العقاري بامتياز حتى إنك تحسنت بسرعة على عقار الأنافرانيل وهو عقار الماس المتميز بقدرة علاجية ربما تفضل عقاقير الماس التي تعتبر في الأصل تطويرًا له لتقليل بعض آثاره الجانبية كجفاف الحلق مثلاً، لكنها كلها تقارن من ناحية قدرتها العلاجية به، ولا يزال عقار الكلومبيبرامين (الأنافرانيل) هو الأقوى أثرًا في الحالات المقاومة للعلاج، وكانت طبيبتك موفقة معك إذن في اختيار العقار المناسب والأرخص ثمنًا، وكذلك كانت موفقة في طريقة التدريج في الجرعة عند بداية العلاج، وكذلك في سحبه منك.
وأما فيما يتعلق بجلسات العلاج المعرفي السلوكي، وأنت تقولين إنك لا تعرفين معناها رغم أنني أحلتك إلى إحالات يشرح فيها المعنى في متابعتي الأولى لك "الوسواس القهري.. تجارب ناجحة"، وكنت أظن تلك الروابط ستكفيك، على أي حال فسوف أقدم لك أولا نبذة عن معنى العلاج السلوكي ثم المعرفي، وإن كان الفصل صعبًا، سواء في شرح أي منهما أو في تطبيقه:
فأما العلاج السلوكي فتطبيق أساليبه يحتاج إلى قدر كبير من التفاهم بين المعالج والمريض، كما يحتاج إلى دافع قوي للتغيير لدى المريض؛ وليس الأمر كما يقول بعض المرضى وبعض أقربائهم "لا جديد فيه ولا فائدة منه"، خاصة أن المريض يمكن أن يكون قد منع نفسه من قبل وكذلك أهله يمكن أن يكونوا قد حاولوا منعه، ولكنهم دائما ما يفعلون ذلك بطريقة إما خاطئة أو غير كاملة؛ فليس التطبيق العملي لأساليب العلاج السلوكي مهمة سهلة ولا بسيطة كما قد يعتقد البعض عندما يقرءون مثلاً عن منع الاستجابة فيحسبون الأمر مجرد منع المريض من تصرف ما؛ لأن الأمور عادة ما تحتاج إلى المزج ما بين العديد من أساليب العلاج النفسي سواء السلوكي أو المعرفي وغيره، فضلاً عن أهمية العلاقة ما بين المريض والمعالج، وكذلك أهمية إشراك أسرة المريض في برنامج العلاج السلوكي، والواقع أن الحفاظ على ذلك كله مع الإبقاء على درجة عالية من الدافع لدى المريض يحتاج إلى شخص مدرب وجاد في عمله إلى حد بعيد، وكلما أعطى المعالج السلوكي من وقته للمريض كانت في ذلك فائدة أكبر.
والمقصود بالعلاج السلوكي هو أن يحدث تغير في السلوك نتيجة لتغيير المريض لطريقة استجابته للفكرة التسلطية، فمثلاً في حالة المرأة التي تضطر لغسيل يديها خمسين مرة كلما استعملت دورة المياه لأنها تشعر أن يديها تلوثتا، ماذا يحدث لو مُنِعَـتْ هذه المرأة من غسيل يديها؟ إنها ستجيب بالطبع أنها ستشعر بكم كبير من الضيق والتوتر الناجمين عن خوفها من عواقب عدم غسيل يديها، فتراها تفكر في أنها ستلوث طعام أولادها مثلاً وربما تسببت في نقل أمراض كثيرة لهم، وهكذا تلح عليها الرغبة في غسيل يديها أكثر وأكثر، والحقيقة أنها صادقة في إجابتها تلك، ولكن المقصود بالسؤال هو ماذا لو انقطعت المياه مثلاً أو منعت هي من استخدامها للغسيل لمدة يوم كامل؟؟ إن القلق والتوتر والضيق والأفكار المزعجة المتعلقة بعواقب عدم الغسيل لن تستمر إلى ما لا نهاية بكل تأكيد، وهذا هو أساس العلاج السلوكي؛ فالمعالج يقوم بتعريض المريض إلى المثيرات التي تستثير فيه الرغبة في أداء الفعل القهري والأفكار التسلطية المتعلقة بالموضوع، وهذا هو ما نسميه بالتعريض (ويعني أن تدخل المرأة في المثال السابق دورة المياه وتلمس الشطاف مثلا)، ويقوم المعالج أيضا بمنع المريض من ممارسة الأفعال القهرية التي يفعلها عادة في مثل هذا الوضع، وهذا ما نسميه بمنع الاستجابة (وهذه الأفعال القهرية هي غسيل اليدين خمسين مرة في المثال السابق)، وخذي المثل التالي من على
 
مجانين : الوسوسة في المذاكرة: علاج سلوكي .
وأما العلاج المعرفي فقد تمكن الباحثون الغربيون حديثا من استخلاص بعض طرق التفكير عند المرضى والتي تكون مؤثرة بشدة على توجهات المريض وأفعاله، مثل التقييم المبالغ فيه للخطر ومثل الإحساس المتضخم بالمسئولية Inflated Sense of Responsibility، وقد أثبتت الدراسات الأحدث فاعلية العلاج المعرفي في علاج مرضى الوسواس القهري المتميزين بهذه النوعية من طرق التفكير.
والحقيقة أن بيك Beck الذي يعتبر الرجل الأول في تطبيق أساليب العلاج المعرفي في التعامل مع الاضطراب النفسي في بدايات تطور العلاج المعرفي "الغربي" لم يفرق بين الأفكار التسلطية الخاصة بالوسواس القهري والأفكار المتعلقة بالمخاوف المرضية في اضطرابات الرهاب Phobic Disorders، ولعل ذلك هو ما شجعه على محاولة علاجهم، فقد رأى بيك أن أفكار مرضى الوسواس القهري تكون متعلقة بفعل يعتقدون أنهم كان يجب أن يقوموا به أو بفعل قاموا به، ولم يكن يجب أن يقوموا به؛ فالقلق الذي يعاني منه مريض الوسواس القهري غير متعلق بموقف معين ولا بفكرة معينة بقدر ما هو متعلق بعواقب أن يكون المريض في هذا الموقف أو عواقب أن يفكر هذه الفكرة، وهذه الملاحظة الذكية أثرت إلى حد كبير على تطور الأفكار المتعلقة بأساليب العلاج المعرفي فيما بعد، فهناك من رأى أن الأفكار الاقتحامية Intrusive Thoughts، أي الأفكار التي تقحم نفسها في وعي الإنسان عمومًا من الممكن أن تمر مرور الكرام كما يحدث في معظم البشر، إلا أن مريض اضطراب الوسواس القهري يحس بفداحة هذا الاقتحام ويعطيه وزنا نفسيا وفكريا كبيرا، كما يحس بأنه قد تسبب في ضرر ضخم، وأنه مسئول عن ذلك، وهذا الإدراك غير العابر لفكرة كان من الممكن أن تكون عابرة هو ما يتسبب في تثبيتها وهو ما يعطيها القوة على البقاء، وينتج هذا عن الأفكار التلقائية السلبية Negative Automatic Thoughts التي يعتبر حدوثها عقب اقتحام الفكرة التسلطية لوعي المريض سببًا في تسلط الفكرة عليه.
المهم أن جميع أساليب العلاج المعرفي التي طبقت ودرست حتى الآن ومنها إيقاف الأفكار Thought Stopping، وتحدي الأفكار التسلطية Challenging Obsessive Thoughts، وتحدي الأفكار التلقائية السلبية Challenging Negative Automatic Thoughts كل هذه الأساليب سواء استعملت في إطار علاج نفسي فردي أو علاج نفسي جمعي حققت بعض النجاح على مستوى دراسات الحالات، ولكنها لم تثبت حتى الآن فاعليتها خلال ما يكفي من الدراسات التي تكتمل لها شروط البحث العلمي الدقيق، ويمكنك أن تجدي في الروابط التالية من على
موقع مجانين : فتوى مجانين: في وسواس الطهارة وساوس الطهارة: الحيض والصفرة والكدرة
إذن فالمقصود بالعلاج المعرفي هو تغيير الطريقة التي يفكر بها المريض، حيث اتضح أن مرضى اضطراب الوسواس القهري يتميزون عن غيرهم بمميزات معرفية (طرق تفكير معينة) تهيئهم للسقوط في براثن الوسواس، كما تجعل قدرتهم على مقاومة الأفكار التسلطية والرغبة في ممارسة الأفعال القهرية أقل بكثير من قدرتهم على ذلك لو أن طريقة تفكيرهم تغيرت، ومن هذه المميزات المعرفية على سبيل المثال:
الإحساس المتضخم بالمسئولية عن الأفكار وعن الأفعال، وكذلك النزوع للوم النفس على ما لا ذنب لها فيه، وكذلك ما نسميه بدمج الفكرة بالفعل، حيث تقول لك الأم مثلاً إنها طالما خطر لها خاطر أنها ستذبح ابنتها الوحيدة أو خاطر أنها تخون زوجها مع أخيه مثلاً، طالما خطر ذلك على فكرها فكأنها فعلته أو كأنها من الممكن أن تفعله، مع أن الكثيرين من الناس تخطر على وعيهم مثل هذه الخواطر ويستطيعون التخلص منها، وعادة ما لا يكثرون من لوم أنفسهم عليها على عكس مرضى الوسواس القهري، والمقصود بالعلاج المعرفي إذن هو اكتشاف الأفكار التلقائية الموجودة لدى كل مريض من مرضى اضطراب الوسواس القهري، ثم العمل معه على تغييرها واستبدال طرق تفكير أصلح بها.
ويحتاج الطبيب النفسي بالطبع إلى الجمع ما بين طرق العلاج المختلفة جميعًا سواء العقـارات أو أساليب العلاج السلوكي والمعرفي؛ لأن المريض عادة ما يعاني من الأفكار التسلطية والأفعال القهرية في نفس الوقت، ومعنى هذا يا أختي هو أن ما تصفينه بقولك: (تقابلني كل فترة مثل ثلاثة أسابيع أو شهر وكانت تتحدث معي في مجالات أخرى وتحاول أن تفتح معي مواضيع ليس لها علاقة بالمرض، وتنصحني بمخالطة الناس، وهكذا... وإن كانت هي تتميز بالهدوء فكنت لا أستشعر بفائدة هذه الجلسات)، فهذا يمكن أن يكون أي شيء غير العلاج المعرفي السلوكي.
المشكلة في واقع الأمر أكبر من مجرد تقصير طبيب أو طبيبة نفسية؛ لأن السواد الأعظم من الأطباء النفسيين في بلادنا غير مدربين على تطبيق أساليب العلاج السلوكي أو المعرفي بوجه عام (وأنا أقصد العلاج المعرفي الغربي هنا)، وأما من يتلقون تدريبًا عليه فهم بعض الاختصاصيين النفسيين (وليسوا كلهم)، ولا نزال كمسلمين بحاجة إلى من يقدم لنا العلاج المعرفي المناسب، وهو ما نحاول فعله في صفحتنا مشاكل وحلول للشباب وعلى موقع مجانين ، وقد تجدين طبيبا نفسيا هنا أو هناك يبحث ويفكر، ولكن من لا يبحثون ولا يفكرون مكتفين بالعقاقير أكثر بكثير.
أنت تحتاجين إذن إلى من يشرح أعراضك جيدًا، ويوضح لك ما هو في حكم الأفكار التسلطية (كوساوس العقيدة الاجترارية)، وما هو في حكم الأفعال القهرية (مثل خوفك من النظر إلى السماء، ومثل تجنبك أن تسمعي عن مرتد أو تقرئي عن الشبهات العقدية)، فهذه أفعال قهرية تجنبية علاجها يكون بالمواجهة (لا بالتجنب). عليك إذن أن تغيري طبيبتك تلك، وأن تسألي عمن يستطيع إجراء العلاج المعرفي بحق؛ لأن هذا ما تحتاجينه لوساوس العقيدة، والعلاج السلوكي أيضًا لأن هذا ما تحتاجينه لأفعالك القهرية.
ما أريده لك يا عزيزتي لكي تعودي طبيعية 100% هو أن تفهمي أولاً أن الإنسان الطبيعي هو الذي قد ترد على ذهنه فكرة تسلطية، لكنه يعرف كيف يتعامل معها دون أن يلجأ إلى فعل قهري أصلاً، وليس الأمر فقط أن تخفَّ حدتها فهذا ما يقدمه العلاج العقاري المنفرد، ويعطيك فعلاً تحسنًا كبيرًا كنت صادقة في شعورك به واحتفينا نحن به، لكنني من متابعتك الثانية هذي أراك تحتاجين إلى ما نصحتك به منذ البداية، ولكن طبيبتك لا قدمته لك ولا أرشدتك لمن يستطيع تقديمه لك، سامحها الله.
والحقيقة أن ما احتوته متابعتك الثانية هذي إنما يفتح كثيرًا من الأبواب التي قد تأتي بما يزعج النفس مع الأسف؛ لأنه حديث المواجهة مع واقع يعاني منه كثيرون من المرضى، حين يعجز الطبيب عن تقديم كل ما يلزم مريضه لأسباب عديدة، من أهمها أن ما يحتاجه المريض لم يصنعوه في الغرب بعد، أو لا يرون أنفسهم بحاجة إليه لأنه يخص المسلمين، ها أنا اضطررت إلى التعليق على علاج طبيبة زميلة لي -وأنا لا أعرفها- وأبين فيه تقصيرًا لا أستطيع وأنا مستشار أن أخفيه لأن المستشار مؤتمن.
									
									
									
								السؤال :
الأستاذ وائل أبو هندي، أنا صاحبة مشكلة: الوسواس القهرى : أنواعه وأعراضه وحكمه الشرعى .
جزاك الله خيرًا على رد حضرتك هذا، وأنا أعتذر عن تأخير الرد على حضرتك، وسوف أجاوب على الأسئلة التي وجهتها إليَّ.
أولاً بالنسبة لطريقة العلاج لهذا المرض التي اتبعتها الدكتورة معي أنها كانت تعطيني عقارًا يسمى أنافرانيل وعقارًا آخر لا أذكر اسمه، ولكن كان الأصل هو أنافرانيل، وكانت في البداية تعطيني منه جرعات قليلة، ثم زاد بالتدريج.
وفي الحقيقة أنا لا أعرف معنى جلسات العلاج المعرفي السلوكي، ولكنها كانت تقابلني كل فترة مثل ثلاثة أسابيع أو شهر وكانت تتحدث معي في مجالات أخرى، وتحاول أن تفتح معي مواضيع ليس لها علاقة بالمرض، وتنصحني بمخالطة الناس، وهكذا...، وإن كانت هي تتميز بالهدوء فكنت لا أستشعر بفائدة هذه الجلسات، وأعتقد أن الدواء هو الأصل بعد الله عز وجل واستمررت على ذلك تقريبًا عامًا ونصفًا حتى شعرت بتحسن وهي كذلك، فأوقفت لي العلاج وكان على مراحل أيضًا.
أما قصدي بأني أخشى من عودتي للمرض، فأنا أخشى من الوسوسة ثانية وهذا الجحيم المتواصل ليل نهار، فأنا الحمد لله حاليا لا أشعر بقهر الأفكار مثلما كان قديما، ولكني أقصد بالأشياء البسيطة أني إلى حد ما لا أشعر بالثبات، فحضرتك تعرف أن الوسواس الخاص بي كان في العقيدة وذات الله عز وجل، فأنا الآن أصلي عادي ولا أشعر بألم أو قلق أو شك في أي شيء، ولا أقهر بأفكار، ولكن أحيانًا يخالط ذهني بعض الأفكار وإن كانت للحظات.
وأيضا هنا شيء يؤرقني إلى حد ما وهو أني أخشى أن أتعرض لأي شبهة مثل أن أقرأ عن النصارى مثلاً، أو أن أسمع أن أحد المسلمين ارتد أو غير ذلك من الأشياء التي تثير عندي شبهًا في صدري، وكذلك أخشي أن أنظر إلى السماء خوفا من عودة الأفكار إليَّ في ذات الله عز وجل، وإن كان كل هذا يحدث إذا تعرضت إليه، ولكن ما دمت أنا بعيدة عن هذه الأشياء فأنا طبيعية والحمد لله.
فأنا لا أعلم هل هذا آثار للمرض الذي يأخذ وقتًا حتى ينتهي ومع الوقت يذهب بالاستعانة بالله أم أن هذا شيطان؟ فأنا أدعو الله أن يثبت الإيمان في قلبي، وأشعر أن هذا أمر مؤقت وسينتهي بالدعاء؛ فأنا أتمنى أن أعود طبيعية 100%، وألا تخطر عليَّ مثل هذه الأفكار، وإن كنت أمارس حياتي بطريقة عادية جدا وأمارس الدعوة إلى الله والحمد لله، وأدرس وأقرأ القرآن، ولا أشعر بأي تعب أو اضطراب نفسي مثل الأول.
أرجو أن تكون حضرتك فهمتني واستطعت أن أرد على أسئلة حضرتك، وأنا في فارغ الصبر والشوق للرد، أرجو من حضرتك الرد، وجزاك الله خيرا.
الجواب:
أهلاً وسهلاً بك، وشكرًا على متابعتك، ونسأل الله تعالى أن يديم عليك تحسنك الحالي، وأن يهيئ لك ما يوصلك إلى كامل الشفاء والخلاص من معاناتك، ساعدتك طبيبتك إذن من الجانب العقاري بامتياز حتى إنك تحسنت بسرعة على عقار الأنافرانيل وهو عقار الماس المتميز بقدرة علاجية ربما تفضل عقاقير الماس التي تعتبر في الأصل تطويرًا له لتقليل بعض آثاره الجانبية كجفاف الحلق مثلاً، لكنها كلها تقارن من ناحية قدرتها العلاجية به، ولا يزال عقار الكلومبيبرامين (الأنافرانيل) هو الأقوى أثرًا في الحالات المقاومة للعلاج، وكانت طبيبتك موفقة معك إذن في اختيار العقار المناسب والأرخص ثمنًا، وكذلك كانت موفقة في طريقة التدريج في الجرعة عند بداية العلاج، وكذلك في سحبه منك.
وأما فيما يتعلق بجلسات العلاج المعرفي السلوكي، وأنت تقولين إنك لا تعرفين معناها رغم أنني أحلتك إلى إحالات يشرح فيها المعنى في متابعتي الأولى لك "الوسواس القهري.. تجارب ناجحة"، وكنت أظن تلك الروابط ستكفيك، على أي حال فسوف أقدم لك أولا نبذة عن معنى العلاج السلوكي ثم المعرفي، وإن كان الفصل صعبًا، سواء في شرح أي منهما أو في تطبيقه:
فأما العلاج السلوكي فتطبيق أساليبه يحتاج إلى قدر كبير من التفاهم بين المعالج والمريض، كما يحتاج إلى دافع قوي للتغيير لدى المريض؛ وليس الأمر كما يقول بعض المرضى وبعض أقربائهم "لا جديد فيه ولا فائدة منه"، خاصة أن المريض يمكن أن يكون قد منع نفسه من قبل وكذلك أهله يمكن أن يكونوا قد حاولوا منعه، ولكنهم دائما ما يفعلون ذلك بطريقة إما خاطئة أو غير كاملة؛ فليس التطبيق العملي لأساليب العلاج السلوكي مهمة سهلة ولا بسيطة كما قد يعتقد البعض عندما يقرءون مثلاً عن منع الاستجابة فيحسبون الأمر مجرد منع المريض من تصرف ما؛ لأن الأمور عادة ما تحتاج إلى المزج ما بين العديد من أساليب العلاج النفسي سواء السلوكي أو المعرفي وغيره، فضلاً عن أهمية العلاقة ما بين المريض والمعالج، وكذلك أهمية إشراك أسرة المريض في برنامج العلاج السلوكي، والواقع أن الحفاظ على ذلك كله مع الإبقاء على درجة عالية من الدافع لدى المريض يحتاج إلى شخص مدرب وجاد في عمله إلى حد بعيد، وكلما أعطى المعالج السلوكي من وقته للمريض كانت في ذلك فائدة أكبر.
والمقصود بالعلاج السلوكي هو أن يحدث تغير في السلوك نتيجة لتغيير المريض لطريقة استجابته للفكرة التسلطية، فمثلاً في حالة المرأة التي تضطر لغسيل يديها خمسين مرة كلما استعملت دورة المياه لأنها تشعر أن يديها تلوثتا، ماذا يحدث لو مُنِعَـتْ هذه المرأة من غسيل يديها؟ إنها ستجيب بالطبع أنها ستشعر بكم كبير من الضيق والتوتر الناجمين عن خوفها من عواقب عدم غسيل يديها، فتراها تفكر في أنها ستلوث طعام أولادها مثلاً وربما تسببت في نقل أمراض كثيرة لهم، وهكذا تلح عليها الرغبة في غسيل يديها أكثر وأكثر، والحقيقة أنها صادقة في إجابتها تلك، ولكن المقصود بالسؤال هو ماذا لو انقطعت المياه مثلاً أو منعت هي من استخدامها للغسيل لمدة يوم كامل؟؟ إن القلق والتوتر والضيق والأفكار المزعجة المتعلقة بعواقب عدم الغسيل لن تستمر إلى ما لا نهاية بكل تأكيد، وهذا هو أساس العلاج السلوكي؛ فالمعالج يقوم بتعريض المريض إلى المثيرات التي تستثير فيه الرغبة في أداء الفعل القهري والأفكار التسلطية المتعلقة بالموضوع، وهذا هو ما نسميه بالتعريض (ويعني أن تدخل المرأة في المثال السابق دورة المياه وتلمس الشطاف مثلا)، ويقوم المعالج أيضا بمنع المريض من ممارسة الأفعال القهرية التي يفعلها عادة في مثل هذا الوضع، وهذا ما نسميه بمنع الاستجابة (وهذه الأفعال القهرية هي غسيل اليدين خمسين مرة في المثال السابق)، وخذي المثل التالي من على
مجانين : الوسوسة في المذاكرة: علاج سلوكي .
وأما العلاج المعرفي فقد تمكن الباحثون الغربيون حديثا من استخلاص بعض طرق التفكير عند المرضى والتي تكون مؤثرة بشدة على توجهات المريض وأفعاله، مثل التقييم المبالغ فيه للخطر ومثل الإحساس المتضخم بالمسئولية Inflated Sense of Responsibility، وقد أثبتت الدراسات الأحدث فاعلية العلاج المعرفي في علاج مرضى الوسواس القهري المتميزين بهذه النوعية من طرق التفكير.
والحقيقة أن بيك Beck الذي يعتبر الرجل الأول في تطبيق أساليب العلاج المعرفي في التعامل مع الاضطراب النفسي في بدايات تطور العلاج المعرفي "الغربي" لم يفرق بين الأفكار التسلطية الخاصة بالوسواس القهري والأفكار المتعلقة بالمخاوف المرضية في اضطرابات الرهاب Phobic Disorders، ولعل ذلك هو ما شجعه على محاولة علاجهم، فقد رأى بيك أن أفكار مرضى الوسواس القهري تكون متعلقة بفعل يعتقدون أنهم كان يجب أن يقوموا به أو بفعل قاموا به، ولم يكن يجب أن يقوموا به؛ فالقلق الذي يعاني منه مريض الوسواس القهري غير متعلق بموقف معين ولا بفكرة معينة بقدر ما هو متعلق بعواقب أن يكون المريض في هذا الموقف أو عواقب أن يفكر هذه الفكرة، وهذه الملاحظة الذكية أثرت إلى حد كبير على تطور الأفكار المتعلقة بأساليب العلاج المعرفي فيما بعد، فهناك من رأى أن الأفكار الاقتحامية Intrusive Thoughts، أي الأفكار التي تقحم نفسها في وعي الإنسان عمومًا من الممكن أن تمر مرور الكرام كما يحدث في معظم البشر، إلا أن مريض اضطراب الوسواس القهري يحس بفداحة هذا الاقتحام ويعطيه وزنا نفسيا وفكريا كبيرا، كما يحس بأنه قد تسبب في ضرر ضخم، وأنه مسئول عن ذلك، وهذا الإدراك غير العابر لفكرة كان من الممكن أن تكون عابرة هو ما يتسبب في تثبيتها وهو ما يعطيها القوة على البقاء، وينتج هذا عن الأفكار التلقائية السلبية Negative Automatic Thoughts التي يعتبر حدوثها عقب اقتحام الفكرة التسلطية لوعي المريض سببًا في تسلط الفكرة عليه.
المهم أن جميع أساليب العلاج المعرفي التي طبقت ودرست حتى الآن ومنها إيقاف الأفكار Thought Stopping، وتحدي الأفكار التسلطية Challenging Obsessive Thoughts، وتحدي الأفكار التلقائية السلبية Challenging Negative Automatic Thoughts كل هذه الأساليب سواء استعملت في إطار علاج نفسي فردي أو علاج نفسي جمعي حققت بعض النجاح على مستوى دراسات الحالات، ولكنها لم تثبت حتى الآن فاعليتها خلال ما يكفي من الدراسات التي تكتمل لها شروط البحث العلمي الدقيق، ويمكنك أن تجدي في الروابط التالية من على
موقع مجانين : فتوى مجانين: في وسواس الطهارة وساوس الطهارة: الحيض والصفرة والكدرة
إذن فالمقصود بالعلاج المعرفي هو تغيير الطريقة التي يفكر بها المريض، حيث اتضح أن مرضى اضطراب الوسواس القهري يتميزون عن غيرهم بمميزات معرفية (طرق تفكير معينة) تهيئهم للسقوط في براثن الوسواس، كما تجعل قدرتهم على مقاومة الأفكار التسلطية والرغبة في ممارسة الأفعال القهرية أقل بكثير من قدرتهم على ذلك لو أن طريقة تفكيرهم تغيرت، ومن هذه المميزات المعرفية على سبيل المثال:
الإحساس المتضخم بالمسئولية عن الأفكار وعن الأفعال، وكذلك النزوع للوم النفس على ما لا ذنب لها فيه، وكذلك ما نسميه بدمج الفكرة بالفعل، حيث تقول لك الأم مثلاً إنها طالما خطر لها خاطر أنها ستذبح ابنتها الوحيدة أو خاطر أنها تخون زوجها مع أخيه مثلاً، طالما خطر ذلك على فكرها فكأنها فعلته أو كأنها من الممكن أن تفعله، مع أن الكثيرين من الناس تخطر على وعيهم مثل هذه الخواطر ويستطيعون التخلص منها، وعادة ما لا يكثرون من لوم أنفسهم عليها على عكس مرضى الوسواس القهري، والمقصود بالعلاج المعرفي إذن هو اكتشاف الأفكار التلقائية الموجودة لدى كل مريض من مرضى اضطراب الوسواس القهري، ثم العمل معه على تغييرها واستبدال طرق تفكير أصلح بها.
ويحتاج الطبيب النفسي بالطبع إلى الجمع ما بين طرق العلاج المختلفة جميعًا سواء العقـارات أو أساليب العلاج السلوكي والمعرفي؛ لأن المريض عادة ما يعاني من الأفكار التسلطية والأفعال القهرية في نفس الوقت، ومعنى هذا يا أختي هو أن ما تصفينه بقولك: (تقابلني كل فترة مثل ثلاثة أسابيع أو شهر وكانت تتحدث معي في مجالات أخرى وتحاول أن تفتح معي مواضيع ليس لها علاقة بالمرض، وتنصحني بمخالطة الناس، وهكذا... وإن كانت هي تتميز بالهدوء فكنت لا أستشعر بفائدة هذه الجلسات)، فهذا يمكن أن يكون أي شيء غير العلاج المعرفي السلوكي.
المشكلة في واقع الأمر أكبر من مجرد تقصير طبيب أو طبيبة نفسية؛ لأن السواد الأعظم من الأطباء النفسيين في بلادنا غير مدربين على تطبيق أساليب العلاج السلوكي أو المعرفي بوجه عام (وأنا أقصد العلاج المعرفي الغربي هنا)، وأما من يتلقون تدريبًا عليه فهم بعض الاختصاصيين النفسيين (وليسوا كلهم)، ولا نزال كمسلمين بحاجة إلى من يقدم لنا العلاج المعرفي المناسب، وهو ما نحاول فعله في صفحتنا مشاكل وحلول للشباب وعلى موقع مجانين ، وقد تجدين طبيبا نفسيا هنا أو هناك يبحث ويفكر، ولكن من لا يبحثون ولا يفكرون مكتفين بالعقاقير أكثر بكثير.
أنت تحتاجين إذن إلى من يشرح أعراضك جيدًا، ويوضح لك ما هو في حكم الأفكار التسلطية (كوساوس العقيدة الاجترارية)، وما هو في حكم الأفعال القهرية (مثل خوفك من النظر إلى السماء، ومثل تجنبك أن تسمعي عن مرتد أو تقرئي عن الشبهات العقدية)، فهذه أفعال قهرية تجنبية علاجها يكون بالمواجهة (لا بالتجنب). عليك إذن أن تغيري طبيبتك تلك، وأن تسألي عمن يستطيع إجراء العلاج المعرفي بحق؛ لأن هذا ما تحتاجينه لوساوس العقيدة، والعلاج السلوكي أيضًا لأن هذا ما تحتاجينه لأفعالك القهرية.
ما أريده لك يا عزيزتي لكي تعودي طبيعية 100% هو أن تفهمي أولاً أن الإنسان الطبيعي هو الذي قد ترد على ذهنه فكرة تسلطية، لكنه يعرف كيف يتعامل معها دون أن يلجأ إلى فعل قهري أصلاً، وليس الأمر فقط أن تخفَّ حدتها فهذا ما يقدمه العلاج العقاري المنفرد، ويعطيك فعلاً تحسنًا كبيرًا كنت صادقة في شعورك به واحتفينا نحن به، لكنني من متابعتك الثانية هذي أراك تحتاجين إلى ما نصحتك به منذ البداية، ولكن طبيبتك لا قدمته لك ولا أرشدتك لمن يستطيع تقديمه لك، سامحها الله.
والحقيقة أن ما احتوته متابعتك الثانية هذي إنما يفتح كثيرًا من الأبواب التي قد تأتي بما يزعج النفس مع الأسف؛ لأنه حديث المواجهة مع واقع يعاني منه كثيرون من المرضى، حين يعجز الطبيب عن تقديم كل ما يلزم مريضه لأسباب عديدة، من أهمها أن ما يحتاجه المريض لم يصنعوه في الغرب بعد، أو لا يرون أنفسهم بحاجة إليه لأنه يخص المسلمين، ها أنا اضطررت إلى التعليق على علاج طبيبة زميلة لي -وأنا لا أعرفها- وأبين فيه تقصيرًا لا أستطيع وأنا مستشار أن أخفيه لأن المستشار مؤتمن.
 
											


 :
:  :
:  :
: