طــــــــــــــــــــــلب بحث عن التوبة أو العفة أو الدعاء

    • بحث عن : العفة
      المحتويات
      :
      المقدمة .
      معنى العفة .
      عوامل تحقيق العفة .
      ثمار العفة .
      ثمار عامة .
      عوامل تضييع العفة .
      أوهام وشبهات .
      المخاطر الناشئة عن ترك العفة .

      ------------------
      المقدمة :
      يأتي هذا الموضوع ضمن دروس سلفت لفضلاء من أهل العلم والمشايخ ، كان أكثرها يدور حول موضوع المرأة من الأسرة وبناء المجتمع الإسلامي في ظل هذه التغيرات العظيمة في المجتمعات المعاصرة وفي ظل الهجمة الشرسة على نظم الإسلام وتشريعاته وفي ظل الإنحرافات السلوكية الأخلاقية التي غزت بلاد الإسلام والمسلمين عبر الفضاء من خلال القنوات الإعلامية وعبر المخالطة من خلال السفر والإختلاط ونحو ذلك الى أسباب أخرى كثيرة .
      وموضوع اليوم يتعلق بأساس مهم وركيزة عظمى من ركائز حفظ المجتمع المسلم ؛ لأن أمر العفة كما سيأتي عظيم وحتى ننتفع بالوقت ونحاول أن نلم بأطراف هذا الموضوع الذي يتشعّب في الحقيقة إلى موضوعات كثيرة جدير بكل منها أن يفرد بحديث مستقل .
      أولاً : معنى العفة .
      ثانياً : عوامل تحقيق العفة .
      ثالثاً : ثمار ومنافع العفة حينما تتحقق في واقع المجتمع .
      رابعاً : عوامل تضييع العفة .
      خامساً : الأوهام والشبهات الباطلة المتعلقة بهذا الموضوع .
      سادساً : المخاطر والآثار السلبية الناشئة عن التفريط في العفة .
      معنى العفة
      العفة لغة : قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة : " العين والفاء أصلان صحيحان، أصل الكلمة مبني على هذين الحرفين ، ويرجعان الى أصلين صحيحين ، الأول : الكف عن القبيح والثاني الدال على قلة الشيء " .
      فأصل الكلمة يعود الى الكفّ عن القبيح ، وإلى معنى آخر وهو قلة الشيء ، وبينهما ربط يأتي الحديث عنه ، ثم قال : " العفة الكف عما لا ينبغي والعفة، وهو الأصل الثاني بالضم هو بقية اللبن في الضرع " .
      أي هو الشيء القليل كما مضى في الاصل الأول ، وقال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن : " العفة وصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة " .
      أي هذه العفة معنى يقوم بالنفس فيمنع في غلبة الشهوة فيما حرم الله - سبحانه وتعالى - قال : " والمتعفف هو المتعاطي للعفة بضرب من الممارسة والقهر، وأصله أي أصل معنى العفة الإقتصار على تناول الشيء القليل الجاري مجرى العفافة " .
      وهذا هو الضبط بين المعنيين فالعفة الكف عن الحرام ، ومن كف عن الحرام ؛ فإنه يأخذ القليل من الحلال يكفيه ويعفه ويحصل به النفع له فيمتنع به الضرر عنه وعن غيره في بناء المجتمع المسلم ، وقال صاحب لسان العرب : " العفة هي الكف عما لا يحل ويجمل " .
      الأمر هنا في كلامه أوسع ، فالمراد هو الكف عن المحرَّم وعن ما يجمل أيضاً أي عما يكون قبيحاً في أعراف الناس الصحيحة ، بمعنى العفة والكف عما لا يتفق مع الذوق العام الذي يكون مستهجناً في أوساط المجتمع المسلم قال : " وعف عن المحارم والأطماع الدنية يعف عفة وعفا وعفافاً فهو عفيف وعف إذا كف، والإستعفاف وهو طلب العفة والعفاف " .
      وذلك وارد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( ومن يستعفف يعفه الله ) .

      وقال - جل وعلا - في محكم التنزيل : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً } .
      أي ليطلبوا العفة والعفاف من طريقها الذي سنشير الى بعض معالمه وملامحه .

      العفة إصطلاحاً وما يتصل بمعناها
      " والإستعفاف هو طلب العفاف وهو الكف عن المحرم الذي حرمه الله - سبحانه وتعالى - والإكتفاء بما حل وإن كان قليلاً ؛ لأن القليل الذي أحلّه الله هو الذي يشبع الغريزة ويطمأِن النفس ولا يحتاج معه العاقل إذا عرف عواقب الأمور الى الزيادة عن هذا الحد المشروع " .
      في مقابل العفة معنى آخر وهو الخبيئة والدناءة ، فثمة رجل عفيف ورجل دنيئ والعفة لا تقتصر في معناها على جنس دون جنس ، فليست العفة خاصة بالنساء دون الرجال بل إمرأة عفيفة ورجل عفيف وكذا فيما يقابله .
      ثم أيضاً فيما يتصل بمعنى العفة أن نعرف طبيعة النفس الإنسانية، فالنفس كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض مناحيها ( أن ابن آدم لو كان له واد من ذهب لابتغى ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى ثالثاً، ولا يملأ فم ابن آدم الا التراب ) .
      فطبيعة النفس البشرية أنها لو تركت لهواها لا تشبع ، فالعفة التي هي إقتصار على القليل الكافي هي أمر فيه نوع من التربية والتهذيب للنفس، أما لو تركت النفس كما تشاء فإنها لا تقتصر على العفة بل تتجاوز الى ما وراءها، فإذن العفة تهذب النفس التي في أصل طبيعتها نهم وشغف لا ينتهي مطلقاً، وإن كان النهم في بعض الجوانب يستحسن كما ورد أيضاً في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : ( منهومان لا يشبعا طالب علم وطالب دنيا ) .
      فطلب العلم أصله صحيح والنهم فيه محبوب، وطلب الدنيا أصله صحيح ولكن النهم فيه غير مرغوب لأنه لا ينتهى الى حد وما يزال الامل بالإنسان حتى يقطعه الأجل ، ولو مُدّ للأنسان لحظة ما في عمره لكان له فيها آمال جديدة يضيفها الى سالف آماله ، فإذن لو تركنا النفس بطبيعتها لما انتهت إلى حد،كالشارب من ماء البحر لا يزيده شرب الماء بملوحته الا الزيادة في العطش ، فإذن لا بد من ضابط ، والضابط ما جاء في شرع الله من قليل نافع كاف حلال يحصل به المقصود ويتحقق به النفع، ومن ثم كان للعفة صلة في معناها بالتوسط والإعتدال، فالعفة عندما تقتصر على شيء وتترك شيء ؛ فإنها تبلغ الوسط الذي لا يبلغ الغاية من مداه ولا يحرم النفس مما تشتهيه وتحتاج إليه، فكانت العفة أيضاً درب من الوسطية ونوع من تحقيق المراد الذي تحتاج إليه النفس من غير إفراط ولا تفريط .
      عوامل تحقيق العفة
      و هذه العوامل كثيرة وأبوابها متعددة، وحسبنا أن نشير الى الأسس المهمة منها مع تفريع على بعض فروعها .
      العامل الأول : الإيمان
      فأعظم عاصم من المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات، وأعظم مذكر دائم للإنسان يرافقه في سره وعلنه وفي حله وترحاله ، في شهوده وغيبه هو الإيمان بالله - عز وجل - الإيمان الذي يُنشىء مملكة الضمير التي لا تفارق العبد المؤمن فتجعله دائماًً يستحضر أموراً مهمة من أعظمها وأجلها الخوف من الله ، والحياء من الله ، وتذكّر الآخرة .
      واستشعار عظمة الله تبعث على الخوف من الله ، وإستشعار نعمة الله تبعث على الحياء من الله ، وإستحضار هول الآخرة يبعث على قمع الشهوة في النفس ودرءها عن تجاوز الحد، ولذلك كانت التربية الإيمانية والزاد الإيماني بأركان الإيمان الستة أعظم ما يقوي العبد على التزام أمر الله ويعينه على المصابرة والإمتناع عما حرم الله وسبحانه وتعالى .
      سئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى كيف السبيل إلى غض البصر ؟ قال
      " علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك الى ما حرم عليك "
      هل نحن نستحضر مراقبة الله - عز وجل - وإطلاعه علينا، ومعرفته التي أخبرنا بها في كتابه كما قال جل وعلا : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } .
      هل نتحقق بذلك ونستشعره في خفقات قلوبنا وخلجات أفكارنا وتصرفات جوارحنا ؟
      أثر عن بعض السلف أنه كان يربي بعض الصغار من بني قرابته، فكان هذا الصغير ينظر إليه عابداً متهجداً ذاكراً تالياً داعياً لله - سبحانه وتعالى - فالتفت إليه ذلك المربي يوماً وقال له :
      " إستحضر في قلبك وإن لم تنطق بلسانك أن تقول : الله شاهدي .. الله ناظري .. الله مطلع عليّ ،كلما هممت بهم أو فعلت فعلا فقل ذلك في قلبك، قال : فما زلت أتعود ذلك وأنا صغير السن، فلما كبرت كان ذلك من نعمة الله عليّ ومن عصمة الله لي " .
      ونحن نعلم أمثلة كثيرة منها المثل القرآني العظيم الذي سطرته آيات القرآن في سورة كاملة في قصة يوسف - عليه السلام – { وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك } .
      جاء هذا التوجه الذي فيه كل الإغراء والإغواء مع الأمن والإحكام ، فقال يوسف عليه السلام : { معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } .
      ثم اعترفت وقالت : { ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين } . فماذا كان جوابه ؟ { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } .
      و ذكر ابن القيم في روضة المحبين قصة في عهد عمر - رضي الله عنه - وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر - رضي الله عنه - ينظر إليه ويعجب به ويفرح بصلاحه وتقواه ويتفقده إذا غاب ، فرأته إمرأة شابة حسناء فهويته وتعلقت به وطلبت السبيل إليه فاحتالت لها عجوز، قالت : أنا آتيك به ثم جاءت لهذا الشاب وقالت له : إني إمرأة عجوز ، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها فلو أعنتني على ذلك لكان لك أجر، قال ابن القيم في سياق القصة : وكانوا أحرص ما يكونون على الأجر ، فذهب معها، ولما دخل البيت لم يرى شاة ، قال : الآن آتيك بها ، فظهرت له المرأة الحسناء فاستعصم عنها وابتعد منها ولزم محراباً يذكر الله - عز وجل - فتعرضت له فلما آيست منه دعت وصاحت ، وقالت : إن هذا هجم علي يبغيني عن نفسي ، فتوافد الناس إليه فضربوه ، فتفقده عمر في اليوم التالي فأوتي إليه به وهو موثوق ، فقال عمر : اللهم لا تخلف ظني فيه ، فقال للفتى أصدقني الخبر فقص عليه القصة فأرسل عمر إلى جيران الفتاة ، ودعى بالعجائز من حولها حتى عرف الغلام تلك العجوز ، فرفع عمر درّته وقال أصدقيني الخبر، فصدقته لأول وهلة ، فقال عمر : " الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف " .
      هكذا أورد ابن القيم هذه القصة - رحمه الله - والأمر في ذلك كما قلت يطول .
      ومن ذلك الحديث الصحيح الذي ورد في النفر الثلاثة الذي آواهم الغار فسقطت صخرة فأغلقت عليهم باب الغار فدعوا بأفضل الأعمال التي تقربوا فيها وأخلصوا فيها لله، فكان من قول أحدهم : اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فأردتها عن نفسها فأبت حتى إذا مرت بها سنون ـ يعني حالة من فقر ، جاءتني في مائة وعشرين ديناراً وتخلّي بيني وبين نفسها فلما تمكنت منها ـ وفي رواية - فلما قعد بين شعبها قالت : اتق الله ولا تفك الخاتم الا بحقه ، قال : فقمت عنها خوفاً من الله عز وجل بعد أن تمكنت منها، فاللهم إن كنت قد عملت هذا العمل اتقاء وجهك ففرج عنا ، فكان هو آخر الثلاثة كما ورد في الحديث .
      العامل الثاني : التشريعات
      الأحكام التشريعية التي جاء بها الإسلام ، يقول الله عز وجل { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .
      الأحكام التي جاءت في الإسلام تتفق مع فطرة الإنسان ، وتحقق المصالح ، وتمنع المفاسد ، فهي تحقق أعلى المصالح وتدرأ أدنى وأقل المفاسد فضلاً عما هو أكثر منها ، ويمكن أن نسلط الضوء على هذه التشريعات من جوانب ثلاثة :
      أولاً : التشريعات الوقائية
      وهو متمثل في التشريعات الوقائية ؛ فإن الإسلام حرّم كل الدواعي والطرق والوسائل والمرغبات والمقربات من الحرام ، ومما يحرج العفة ويضيعها ، فحرّم النظر لغير المحرم ولما حرم الله - عز وجل - وفي هذا ما نعلم من قول الله عز وجل : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } .. { قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } .
      والنبي - عليه الصلاة والسلام - قال : ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ) هذا النظر قد حرمه الله عز وجل .
      وحاسة السمع أيضاً لها تأثير، فجاء الشرع أيضاً يضبط أمرها، لأن بشار بن برد وكان من فحول الشعراء وكان أعمى، فكان يقول أبياتاً في الغزل والحب والعشق والغرام فسئل عن ذلك وكيف يصف هذه الاوصاف وهو كفيف البصر فقال :
      يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة **** والأذن تعشق قبل العين أحياناً

      ولذلك قال الله - عز وجل - في شأن نساء المؤمنين ، وفي شأن أمهات المؤمنين على الخصوص { ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } .
      القول المتأنك المتكسر المتميع له وقع في السمع ، وأثر في القلب ، وإبقاء للشهوة ، وميل إلى المحرّم فمُنع ذلك ، والأنف وحاسة الشم أيضاً ورد فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما إمرأة خرجت متعطرة ليجد الرجال ريحها ما زالت الملائكة تلعنها حتى ترجع ) .
      أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - وهذه الرائحة أيضاً لأن لها تاثيراً ، بل حتى الصوت قد جاء النهي عنه في قول الله عز وجل : { ولا يضربن بأرجلهن } .

      حتى لا يسمع ذلك الصوت الذي يكون في الخلخال فيلفت النظر أو يدعوا إلى الفتنة ونحو ذلك ، ثم اللمس فقد ورد النهي عنه في مصافحة الرجال النساء .
      وقد كان هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث ورد عنه في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وما مست كفه كف إمرأة لا تحل له قط .
      وهذا كله من أسباب الوقاية والضبط، حينئذ كل هذه الحواس لها أثر على القلب، فالعين تنظر لكن القلب يتأثر، والأذن تسمع والقلب يتغير، والأنف يشم والقلب هكذا ، فإذا وضعت هذه الحدود والحواجز كما يقولوا خطوط الدفاع الاولى والثانية والثالثة هذه صمامات الأمان فمن أخذ بها وقي بإذن الله عز وجل .
      ومن التشريعات الأخرى أيضاً التحريم المطلق للخلوة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
      ( إياكم والدخول على النساء، قالوا يا رسول الله : أرأيت الحمو، قال الحمو الموت )
      وكذلك النهي عن الإختلاط بما يحمله من المعاني التي تقع بها كثير من أسباب الفساد، ومن الأحكام أيضاً أحكام حجاب النساء إذا خرجت المرأة لحاجة أو إذا اضطرت الى أن تقضي بعض أمورها فإنها مدعوة لحكم الله عز وجل أن تتحجب، فهذا الحجاب أيضاً هو تشريع من تشريعات الوقاية والأمن والسلامة، وكما يقال الآن : " درهم وقاية خير من قنطار علاج " .
      ودائماًً يقولون : " السلامة قبل وقوع المصيبة " ؛ لأن العلاج بعد المرض أصعب من بعض الأسباب قبل المرض، ولذلك يدعونا الى تطعيم الاطفال ما هي هذه التطعيمات ؟ تطعيمات وقائية قبل حصول المرض، حتى يكون الجسم مستعداً فإذا جاء المرض كان على أهبة الإستعداد لمواجهته وصده بإذن الله - عز وجل - وهذه أيضاً تشريعات وقائية كثيرة، هذا والدعوة للنساء بأن يكنّ غير مختلطات بالرجال { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
      وهذه تشريعات وقائية .
      ثانياً : التشريعات الإجتماعية
      وثمة أيضاً جانب آخر وهو التشريعات الإجتماعية ؛ فإن الإسلام أيضاً جاء بتشريعات إجتماعية تحفّظ للمجتمع وعلى المجتمع أمنه وسلامته وصيانته بإذن الله عز وجل .
      أبرز هذه التشريعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس هناك " ليس لي دخل " في الإسلام لا يوجد هذا الامر كل إنسان مسؤول ، وكل مطالب بأن يقول كلمة الحق ، وأن يؤدي أمانة النصيحة ، لماذا ؟ لأن المرأة المتبرجة أمر الرجل ، الذي يؤذي النساء في المجتمع لا يضر نفسه ولا يضر هذه المرأة ولا تضر المرأة الرجل، وإنما يعود الامر على الجميع ، إذاً فالمضرة تلحقني وتلحقك وتلحق الثاني والثالث، فإذا لم يقم الناس بهذا الامر وهذا التشريع الإجتماعي ؛ فإن الآثار الوخيمة تتسع حتى تشمل كل أحد ولا ينجو منها بعد ذلك الا من رحم الله .
      ولا ينجو منها الناجي الا بصعوبة ومشقة وعناء ؛ فإن عالم اليوم نعرف ونرى ونحس ونلمس أنه يغزو الصالحين في عقر بيوتهم ، يغزوهم وهم في الشوارع سائرون لقضاء حوائجهم أو ذاهبون للأسواق لشراء حاجاتهم ، في أي جانب من الجوانب أصبح الغزو ياتيك يمنة ويسرة ، عبر الفضاء ومن تحت الارض ، عبر الاذن سماعاً ، وعبر العين رؤية ، وعبر أمور كثيرة متنوعة متعددة ، لمَ ؟ لأن الناس غضوا الطرف أولاً ومرروا المنكر اليسير حتى صار عسيراً إنكاره ، ثم بعد ذلك تفاقم الامر واتسع الخرق على الراقع .
      الآداب التشريعية الإجتماعية التي يتسائل الناس ويترخصون منها مثل الإستئذان وتربية الاطفال وتعويدهم على هذه الامور، والتفريق بين الاخوة من الذكور والإناث في المضاجع كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وفرقوا بينهم في المضاجع لعشر ) .
      هذا الامر كله من التشريعات المهمة في هذا الجانب .
      ثالثاً : التشريعات العقابية
      من لم يلتزم هذه الحواجز وتلك الآداب ، ولم يستمع للنصيحة ، ثم تجاوز الحد ووقع في المحرم تأتي تشريعات الحدود على إختلاف أنواعها الزاني المحصن والزاني غير المحصن وما يتعلق بالجلد والتغريب أو الرجم ، أو كل الأحكام المتعلقة بهذه النواحي لتكون رادعاً ولتكون عبرة لكل من تسوِّل له نفسه أو يدعوه شيطانه الى إرتكاب المعصية أو خرق جاجز العفة في المجتمع، إذاً هذه أيضاً التشريعات أو العامل الثاني وهو عامل التشريع .
      العامل الثالث : التربية وأسسها
      والتربية أمرها عظيم، فإن الإيمان النظري الذي نحفظه نصوصاً ونقرأه علماً، وإن التشريعات التي نعرف فقهها ونتقنها تفريعاً لا تفيد عنا شيئاً إذا لم تحصل التربية والإلتزام بها .
      الأساس الأول : المجاهدة والتعبد
      لا بد لنحصل العفة أن نحرص على عمق وقوة وحسن دوام الصلة بالله - عز وجل - أن نكثر التلاوة والذكر والدعاء أن نكثر الصلاة والمناجاة والتبتل والتضرع، أن نكثر الصوم وكل عبادة من العبادات التي تتطهر بها النفس ، ويتزكى بها القلب ، وتنحصر وتضييق فيها مجاري الشيطان ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ؛ فإنه نوع من العلاج والتربية ، وقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق فضيقوا مجاريه بالصوم ) .
      الأساس الثاني : التنشأة والتعود
      وهذا يتعلق بالصغار ونلمحه باختلاف البيئات ، بيئة لا تراعي تربية إسلامية، ففتاة العاشرة عندهم صغيرة السن ، وقد تكون في الثانية عشر وهي ما زالت طفلة وتبلغ الرابعة عشر ولا بأس ولا زالت دون السن الذي يعتقدون أنها تكون فيه في مبلغ النبات أو البالغات ، وكذلك الطفل يظل طفلاً ويدخل على النساء من المحارم وغير المحارم وهو في العاشرة ثم في الثانية عشرة ثم في الخامسة عشر ، فهذا التسبب تلحظه عند من لا يحسن ولا يلتزم التربية الإسلامية .
      بينما تجد البيئة الإسلامية الصغيرة التي في الخامسة من عمرها ترى أمها وترى بيئتها تتحجب وتلتزم فتطلب الصغيرة الحجاب قبل وقتها ، وتشعر وتعرف وتدرك بالفطرة التربوية على العادة إن ترك الحجاب أمر قبيح فتنظر الى المرأة غير المحجبة على أنها تفعل فعلا قبيحا، وعلى أنها ليست كأهلها وليست كأمها أو أختها أو خالتها فهذا الشعور يعرفه الصغير بالتنشأة والتعود :
      وينشا ناشئ الفتيان فينـا **** على ما كان عوده أبوه
      أما من لم ينشا على هذه التنشأة ثم بعد ذلك نأتي له ونقول هذه آيات القرآن وهذه أحاديث كيف وقد عاش هذه البيئة، كيف وقد مارس هذه الممارسة وهذا أيضاً أمر مهم .
      الأساس الثالث : المعرفة والتعليم
      ينبغي أن نعلم الشباب في أول مراحل العمل، في أول تفتح الذهن بهذه المعاني المتعلقة بالأجر والثواب
      ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله ... وشاب دعته إمرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ) .
      ( ثلاثة حق على الله أن يعينهم … والمتعفف يبغي النكاح ) .
      كما ورد في الحديث عن النسائي في سننه، فإذن نعلم ونعرف بهذه المعاني وبأجره عند الله ، ونعرف أيضاً ونعلم بما يعتاد هذا حتى يكون هناك تأسيس صحيح .
      الأساس الرابع : التفكّر والتطلّع
      القضية التربوية دائماً تعتمد على إحلال الخير محل الشر ، وإن الفراغ بحد ذاته درب من الشر ؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، ينبغي أن نعود الشباب في أول عمرهم على أن تكون أفكارهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ترقى إلى رقي الإسلام والى الآفاق الواسعة، لا كما يشيع اليوم في صفوف الشباب من أثر هذه الهجمات التي أشرت اليها، فإذاً كل فكره الفتاة التي يحبها والهندام الذي يتزين به أو العطر الذي يتعطر به أو التسريحة التي يسرحها شعره .
      وعلى ذلك قس في جانب الفتيات ما هو أعظم وأدهى الوان للعيون زرقاء وخضراء وألوان الصبغات الشعر من شقراء الى غير ذلك من أمور كل هذا أصبح هو الذي يمأ الفكر ويشغله، أين رسالة الإسلام ؟ أين التفكير في العلم ؟ أين قوة البدن ورياضة الجسم ؟ أين الارتباط بمآسي المسلمين والتفكر في أحوالهم ؟ لو شُغِل الشباب وعُوِّدوا أمر الفتيات على هذه المعاني لكان هناك ما يسمى بنظرية التسامي في التربية التي يسمو فيها الإنسان على الشهوات الطبيعية الفطرية التي إذا أتيح لها الفرصة تتمكن من الإنسان، وإذا شغل الإنسان نقسه بغيرها لم يكن لها ذلك الظهور التي تتحكم فيه .
      وأضرب لذلك مثالاً هذه الشهوات مع الإنسان في كل وقت لكنها تضعف في وقت وتظهر وتبرز في وقت، الطالب أو الشباب في سن الطلب من الفتيان والفتيات، معلوم كما قلت ما يشغل بالهم من أثر هذه المؤثرات، لكن إذا جاء وقت الإختبارات ماذا يحصل ؟ لأن عندهم عملاً مهماً وجهداً يبذلونه في هذا العمل وتفكيراً ينشغلون به وإهتماماً قلبياً ونفسياً يتوجهون به الى هذه الإختبارات، في ذلك الوقت وفي هذه الفترة تجد أنهم يدعون مثل هذه الامور جانباً وراء ظهورهم، إذن الامر كذلك في كل وقت لو أننا إستطعنا هذا، وعلى الشاب وعلينا أيضاً أن نغرس هذه المعاني .
      الأساس الخامس : القوة والإنتصار
      تحصل بقوة الإرادة التي ينتصر بها الإنسان على الدواعي التي تدعوه فيكون حينئذ أسيراً أو عبداً لشهواته، نأخذ مثلاً مقارباً فبعض الناس من أصحاب النهم في الطعام إذا أردت أن تعذبه تمنع منه الطعام أو تقلل كميته، ولو أردت أن تأخذ منه أي شيء امنع عنه الطعام أو قلل كميته ثم أطلب منه شيئاً فسيتنازل ، لماذا ؟ لأن فكره الأول والأخير هو في هذا ، فإذا منع منه يمكن أن يعطي من ماله ممكن أن يعطي ممكن أن يتنازل، المهم أن ينال طلبه، وكذلك في جانب شهوة الجنس، فمن كانت هي كل همه وأعظم شغله فانه قد يبيع أخلاقه، يبيع دينه، يضيع ماله، يسيء إلى سمعته، يسيء إلى أهله .
      لكن كل ذلك يغطي عن عقله ؛ لأنه جعل نفسه أسيراً لهذه الشهوة، متى يكون قوياً ؟ ليس القوي الذي يتبع شهوته بل القوي هو الذي يملكها، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب ) .
      هذا مقياس تربوي مهم ، لا بد لنا أن ننتبه له وأن نربط أيضاً أنفسنا بوعد الله - عز وجل - : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
      العامل الرابع : التوعية
      وما أدراك ما هذه التوعية التي نحتاج اليها ! وللأسف في كثير من مجتمعات المسلمين نجد هذه التوعية عكس المطلوب، التوعية التي نقصدها أن نعزز المنافع والمصالح التي تنشأ من العفة ومن التزام أمر الله - عز وجل - ليس بمجرد قول الله وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان هذا يكفي المؤمنين ، لكن فيما يضاف الى ذلك من أمور مصلحية حياتية ، فإنه كما سأعرض لبعض الثمار والمصالح تحصل منافع كثيرة .
      عندما يطبق الإنسان شرع الله - عز وجل - وفي المقابل ينبغي أيضاً أن نبين الآثار السلبية، أن نوعي المجتمع والشباب والشابات بأن ما يدور في أفكارهم وما تطمح إليه نفوسهم بعيداً عن منهج الله - عز وجل - سيعود ضرره عليهم عاجلاً أو آجلا، أمراضاً في أجسامهم وقلقاً في نفوسهم وإختلالاً في منهجهم، إلى غير ذلك من الأمور التي أبتلي بها من تركوا أمر الله - عز وجل - ويصدُق في هذه الاوضاع كلها شطر آية من كتاب الله عز وجل : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً }
      ضنك يحصل في الإقتصاد وفي الإجتماع وفي الأمن وفي كل جانب من جوانب الحياة عندما يتخلف الناس عن التزام شرع الله عز وجل، وإذن هذه التوعية أمرها مهم .
      العامل الخامس : الإستعانة
      وأعظم بالإستعانة بالله عز وجل ؛ فإن هذا الزمان زمان فتن، وإن هذا الزمان زمان شهوات ومغريات ، وزمانٌ صار فيه شياطين الإنس أعظم كيداً ومكراً من شياطين الجن وتفنن الأبالسة ليصرفوا الناس عن دينهم وعن عفتهم و عن أخلاقهم حتى جاءوا بما لا يتصوره العقل وبما يترفع عنه الحيوان البهيمي ، حتى جاءوا بما لا يتفق مع الإنسانية في قليل ولا كثير، فلا بد للانسان أن يستعين بالله - عز وجل - وأن يكثر الدعاء ، وأن يكثر الإلتجاء الى الله عز وجل حتى يصون نفسه عما حرَّم الله وحتى يقوي عزمه في مواجهة هذه المغريات والمثيرات وحتى يسهل له ما يعف به عن نفسه .
      العامل السادس : الأخذ بالمباح
      لأن هذه الفِطَر والغرائز أمرٌ من أصل خلقة الله - عز وجل - لا يمكن تجاهلها ومن أعظم أسباب العفة تصريف الغرائز البشرية الفطرية الطبيعية فيما أحل الله عز وجل، ومن هذا المباح أمر الزواج، الزواج المبكر الميسر فانه لو فتح هذا الباب لانسدت أبواب من الشر عظيمة ، ولو فتح هذا الباب لسكنت النفوس وغضت الأبصار وعفت الألسنة وانقمعت الفتنة وانزوت الشهوة وزال كثيرٌ وكثيرٌ وكثيرٌ من الأمور التي تشكو منها مجتمعات إسلامية كثيرة، يبلغ الشاب في سن الخامسة عشرة ولا يتزوج الا في الثلاثين في غالب الاحوال فيكون هذا الزمن الممتد عرضة لتحطيم الحواجز وخدش الحياء وتضييع العفة ، وتبلغ الفتاة في العاشرة أو الثانية عشر ولا تتزوج الا في العشرين أو الخامسة والعشرين .
      ونرى ونعلم ما يحصل أيضاً من تجاوز هذه الحدود العمرية سواء في الشباب أو الشابات في بعض المجتمعات الإسلامية التي يعجز فيها الفتى أن يتزوج حتى يبلغ الخامسة والثلاثين بل الأربعين ، وتعجز الفتاة عن الزواج حتى الثلاثين وبعد الثلاثين ، وليس هذا كلاماً جزافاً بل كلنا نعلمه في مجتمعات كثيرة ونلمسه ونراه ونعرفه في كثير من بيئاتنا ومجتمعاتنا وذوي قرابتنا، ثم نستسلم أو نقول بالأقوال التي يروجها بيننا دعاة الباطل : الزواج المبكر هذا الذي لا يتناسب مع مقتضيات العصر، لا يتناسب مع هذا الوعي والفكر الذي لدى هذا الشاب الصغير والفتاة الصغيرة ونحو ذلك، والتعسير الذي يقع في الزواج وما يحصل منه وإذن بالإجمال من أهم الأسباب الأخذ بالمباح من الزواج المبكر الميسر، وكذلك حتى من باب أو من أبواب التعدد العادل النافع ؛ فإن شرع الله - عز وجل - أتى بما ينفع ويشفي وبما يدفع الضر ويبعد الأذى عن المجتمع المسلم .
      هذه بعض العوامل الرئيسة التي بها تتحقق العفة في المجتمع الإسلامي الإيماني .
      ثمار العفة
      ماذا نجني عندما نحقق هذه العفة ونلتزمها ونشيعها بين شبابنا وشاباتنا .
      الثمرة الأولى : السلامة من الفواحش
      والفاحشة هي الأمر الذي يفحش أي الذي يتجاوز الحد وتعافه النفس والفطرة السوية ، قال الله - عز وجل - : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً } .
      فإذن التزامنا بتلك التشريعات وبتلك الجوانب التي ذكرناها، تربية إيمانية، تشريعات وقائية، و تربية إسلامية، وتوعية تنبيهية تحذيرية، وإستعانة بالله عز وجل، كل هذه العوامل ستجعلنا بمنأى عن هذا الدرك والهاوية الخطيرة السحيقة .
      الثمرة الثانية : السلامة من أضرار الفواحش
      وما أدراك ما أضرار الفواحش ! الذي يتضح به العالم الغربي الذي كسر حواجز العفة من أمور الأمراض الجنسية المعروفة التي حيرت عقولهم ودمرت صحتهم وفتكت بهم وزرعت بينهم الخوف والرعب والتي سبتهم حتى حرية ولذة الاستمتاع الذي كانوا يسعون إليها ويجرون وراءها وكلفتهم وراء ذلك الضرائب العظيمة الضخمة من إقتصادهم وأموالهم التي أُهدرت بملايين الملايين في إجراء الأبحاث والتماس العلاجات والطب ومراكز الابحاث وغير ذلك من الأمور، إضافة الى ما ينشأ عن ذلك من إختلال والإغتصاب مما سياتي ذكره في الشق الآخر .
      الثمرة الثالثة : نقاء المجتمع وطهارته
      فإذا وجدت هذه العفة لم تر إمرأة متبرجة ولا شاباً متسكعاً، رأيت جِداً في الشباب وعفة في الفتيات، رأيت مجتمعاً ظاهراً نقياً، ليس فيه ذلك الإبتذال ولا تلك الدناءة والخسة .
      الثمرة الرابعة : قوة الإرادة
      يقول الله - جل و علا – { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون }
      هذه العفة التي تعصم من الحرام تجديد وتقوية وزيادة للإيمان .
      الثمرة الخامسة : النجاة من النار
      العفة سبب من أسباب النجاة من النار كما ورد في حديث أخرجه أبو يعلى في مسنده والطبراني في معجمه وتكلم بعض أهل العلم في بعض رجاله من أنهم غير معروفين قال فيه النبي - عليه الصلاة والسلام - : ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله ) .
      الثمرة السادسة : بقاء اللذة وحتى الخامسة والسبعين
      وهي من أعظم الفوائد ؛ لأن الذين يجرون وراء الشهوات يفقدون صحتهم ويفقدون قوتهم التي يفقدون بها هذه اللذة الجنسية، ولذلك أثبتت البحوث العلمية أن القوة باقية ومستديمة بهذا الإعتدال الذي ينشا أولاً عن الإبتعاد عن الحرام ، ثانياً : عن العفة بمعناها الذي ذكرناه وهو الإقتصار على القليل النافع المفيد والإبتعاد عن الكثير الضار ؛ لأنه كما يقولون كلما زاد عن حده إنقلب الى ضده، فهذه مجتمعات الغرب تركت الحبل على غاربه فليس هناك عندهم شيء ممنوع ولا محرم ، زنا ولواط وشذوذ ونحو ذلك، فماذا انتهى إليه أمرهم إنتهوا الى أمراض فيها البرود الجـنـسـي والى أمراض الضعف والآن ببحوث عن علاجات تقوي صحتهم الى غير ذلك من الأمور .
      ولذلك جاء في بعض الأبحاث الطبية يقول أحد الاطباء : إنه رأى شيوخاً ناهزوا الخامسة والسبعين وهم لا يزالون في كامل قوتهم وصحتهم ، وهم قادرون على المعاشرة والإنجاب في هذا الباب، فعندما أجريت الأبحاث وسئل هؤلاء فكانت أولا أنهم لم يجعلوا أمراً لم يمارسوا العادة السرية في فترة شبابهم، وعندما بلغوا مبلغ الرجال لم يدخلوا في أبواب الحرام، وعندما تزوجوا أخذوا بالتوسط والإعتدال ثم ابتعدوا عن الامور التي يستخدمها الناس من هذه الامور الطبية فأبقى الله - عز وجل - لهم هذه الصحة ؛ لأن هذا المنهج هو الطبيعي المتوافق مع الفطرة .
      ثمار عامة
      و من الثمار العظيمة - أيها الإخوة - ما يتعلق بكل ما قيل في ثمار الطاعة وحلاوتها ، وما يتعلق بنورانية القلب ، وما يتعلق بهذه المحاسن الكثيرة والمنافع العديدة التي تاتي في باب ترك المعاصي والتزام أمر الله وسبحانه وتعالى ، من قوة القلب وطيب النفس ونعيم القلب وإنشراح الصدر ، وسلامة الأرض من مخاوف الفساق والفجار وقلة الغم والهم والحزن وعزة النفس عن احتمال الذل وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية وآثارها الوخيمة .
      عوامل تضييع العفة
      و هي في الجملة عكس ما قلناه في عوامل تحقيق العفة، لكني أشير اليها في أمور محسوسة ملموسة مما نعيشه في واقعنا وفي واقع مجتمعات المسلمين في كثير من بلادهم وبقاءهم، من أهم هذه العوامل :
      العامل الأول : الإثارة الإعلامية المحرمة
      وهذه اليوم هي من أعظم أسباب تضييع العفة وتهييج الشهوة والدعوة إلى الفسق والفجور وخاصة ما جاء للناس من بلاد القنوات الفضائية ، وما يبثه أهل الكفر وأهل العهر من الكفرة والفاسقين والمنحلين الى الفضاء، والذي خلقه الله لننتفع به فسخره أهل الباطل ليكون مصدراً للفساد، وهو المصدر الذي نزل منه الوحي ونزل منه النور من عند الله - سبحانه وتعالى - فانظر الى جحود ونكور الإنسان كيف يسخر النعمة للباطل وللفساد والإفساد ؟ هذه الإثارة التي تدخل فيها المجلة الرقيعة والقصة الوضيعة والتمثيلية المبتذلة والفيلم الإغرائي إلى آخر ما لا ينتهي حصراً ولا عداً ولا لوناً ولا شكلاً مما يُغزى به المسلمون في عقر دارهم .
      والعجب كل العجب ، والغرابة كل الغرابة ، والإندهاش كل الإندهاش من مجتمعات أو أسر إسلامية تسمح أو يسمح فيها رب الأسرة أن يشاهد أبناؤه أو بناته أو هو نفسه مثل هذه الامور ولا يرى في ذلك غضاضة ولا يرى فيها خطراً حتى إذا وقعت الفأس في الرأس كما يقولون ، قال من أنّى هذا ، سبحان الله .
      ألقاه في اليم مكتوفا وقال له **** إياك إياك أن تبتل بالماء
      كثير من الآباء وربما الأمهات لا يفكرون تفكيراً جاداً ولا ينتبهون إنتباهاً صحيحاً لما يكونون هم سبباً فيه وعاملاً رئيساً من عوامل وقوع أبنائهم في الأمور المحرمة أو وقعهم بعد ذلك فيما لا تحمد عقباه مما تترتب عليه مخاطر وأضرار كثيرة .
      العامل الثاني : التغريب الفكري والعملي
      بعض الناس اليوم نسي كل الإتجاهات الاربعة ولم يعرف الا الإتجاه الغربي، نسي الشمال والجنوب والشرق، ليس هناك الا غرب ، فقبلته إذا توجه للغرب، وفكره إذا فكر في الغرب ، وبعض الناس فتنوا بهذه الحضارة وبهرجها ونظروا الى أحوالهم على أنها هي التأخر والرجعية والتخلف، وغير ذلك من السمات والأوصاف، وأشاع بعض الناس من بعض الذين فتنوا من الكتاب أو القصاص أو المفكرين أشاعوا هذه القالة بين الناس وبين مجتمعات المسلمين فلا تقدماً الا في الغرب ولا حضارة الا في الغرب، ولا أدب ولا سلوك حضاري الا في الغرب الى آخر ذلك .
      وبعد هذا أيضاً الجانب العملي بما وقع أيضاً في كثير من بيئات المسلمين بالسفر المتكرر والإختلاط الدائم بهذه البيئات التي انحلت حتى تحللت فلم يبق فيها شيء يرتبط بشيء مطلقاً، فكثر السفر والسياحة الى تلك البلاد وشد كثير من المسلمين رجالاً ونساءً وأسراً وشباباً وشابات رحالهم وتوجهوا الى تلك البلاد وحصل من ذلك ما حصل من هذه الامور التي نعرفها .
      العامل الثالث : إستعباد المرأة
      الذي يسمونه تحرير المرأة، الذي سخر المرأة لتكون فتاة إعلام وفتاة غلاف وعرَّاها لينظر الى جمالها ثم يضحك عليها, وينصب هذه ملكة للجمال ، وتلك ملكة لجمال الورود ، وتلك ملكة لجمال الاشجار، والثالثة ملكة لجمال البحار ، الى غير ذلك مما يضطرب فيه العقل ويحار ، وكل ذلك كان من أعظم أسباب الفساد والإفساد حتى في تلك المجتمعات ومن قلدهم وللأسف من مجتمعات المسلمين .
      العامل الرابع : التسيب الإجتماعي
      على المستوى العام والخاص، على المستوى العام ما نراه – وللأسف - في كثير من البلاد الإسلامية من إقرار الإختلاط في التعليم في مراحله المختلفة، وسأذكر بعض ما يقولون من الأوهام والأباطيل مما يقال ويشاع بين الناس ، وإنه ليس هناك ضرر من هذا الإختلاط وأن العفة في القلب وأن الثقة يبنغي أن تعطى للفتاة وغير ذلك مما يقال، فهناك أيضاً في التسيب الإجتماعي على المستوى العام في هذه الدوائر .
      وهناك تسيب إجتماعي على المستوى الخاص في دائرة الأسرة ، فهذا ابن عمها وهذا ابن خالتها وهذا صديق بن عمتها حتى صار الرجال كلهم كالمحارم ، والعجب أيضاً ما يقع من التفريق الذي لا أساس له من الصحة ولا منطق له بالعقل، فتجد في بعض المجتمعات التي فيها بعض المحافظة تتحجب الفتاة ولا ترى الأجانب من الرجال لكن تكشف أو تتكلم أو لا تراعي هذه الأحكام الشرعية مع السائق أو مع الخادم وتقول هذا سائق أو هذا خادم أو العكس بالنسبة للشباب فيقول هذه خادمة أو هذه مربية، سبحان الله كل خادم أو سائق أو عامل أو تاجر هو في الآخر رجل، وكل مربية أو أستاذة هي في الآخر إمرأة، وهذه أيضاً من الامور والثغرات التي ترخص فيها الناس وجنوا من وراها الحنظل والعقلم والمر؟ فوض؟ من وراء ذلك ما وقعت من المشكلات والأمور التي تسمع بعضها أو قليلاً منها في مجتمعنا، ونسمع بالكثير الكثير في مجتمعات أخرى .
      العامل الخامس : التشديد والتعسير للمباح
      والذي يدفع الى التيسير في المحرم، فنعرف اليوم ما يشاع من أمور لا بد من توفرها للزواج ومهور غالية ولا بد من سكن شكله كذا ولا بد من أثاث لونه كذا ونحو ذلك، مما عقد الامور وصعبها حتى غدا النادر من الشباب من يستطيع الزواج الا بعد معاناة شديدة، وربما بعد الوقوع في حمأة الرذيلة بصورة أو بأخرى نسأل الله عز وجل السلامة والعافية .
      أوهام وشبهات
      بعض الأوهام والشبهات من التي يروجون بها في مثل هذه الثغرات، أسرد سرداً ثم أقدّر بعض التفصيل، فهذه الموجة الاعلامية الإنحلالية مقبولة بحجة الترفية والترويح عن النفس ولا شيء فيها لأن الإنسان ولأن الشباب والشابات عندنا بحمد الله عندهم عقل ، ولأن المجتمع عندنا - بحمد الله – محافظ .
      وهكذا نقول الأقوال الوهمية، والدعاوي غير الحقيقية ونغالط أنفسنا ثم نقف بعد ذلك أمام النتيجة المرّة وغير ذلك مما يقال، وأركز على جانب ربما واحد من هذه الجوانب يتعلق بالنساء على وجه الخصوص ومن يقوم على شؤنهن من الأزواج والآباء، أمر الحجاب فتجد كثيراً من الفوارق والمفارقات العجيبة، فهناك دعاوي كثيرة منها :
      أ ـ " الطهارة والعفة في القلب " .
      فيقولون أصحاب التضليل والإفساد في المجتمع لا تغرَّنك المرأة المحجبة التي قد تجلبت بالسواد وأرخت الحجاب على وجهها فكم من وراء الحجاب من فتاة تتوسل بهذا الحجاب إلى الفتنة أو إلى الفساد ، فهذه كلمات يقولونها وينمقونها، وكم من فتاة لا يضرها أن تكشف عن وجهها أو أن تحسر عن شعرها أو أن تبدي ذراعها الى آخر ذلك ؛ لأنها واثقة عن نفسها، وهذا الذي يصبونه في الآذان صباح مساء من خلال البرامج الإعلامية، هذه فتاة أنا واثقة بنفسي أنا مؤمنة بقدرتي وقوتي ثم بعد ذلك تزول هذه الثقة وتتحطم هذه القوة ويحصل ما يحصل مما يعلم .
      ب ـ " الفتاة ما زالت في سن الشباب فإذا كبرت تحجبت "
      وهذه كما يقولون البضاعة البائرة تزول في الحراج لا يريدها أحد فتحجبت بعد أن تكون عجوزاً ، لو لم تتحجب وهي عجوز ما نظر اليها أحد ، وما سال عنها أحد ولا تكلم معها أحد ، بل قد جاء التشريع القرآني بأن القواعد من النساء يختلفن عن غيرهن لأنهن لا ينظر اليهن ولا يرغب فيهن، فالحجاب إنما يكون للمرأة في سن الشباب، والعجب أنك ترى إمرأة كبيرة في السن عليها وقار الحجاب ونور التستر وسيماء الحشمة وهي تمسك في يدها إبنتها وقد تكشفت وتبرجت وتعطرت وتغنجت فإذا سئلت هذه المرأة المحجبة وهي الأم المربية قالت : دعها تتمتع بشبابها ؛ فإن العمر فيه فسحة ، وهذا أيضاً من الأمور العجيبة التي سرت - وللأسف - في مجتمعات المسلمين .
      ج ـ " كل ممنوع مرغوب "
      فإذا حجبنا المرأة رغبنا فيها وهذا من الأوهام والأباطيل ، فيقال أكشف عنها حتى تصبح أمراً عادياً ولا تلفت النظر ، سبحان الله فلوكان الامر كذلك فمن أين جاء الإغتصاب الذي سمع عنه هناك في تلك البلاد ، ولو كانت هذه القضية تنتهي الى هذا الحد الذي يتصورنه ببلادة ذهن وغباء عقل لما كان بين الرجل وزوجته عشرة ؛ لأنه سيألفها وسيراها ، وبالتالي تصبح عنده شيئاً كأنما هو جزء من الأثاث، هؤلاء يغالطون أنفسهم وينسون أصل خلقة الإنسان وفطرته، وهذه أيضاً من الامور التي تروج بين كثير من فتيات المسلمين .
      د ـ "سأتحجب لكن عندما اقتنع أولاً "
      هذا ما يقوله بعض الفتيات تقول نحن نريد أن تكون عندنا قناعة، نريد أن نثبت هذا بالعقل، بمعنى أنها لا تريد أن يكون الحجاب مجرد حكم شرعي وهذا لا شك انه من جهة أخرى أمر عظيم ، ولكن هل هي تريد أن تقنع حقيقة أم أنها تفرح ببعض جمالها وشبابها، تريد أن تغري الآخرين .
      هـ ـ " أريد أن أتبرج حتى أرغِّب بعض الشباب في الزواج مني "
      هذا ما تقوله بعض الفتيات، هل تعرض نفسها حتى يأتي كما يقولون فارس الاحلام فتتزوج ، فحينئذ - إن شاء الله - تتحجب وكذا ، نقول سبحان الله أي مبدأ هذا ، إذن هو مبدأ اليهود الذي يقول إن الغاية تبرر الوسيلة، وهذه تريد أن تتزوج ولكن ما الذي يضمن لها الا تختطف والا تغتصب، ما دامت معروضة لهذا الغرض فقد يأتي الغرض على غير ما تريد، وهذه كلها أباطيل وأحاييل إبليسية شيطانية .
      و ـ " الحجاب يعيق عن الحركة، والاجواء الحارة، أيضاً لها أثر في هذا"
      وهذا أيضا من توهيماتهم وأقوالهم المضللة، الى غير ذلك من أمور كثيرة ومن الأمور التي شاعت بين المسلمين وللأسف الشديد .
      المخاطر الناشئة عن ترك العفة
      وحقيقة أن التفصيل فيها بالإحصاءات والأرقام التي وقعت في المجتمعات التي تركت كل مبدأ وكل خلق وكل فضيلة، فضلاً أنها تركت كل دين وكل تشريع .
      1 ـ مخاطر أمنية
      فلم يعد هناك أمن على النساء ولا على الأعراض ولا على الأموال ، واختلط الحابل بالنابل في هذا الشأن، وهناك المخاطر الصحية من هذه الأمراض الفتاكة التي ابتلى الله - عز وجل - بها أولئك القوم .
      لأنه قد ورد في الحديث وإن تكلم فيه بعض العلماء بالضعف
      ( أنه ما فعل قوم فاحشة الا سلط الله عليهم الاوجاع التي لم تكن في أسلافهم )
      وهذا في الحقيقة واقع في هذا المجتمع المعاصر، وفي البيئات المنحلة الإباحية .
      2 ـ تغيُّر الفطرة الإنسانية
      بوجود الشذوذ من خلال هذه الإباحية التي تركت العفة والحصانة، ووجد أيضاً التخنث من الرجال للنساء، والإسترجال من النساء للرجال، وظهر ما يسمى بالجنس الثالث فلم تعد المرأة فيها حياء ورقة وأنوثة، ولم يعد الرجل رجلاً فيه شهامة وقوة ورجولة، ولم تعد الامور تتبين كما كان يقول الشيخ الطنطاوي في بعض كتبه حفظه الله انه ركب مرة في إحدى المواصلات العامة في بعض البلاد العربية الإسلامية، قال :
      " فرايت ما استطيع أن أقول رأيت رجلاً، قال : رأيت إنساناً لم يستطع أن يتبين هل هو رجل أم إمرأة ؟ " لشدة ما قد يختلط في هذا الجانب وهذا فساد عظيم .
      3 ـ تحطم الأسرة
      لم يعد هناك رباط زوجي لأنه لا داعي للزواج ما دام هذا الامر المباح المتاح، وتحطم الأسرة تحطم به المجتمع، وأيضا فوق هذا كله هناك ضياع للأطفال وتشردهم وسيرهم في الخط الإجرامي الذي يتوه فيه هؤلاء ويعبثون في المجتمع وأمنه .
      4 ـ قلة نسبة المواليد
      والإبتعاد من ضرورة هذه الإباحية عن الإنجاب وعن تكوين الأسرة الى غير ذلك مما يطول ذكره ويعلم من كثير من الاحوال، وعند كثير منكم أمره .
      و نسأل الله عز وجل أن يجنبنا هذه المخاطر، وأن يرزقنا العفة والحصانة لنا ولنسائنا ولأبنائنا وبناتنا ومجتمعاتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .




      المصدر : islameiat.com/
    • samsam كتب:

      بحث عن : العفة

      المحتويات :
      المقدمة .
      معنى العفة .
      عوامل تحقيقالعفة .
      ثمار العفة .
      ثمار عامة .
      عوامل تضييع العفة .
      أوهاموشبهات .
      المخاطر الناشئة عن ترك العفة .


      ------------------
      المقدمة :
      يأتي هذا الموضوع ضمن دروسسلفت لفضلاء من أهل العلم والمشايخ ، كان أكثرها يدور حول موضوع المرأة من الأسرةوبناء المجتمع الإسلامي في ظل هذه التغيرات العظيمة في المجتمعات المعاصرة وفي ظلالهجمة الشرسة على نظم الإسلام وتشريعاته وفي ظل الإنحرافات السلوكية الأخلاقيةالتي غزت بلاد الإسلام والمسلمين عبر الفضاء من خلال القنوات الإعلامية وعبرالمخالطة من خلال السفر والإختلاط ونحو ذلك الى أسباب أخرى كثيرة .
      وموضوع اليوم يتعلق بأساس مهم وركيزةعظمى من ركائز حفظ المجتمع المسلم ؛ لأن أمر العفة كما سيأتي عظيم وحتى ننتفعبالوقت ونحاول أن نلم بأطراف هذا الموضوع الذي يتشعّب في الحقيقة إلى موضوعات كثيرةجدير بكل منها أن يفرد بحديث مستقل .
      أولاً : معنى العفة .
      ثانياً : عواملتحقيق العفة .
      ثالثاً : ثمار ومنافع العفة حينما تتحقق في واقع المجتمع .
      رابعاً : عوامل تضييع العفة .
      خامساً : الأوهام والشبهات الباطلة المتعلقةبهذا الموضوع .
      سادساً : المخاطر والآثار السلبية الناشئة عن التفريط في العفة .
      معنى العفة
      العفة لغة : قال ابن فارسفي معجم مقاييس اللغة : " العين والفاء أصلان صحيحان، أصل الكلمة مبني على هذينالحرفين ، ويرجعان الى أصلين صحيحين ، الأول : الكف عن القبيح والثاني الدال علىقلة الشيء " .
      فأصل الكلمة يعود الى الكفّ عن القبيح ، وإلى معنى آخر وهوقلة الشيء ، وبينهما ربط يأتي الحديث عنه ، ثم قال : " العفة الكف عما لا ينبغيوالعفة، وهو الأصل الثاني بالضم هو بقية اللبن في الضرع " .
      أي هو الشيءالقليل كما مضى في الاصل الأول ، وقال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن : " العفةوصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة " .
      أي هذه العفة معنى يقوم بالنفس فيمنعفي غلبة الشهوة فيما حرم الله - سبحانه وتعالى - قال : " والمتعفف هو المتعاطيللعفة بضرب من الممارسة والقهر، وأصله أي أصل معنى العفة الإقتصار على تناول الشيءالقليل الجاري مجرى العفافة " .
      وهذا هو الضبط بين المعنيين فالعفةالكف عن الحرام ، ومن كف عن الحرام ؛ فإنه يأخذ القليل من الحلال يكفيه ويعفه ويحصلبه النفع له فيمتنع به الضرر عنه وعن غيره في بناء المجتمع المسلم ، وقال صاحب لسانالعرب : " العفة هي الكف عما لا يحل ويجمل " .
      الأمر هنا في كلامه أوسع ، فالمراد هوالكف عن المحرَّم وعن ما يجمل أيضاً أي عما يكون قبيحاً في أعراف الناس الصحيحة ،بمعنى العفة والكف عما لا يتفق مع الذوق العام الذي يكون مستهجناً في أوساط المجتمعالمسلم قال : " وعف عن المحارم والأطماع الدنية يعف عفة وعفا وعفافاً فهو عفيف وعفإذا كف، والإستعفاف وهو طلب العفة والعفاف " .
      وذلك وارد في حديث المصطفىصلى الله عليه وسلم : ( ومن يستعفف يعفه الله ) .


      وقال - جل وعلا - فيمحكم التنزيل : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً } .
      أي ليطلبوا العفةوالعفاف من طريقها الذي سنشير الى بعض معالمه وملامحه .


      العفة إصطلاحاً ومايتصل بمعناها
      " والإستعفاف هو طلب العفاف وهو الكف عن المحرم الذي حرمهالله - سبحانه وتعالى - والإكتفاء بما حل وإن كان قليلاً ؛ لأن القليل الذي أحلّهالله هو الذي يشبع الغريزة ويطمأِن النفس ولا يحتاج معه العاقل إذا عرف عواقبالأمور الى الزيادة عن هذا الحد المشروع " .
      في مقابل العفة معنى آخر وهو الخبيئةوالدناءة ، فثمة رجل عفيف ورجل دنيئ والعفة لا تقتصر في معناها على جنس دون جنس ،فليست العفة خاصة بالنساء دون الرجال بل إمرأة عفيفة ورجل عفيف وكذا فيما يقابله .
      ثم أيضاً فيما يتصل بمعنى العفة أن نعرف طبيعة النفس الإنسانية، فالنفس كماوصف النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض مناحيها ( أن ابن آدم لو كان له واد منذهب لابتغى ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى ثالثاً، ولا يملأ فم ابن آدم الاالتراب ) .
      فطبيعة النفس البشرية أنها لو تركت لهواها لا تشبع ، فالعفةالتي هي إقتصار على القليل الكافي هي أمر فيه نوع من التربية والتهذيب للنفس، أمالو تركت النفس كما تشاء فإنها لا تقتصر على العفة بل تتجاوز الى ما وراءها، فإذنالعفة تهذب النفس التي في أصل طبيعتها نهم وشغف لا ينتهي مطلقاً، وإن كان النهم فيبعض الجوانب يستحسن كما ورد أيضاً في حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - : (منهومان لا يشبعا طالب علم وطالب دنيا ) .
      فطلب العلم أصله صحيح والنهم فيهمحبوب، وطلب الدنيا أصله صحيح ولكن النهم فيه غير مرغوب لأنه لا ينتهى الى حد ومايزال الامل بالإنسان حتى يقطعه الأجل ، ولو مُدّ للأنسان لحظة ما في عمره لكان لهفيها آمال جديدة يضيفها الى سالف آماله ، فإذن لو تركنا النفس بطبيعتها لما انتهتإلى حد،كالشارب من ماء البحر لا يزيده شرب الماء بملوحته الا الزيادة في العطش ،فإذن لا بد من ضابط ، والضابط ما جاء في شرع الله من قليل نافع كاف حلال يحصل بهالمقصود ويتحقق به النفع، ومن ثم كان للعفة صلة في معناها بالتوسط والإعتدال،فالعفة عندما تقتصر على شيء وتترك شيء ؛ فإنها تبلغ الوسط الذي لا يبلغ الغاية منمداه ولا يحرم النفس مما تشتهيه وتحتاج إليه، فكانت العفة أيضاً درب من الوسطيةونوع من تحقيق المراد الذي تحتاج إليه النفس من غير إفراط ولا تفريط .
      عوامل تحقيق العفة
      و هذهالعوامل كثيرة وأبوابها متعددة، وحسبنا أن نشير الى الأسس المهمة منها مع تفريع علىبعض فروعها .
      العامل الأول : الإيمان
      فأعظم عاصممن المعاصي وأعظم رادع عن المحرمات، وأعظم مذكر دائم للإنسان يرافقه في سره وعلنهوفي حله وترحاله ، في شهوده وغيبه هو الإيمان بالله - عز وجل - الإيمان الذييُنشىء مملكة الضمير التي لا تفارق العبد المؤمن فتجعله دائماًً يستحضر أموراًمهمة من أعظمها وأجلها الخوف من الله ، والحياء من الله ، وتذكّر الآخرة .
      واستشعار عظمة الله تبعث على الخوف من الله ، وإستشعار نعمة الله تبعث علىالحياء من الله ، وإستحضار هول الآخرة يبعث على قمع الشهوة في النفس ودرءها عنتجاوز الحد، ولذلك كانت التربية الإيمانية والزاد الإيماني بأركان الإيمان الستةأعظم ما يقوي العبد على التزام أمر الله ويعينه على المصابرة والإمتناع عما حرمالله وسبحانه وتعالى .
      سئل بعض السلف من أهل الإيمان والصلاح والتقى كيفالسبيل إلى غض البصر ؟ قال
      " علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك الى ماحرم عليك "
      هل نحن نستحضر مراقبة الله - عز وجل - وإطلاعه علينا، ومعرفتهالتي أخبرنا بها في كتابه كما قال جل وعلا : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } .
      هل نتحقق بذلك ونستشعره في خفقات قلوبنا وخلجات أفكارنا وتصرفات جوارحنا؟
      أثر عن بعض السلف أنه كان يربي بعض الصغار من بني قرابته، فكان هذا الصغيرينظر إليه عابداً متهجداً ذاكراً تالياً داعياً لله - سبحانه وتعالى - فالتفت إليهذلك المربي يوماً وقال له :
      " إستحضر في قلبك وإن لم تنطق بلسانك أن تقول :الله شاهدي .. الله ناظري .. الله مطلع عليّ ،كلما هممت بهم أو فعلت فعلا فقل ذلكفي قلبك، قال : فما زلت أتعود ذلك وأنا صغير السن، فلما كبرت كان ذلك من نعمة اللهعليّ ومن عصمة الله لي " .
      ونحن نعلم أمثلة كثيرة منها المثلالقرآني العظيم الذي سطرته آيات القرآن في سورة كاملة في قصة يوسف - عليه السلام – { وراودته التي هي في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك } .
      جاءهذا التوجه الذي فيه كل الإغراء والإغواء مع الأمن والإحكام ، فقال يوسف عليهالسلام : { معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي } .
      ثم اعترفت وقالت : { ولقد راودته عننفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين } . فماذا كان جوابه؟ { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } .
      و ذكر ابن القيم في روضة المحبين قصةفي عهد عمر - رضي الله عنه - وهي تتعلق بشاب صالح كان عمر - رضي الله عنه - ينظرإليه ويعجب به ويفرح بصلاحه وتقواه ويتفقده إذا غاب ، فرأته إمرأة شابة حسناءفهويته وتعلقت به وطلبت السبيل إليه فاحتالت لها عجوز، قالت : أنا آتيك به ثم جاءتلهذا الشاب وقالت له : إني إمرأة عجوز ، وإن لي شاة لا أستطيع حلبها فلو أعنتني علىذلك لكان لك أجر، قال ابن القيم في سياق القصة : وكانوا أحرص ما يكونون على الأجر ، فذهب معها، ولما دخل البيت لم يرى شاة ، قال : الآن آتيك بها ، فظهرت له المرأةالحسناء فاستعصم عنها وابتعد منها ولزم محراباً يذكر الله - عز وجل - فتعرضت لهفلما آيست منه دعت وصاحت ، وقالت : إن هذا هجم علي يبغيني عن نفسي ، فتوافد الناسإليه فضربوه ، فتفقده عمر في اليوم التالي فأوتي إليه به وهو موثوق ، فقال عمر :اللهم لا تخلف ظني فيه ، فقال للفتى أصدقني الخبر فقص عليه القصة فأرسل عمر إلىجيران الفتاة ، ودعى بالعجائز من حولها حتى عرف الغلام تلك العجوز ، فرفع عمر درّتهوقال أصدقيني الخبر، فصدقته لأول وهلة ، فقال عمر : " الحمد لله الذي جعل فينا شبيهيوسف " .
      هكذا أورد ابن القيم هذه القصة - رحمه الله - والأمر في ذلك كماقلت يطول .
      ومن ذلك الحديث الصحيح الذي ورد فيالنفر الثلاثة الذي آواهم الغار فسقطت صخرة فأغلقت عليهم باب الغار فدعوا بأفضلالأعمال التي تقربوا فيها وأخلصوا فيها لله، فكان من قول أحدهم : اللهم إنه كانت ليابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فأردتها عن نفسها فأبت حتى إذا مرتبها سنون ـ يعني حالة من فقر ، جاءتني في مائة وعشرين ديناراً وتخلّي بيني وبيننفسها فلما تمكنت منها ـ وفي رواية - فلما قعد بين شعبها قالت : اتق الله ولا تفكالخاتم الا بحقه ، قال : فقمت عنها خوفاً من الله عز وجل بعد أن تمكنت منها، فاللهمإن كنت قد عملت هذا العمل اتقاء وجهك ففرج عنا ، فكان هو آخر الثلاثة كما ورد فيالحديث .
      العامل الثاني : التشريعات
      الأحكامالتشريعية التي جاء بها الإسلام ، يقول الله عز وجل { ألا يعلم من خلق وهو اللطيفالخبير } .
      الأحكام التي جاءت في الإسلام تتفق مع فطرة الإنسان ، وتحققالمصالح ، وتمنع المفاسد ، فهي تحقق أعلى المصالح وتدرأ أدنى وأقل المفاسد فضلاًعما هو أكثر منها ، ويمكن أن نسلط الضوء على هذه التشريعات من جوانب ثلاثة :
      أولاً : التشريعات الوقائية
      وهومتمثل في التشريعات الوقائية ؛ فإن الإسلام حرّم كل الدواعي والطرق والوسائلوالمرغبات والمقربات من الحرام ، ومما يحرج العفة ويضيعها ، فحرّم النظر لغيرالمحرم ولما حرم الله - عز وجل - وفي هذا ما نعلم من قول الله عز وجل : { قلللمؤمنين يغضوا من أبصارهم } .. { قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } .
      والنبي - عليه الصلاة والسلام - قال : ( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ) هذاالنظر قد حرمه الله عز وجل .
      وحاسة السمع أيضاً لها تأثير، فجاء الشرعأيضاً يضبط أمرها، لأن بشار بن برد وكان من فحول الشعراء وكان أعمى، فكان يقولأبياتاً في الغزل والحب والعشق والغرام فسئل عن ذلك وكيف يصف هذه الاوصاف وهو كفيفالبصر فقال :
      يا قوم أُذني لبعض الحي عاشقة **** والأذن تعشق قبل العينأحياناً


      ولذلك قال الله - عز وجل - في شأن نساء المؤمنين ، وفي شأنأمهات المؤمنين على الخصوص { ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } .
      القول المتأنك المتكسر المتميع له وقع في السمع ، وأثر في القلب ، وإبقاءللشهوة ، وميل إلى المحرّم فمُنع ذلك ، والأنف وحاسة الشم أيضاً ورد فيها حديثالنبي صلى الله عليه وسلم : ( أيما إمرأة خرجت متعطرة ليجد الرجال ريحها ما زالتالملائكة تلعنها حتى ترجع ) .
      أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - وهذهالرائحة أيضاً لأن لها تاثيراً ، بل حتى الصوت قد جاء النهي عنه في قول الله عز وجل : { ولا يضربن بأرجلهن } .


      حتى لا يسمع ذلك الصوت الذي يكون فيالخلخال فيلفت النظر أو يدعوا إلى الفتنة ونحو ذلك ، ثم اللمس فقد ورد النهي عنه فيمصافحة الرجال النساء .
      وقد كان هذا فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيثورد عنه في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع النساء وما مست كفه كف إمرأة لاتحل له قط .
      وهذا كله من أسباب الوقاية والضبط، حينئذ كل هذه الحواس لهاأثر على القلب، فالعين تنظر لكن القلب يتأثر، والأذن تسمع والقلب يتغير، والأنف يشموالقلب هكذا ، فإذا وضعت هذه الحدود والحواجز كما يقولوا خطوط الدفاع الاولىوالثانية والثالثة هذه صمامات الأمان فمن أخذ بها وقي بإذن الله عز وجل .
      ومن التشريعات الأخرى أيضاً التحريمالمطلق للخلوة، كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
      ( إياكم والدخولعلى النساء، قالوا يا رسول الله : أرأيت الحمو، قال الحمو الموت )
      وكذلكالنهي عن الإختلاط بما يحمله من المعاني التي تقع بها كثير من أسباب الفساد، ومنالأحكام أيضاً أحكام حجاب النساء إذا خرجت المرأة لحاجة أو إذا اضطرت الى أن تقضيبعض أمورها فإنها مدعوة لحكم الله عز وجل أن تتحجب، فهذا الحجاب أيضاً هو تشريع منتشريعات الوقاية والأمن والسلامة، وكما يقال الآن : " درهم وقاية خير من قنطار علاج " .
      ودائماًً يقولون : " السلامة قبل وقوع المصيبة " ؛ لأن العلاج بعدالمرض أصعب من بعض الأسباب قبل المرض، ولذلك يدعونا الى تطعيم الاطفال ما هي هذهالتطعيمات ؟ تطعيمات وقائية قبل حصول المرض، حتى يكون الجسم مستعداً فإذا جاء المرضكان على أهبة الإستعداد لمواجهته وصده بإذن الله - عز وجل - وهذه أيضاً تشريعاتوقائية كثيرة، هذا والدعوة للنساء بأن يكنّ غير مختلطات بالرجال { وقرن في بيوتكنولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .
      وهذه تشريعات وقائية .
      ثانياً : التشريعات الإجتماعية
      وثمةأيضاً جانب آخر وهو التشريعات الإجتماعية ؛ فإن الإسلام أيضاً جاء بتشريعاتإجتماعية تحفّظ للمجتمع وعلى المجتمع أمنه وسلامته وصيانته بإذن الله عز وجل .
      أبرز هذه التشريعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس هناك " ليس لي دخل " في الإسلام لا يوجد هذا الامر كل إنسان مسؤول ، وكل مطالب بأن يقول كلمة الحق ،وأن يؤدي أمانة النصيحة ، لماذا ؟ لأن المرأة المتبرجة أمر الرجل ، الذي يؤذيالنساء في المجتمع لا يضر نفسه ولا يضر هذه المرأة ولا تضر المرأة الرجل، وإنمايعود الامر على الجميع ، إذاً فالمضرة تلحقني وتلحقك وتلحق الثاني والثالث، فإذا لميقم الناس بهذا الامر وهذا التشريع الإجتماعي ؛ فإن الآثار الوخيمة تتسع حتى تشملكل أحد ولا ينجو منها بعد ذلك الا من رحم الله .
      ولا ينجو منها الناجي الا بصعوبة ومشقةوعناء ؛ فإن عالم اليوم نعرف ونرى ونحس ونلمس أنه يغزو الصالحين في عقر بيوتهم ،يغزوهم وهم في الشوارع سائرون لقضاء حوائجهم أو ذاهبون للأسواق لشراء حاجاتهم ، فيأي جانب من الجوانب أصبح الغزو ياتيك يمنة ويسرة ، عبر الفضاء ومن تحت الارض ، عبرالاذن سماعاً ، وعبر العين رؤية ، وعبر أمور كثيرة متنوعة متعددة ، لمَ ؟ لأن الناسغضوا الطرف أولاً ومرروا المنكر اليسير حتى صار عسيراً إنكاره ، ثم بعد ذلك تفاقمالامر واتسع الخرق على الراقع .
      الآداب التشريعية الإجتماعية التييتسائل الناس ويترخصون منها مثل الإستئذان وتربية الاطفال وتعويدهم على هذه الامور،والتفريق بين الاخوة من الذكور والإناث في المضاجع كما أخبر النبي - صلى الله عليهوسلم - ( وفرقوا بينهم في المضاجع لعشر ) .
      هذا الامر كله من التشريعاتالمهمة في هذا الجانب .
      ثالثاً : التشريعات العقابية
      من لميلتزم هذه الحواجز وتلك الآداب ، ولم يستمع للنصيحة ، ثم تجاوز الحد ووقع في المحرمتأتي تشريعات الحدود على إختلاف أنواعها الزاني المحصن والزاني غير المحصن ومايتعلق بالجلد والتغريب أو الرجم ، أو كل الأحكام المتعلقة بهذه النواحي لتكونرادعاً ولتكون عبرة لكل من تسوِّل له نفسه أو يدعوه شيطانه الى إرتكاب المعصية أوخرق جاجز العفة في المجتمع، إذاً هذه أيضاً التشريعات أو العامل الثاني وهو عاملالتشريع .
      العامل الثالث : التربية وأسسها
      والتربية أمرها عظيم، فإن الإيمان النظري الذي نحفظه نصوصاً ونقرأه علماً، وإنالتشريعات التي نعرف فقهها ونتقنها تفريعاً لا تفيد عنا شيئاً إذا لم تحصل التربيةوالإلتزام بها .
      الأساس الأول : المجاهدة والتعبد
      لا بد لنحصل العفة أن نحرص على عمق وقوة وحسن دوام الصلة بالله - عز وجل - أن نكثرالتلاوة والذكر والدعاء أن نكثر الصلاة والمناجاة والتبتل والتضرع، أن نكثر الصوموكل عبادة من العبادات التي تتطهر بها النفس ، ويتزكى بها القلب ، وتنحصر وتضييقفيها مجاري الشيطان ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يا معشر الشبابمن استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ؛ فإنهنوع من العلاج والتربية ، وقال : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فيالعروق فضيقوا مجاريه بالصوم ) .
      الأساس الثاني : التنشأة والتعود
      وهذا يتعلق بالصغار ونلمحه باختلاف البيئات ، بيئة لا تراعي تربية إسلامية، ففتاةالعاشرة عندهم صغيرة السن ، وقد تكون في الثانية عشر وهي ما زالت طفلة وتبلغالرابعة عشر ولا بأس ولا زالت دون السن الذي يعتقدون أنها تكون فيه في مبلغ النباتأو البالغات ، وكذلك الطفل يظل طفلاً ويدخل على النساء من المحارم وغير المحارم وهوفي العاشرة ثم في الثانية عشرة ثم في الخامسة عشر ، فهذا التسبب تلحظه عند من لايحسن ولا يلتزم التربية الإسلامية .
      بينما تجد البيئة الإسلامية الصغيرةالتي في الخامسة من عمرها ترى أمها وترى بيئتها تتحجب وتلتزم فتطلب الصغيرة الحجابقبل وقتها ، وتشعر وتعرف وتدرك بالفطرة التربوية على العادة إن ترك الحجاب أمر قبيحفتنظر الى المرأة غير المحجبة على أنها تفعل فعلا قبيحا، وعلى أنها ليست كأهلهاوليست كأمها أو أختها أو خالتها فهذا الشعور يعرفه الصغير بالتنشأة والتعود :
      وينشا ناشئ الفتيان فينـا **** على ما كان عوده أبوه
      أما من لم ينشا على هذه التنشأةثم بعد ذلك نأتي له ونقول هذه آيات القرآن وهذه أحاديث كيف وقد عاش هذه البيئة، كيفوقد مارس هذه الممارسة وهذا أيضاً أمر مهم .
      الأساس الثالث : المعرفة والتعليم
      ينبغي أن نعلم الشباب في أول مراحل العمل، في أول تفتح الذهن بهذه المعاني المتعلقةبالأجر والثواب
      ( سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله ... وشابدعته إمرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ) .
      ( ثلاثة حق على اللهأن يعينهم … والمتعفف يبغي النكاح ) .
      كما ورد في الحديث عن النسائي في سننه،فإذن نعلم ونعرف بهذه المعاني وبأجره عند الله ، ونعرف أيضاً ونعلم بما يعتاد هذاحتى يكون هناك تأسيس صحيح .
      الأساس الرابع : التفكّر والتطلّع
      القضية التربوية دائماً تعتمد على إحلال الخير محل الشر ، وإن الفراغ بحد ذاته دربمن الشر ؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ، ينبغي أن نعود الشبابفي أول عمرهم على أن تكون أفكارهم وتطلعاتهم وطموحاتهم ترقى إلى رقي الإسلام والىالآفاق الواسعة، لا كما يشيع اليوم في صفوف الشباب من أثر هذه الهجمات التي أشرتاليها، فإذاً كل فكره الفتاة التي يحبها والهندام الذي يتزين به أو العطر الذييتعطر به أو التسريحة التي يسرحها شعره .
      وعلى ذلك قس في جانب الفتيات ما هوأعظم وأدهى الوان للعيون زرقاء وخضراء وألوان الصبغات الشعر من شقراء الى غير ذلكمن أمور كل هذا أصبح هو الذي يمأ الفكر ويشغله، أين رسالة الإسلام ؟ أين التفكير فيالعلم ؟ أين قوة البدن ورياضة الجسم ؟ أين الارتباط بمآسي المسلمين والتفكر فيأحوالهم ؟ لو شُغِل الشباب وعُوِّدوا أمر الفتيات على هذه المعاني لكان هناك مايسمى بنظرية التسامي في التربية التي يسمو فيها الإنسان على الشهوات الطبيعيةالفطرية التي إذا أتيح لها الفرصة تتمكن من الإنسان، وإذا شغل الإنسان نقسه بغيرهالم يكن لها ذلك الظهور التي تتحكم فيه .
      وأضرب لذلك مثالاً هذه الشهوات معالإنسان في كل وقت لكنها تضعف في وقت وتظهر وتبرز في وقت، الطالب أو الشباب في سنالطلب من الفتيان والفتيات، معلوم كما قلت ما يشغل بالهم من أثر هذه المؤثرات، لكنإذا جاء وقت الإختبارات ماذا يحصل ؟ لأن عندهم عملاً مهماً وجهداً يبذلونه في هذاالعمل وتفكيراً ينشغلون به وإهتماماً قلبياً ونفسياً يتوجهون به الى هذهالإختبارات، في ذلك الوقت وفي هذه الفترة تجد أنهم يدعون مثل هذه الامور جانباًوراء ظهورهم، إذن الامر كذلك في كل وقت لو أننا إستطعنا هذا، وعلى الشاب وعليناأيضاً أن نغرس هذه المعاني .
      الأساس الخامس : القوة والإنتصار
      تحصل بقوة الإرادة التي ينتصر بها الإنسان على الدواعي التي تدعوه فيكون حينئذأسيراً أو عبداً لشهواته، نأخذ مثلاً مقارباً فبعض الناس من أصحاب النهم في الطعامإذا أردت أن تعذبه تمنع منه الطعام أو تقلل كميته، ولو أردت أن تأخذ منه أي شيءامنع عنه الطعام أو قلل كميته ثم أطلب منه شيئاً فسيتنازل ، لماذا ؟ لأن فكره الأولوالأخير هو في هذا ، فإذا منع منه يمكن أن يعطي من ماله ممكن أن يعطي ممكن أنيتنازل، المهم أن ينال طلبه، وكذلك في جانب شهوة الجنس، فمن كانت هي كل همه وأعظمشغله فانه قد يبيع أخلاقه، يبيع دينه، يضيع ماله، يسيء إلى سمعته، يسيء إلى أهله .
      لكن كل ذلك يغطي عن عقله ؛ لأنه جعلنفسه أسيراً لهذه الشهوة، متى يكون قوياً ؟ ليس القوي الذي يتبع شهوته بل القوي هوالذي يملكها، كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديدمن يملك نفسه عند الغضب ) .
      هذا مقياس تربوي مهم ، لا بد لنا أن ننتبه لهوأن نربط أيضاً أنفسنا بوعد الله - عز وجل - : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } .
      العامل الرابع : التوعية
      وما أدراكما هذه التوعية التي نحتاج اليها ! وللأسف في كثير من مجتمعات المسلمين نجد هذهالتوعية عكس المطلوب، التوعية التي نقصدها أن نعزز المنافع والمصالح التي تنشأ منالعفة ومن التزام أمر الله - عز وجل - ليس بمجرد قول الله وقول رسوله - صلى اللهعليه وسلم - وإن كان هذا يكفي المؤمنين ، لكن فيما يضاف الى ذلك من أمور مصلحيةحياتية ، فإنه كما سأعرض لبعض الثمار والمصالح تحصل منافع كثيرة .
      عندمايطبق الإنسان شرع الله - عز وجل - وفي المقابل ينبغي أيضاً أن نبين الآثار السلبية،أن نوعي المجتمع والشباب والشابات بأن ما يدور في أفكارهم وما تطمح إليه نفوسهمبعيداً عن منهج الله - عز وجل - سيعود ضرره عليهم عاجلاً أو آجلا، أمراضاً فيأجسامهم وقلقاً في نفوسهم وإختلالاً في منهجهم، إلى غير ذلك من الأمور التي أبتليبها من تركوا أمر الله - عز وجل - ويصدُق في هذه الاوضاع كلها شطر آية من كتابالله عز وجل : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً }
      ضنك يحصل فيالإقتصاد وفي الإجتماع وفي الأمن وفي كل جانب من جوانب الحياة عندما يتخلف الناسعنالتزام شرع الله عز وجل، وإذن هذه التوعية أمرها مهم .
      العامل الخامس : الإستعانة
      وأعظمبالإستعانة بالله عز وجل ؛ فإن هذا الزمان زمان فتن، وإن هذا الزمان زمان شهواتومغريات ، وزمانٌ صار فيه شياطين الإنس أعظم كيداً ومكراً من شياطين الجن وتفننالأبالسة ليصرفوا الناس عن دينهم وعن عفتهم و عن أخلاقهم حتى جاءوا بما لا يتصورهالعقل وبما يترفع عنه الحيوان البهيمي ، حتى جاءوا بما لا يتفق مع الإنسانية فيقليل ولا كثير، فلا بد للانسان أن يستعين بالله - عز وجل - وأن يكثر الدعاء ، وأنيكثر الإلتجاء الى الله عز وجل حتى يصون نفسه عما حرَّم الله وحتى يقوي عزمه فيمواجهة هذه المغريات والمثيرات وحتى يسهل له ما يعف به عن نفسه .
      العامل السادس : الأخذ بالمباح
      لأنهذه الفِطَر والغرائز أمرٌ من أصل خلقة الله - عز وجل - لا يمكن تجاهلها ومن أعظمأسباب العفة تصريف الغرائز البشرية الفطرية الطبيعية فيما أحل الله عز وجل، ومن هذاالمباح أمر الزواج، الزواج المبكر الميسر فانه لو فتح هذا الباب لانسدت أبواب منالشر عظيمة ، ولو فتح هذا الباب لسكنت النفوس وغضت الأبصار وعفت الألسنة وانقمعتالفتنة وانزوت الشهوة وزال كثيرٌ وكثيرٌ وكثيرٌ من الأمور التي تشكو منها مجتمعاتإسلامية كثيرة، يبلغ الشاب في سن الخامسة عشرة ولا يتزوج الا في الثلاثين في غالبالاحوال فيكون هذا الزمن الممتد عرضة لتحطيم الحواجز وخدش الحياء وتضييع العفة ،وتبلغ الفتاة في العاشرة أو الثانية عشر ولا تتزوج الا في العشرين أو الخامسةوالعشرين .
      ونرى ونعلم ما يحصل أيضاً من تجاوز هذهالحدود العمرية سواء في الشباب أو الشابات في بعض المجتمعات الإسلامية التي يعجزفيها الفتى أن يتزوج حتى يبلغ الخامسة والثلاثين بل الأربعين ، وتعجز الفتاة عنالزواج حتى الثلاثين وبعد الثلاثين ، وليس هذا كلاماً جزافاً بل كلنا نعلمه فيمجتمعات كثيرة ونلمسه ونراه ونعرفه في كثير من بيئاتنا ومجتمعاتنا وذوي قرابتنا، ثمنستسلم أو نقول بالأقوال التي يروجها بيننا دعاة الباطل : الزواج المبكر هذا الذيلا يتناسب مع مقتضيات العصر، لا يتناسب مع هذا الوعي والفكر الذي لدى هذا الشابالصغير والفتاة الصغيرة ونحو ذلك، والتعسير الذي يقع في الزواج وما يحصل منه وإذنبالإجمال من أهم الأسباب الأخذ بالمباح من الزواج المبكر الميسر، وكذلك حتى من بابأو من أبواب التعدد العادل النافع ؛ فإن شرع الله - عز وجل - أتى بما ينفع ويشفيوبما يدفع الضر ويبعد الأذى عن المجتمع المسلم .
      هذه بعض العوامل الرئيسةالتي بها تتحقق العفة في المجتمع الإسلامي الإيماني .
      ثمار العفة
      ماذا نجني عندمانحقق هذه العفة ونلتزمها ونشيعها بين شبابنا وشاباتنا .
      الثمرة الأولى : السلامةمن الفواحش
      والفاحشة هي الأمر الذي يفحش أي الذي يتجاوز الحد وتعافه النفسوالفطرة السوية ، قال الله - عز وجل - : { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساءسبيلاً } .
      فإذن التزامنا بتلك التشريعات وبتلك الجوانب التي ذكرناها،تربية إيمانية، تشريعات وقائية، و تربية إسلامية، وتوعية تنبيهية تحذيرية، وإستعانةبالله عز وجل، كل هذه العوامل ستجعلنا بمنأى عن هذا الدرك والهاوية الخطيرة السحيقة .
      الثمرة الثانية : السلامة من أضرار الفواحش
      وما أدراك ما أضرار الفواحش ! الذي يتضح به العالم الغربي الذي كسر حواجزالعفة من أمور الأمراض الجنسية المعروفة التي حيرت عقولهم ودمرت صحتهم وفتكت بهموزرعت بينهم الخوف والرعب والتي سبتهم حتى حرية ولذة الاستمتاع الذي كانوا يسعونإليها ويجرون وراءها وكلفتهم وراء ذلك الضرائب العظيمة الضخمة من إقتصادهم وأموالهمالتي أُهدرت بملايين الملايين في إجراء الأبحاث والتماس العلاجات والطب ومراكزالابحاث وغير ذلك من الأمور، إضافة الى ما ينشأ عن ذلك من إختلال والإغتصاب مماسياتي ذكره في الشق الآخر .
      الثمرة الثالثة : نقاء المجتمعوطهارته
      فإذا وجدت هذه العفة لم تر إمرأة متبرجة ولا شاباً متسكعاً، رأيتجِداً في الشباب وعفة في الفتيات، رأيت مجتمعاً ظاهراً نقياً، ليس فيه ذلك الإبتذالولا تلك الدناءة والخسة .
      الثمرة الرابعة : قوة الإرادة
      يقولالله - جل و علا – { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هممبصرون }
      هذه العفة التي تعصم من الحرام تجديد وتقوية وزيادة للإيمان .
      الثمرة الخامسة : النجاة من النار
      العفة سبب من أسباب النجاة من النار كما ورد في حديث أخرجه أبو يعلى في مسندهوالطبراني في معجمه وتكلم بعض أهل العلم في بعض رجاله من أنهم غير معروفين قال فيهالنبي - عليه الصلاة والسلام - : ( ثلاثة لا ترى أعينهم النار عين حرست في سبيلالله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله ) .
      الثمرة السادسة : بقاء اللذة وحتى الخامسةوالسبعين
      وهي من أعظم الفوائد ؛ لأن الذين يجرون وراء الشهوات يفقدونصحتهم ويفقدون قوتهم التي يفقدون بها هذه اللذة الجنسية، ولذلك أثبتت البحوثالعلمية أن القوة باقية ومستديمة بهذا الإعتدال الذي ينشا أولاً عن الإبتعاد عنالحرام ، ثانياً : عن العفة بمعناها الذي ذكرناه وهو الإقتصار على القليل النافعالمفيد والإبتعاد عن الكثير الضار ؛ لأنه كما يقولون كلما زاد عن حده إنقلب الىضده، فهذه مجتمعات الغرب تركت الحبل على غاربه فليس هناك عندهم شيء ممنوع ولا محرم ، زنا ولواط وشذوذ ونحو ذلك، فماذا انتهى إليه أمرهم إنتهوا الى أمراض فيها البرودالجـنـسـي والى أمراض الضعف والآن ببحوث عن علاجات تقوي صحتهم الى غير ذلك منالأمور .
      ولذلك جاء في بعض الأبحاث الطبية يقولأحد الاطباء : إنه رأى شيوخاً ناهزوا الخامسة والسبعين وهم لا يزالون في كامل قوتهموصحتهم ، وهم قادرون على المعاشرة والإنجاب في هذا الباب، فعندما أجريت الأبحاثوسئل هؤلاء فكانت أولا أنهم لم يجعلوا أمراً لم يمارسوا العادة السرية في فترةشبابهم، وعندما بلغوا مبلغ الرجال لم يدخلوا في أبواب الحرام، وعندما تزوجوا أخذوابالتوسط والإعتدال ثم ابتعدوا عن الامور التي يستخدمها الناس من هذه الامور الطبيةفأبقى الله - عز وجل - لهم هذه الصحة ؛ لأن هذا المنهج هو الطبيعي المتوافق معالفطرة .
      ثمار عامة
      و من الثمار العظيمة -أيها الإخوة - ما يتعلق بكل ما قيل في ثمار الطاعة وحلاوتها ، وما يتعلق بنورانيةالقلب ، وما يتعلق بهذه المحاسن الكثيرة والمنافع العديدة التي تاتي في باب تركالمعاصي والتزام أمر الله وسبحانه وتعالى ، من قوة القلب وطيب النفس ونعيم القلبوإنشراح الصدر ، وسلامة الأرض من مخاوف الفساق والفجار وقلة الغم والهم والحزن وعزةالنفس عن احتمال الذل وصون نور القلب أن تطفئه ظلمة المعصية وآثارها الوخيمة .
      عوامل تضييع العفة
      و هي فيالجملة عكس ما قلناه في عوامل تحقيق العفة، لكني أشير اليها في أمور محسوسة ملموسةمما نعيشه في واقعنا وفي واقع مجتمعات المسلمين في كثير من بلادهم وبقاءهم، من أهمهذه العوامل :
      العامل الأول : الإثارة الإعلامية المحرمة
      وهذه اليوم هيمن أعظم أسباب تضييع العفة وتهييج الشهوة والدعوة إلى الفسق والفجور وخاصة ما جاءللناس من بلاد القنوات الفضائية ، وما يبثه أهل الكفر وأهل العهر من الكفرةوالفاسقين والمنحلين الى الفضاء، والذي خلقه الله لننتفع به فسخره أهل الباطل ليكونمصدراً للفساد، وهو المصدر الذي نزل منه الوحي ونزل منه النور من عند الله - سبحانهوتعالى - فانظر الى جحود ونكور الإنسان كيف يسخر النعمة للباطل وللفساد والإفساد ؟هذه الإثارة التي تدخل فيها المجلة الرقيعة والقصة الوضيعة والتمثيلية المبتذلةوالفيلم الإغرائي إلى آخر ما لا ينتهي حصراً ولا عداً ولا لوناً ولا شكلاً ممايُغزى به المسلمون في عقر دارهم .
      والعجب كل العجب ، والغرابة كل الغرابة ، والإندهاش كل الإندهاش من مجتمعات أو أسر إسلامية تسمح أو يسمح فيها رب الأسرة أنيشاهد أبناؤه أو بناته أو هو نفسه مثل هذه الامور ولا يرى في ذلك غضاضة ولا يرىفيها خطراً حتى إذا وقعت الفأس في الرأس كما يقولون ، قال من أنّى هذا ، سبحان الله .
      ألقاه في اليم مكتوفا وقال له **** إياك إياك أن تبتل بالماء
      كثير من الآباء وربما الأمهات لا يفكرون تفكيراً جاداً ولا ينتبهون إنتباهاً صحيحاًلما يكونون هم سبباً فيه وعاملاً رئيساً من عوامل وقوع أبنائهم في الأمور المحرمةأو وقعهم بعد ذلك فيما لا تحمد عقباه مما تترتب عليه مخاطر وأضرار كثيرة .
      العامل الثاني : التغريب الفكريوالعملي
      بعض الناس اليوم نسي كل الإتجاهات الاربعة ولم يعرف الا الإتجاهالغربي، نسي الشمال والجنوب والشرق، ليس هناك الا غرب ، فقبلته إذا توجه للغرب،وفكره إذا فكر في الغرب ، وبعض الناس فتنوا بهذه الحضارة وبهرجها ونظروا الىأحوالهم على أنها هي التأخر والرجعية والتخلف، وغير ذلك من السمات والأوصاف، وأشاعبعض الناس من بعض الذين فتنوا من الكتاب أو القصاص أو المفكرين أشاعوا هذه القالةبين الناس وبين مجتمعات المسلمين فلا تقدماً الا في الغرب ولا حضارة الا في الغرب،ولا أدب ولا سلوك حضاري الا في الغرب الى آخر ذلك .
      وبعد هذا أيضاً الجانب العملي بما وقعأيضاً في كثير من بيئات المسلمين بالسفر المتكرر والإختلاط الدائم بهذه البيئاتالتي انحلت حتى تحللت فلم يبق فيها شيء يرتبط بشيء مطلقاً، فكثر السفر والسياحةالى تلك البلاد وشد كثير من المسلمين رجالاً ونساءً وأسراً وشباباً وشابات رحالهموتوجهوا الى تلك البلاد وحصل من ذلك ما حصل من هذه الامور التي نعرفها .
      العامل الثالث : إستعباد المرأة
      الذي يسمونه تحرير المرأة، الذي سخر المرأة لتكون فتاة إعلام وفتاة غلاف وعرَّاهالينظر الى جمالها ثم يضحك عليها, وينصب هذه ملكة للجمال ، وتلك ملكة لجمال الورود ،وتلك ملكة لجمال الاشجار، والثالثة ملكة لجمال البحار ، الى غير ذلك مما يضطرب فيهالعقل ويحار ، وكل ذلك كان من أعظم أسباب الفساد والإفساد حتى في تلك المجتمعاتومن قلدهم وللأسف من مجتمعات المسلمين .
      العامل الرابع : التسيب الإجتماعي
      على المستوى العام والخاص، على المستوى العام ما نراه – وللأسف - في كثير من البلادالإسلامية من إقرار الإختلاط في التعليم في مراحله المختلفة، وسأذكر بعض ما يقولونمن الأوهام والأباطيل مما يقال ويشاع بين الناس ، وإنه ليس هناك ضرر من هذاالإختلاط وأن العفة في القلب وأن الثقة يبنغي أن تعطى للفتاة وغير ذلك مما يقال،فهناك أيضاً في التسيب الإجتماعي على المستوى العام في هذه الدوائر .
      وهناك تسيب إجتماعي على المستوى الخاصفي دائرة الأسرة ، فهذا ابن عمها وهذا ابن خالتها وهذا صديق بن عمتها حتى صارالرجال كلهم كالمحارم ، والعجب أيضاً ما يقع من التفريق الذي لا أساس له من الصحةولا منطق له بالعقل، فتجد في بعض المجتمعات التي فيها بعض المحافظة تتحجب الفتاةولا ترى الأجانب من الرجال لكن تكشف أو تتكلم أو لا تراعي هذه الأحكام الشرعية معالسائق أو مع الخادم وتقول هذا سائق أو هذا خادم أو العكس بالنسبة للشباب فيقول هذهخادمة أو هذه مربية، سبحان الله كل خادم أو سائق أو عامل أو تاجر هو في الآخر رجل،وكل مربية أو أستاذة هي في الآخر إمرأة، وهذه أيضاً من الامور والثغرات التي ترخصفيها الناس وجنوا من وراها الحنظل والعقلم والمر؟ فوض؟ من وراء ذلك ما وقعت منالمشكلات والأمور التي تسمع بعضها أو قليلاً منها في مجتمعنا، ونسمع بالكثير الكثيرفي مجتمعات أخرى .
      العامل الخامس : التشديد والتعسير للمباح
      والذي يدفع الى التيسير في المحرم، فنعرف اليوم ما يشاع من أمور لا بد منتوفرها للزواج ومهور غالية ولا بد من سكن شكله كذا ولا بد من أثاث لونه كذا ونحوذلك، مما عقد الامور وصعبها حتى غدا النادر من الشباب من يستطيع الزواج الا بعدمعاناة شديدة، وربما بعد الوقوع في حمأة الرذيلة بصورة أو بأخرى نسأل الله عز وجلالسلامة والعافية .
      أوهام وشبهات
      بعض الأوهاموالشبهات من التي يروجون بها في مثل هذه الثغرات، أسرد سرداً ثم أقدّر بعض التفصيل،فهذه الموجة الاعلامية الإنحلالية مقبولة بحجة الترفية والترويح عن النفس ولا شيءفيها لأن الإنسان ولأن الشباب والشابات عندنا بحمد الله عندهم عقل ، ولأن المجتمععندنا - بحمد الله – محافظ .
      وهكذا نقول الأقوال الوهمية، والدعاوي غير الحقيقيةونغالط أنفسنا ثم نقف بعد ذلك أمام النتيجة المرّة وغير ذلك مما يقال، وأركز علىجانب ربما واحد من هذه الجوانب يتعلق بالنساء على وجه الخصوص ومن يقوم على شؤنهن منالأزواج والآباء، أمر الحجاب فتجد كثيراً من الفوارق والمفارقات العجيبة، فهناكدعاوي كثيرة منها :
      أ ـ " الطهارة والعفة في القلب " .
      فيقولون أصحابالتضليل والإفساد في المجتمع لا تغرَّنك المرأة المحجبة التي قد تجلبت بالسوادوأرخت الحجاب على وجهها فكم من وراء الحجاب من فتاة تتوسل بهذا الحجاب إلى الفتنةأو إلى الفساد ، فهذه كلمات يقولونها وينمقونها، وكم من فتاة لا يضرها أن تكشف عنوجهها أو أن تحسر عن شعرها أو أن تبدي ذراعها الى آخر ذلك ؛ لأنها واثقة عن نفسها،وهذا الذي يصبونه في الآذان صباح مساء من خلال البرامج الإعلامية، هذه فتاة أناواثقة بنفسي أنا مؤمنة بقدرتي وقوتي ثم بعد ذلك تزول هذه الثقة وتتحطم هذه القوةويحصل ما يحصل مما يعلم .
      ب ـ " الفتاة ما زالت في سن الشباب فإذاكبرت تحجبت "
      وهذه كما يقولون البضاعة البائرة تزول في الحراج لا يريدها أحدفتحجبت بعد أن تكون عجوزاً ، لو لم تتحجب وهي عجوز ما نظر اليها أحد ، وما سال عنهاأحد ولا تكلم معها أحد ، بل قد جاء التشريع القرآني بأن القواعد من النساء يختلفنعن غيرهن لأنهن لا ينظر اليهن ولا يرغب فيهن، فالحجاب إنما يكون للمرأة في سنالشباب، والعجب أنك ترى إمرأة كبيرة في السن عليها وقار الحجاب ونور التستر وسيماءالحشمة وهي تمسك في يدها إبنتها وقد تكشفت وتبرجت وتعطرت وتغنجت فإذا سئلت هذهالمرأة المحجبة وهي الأم المربية قالت : دعها تتمتع بشبابها ؛ فإن العمر فيه فسحة ،وهذا أيضاً من الأمور العجيبة التي سرت - وللأسف - في مجتمعات المسلمين .
      ج ـ " كل ممنوع مرغوب "
      فإذا حجبناالمرأة رغبنا فيها وهذا من الأوهام والأباطيل ، فيقال أكشف عنها حتى تصبح أمراًعادياً ولا تلفت النظر ، سبحان الله فلوكان الامر كذلك فمن أين جاء الإغتصاب الذيسمع عنه هناك في تلك البلاد ، ولو كانت هذه القضية تنتهي الى هذا الحد الذي يتصورنهببلادة ذهن وغباء عقل لما كان بين الرجل وزوجته عشرة ؛ لأنه سيألفها وسيراها ،وبالتالي تصبح عنده شيئاً كأنما هو جزء من الأثاث، هؤلاء يغالطون أنفسهم وينسون أصلخلقة الإنسان وفطرته، وهذه أيضاً من الامور التي تروج بين كثير من فتيات المسلمين .
      د ـ "سأتحجب لكن عندما اقتنع أولاً "
      هذا ما يقوله بعض الفتيات تقول نحن نريد أن تكون عندنا قناعة، نريد أن نثبتهذا بالعقل، بمعنى أنها لا تريد أن يكون الحجاب مجرد حكم شرعي وهذا لا شك انه منجهة أخرى أمر عظيم ، ولكن هل هي تريد أن تقنع حقيقة أم أنها تفرح ببعض جمالهاوشبابها، تريد أن تغري الآخرين .
      هـ ـ " أريد أن أتبرج حتى أرغِّب بعضالشباب في الزواج مني "
      هذا ما تقوله بعض الفتيات، هل تعرض نفسها حتى يأتيكما يقولون فارس الاحلام فتتزوج ، فحينئذ - إن شاء الله - تتحجب وكذا ، نقول سبحانالله أي مبدأ هذا ، إذن هو مبدأ اليهود الذي يقول إن الغاية تبرر الوسيلة، وهذهتريد أن تتزوج ولكن ما الذي يضمن لها الا تختطف والا تغتصب، ما دامت معروضة لهذاالغرض فقد يأتي الغرض على غير ما تريد، وهذه كلها أباطيل وأحاييل إبليسية شيطانية .
      و ـ " الحجاب يعيق عن الحركة، والاجواءالحارة، أيضاً لها أثر في هذا"
      وهذا أيضا من توهيماتهم وأقوالهم المضللة، الىغير ذلك من أمور كثيرة ومن الأمور التي شاعت بين المسلمين وللأسف الشديد .
      المخاطر الناشئة عن ترك العفة
      وحقيقة أن التفصيل فيها بالإحصاءات والأرقام التي وقعت في المجتمعات التي تركت كلمبدأ وكل خلق وكل فضيلة، فضلاً أنها تركت كل دين وكل تشريع .
      1 ـ مخاطر أمنية
      فلم يعد هناك أمن على النساء ولا على الأعراض ولا على الأموال ، واختلطالحابل بالنابل في هذا الشأن، وهناك المخاطر الصحية من هذه الأمراض الفتاكة التيابتلى الله - عز وجل - بها أولئك القوم .
      لأنه قد ورد في الحديث وإن تكلمفيه بعض العلماء بالضعف
      ( أنه ما فعل قوم فاحشة الا سلط الله عليهمالاوجاع التي لم تكن في أسلافهم )
      وهذا في الحقيقة واقع في هذا المجتمعالمعاصر، وفي البيئات المنحلة الإباحية .
      2 ـ تغيُّر الفطرة الإنسانية
      بوجودالشذوذ من خلال هذه الإباحية التي تركت العفة والحصانة، ووجد أيضاً التخنث منالرجال للنساء، والإسترجال من النساء للرجال، وظهر ما يسمى بالجنس الثالث فلم تعدالمرأة فيها حياء ورقة وأنوثة، ولم يعد الرجل رجلاً فيه شهامة وقوة ورجولة، ولم تعدالامور تتبين كما كان يقول الشيخ الطنطاوي في بعض كتبه حفظه الله انه ركب مرة فيإحدى المواصلات العامة في بعض البلاد العربية الإسلامية، قال :
      " فرايت مااستطيع أن أقول رأيت رجلاً، قال : رأيت إنساناً لم يستطع أن يتبين هل هو رجل أمإمرأة ؟ " لشدة ما قد يختلط في هذا الجانب وهذا فساد عظيم .
      3 ـ تحطم الأسرة
      لم يعد هناك رباط زوجيلأنه لا داعي للزواج ما دام هذا الامر المباح المتاح، وتحطم الأسرة تحطم بهالمجتمع، وأيضا فوق هذا كله هناك ضياع للأطفال وتشردهم وسيرهم في الخط الإجراميالذي يتوه فيه هؤلاء ويعبثون في المجتمع وأمنه .
      4 ـ قلة نسبة المواليد
      والإبتعاد منضرورة هذه الإباحية عن الإنجاب وعن تكوين الأسرة الى غير ذلك مما يطول ذكره ويعلممن كثير من الاحوال، وعند كثير منكم أمره .
      و نسأل الله عز وجل أن يجنبنا هذهالمخاطر، وأن يرزقنا العفة والحصانة لنا ولنسائنا ولأبنائنا وبناتنا ومجتمعاتنا إنهولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين .






      المصدر : islameiat.com/




      شكراااااااااااااااااااااااااا
      |a