حول الأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية

    • حول الأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية

      حول الأثر الرجعي لأحكام المحكمة الدستورية

      طالعتنا احدى الصحف المحلية مؤخرا بمقال للمحامية لولوة صالح العوضي بعنوان: «تعليق على حكم محكمة التمييز هل لحكم المحكمة الدستورية ببطلان قرار الاستملاك اثر رجعي؟« علقت فيه على حكم محكمة التمييز الصادر بتاريخ 16/4/2007 والقاضي ببطلان قرار وزير شئون البلديات والزراعة بنزع ملكية احدى الاراضي للمنفعة العامة ويفهم من المقال انها خطأت هذا الحكم وردت عليه بالنقاط الآتية:
      1 ــ انه أقام قضاءه على ان النص المقضى بعدم دستوريته اصبح منعدما ولا وجود له مع ان هذا النص يظل رغم القضاء بعدم دستوريته قائما حتى يلغيه المشرع العادي أو المشرع الفرعي. 2 ــ انه جعل للحكم الصادر من المحكمة الدستورية بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 8 لسنة 1970م بشأن استملاك الاراضي للمنفعة العامة والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 12/4/2007م اثرا رجعيا وطبقه على قرارات الاستملاك التي صدرت بناء على هذا القانون رغم ان الحكم بعدم الدستورية له اثر مباشر ويمتنع تطبيقه من اليوم التالي لنشره في الجريدة الرسمية طبقا لنص المادة 31 من قانون انشاء المحكمة الدستورية. 3 ــ انه اذا كان المشرع المصري قد اعطى للمحكمة الدستورية العليا سلطة تقرير اثر رجعي لحكمها في بعض الدعاوى التي تنظرها بمراعاة العناصر المحيطة بها وقدر الخطورة التي تلائمها كما قرر اثرا مباشرا للحكم بنص القانون اذا كان متعلقا بعدم دستورية نص ضريبي وينسحب الاثر المباشر للحكم الصادر ببطلان نص ضريبي الى ذوي المصلحة في الخصومة الدستورية فإن المشرع البحريني لم يخول المحكمة الدستورية سلطة تقرير اثر رجعي لحكمها في بعض الدعاوى بل نص على ان له اثرا مباشرا ويمتنع تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم تحدد المحكمة تاريخا لاحقا وهذا الرد ينم عن عدم دراية بطبيعة الحكم بعدم الدستورية وبمعنى الاثر المباشر له والخلط بينه وبين الاثر المباشر لتشريع جديد ينسخ تشريعا سابقا واجراء مقارنة بين سلطة المحكمة الدستورية العليا في مصر وسلطة المحكمة الدستورية في البحرين في تقرير الاثر الرجعي للحكم الصادر من كل منهما فضلا عن عدم جدواها فانها لا تتسم بالدقة فيما استخلصه صاحب المقال منها ويتضح ذلك فيما يلي: أولا: النص في المادة 31 من المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002 بانشاء المحكمة الدستورية في مملكة البحرين على انه (... ويمتنع تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم..) والنص في المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 باصدار قانون المحكمة الدستورية العليا في مصر ــ بعد تعديله بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 ــ على انه (ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم..) يدل على ان هذا التكليف بالامتناع عن تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم هو الاثر المباشر للحكم بعدم الدستورية سواء في البحرين أو مصر وهو موجه للكافة فيسري على الدعاوى المطروحة على المحاكم باختلاف درجاتها ــ ولو كانت سابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية ــ والقول بغير ذلك يعتبر تقيدا لمطلق النص، وتخصيصا لعمومه وخروجا عن صريح عبارته لان الحكم بعدم الدستورية قد كشف عن وجود عيب خالط النص منذ نشأته أدى الى انعدامه منذ ميلاده بما ينفي صلاحيته لترتيب أي اثر من تاريخ نفاذ النص كما كشف عن وجود حكم قانوني مغاير واجب الاتباع كان معمولا به عند صدور النص الباطل، بات يتعين على المحاكم والكافة إعماله التزاما بحجية الحكم الصادر بعدم الدستورية. ثانيا: لا محل لقياس الاثر المباشر لصدور الحكم بعدم الدستورية على الاثر المباشر لصدور تشريع جديد ينسخ تشريعا سابقا لان الالغاء يرد على نص صحيح وهو لا يؤدي الى عدم جواز تطبيقه بعد الغائه، بل يبقى على المحاكم والكافة واجب تطبيق النص الملغى على الروابط القانونية والتي وقعت في نطاق سريانه الزمني احتراما لمبدأ سيادة القانون الملغى ذاته ومبدأ عدم جواز تطبيق النص الجديد بأثر رجعي اما عدم جواز تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته فأمر يحتمه صريح نص المادتين سالفتي الذكر ويوجبه احترام الدستور باعتباره القانون الاسمى صاحب الصدارة على ما دونه من تشريعات، فاذا ما تعارضت احكام الدستور مع تلك التشريعات وجب إعمال احكام الدستور واهدار ما دونها واعتباره كأن لم تكن. ثالثا: ان التفرقة بين الحكم بعدم الدستورية الصادر من المحكمة الدستورية العليا في مصر والحكم بعدم الدستورية الصادر من المحكمة الدستورية في البحرين استنادا الى وجود اختلاف في النصين السابقين يتمثل في ان نص المادة 49 من القانون رقم 48 لسنة 1979 المعدلة بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 قد ورد به (ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر استبق) وهو الذي نشره في العدد 28 من الجريدة الرسمية الصادرة يوم 17/7/1998 بينما ورد في نص المادة 31 من المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002 عبارة )ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا لاحقا)، لا تقوم على أساس صحيح من القانون لان المشرع المصري بادر ونشر استدراكا في اليوم التالي لتاريخ 18/7/1998 بالعدد 28 مكرر (ب) بالجريدة الرسمية جاء فيه ان كلمة أسبق (وردت على سبيل الخطأ المادي)، وحتى يؤكد ان المقصود بالتاريخ الآخر انه تاريخ لاحق وليس سابقا نشر في العدد ذاته ــ وعلى خلاف المعتاد ــ المذكرة الايضاحية للقرار حيث ورد فيها (... ان امتداد أثر الحكم بعدم الدستورية الى الماضي بحيث يحكم الروابط السابقة على صدور الحكم وهو نتيجة لحتمية لطبيعته الكاشفة) فضلا عن انه لا مجال لهذه التفرقة طالما ان النصين حظرا تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته من اليوم التالي لتاريخ نشر الحكم. رابعا: خلاصة ما تقدم انه ليس للحكم الصادر بعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 8 لسنة 1970 بشأن استملاك الاراضي للمنفعة العامة اثر رجعي فلا يجوز تطبيقه على المراكز القانونية التي استقرت في الفترة السابقة على نشره، وهذا هو ذات الرأي الذي اعتنقته صاحبة المقال وانما له اثر مباشر فيسري من اليوم التالي لنشره على كل الدعاوى المطروحة على المحاكم باختلاف درجاتها والتي يتعين عليها ــ التزاما بهذا الاثر ــ ان تمتنع عن تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته على كل الوقائع والمراكز القانونية المعروضة عليها ــ والتي لم تكن قد استقرت بعد ولن تستقر الا بحكم بات ــ حتى ولو كانت سابقة على صدور هذا الحكم بعدم الدستورية باعتباره قضاء كاشفا عن عيب لحق بالنص منذ نشأته بما ينفي صلاحيته لترتيب أي اثر من تاريخ نفاذ النص، ولازم ذلك ان الحكم بعدم دستورية نص في القانون من اليوم التالي لنشره لا يجوز تطبيقه مادام قد أدرك الدعوى أثناء نظر الطعن أمام محكمة التمييز وهو أمر متعلق بالنظام العام تعمله محكمة التمييز من تلقاء نفسها وهو ما اعتنقته محكمة التمييز في حكمها الصادر بتاريخ 16/4/2007م، الذي لم يقض بإبطال قرارات استملاك أراضي مشروع الشاخورة الاسكاني حيث لم يعرض الا للقرارات المطعون عليها فقط والخاصة بالطاعن وحده ومن دون غيره.