فلنعد للأودية مساراتها حتى نأمن غوائلها
مجرى الوادي الرئيسي الذي يفصل شرق مدينة فنجاء عن غربها, له شهرة كبيرة من حيث اتساعه وعمقه, وغزارة مياهه الجارية طوال العام أثناء مواسم الخصب, وأخيرا عدد روافده, فبعد أكثر من نقطة التقاء تصبح عشرات الأودية وقد اجتمع شملها على مدخل هذه المدينة مشكلة في مسار مشترك رسمته يد الطبيعة وخططته المياه المتدفقة عبر العهود الغابرة بما يتوافق مع مستوياتها ومناسيبها وبحيث لا تفيض عن مستوى الضفتين إلا في أيام الفيضانات الاستثنائية كما نقلته وأكدته صفحات التاريخ وأفاض به الرواة في بلادنا المصنفة ضمن حزام المناطق الجافة, (مشكلة) واديا مهيبا يدخل في النفس الرهبة والخوف عندما يكون في أوج قوته واندفاعه الذي لا يعرف الوهن والتردد, من أعلى الجسر كانت الصورة كما شاهدتها ومعي المئات من الأشخاص الذين يطلقون لأبصارهم العنان مشرعة نحو الأمواج الهادرة التي تتلاعب بمئات الأجسام الصلبة والثقيلة من مخلفات الأشجار والنخيل والخزانات وغيرها كما تتلاعب الريح بقصاصات الورق, كان لسان حال الجميع يتساءل في خوف ووجل عن حال مدينتي الخوض والسيب عندما يغمرهما هذا الكم الهائل من المياه, والتصور المتخيل لمناسيب المياه المتصاعدة في حالة تواصل الأمطار بنفس المستوى لساعات أو معاودتها الكرة مرة أخرى وربطها بالنتائج الكارثية التي ستحدث بعد أن عبثت يد التخطيط بمسار الأودية ولم يرأف المخططون بحال الناس الذين تحولت سعادتهم بالأمطار إلى ألم وحزن, ولم يقدر الذين رسموا مسار الشوارع بأن الفتحات التي خصصوها لتصريف مياه الأودية بالكاد تحتمل مياه شعبة عادية فكيف لها أن تستوعب المياه المتدفقة من قمم الجبل الأخضر وما جاورها من جبال شاهقة تتداخل مع السلسلة الممتدة حتى ولايتي بهلاء والحمراء, والمحاذية للقمم المغذية لأودية المنطقة الداخلية التي تصب في بحر العرب (وادي بني رواحة) الذي يشق مدينة سمائل متجها إلى بلدة (سرور) ليلتقي بـ(وادي العق) المحاذية جباله العالية لولاية المضيبي, والذي لا يقل شأنا في علو قممه وعدد روافده ومنسوب مياهه, ولا في همته ونشاطه واندفاعه عن زميله, ومن بلدة سرور إلى قلب ولاية بدبد مرورا بنقطة التجمع في فنجاء يجتمعان بزملاء كثر انطلق بعضها من جبال مشرقية على حدود ولاية الطائيين (واديا منصح ونداب) وأخرى مغربية (واديا الجيلة والفرفارة), ومن الصعب حصر مجمل الأودية التي تصب في مجرى الوادي الرئيسي, فأنى لواد هذا شأنه من حيث عدد المنابع والروافد والمسارات التي تغذيها شلالات هادرة تنطلق من سلسلة جبلية عملاقة أن تستوعب مياهه بضع فتحات ومسارات لم يراع المخططون في تصميمها مناسيب المياه على حقيقتها وصورها المعهودة والمعروفة عند كبار السن الذين خبروا الأودية وعاصروا أفعالها واستقوا الدروس من غدر مياهها الهادرة, في زمن لم تزاحم فيه على مساراتها شوارع ولا مخططات سكنية أو تجارية ولا منشآت صناعية, ومن أراد أن يستزيد مما ورد في التاريخ العماني عن أفعال هذا الوادي وغيره من الأودية, فعليه العودة إلى ما سجله الإمام نور الدين السالمي في تحفته التاريخية الجزء الأول الصفحة 163حيث يذكر أنه وفي (سنة إحدى وخمسين ومائتين, كان بصحار وبعمان السيل الكثير, وانهدم دور كثير ومات فيه ناس كثير, وأغرق السيل عامة عمان, وبلغ الماء مواضع لم يبلغها قبل ذلك فيما بلغنا.. نزل أمر فظيع عجيب في بدبد والباطنة وسمائل ودماء وصحار أمر عظيم جليل... فجاءهم دوي وظلمة وهول مفظع وأمر مطلع... واستهلت السماء فأدفقت عليهم من الماء فبينما هم كذلك في شدة من الغرق وخوف من الفرق ومنهم من أيقن بالمنية والحتف إذ جاءتهم السيول فأحدقت بهم وغرقت النساء والرجال, فغرق الرجل وعياله وتخرب منزله وماله فأصبحوا في ليلة واحدة أصواتهم خامدة ومنازلهم هامدة... وخربت المواضع والعمران حتى أنه ليمر بها الإنسان فتأخذه لمنظرها رهبة...), وقد ذكر الشيخ السالمي بأن الناس لم يتعرفوا على أملاكهم في ولاية سمائل إلا من خلال الأطلال وبقايا النخيل التي خلفتها الأمطار (وعرفت نخلة صنها من سمائل, وقد قيست الأموال عليها...), وقد أوردت كتب التاريخ قصصا مماثلة لأعاصير وفيضانات شهدتها عمان خلال العهود السابقة, ومن نقطة التجمع انطلقت المياه الهادرة محافظة على انضباطها وتوازنها داخل خط سيرها الذي ألفته وألفها, فلم تفض المياه عن الحواشي ولم تعبث بالمساكن ولا بالسيارات, ولم تفسد على إنسان سعادته بالخصب والحياة, وفي ختام المطاف (مرحلة ما بعد السد) وحتى منطقة المصب (الشرادي), صنعت المياه ما لم يكن في الحسبان وكانت الصور والتحقيقات التي نقلتها وسائل الإعلام المحلية عن معاناة السكان وعن العبث الذي أصاب الشوارع والمنشآت والمتنزهات والفوضى التي لحقت بالمكان والتي ما زالت تئن من هول المأساة شارحة الحقيقة ومؤكدة على أن الاعتداء على مسارات الأودية يكلفنا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة خاصة إذا كانت كهذا الوادي من حيث الغزارة والعمق وعدد الروافد, وقد وصفت صحيفة محلية ما حدث في ولاية السيب بـ(سونامي مصغر) ويجسد العنوان فعلا حقيقة ما حدث بعد أن غيرت المياه العديد من المعالم والآثار ورسمت لنفسها مسارات جديدة بعدما ضاقت مساراتها المعهودة.
لقد عاشت محافظة مسقط في صباح يوم الأحد الموافق 18من من مارس 2007م, يوما عصيبا، فالساعة الماطرة بدءا من السابعة وحتى الثامنة كانت كافية لإغراق الشوارع والمناطق السكنية والأحياء التجارية ومحطات الوقود وغيرها بمياه الأودية الجارفة المحملة بأكوام من الطمي والمخلفات الزراعية والصناعية وغيرها مما أخذته المياه في طريقها, حدث ذلك بسبب الأخطاء المرتبطة بالتخطيط وافتقار المخططين إلى نظرة تخطيطية بعيدة النظر تراعي المكونات الجغرافية والبيولوجية للسلطنة من حيث الطبيعة الجبلية وحجم الأودية والمنحدرات التي تشكل في مجملها مياها جارفة في المواسم الممطرة, وعدم استفادة الجهات المختصة من التجارب السابقة التي شهدت فيها السلطنة بعض الأمطار الغزيرة في التخطيط الذي أعقب سقوط تلك الأمطار ومزاحمة الأودية في مساراتها أو إغلاق هذه المسارات كليا... كل ذلك أدى إلى تفاجؤ المواطنين وهم في طريقهم إلى أعمالهم داخل سياراتهم أو في منازلهم بالمياه تحاصرهم في مشاهد تراجيدية توزعت بين الألم والخوف في نفوس أولئك الذين تضررت مساكنهم وأعطبت سياراتهم وهم كثر, وأثارت الدهشة والاستغراب لدى المتفرجين والمراقبين الذين لم يحلموا يوما بمشاهدة تلك المناظر العجيبة على الطبيعة حيث تتحرك تجمعات المياه على غير هدى تتلاعب بالسيارات وقطع الأثاث والوثائق الرسمية وتعيث فسادا بالشوارع ومحطات الوقود والمحلات التجارية التي جعلت منها مجاري للمياه بعد أن فقدت مجاريها الأصلية, فصوبوا عيون كاميراتهم لالتقاط الصور التذكارية التي حولت مباشرة إلى عشرات المواقع الالكترونية, وصيغت العديد من الرسائل المعبرة عن المأساة التي تلقفتها ملايين الأجهزة النقالة..
تظل شواطئ المحافظة الممتدة من مدينة مسقط وحتى حدود ولاية السيب المحاذية لمنطقة الباطنة مصب مئات الأودية الهادرة التي ينطلق بعضها من خارج محافظة مسقط وبعضها تتشكل وتنطلق من قمم الجبال المحيطة بها وما البرك المائية الممتدة على طول هذا الشاطئ إلا دليلا على ذلك, والملاحظ أن الشوارع والأرصفة بمختلف استخداماتها الترفيهية والخدمية التي تقام على الشاطئ لا تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار, فالأودية الكثيرة التي تخترق أراضي مطار السيب الدولي على سبيل المثال يعيقها عن استكمال مسارها الختامي شارع الثامن عشر من نوفمبر الذي تصطدم به قبل أن تتوزع على تلك الأراضي مشكلة بركا عملاقة على طول مسار الشارع تظل أشهرا طويلة قبل أن تجف, وأتمنى أن تؤخذ حقيقة هذه الأودية التي جرفت عشرات السيارات وشلت حركة المرور لساعات طويلة واجتاحت محطة الوقود وما فيها من مبان ومحلات تجارية وأن يستفاد من دروس هذه الأمطار بتخصيص المسارات الكافية للأودية في إطار المنظومة المرتبطة بمشروعي الموج والمطار اللذين يجري العمل فيهما حاليا.
إن ما أثار استغرابي حقيقة أن عددا من المواقع الالكترونية التي يديرها متخصصون عمانيون في علوم الطقس كانت تصدر نشرة يومية تتابع من خلالها مسار المنخفض قبل دخوله إلى أجواء السلطنة, وتصدر تحذيرات حول قوة الأمطار المصاحبة له وتوقعت تلك التحذيرات حدوث أضرار في الممتلكات ودعت الصيادين وأصحاب المركبات إلى أخذ الحيطة والحذر, في حين أن المديرية العامة للأرصاد الجوية لم تصدر في نشراتها ما يتضمن تنبيها مسبقا حول كميات الأمطار المصاحبة للمنخفض وهو ما يتم تصحيحه كما لمسناه بالنسبة لمنخفض الوسطى وصلالة وإن كانت تلك النشرات فيها من الغموض واللبس ما أربك المواطن. وقد بذلت شرطة عمان السلطانية وسلاح الجو السلطاني جهودا مخلصة في عمليات الإنقاذ والتحذير والتوعية من مخاطر الأودية وفي تنظيم حركة المرور, ولم تقصر بلدية مسقط في العمل على شفط وتصريف البرك والتجمعات المائية وفي عمليات التنظيف والإعادة ولم يكدر جهودها الكبيرة المقدرة والملموسة التي تقوم بها في خدمة المواطن ومدينته إلا ما تكشفه الأمطار من أخطاء في التخطيط تتطلب تصحيحا عاجلا وعلى أكثر من مستوى لكي نكون على استعداد لمواسم أمطار قادمة بإذن الله كما تظهر المؤشرات, وذلك حتى يتحقق الهدف المنشود لتصبح أمطار رحمة لا أمطار نقمة.
مجرى الوادي الرئيسي الذي يفصل شرق مدينة فنجاء عن غربها, له شهرة كبيرة من حيث اتساعه وعمقه, وغزارة مياهه الجارية طوال العام أثناء مواسم الخصب, وأخيرا عدد روافده, فبعد أكثر من نقطة التقاء تصبح عشرات الأودية وقد اجتمع شملها على مدخل هذه المدينة مشكلة في مسار مشترك رسمته يد الطبيعة وخططته المياه المتدفقة عبر العهود الغابرة بما يتوافق مع مستوياتها ومناسيبها وبحيث لا تفيض عن مستوى الضفتين إلا في أيام الفيضانات الاستثنائية كما نقلته وأكدته صفحات التاريخ وأفاض به الرواة في بلادنا المصنفة ضمن حزام المناطق الجافة, (مشكلة) واديا مهيبا يدخل في النفس الرهبة والخوف عندما يكون في أوج قوته واندفاعه الذي لا يعرف الوهن والتردد, من أعلى الجسر كانت الصورة كما شاهدتها ومعي المئات من الأشخاص الذين يطلقون لأبصارهم العنان مشرعة نحو الأمواج الهادرة التي تتلاعب بمئات الأجسام الصلبة والثقيلة من مخلفات الأشجار والنخيل والخزانات وغيرها كما تتلاعب الريح بقصاصات الورق, كان لسان حال الجميع يتساءل في خوف ووجل عن حال مدينتي الخوض والسيب عندما يغمرهما هذا الكم الهائل من المياه, والتصور المتخيل لمناسيب المياه المتصاعدة في حالة تواصل الأمطار بنفس المستوى لساعات أو معاودتها الكرة مرة أخرى وربطها بالنتائج الكارثية التي ستحدث بعد أن عبثت يد التخطيط بمسار الأودية ولم يرأف المخططون بحال الناس الذين تحولت سعادتهم بالأمطار إلى ألم وحزن, ولم يقدر الذين رسموا مسار الشوارع بأن الفتحات التي خصصوها لتصريف مياه الأودية بالكاد تحتمل مياه شعبة عادية فكيف لها أن تستوعب المياه المتدفقة من قمم الجبل الأخضر وما جاورها من جبال شاهقة تتداخل مع السلسلة الممتدة حتى ولايتي بهلاء والحمراء, والمحاذية للقمم المغذية لأودية المنطقة الداخلية التي تصب في بحر العرب (وادي بني رواحة) الذي يشق مدينة سمائل متجها إلى بلدة (سرور) ليلتقي بـ(وادي العق) المحاذية جباله العالية لولاية المضيبي, والذي لا يقل شأنا في علو قممه وعدد روافده ومنسوب مياهه, ولا في همته ونشاطه واندفاعه عن زميله, ومن بلدة سرور إلى قلب ولاية بدبد مرورا بنقطة التجمع في فنجاء يجتمعان بزملاء كثر انطلق بعضها من جبال مشرقية على حدود ولاية الطائيين (واديا منصح ونداب) وأخرى مغربية (واديا الجيلة والفرفارة), ومن الصعب حصر مجمل الأودية التي تصب في مجرى الوادي الرئيسي, فأنى لواد هذا شأنه من حيث عدد المنابع والروافد والمسارات التي تغذيها شلالات هادرة تنطلق من سلسلة جبلية عملاقة أن تستوعب مياهه بضع فتحات ومسارات لم يراع المخططون في تصميمها مناسيب المياه على حقيقتها وصورها المعهودة والمعروفة عند كبار السن الذين خبروا الأودية وعاصروا أفعالها واستقوا الدروس من غدر مياهها الهادرة, في زمن لم تزاحم فيه على مساراتها شوارع ولا مخططات سكنية أو تجارية ولا منشآت صناعية, ومن أراد أن يستزيد مما ورد في التاريخ العماني عن أفعال هذا الوادي وغيره من الأودية, فعليه العودة إلى ما سجله الإمام نور الدين السالمي في تحفته التاريخية الجزء الأول الصفحة 163حيث يذكر أنه وفي (سنة إحدى وخمسين ومائتين, كان بصحار وبعمان السيل الكثير, وانهدم دور كثير ومات فيه ناس كثير, وأغرق السيل عامة عمان, وبلغ الماء مواضع لم يبلغها قبل ذلك فيما بلغنا.. نزل أمر فظيع عجيب في بدبد والباطنة وسمائل ودماء وصحار أمر عظيم جليل... فجاءهم دوي وظلمة وهول مفظع وأمر مطلع... واستهلت السماء فأدفقت عليهم من الماء فبينما هم كذلك في شدة من الغرق وخوف من الفرق ومنهم من أيقن بالمنية والحتف إذ جاءتهم السيول فأحدقت بهم وغرقت النساء والرجال, فغرق الرجل وعياله وتخرب منزله وماله فأصبحوا في ليلة واحدة أصواتهم خامدة ومنازلهم هامدة... وخربت المواضع والعمران حتى أنه ليمر بها الإنسان فتأخذه لمنظرها رهبة...), وقد ذكر الشيخ السالمي بأن الناس لم يتعرفوا على أملاكهم في ولاية سمائل إلا من خلال الأطلال وبقايا النخيل التي خلفتها الأمطار (وعرفت نخلة صنها من سمائل, وقد قيست الأموال عليها...), وقد أوردت كتب التاريخ قصصا مماثلة لأعاصير وفيضانات شهدتها عمان خلال العهود السابقة, ومن نقطة التجمع انطلقت المياه الهادرة محافظة على انضباطها وتوازنها داخل خط سيرها الذي ألفته وألفها, فلم تفض المياه عن الحواشي ولم تعبث بالمساكن ولا بالسيارات, ولم تفسد على إنسان سعادته بالخصب والحياة, وفي ختام المطاف (مرحلة ما بعد السد) وحتى منطقة المصب (الشرادي), صنعت المياه ما لم يكن في الحسبان وكانت الصور والتحقيقات التي نقلتها وسائل الإعلام المحلية عن معاناة السكان وعن العبث الذي أصاب الشوارع والمنشآت والمتنزهات والفوضى التي لحقت بالمكان والتي ما زالت تئن من هول المأساة شارحة الحقيقة ومؤكدة على أن الاعتداء على مسارات الأودية يكلفنا خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة خاصة إذا كانت كهذا الوادي من حيث الغزارة والعمق وعدد الروافد, وقد وصفت صحيفة محلية ما حدث في ولاية السيب بـ(سونامي مصغر) ويجسد العنوان فعلا حقيقة ما حدث بعد أن غيرت المياه العديد من المعالم والآثار ورسمت لنفسها مسارات جديدة بعدما ضاقت مساراتها المعهودة.
لقد عاشت محافظة مسقط في صباح يوم الأحد الموافق 18من من مارس 2007م, يوما عصيبا، فالساعة الماطرة بدءا من السابعة وحتى الثامنة كانت كافية لإغراق الشوارع والمناطق السكنية والأحياء التجارية ومحطات الوقود وغيرها بمياه الأودية الجارفة المحملة بأكوام من الطمي والمخلفات الزراعية والصناعية وغيرها مما أخذته المياه في طريقها, حدث ذلك بسبب الأخطاء المرتبطة بالتخطيط وافتقار المخططين إلى نظرة تخطيطية بعيدة النظر تراعي المكونات الجغرافية والبيولوجية للسلطنة من حيث الطبيعة الجبلية وحجم الأودية والمنحدرات التي تشكل في مجملها مياها جارفة في المواسم الممطرة, وعدم استفادة الجهات المختصة من التجارب السابقة التي شهدت فيها السلطنة بعض الأمطار الغزيرة في التخطيط الذي أعقب سقوط تلك الأمطار ومزاحمة الأودية في مساراتها أو إغلاق هذه المسارات كليا... كل ذلك أدى إلى تفاجؤ المواطنين وهم في طريقهم إلى أعمالهم داخل سياراتهم أو في منازلهم بالمياه تحاصرهم في مشاهد تراجيدية توزعت بين الألم والخوف في نفوس أولئك الذين تضررت مساكنهم وأعطبت سياراتهم وهم كثر, وأثارت الدهشة والاستغراب لدى المتفرجين والمراقبين الذين لم يحلموا يوما بمشاهدة تلك المناظر العجيبة على الطبيعة حيث تتحرك تجمعات المياه على غير هدى تتلاعب بالسيارات وقطع الأثاث والوثائق الرسمية وتعيث فسادا بالشوارع ومحطات الوقود والمحلات التجارية التي جعلت منها مجاري للمياه بعد أن فقدت مجاريها الأصلية, فصوبوا عيون كاميراتهم لالتقاط الصور التذكارية التي حولت مباشرة إلى عشرات المواقع الالكترونية, وصيغت العديد من الرسائل المعبرة عن المأساة التي تلقفتها ملايين الأجهزة النقالة..
تظل شواطئ المحافظة الممتدة من مدينة مسقط وحتى حدود ولاية السيب المحاذية لمنطقة الباطنة مصب مئات الأودية الهادرة التي ينطلق بعضها من خارج محافظة مسقط وبعضها تتشكل وتنطلق من قمم الجبال المحيطة بها وما البرك المائية الممتدة على طول هذا الشاطئ إلا دليلا على ذلك, والملاحظ أن الشوارع والأرصفة بمختلف استخداماتها الترفيهية والخدمية التي تقام على الشاطئ لا تأخذ هذه الحقيقة بعين الاعتبار, فالأودية الكثيرة التي تخترق أراضي مطار السيب الدولي على سبيل المثال يعيقها عن استكمال مسارها الختامي شارع الثامن عشر من نوفمبر الذي تصطدم به قبل أن تتوزع على تلك الأراضي مشكلة بركا عملاقة على طول مسار الشارع تظل أشهرا طويلة قبل أن تجف, وأتمنى أن تؤخذ حقيقة هذه الأودية التي جرفت عشرات السيارات وشلت حركة المرور لساعات طويلة واجتاحت محطة الوقود وما فيها من مبان ومحلات تجارية وأن يستفاد من دروس هذه الأمطار بتخصيص المسارات الكافية للأودية في إطار المنظومة المرتبطة بمشروعي الموج والمطار اللذين يجري العمل فيهما حاليا.
إن ما أثار استغرابي حقيقة أن عددا من المواقع الالكترونية التي يديرها متخصصون عمانيون في علوم الطقس كانت تصدر نشرة يومية تتابع من خلالها مسار المنخفض قبل دخوله إلى أجواء السلطنة, وتصدر تحذيرات حول قوة الأمطار المصاحبة له وتوقعت تلك التحذيرات حدوث أضرار في الممتلكات ودعت الصيادين وأصحاب المركبات إلى أخذ الحيطة والحذر, في حين أن المديرية العامة للأرصاد الجوية لم تصدر في نشراتها ما يتضمن تنبيها مسبقا حول كميات الأمطار المصاحبة للمنخفض وهو ما يتم تصحيحه كما لمسناه بالنسبة لمنخفض الوسطى وصلالة وإن كانت تلك النشرات فيها من الغموض واللبس ما أربك المواطن. وقد بذلت شرطة عمان السلطانية وسلاح الجو السلطاني جهودا مخلصة في عمليات الإنقاذ والتحذير والتوعية من مخاطر الأودية وفي تنظيم حركة المرور, ولم تقصر بلدية مسقط في العمل على شفط وتصريف البرك والتجمعات المائية وفي عمليات التنظيف والإعادة ولم يكدر جهودها الكبيرة المقدرة والملموسة التي تقوم بها في خدمة المواطن ومدينته إلا ما تكشفه الأمطار من أخطاء في التخطيط تتطلب تصحيحا عاجلا وعلى أكثر من مستوى لكي نكون على استعداد لمواسم أمطار قادمة بإذن الله كما تظهر المؤشرات, وذلك حتى يتحقق الهدف المنشود لتصبح أمطار رحمة لا أمطار نقمة.
[B]سعود بن علي الحارثي*
* كاتب عماني
المصدر جريدة الوطن
[/B]