محام من العيار الثقيل يكشف خبايا إعدام صدام

    • محام من العيار الثقيل يكشف خبايا إعدام صدام

      في ظل المطالبة الواسعة برفع دعوي في المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة قتلة الأسري المصريين في 1967 ، تثور تساؤلات حول جدوي هذه الدعوي ، بل وإمكانية رفعها من الأساس بسبب عدم توقيع مصر علي ميثاقها رغم الدور المصري المشهود في إنشاءها! ولمعرفة دقيقة بهذا الأمر تستضيف شبكة الأخبار العربية "محيط" الأستاذ محمد منيب المحامي باعتباره أحد المشاركين في صياغة ميثاق المحكمة وأحد المحامين الذين تقصوا ملابسات ملف قتل الأسري منذ التسعينيات ، ليطلعنا علي نتائج هذا التقصي وسبب رفض محكمة مصرية النظر فيه ،وماذا يفعل هو وزملائه الآن لاتخاذ خطوات جديدة لتحريك الملف .






      وباعتباره أحد أعضاء فريق الدفاع عن الرئيس الراحل صدام حسين .. نسأله عن تحركات الفريق القادمة بعد إعدام الرئيس ..وما صحة ما قيل عن أن صدام لم يعدم أصلا .. ولماذا هبت في وجهه عاصفة انتقادات بسبب موقفه من حزب الله ؟

      بدايةً نود أن نعرف ما هي اختصاصات المحكمة الجنائية وما يميزها عن محكمة العدل الدولية ؟
      تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجريمة العدوان ، وأهم ما يميزها عن محكمة العدل الدولية أنه في حين أن قرارات محكمة العدل هي آراء استشارية كما حدث في قراراها الخاص باعتبار جدار الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين غير شرعي ، فإن قرارات المحكمة الجنائية الدولية هي قرارات إلزامية إذا لم تلتزم بها الدول فإن المحكمة تلزم مجلس الأمن باستخدام صلاحياته ومنها فرض العقوبات للضغط علي الدولة لتسليم المتهمين ، هذا إضافةً إلي أن محكمة العدل الدولية خاصة بمحاكمة دول أما المحكمة الجنائية الدولية فأهميتها أنها تحاكم الأفراد سواء كانوا رؤساء دول أو غيرهم الذين كانوا يظنون أنهم لن يجدوا من يحاكمهم في العالم .

      لماذا يتم اللجوء إلي المحاكم الجنائية الخاصة كما حدث لمجرمي الحرب في يوغسلافيا ورواندا ؟
      قبل ظهور المحكمة الجنائية الدولية وحينما كانت تقع جرائم ينتفض لها المجتمع الدولي كما حدث في الحرب العالمية الثانية مثلا، لم يكن هناك آلية سياسية لمحاكمة منفذي جرائم الحرب هذه ، ولذلك كان يتم إنشاء محاكم خاصة للنظر في هذه الجرائم ، يتم تشكيلها للنظر في وقائع معينة ثم يتم حلها بمجرد صدور الحكم كما حدث مثلا في محاكمة القادة الألمان في نوينبرج والقادة اليابانيين في طوكيو ،

      وفي التسعينيات من القرن الماضي شهدنا محاكمة مرتكبي الجرائم في رواندا ( محكمة أروشا ) ثم محاكمة سلوبودان ميليسوفيتش رئيس يوغسلافيا السابقة ، وحاليا هناك مسعي دولي لإنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المتهمين في اغتيال رفيق الحريري .

      بمناسبة المحكمة الخاصة بالحريري في نظرك لماذا كل هذا الجدل حولها بين المؤيدين والمعارضين لها؟
      لأنه إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية تنظر في القضايا بموجب قانونها الجنائي الصرف البعيد عن أي توجيه سياسي ،فإن المحكمة الدولية الخاصة وكما قلت يتم انشائها بموجب رغبة أطراف لهم مصلحة ما قد تأخذ بعداً سياسياً ،خاصة وأن القانون الذي يُسيرها يكون قانونا خاصا حسبما تتفق عليه الأطراف ، وقد يخالف أحيانا في بعض بنوده القانون الدولي .

      مصر لم توقع علي ميثاق المحكمة حتي الآن ،فهل من حقها أن تطلب من المحكمة النظر في جريمة قتل الأسري المصريين علي يد الجنود "الإسرائيليين" في عام 1967 وغيره ؟
      بالطبع يمكن لها ذلك .. ولكن الكثير لا يعرف أن المحكمة لا تعاقب إلا عن الجرائم التي تم ارتكابها منذ العام 1998 أي منذ تاريخ انشائها ، أما ما قبل ذلك فهو من اختصاص الأمم المتحدة . والحل بنظري لمواجهة ومحاكمة هؤلاء المجرمين هو إنشاء محكمة خاصة لهم مثل محكمة يوغسلافيا ومحكمة رواندا .

      وفيما يخص الجرائم "الإسرائيلية" ضد الدول العربية بشكل عام فالمشكلة في رفع دعاوي دولية بشأنها تكمن في أن "إسرائيل" غير موقعة أيضا علي ميثاق المحكمة الجنائية الدولية ،وفلسطين غير معترف بها دوليا علي أنها دولة ،ومعظم الدول العربية ممتنعة عن أخذ موقف محترم ،وبالتالي لا يجد الشهداء المصريون من يدافع عن دمائهم !

      رأيك هذا يتعلق بالدول العربية كحكومات ،ولكن أين دور المنظمات غير الحكومية مثل نقابة المحامين واتحاد المحامين العرب؟!
      هذه نقطة هامة جداً .. لأنه بالفعل اتحاد المحامين العرب ومنظمات حقوق الانسان العربية تستطيع أن تلعب أدواراً في غاية الأهمية ، علي الأقل تخلق نوعا من الرأي العام للضغط علي الحكومات لاتخاذ قرار عملي .

      عدنا أيضا للحكومات !.. أنا أقصد دور لهذه المنظمات بثقلها بعيدا عن فعل الحكومات ؟
      للأسف فإنه ليس من السهل قانونا أن تتقدم هذه المنظمات بنفسها إلي المحكمة لكي تقدم لها طلبا بفتح تحقيق حول جريمة ما ،وأقصي ما يمكنها فعله هو أن تقدم طلبا للمدعي العام بالمحكمة تخبره بحدوث جرائم كذا وكذا ،ولا يعني تلقي المدعي العام لهذا الطلب أنه واجب عليه التحقيق فيه إلا إذا رأي أن هناك أسباباً تُوجِب عليه التدخل ،وهذه مسألة تقديرية ، أي يمكن أن تخضع للضغوط المختلفة للحيلولة دون فتح التحقيق .

      ومع ذلك أنا أطالب هذه المنظمات بتقديم طلب لفتح التحقيق أياً كانت نتيجته ، إلا أن المشكلة في رأيي أن بعض هذه المنظمات وخاصة اتحاد المحامين العرب يتحمل مسئوليته من لا تشغله هذه الأمور وأقصد به سامح عاشور ، فهو ليس معنيا بها وقد يكون مستعدا للتجاوب مع بعض الضغوط الحكومية للتخلي عن هذا الدور الواجب عليه القيام به احتراما للموقع الذي يتحمل أعبائه.

      وماذا قدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حين كنت ترأسها ،وماذا تفعل الآن كمحام في تحريك ملف الأسري ؟
      حين كنت أرأس المنظمة في التسعينيات ،ذهبت علي رأس بعثة لتقصي الحقائق تمثل المنظمة وجبنا سيناء ،وقدمنا خرائط توضح الأماكن المدفون بها الشهداء المصريين في كل سيناء ، وقابلنا شهوداً ما زالوا أحياء من الجنود والضباط وأهالي سيناء ،وخرجت البعثة من كل هذا بملف كبير وموثق وقدمناه لوزارة الخارجية ، ولكن لم نلمس أي رد فعل منها !

      وحالياً ، هناك عدد من المحامين رفعوا قضية أمام محكمة استئناف الاسماعيلية ،رفضتها المحكمة لعدم وجود أدلة كافية ،واتصل بي هؤلاء المحامون منذ قليل لنتباحث في الخطوة التالية ،واتفقنا أنه بعدما نشرته صحيفة "يديعوت احرنوت" الصهيونية من تقارير وما بثته فضائية "الجزيرة" من أفلام وثائقية عن عملية قتل الأسري ، واعتراف بنيامين بن اليعازر بأنه من أعطي الأمر بقتل الجنود فإنه من الممكن أن يُقدم طلب للقضاء بتعجيل نظر النقض أمام المحكمة ،أو يُقدم التماس بإعادة النظر أمام محكمة استئناف الاسماعيلية بهذه الأدلة الجديدة . وفوق هذا ففي رأيي أننا بحاجة لرفع قضية أخري علي الحكومة نفسها ،وأفكر شخصيا في رفع قضية لأن المسئولين لم يتخذوا القرار المناسب لحفظ حقوق المصريين وشهداء الوطن والأمة .

      أين صدام حسين ؟!!!

      مؤخراً ظهر كتاب ذائع الصيت ،ادعي صاحبه أن صدام حسين لم يعدم وأن ولديه أحياء .. فما رأيك في هذا بعدما قابلت صدام بنفسك باعتبارك عضو في هيئة الدفاع عنه ؟
      هذا الكلام الصادر في هذا الكتاب لا أساس له من الصحة ،ولا يوجد أي دليل يثبت أن من كنا نراه هو بديل قام بتمثيل دور صدام طوال هذه السنوات في اعتقاله وفي إعدامه. وهل يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يقبل أو يستطيع أن يستمر في تمثيل دور البديل تحت وطأة الاعتقال كل هذه السنوات، ثم يستمر أيضاً في التمثيل حتي تصل رقبته إلي حبل المشنقة ،ويتلقي تنفيذ حكم الإعدام بثبات كما رأيناه في صدام حسين ؟!!

      بعد عملية الإعدام في صدام واثنين آخرين من أعوانه .. إلي أين تتجه خطواتكم مع فريق الدفاع ؟
      للأسف أن المحكمة الجارية الآن والخاصة بمحاكمة طارق عزيز لا نستطيع حضورها ؛لأن القاضي رفض حضورنا .
      ولماذا رفض ؟
      رفض ، كما رفض من قبل حضورنا جلسات سابقة في محاكمة البندر و برزان التكريتي وهو ما يخالف اتفاقية جنيف بل ويخالف القانون العراقي وقانون المحكمة ذاته .

      وهل سيقف الأمر عند هذا الحد ؟
      حتي اللحظة الراهنة فإننا لم نتفق كفريق دفاع علي خطوة قادمة مشتركة ، وإن كنت أفكر شخصيا أن أقابل المحامي المقرر الخاص لاستقلال القضاء والمحاماة في المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف لأعرض عليه إمكانية تطوير الأمر لرفع قضايا بشأن مخالفات جسيمة ارتكبت في حق صدام وأعوانه خلال المحاكمة وما بعدها والانتهاكات الحقوقية التي تعرض لها فريق الدفاع حتي وصل الأمر لاغتيال بعض أفراده .

      حزب الله وصدام حسين

      في احتفال أقيم باليمن لتأبين صدام حسين أثارت كلماتك المدافعة عن حسن نصر الله ،هجوماً عارماً ممن يرون أن نصر الله مرتبط بإيران وسعِد بإعدام صدام.. فلماذا تصرعلي موقفك؟
      بدايةً ، ينبغي التفرقة بين إيران الدولة وعلاقتها بحزب الله و بين إيران الدولة و ما يحدث في العراق، والتفريق هنا مهم جداً ، فالدور الإيراني في العراق مُدان 100 % بل وغادر وعنصري ،وأحيانا يتسم بالخسة استناداً لتأكيد كثير من العراقيين بأن إيران أرسلت نحو 500 ألف عنصر من الحرس الثوري ليشرفوا بأنفسهم علي عمل فرق الموت التي تستهدف المدنيين وتدرب جيش المهدي ، ومنهم من ينضم إلي لواء بدر ، وفيما يُقال أيضا أنهم نفذوا اغتيالات ضد العلماء العراقيين وقادة سابقين بالجيش العراقي ، وبالتالي فهذا الدور مبعثه عنصري ولا أخلاقي ،يماثل نفس الدور الذي مارسته إيران في أفغانستان وهو ما ندينه بقوة ولا نتهاون فيه .

      ولكن ينبغي النظر بشكل مختلف إلي إيران في شأن مواجهتها مع الولايات المتحدة ، فيما يتعلق بحقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وهو حق لكل الدول لا ينبغي أن يظل قاصراً علي الولايات المتحدة وحلفائها. وكذلك أؤيد موقف إيران في دعم القضية الفلسطينية .

      ورغم ذلك سنكون ضد إيران الدولة في الامتداد الجغرافي علي حساب الدول العربية أو في مساعيها للسيطرة علي الخليج العربي الذي يراه معظم الإيرانيون خليجا فارسيا خالصا .

      أما حزب الله فإن ما يثيره البعض في شأن ارتباطه بالدولة الإيرانية لدرجة سكوته عن انتهاكاتها في العراق فإن السيد نصر الله أعلن أنه ضد عمليات فرق الموت وأنه يدين أي عنف ضد الأبرياء أيا كان معتقده أو مذهبه .


      ولكن من انتقدوا موقف حزب الله من قضية العراق استندوا الي احتفال قناة (المنار) بإعدام صدام حسين ؟
      ما حدث في قناة (المنار) أنه في الساعات الأولي عقب عملية الاعدام بدت وكانها ستحتفي بعملية الإعدام ،ولكنها توقفت بعدما بدا أن هذا الأمر لم يلق قبولا من حسن نصر الله الذي أعلن أنه ضد الطريقة التي تم بها الإعدام .


      الأمر ليس مرتبطا بـ (الطريقة) التي تم بها الإعدام يا استاذم محمد ،بل يتجاوزه إلي الحاجة لتوضيح الموقف من تنفيذ الإعدام بإشراف الاحتلال الأمريكي وبحكم محكمة مطعون في شرعيتها ؟!
      أنا أتفق في أنه مطلوب من السيد نصر الله أن يكون واضحاً في موقفه من هذا الأمر بالفعل ، ويقول لنا هل هو فقط ضد الطريقة التي تم بها الإعدام وما صاحبها من انتهاكات ،أم هو أيضاً ضد القرار ذاته باعتباره صادر عن محكمة تم تشكيلها تحت مظلة الاحتلال وتخالف كل القوانين بما فيها القوانين العراقية، وما موقفه من أن يتم إعدام صدام أو غيره من أبناء العراق بأمر أمريكي حتي وإن تم تنفيذه بيد عراقية.

      وهذا التوضيح ضروري جداً ،وإلا فإن الموقف العربي المؤيد لحزب الله وقائده سوف يصاب باللبس لدرجة قد تجعل البعض يعيد النظر في المقاومة اللبنانية البطلة التي تمثل الآن الظاهرة العربية الحرة الوحيدة مع المقاتلين في فلسطين والعراق .

      أمريكا وسيف المحكمة!

      عودة إلي موضوع المحكمة الجنائية الدولية ، منذ متي بدأ التفكير في إنشائها وكيف كان لمصر دوراً في خروج ميثاقها للنور ؟
      حين تم انشاء الأمم المحدة بدأ التفكير في سبل إنشاء آلية دولية لمحاسبة ومعاقبة الأفراد الذين يرتكبون جرائم ضد الانسانية ، ويدفعون تجاه الحروب غير المبررة بين الشعوب ،إما بهدف الاستعمار أو بهدف الإبادة الجماعية .

      أما عمل اللجنة التحضيرية الفعلي لإنشاء المحكمة فقد بدأ عام 1948 بعد الحرب العالمية الثانية ، وقدمت تقريرا للأمم المتحدة ، ولكن كعادة الأمم المتحدة ،مثلها في ذلك مثل أي منظمة دولية تكون خاضعة لتوازنات القوي الدولية ( الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت ) لم تأخذ بتوصيات اللجنة مأخذ الجد ، واستمر الأمر علي ذلك حتي التسعينيات عندما وضعت اللجنة تقريرا في غاية الأهمية لإنشاء محكمة جنائية ،وما أعطي هذا التقرير الأهمية الواضحة هو وجود منظمات دولية غير حكومية لعبت دوراً كبيرا في إخراجه والدفع به للمناقشة الجادة في الأمم المتحدة ، ومن هذه المنظمات منظمة العفو الدولية ،والفيدرالية الدولية لحقوق الانسان في باريس ، ولجنة الحقوقيين الدولية في جنيف ، ولجنة محامين من أجل حقوق الإنسان ،ومنظمة (هيومان رايتس وواتش) الأمريكيتان، ومعهم منظمة انتر ناشيونال سيرفيس بجنيف، هذا إضافة إلي الأدوار المتفاوتة التي لعبتها المنظمات الحقوقية علي مستوي العالم ومنها المنظمة العربية لحقوق الإنسان برئاسة الأستاذ محمد فائق والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي كنت أرأسها في ذلك الوقت.

      وكان التعاون بين كل هذه المنظمات في إطار تنظيمي اسميناه ( ائتلاف المنظمات غير الحكومية من أجل إنشاء محكمة جنائية دولية ) في عام ،1995، وكنتُ حاضرا في كل أعمال اللجنة التحضيرية التي شكلتها الأمم المتحدة وكانت تنعقد في نيويورك كل 6 شهور لمناقشة كل عناصر البروتوكول التأسيسي للمحكمة ،وكنت العنصر العربي الوحيد (غير الحكومي) وأزعم أنه كان لي حضور متميز ،ربما لأنني كنت أشعر بأهمية الأمر وأتبناه وتحمست له لدرجة أنني شاركت في صياغة بعض مواد البروتوكول .

      وأحب أن أذكر أن هذا التحالف الذي ضم 3 آلاف منظمة ، ويمثلهم 15 شخصا علي مستوي العالم وكنت أنا واحداً منهم ، كانت الأمم المتحدة تحسب له مليون حساب لحماسه ولخبرته وكفاءته ، واستمر جهد التحالف من 1995 حتي عام 1998 وهو العام الذي شهد اللحظة المنتظرة ، لحظة صدور قرار الإنشاء الرسمي وفتح باب التوقيع للدول علي القانون التأسيسي للانضمام لعضوية المحكمة.

      ولكن بالنظر للمخاطر التي تشكلها المحكمة علي الدول الكبري ذات السجل الدموي وخاصة الولايات المتحدة ،ألم تواجهوا أي ضغوط أو عقبات حتي صدور قرار التأسيس ؟!
      بالطبع واجهنا ضغوطا وعقبات عجيبة ،حاولت بها الولايات المتحدة وبعض حلفائها أن تطوي المحكمة الوليدة تحت جناحها مع بقية المنظمات الدولية الأخري ،وذلك مثلا بأن تجعل الأحكام التي تصدرها المحكمة مجرد رأي استشاري مثل محكمة العدل الدولية ،ولكنها فشلت فشلا ذريعا في ذلك وصدر القانون بأن تكون أحكام المحكمة إلزامية ومجلس الأمن الدولي ملزم بتنفيذها .
      وبشيء من التفصيل فأهم نتائج المصادمات الحامية التي وقعت بيننا وبين ممثل الولايات المتحدة في المناقشات الأخيرة كانت علي النحو التالي :

      1- المشروع الأساسي الذي قدمناه يختلف بشكل شبه كلي عن المشروع الذي تم إقراره نتيجة لتدخل الولايات المتحدة بشكل أساسي ومن سار مع علي دربها؛ في محاولة لأن تكون المحكمة تحت إمرة الأمم التحدة ، وهم ما لم عجزت الولايات المتحدة عن تحقيقه بالشكل الذي سعت إليه .

      2- كان من حق المنظمات غير الحكومية أن تقدم شكاوي مباشرة إلي المحكمة ضد أفراد ارتكبوا جرائم كالاعتقال التعسفي والتعذيب في السجون وغيرها، ولكن الولايات المتحدة نجحت في إلغاء هذا النص وقصرته علي الأمم المتحدة أما المنظمات فيسمح لها تقديم الشكوي بشروط .

      3- جريمة من الجرائم الرئيسية في اختصاص المحكمة وهي (العدوان) حاولت الولايات المتحدة شطبها تماما من قائمة اختصاصات المحكمة ،ونستطيع بسهولة أن نعرف لماذا ، فإن كانت الولايات المتحدة لم تغزو العراق ساعتها بعد فإن الكيان الصهيوني دائم العدوان علي المدن الفلسطينية في اقتحامات وغارات وغيرها، وقد تسبب هذا الأمر في أن إعلان إنشاء المحكمة في اليوم الأخير من اجتماعات اللجنة التحضيرية الدولية في روما تأخر لنحو 6 ساعات وسط مناقشات حامية ، حتي توصلنا إلي حل وسط وهو الإبقاء علي وجود هذه الجريمة مع عدم تفعيلها إلا بعد أن يتم وضع تعريف محدد للعدوان ، وهو ما لم يتم حتي اللحظة !

      واللافت للنظر أنه يتم الآن العمل علي إخراج ( الجرائم ضد الإنسانية ) من اختصاصات المحكمة أيضا لأن هذه الجريمة قد يُحاكم بموجبها الشخصيات التي تقوم بعمليات اعتقال تعسفية وتعذيب تحت شعار مكافحة الإرهاب المدرج في القوانين غير الشرعية التي دأبت حكومات كثيرة علي إصدارها تحت لافتة مكافحة الإرهاب ومنها بريطانيا حليفة الولايات المتحدة .

      4- ومن الناحية الإجرائية فهناك تعديل مخل بالإجراءات الممكن أن تتبع لتيسير عمل المحكمة ،فبعدما كان المشروع الأساسي الذي اقترحناه يضمن اجراءات بسيطة وواضحة تقود إلي محاكمات عادلة لكافة الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة ، نجحت الولايات المتحدة في تشويه هذا الجانب الإجرائي .

      وفي مقابل فشلها في إملاء كل شروطها علينا ،سعت الولايات المتحدة إلي حماية نفسها من ملاحقات المحكمة وقراراتها الإلزامية بأن توجهت إلي مجلس الأمن الدولي واستصدرت منه قرارا غريبا يستثنيها من الوقوع تحت طائلة المحاكمة هي وجنودها ، ولم تكتف بذلك بل وقعت اتفاقيات ثنائية مع عدد من الدول التي تعتبرها من أصدقائها تقضي بالتزام كل طرف بعدم محاكمة جنود الطرف الثاني علي أراضيه ،وكان من ضمن الدول التي تم التوقيع معها مصر وبعض الدول العربية ، مع الإشارة إلي أنها لم تفلح في توقيع مثل هذا الاتفاقيات مع دول خارج السيطرة مثل كثير من دول أوروبا .

      رغم جهدك العالي ممثلاً للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان في التحالف الخاص بإنشاء المحكمة إلا أن مصر لم توقع وهذا عجيب ،فما تفسيره عندك ؟

      في رأيي أن هذا حدث لسببين :
      الأول: الضغط الأمريكي .
      والثاني: أن الجرائم التي تُنظَر أمام المحكمة ومنها الجرام ضد الانسانية يدخل في تعريفها دوليا جرائم مثل التعذيب والاعتقال الجزافي وهي جرائم تعتبر ظاهرة روتينية خاصة في مواجهة الخصوم السياسيين وفي نطاق تضييق الحريات العامة أمام المواطنين في كثير من الدول التي رفضت التوقيع علي قانون المحكمة، حيث يُخشي من أن تصبح عُرضة للملاحقة الدولية .

      قلت أن أحكام المحكمة الجنائية ملزمة ، ومع ذلك فإن الرئيس السوداني البشير رفض قرارها بتسليم السودان اثنين من المتهمين في جرائم دارفور .. فماذا يمكن أن يترتب علي هذا ؟
      من الناحية القانونية الصرفة ، يمكن أن يصل الأمر إلي حد إحالة البشير شخصيا للمحاكمة علي أساس أنه عطل قراراً دولياً إلزامياً ، وقد يصل الأمر إلي أن توعز المحكمة لمجلس الأمن بأن يمارس صلاحياته في فرض عقوبات علي السودان للضغط عليه لتسليم المتهمين . ولكني اعتقد أن الأمر سيتم تسويته بشكل سياسي ،بمعني أن الأمر قد يخضع لمساومات سياسية بين الحكومة السودانية والأطراف الدولية المعنية بملف دارفور .

      منقول :