ظلت حياة أديب العربية الكبير الأستاذ علي أحمد باكثير (1910 - 1969) مجهولة لم يُعرف عنها شيء إلا بعد وفاته . فقد عاش زاهدًا في الأضواء ، قليل الكلام عن نفسه ، تاركًا أعماله وحدها تتحدث عنه ولم يعرف عنه إلا أنه ولد في إندونيسيا لأبوين عربيين من حضرموت ثم غادرها سنة 1932م بعد فجيعته بوفاة زوجته الشابة التي ظل يبكيها طوال عمره حيث أقام عامًا في عدن وعامًا آخر في الحجاز ثم هاجر نهائيًا إلى مصر سنة 1934م ودرس بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة فؤاد الأول ، وتخرج منها سنة 1939م . ولمع نجمه في مصر في هذه الفترة ونسبت إليه ريادة الشعر الحر بعد ترجمته لمسرحية روميو وجولييت سنة 1936م ، ثم تصدرت أعماله المواسم المسرحية في مصر منذ منتصف الأربعينيات وأصبح علمًا من أعلام الأدب العربي المسرحي وظهر بعد رواية (واإسلاماه) و(والثائر الأحمر ) رائدًا للاتجاه الإسلامي في الرواية التاريخية العربية.
أما كيف جاء باكثير إلى مصر ، وكيف كانت ثقافته آنذاك ، وما نوع الدراسةالتي درسها في موطن مولده إندونيسيا وفي موطن آبائه حضرموت ، وكيف دخل الجامعة المصرية مباشرة ، وإلى قسم اللغة الإنجليزية ، وليس قسم اللغة العربية ؟ فهذه أسئلة لم نستطع الإجابة عنها إلا بعد الاطلاع على أوراقه الخاصة ورسائله ، وهو ما سنبدأ بالتأريخ له خدمة للدارسين والباحثين.
نسبه وأسرته
ينتسب علي أحمد باكثير إلى واحدة من أعرق الأسر في حضرموت وأكثرها إيغالاً في العروبة ، فأسرة باكثير ينتمي نسبها إلى كندة وهو "نسب تقف الفصاحة قديمًا وحديثًا عنده " على حد تعبير المحبي صاحب " خلاصة الأثر".
افتخر شاعرنا بنسب أسرته إلى كندة ، فكندة تُدعى "قريش العرب " وإلى كندة ينتسب " امرؤ القيس " أعظم شعراء الجاهلية ، وقاضي القضاة " ابن خلدون " عالم الاجتماع الشهير كندي حضرمي من الأسرة نفسها ، ونحن نجد في ديوان الصبا وهو باكورة شعره في حضرموت العديد من القصائد التي تشير إلى هذه الحقائق ، ففي قصيدة " لمنهاج امرىء القيس " يقول باكثير مفتخرًا :
ومن يكن من آل امرىء القيس فليكن .... له المجد من تيجان آبائه تاجا
ويقفه في المسعى لمجدٍ مؤثلٍ ..... وأكرم بمنهاج امرىء القيس منهاجا
سأسعى فإما أن أُوسد أو أُرى ..... سراجًا منيرًا في المكارم وهَّاجا
وقد قدمت هذه الأسرة العديد من العلماء والفقهاء والقضاة والشعراء عبر العصور تمتلىء بسيرهم كتب التاريخ والأدب الحضرمي.
المولد والنشأة
ولد علي أحمد باكثير في 15 من ذي الحجة 1328هـ الموافق 21 ديسمبر 1910م بإندونيسيا ، وتربى في كنف والديه وتعلم القرآن الكريم والعربية ، فقد كانت سورابايا مركزًا من أهم مراكز تجمع العرب الحضارم في الجزر الإندونيسية وكانت لهم فيها مدارسهم ومعاهدهم وصحفهم ومجلاتهم ، وكان من الممكن للفتى علي أحمد باكثير أن يتقن العربية ويتعلم علوم الدين هناك بيسر ولكن كان للحضارم هناك سنة طيبة اتبعها آباؤهم في مهاجرهم البعيدة في ارسال أولادهم إلى مواطنهم الأصلية لإتقان اللغة من منبعها وتعلم قراءة القرآن الكريم بلا لكنة أو عجمة من جهة ولكي يتربى الولد في وطنه على عاداته وتقاليده ويتدرب على الاعتماد على النفس بعيدًا عن والديه حتى يقوى عوده ويشتد ساعده من جهة أخرى.
هكذا اصطحب الشيخ أحمد بن محمد باكثير معه ولده عليا - الذي كان في سن التاسعة أو العاشرة - إلى حضرموت ، وكان وصوله إلى مدينة سيئون - مستقر أسرة آل باكثير وعاصمة الدولة الكثيرية الحضرمية - في 15 رجب 1338هـ ، وقد وصف هذه العودة أخوه الشيخ محمد بن محمد باكثير في مخطوطه " البنان المشير" الذي يذكر فيه أن أخاه الشيخ أحمد باكثير اصطحب معه أيضًا ولده عبدالقادر وحياه بقصيدة مطلعها :
أخي وأخو الندى وصلا البلادا ..... فيا بشراي قد نلت المرادا
ألا يا مرحبًا أهلاً وسهلاً ..... بمن بالجود قد بهر العبادا
بمن ضحكت به الأرجا سرورًا ..... بمن بملابس الإحسان سادا
إلى أن جاء ذكر الفتى (علي) فقال:
ورابعكم (عليٌ) فالمعالي ..... تساعد بالرضى لمن استزادا
أطال الله متعتكم بخير ..... كثير بالغين به المرادا
أما كيف جاء باكثير إلى مصر ، وكيف كانت ثقافته آنذاك ، وما نوع الدراسةالتي درسها في موطن مولده إندونيسيا وفي موطن آبائه حضرموت ، وكيف دخل الجامعة المصرية مباشرة ، وإلى قسم اللغة الإنجليزية ، وليس قسم اللغة العربية ؟ فهذه أسئلة لم نستطع الإجابة عنها إلا بعد الاطلاع على أوراقه الخاصة ورسائله ، وهو ما سنبدأ بالتأريخ له خدمة للدارسين والباحثين.
نسبه وأسرته
ينتسب علي أحمد باكثير إلى واحدة من أعرق الأسر في حضرموت وأكثرها إيغالاً في العروبة ، فأسرة باكثير ينتمي نسبها إلى كندة وهو "نسب تقف الفصاحة قديمًا وحديثًا عنده " على حد تعبير المحبي صاحب " خلاصة الأثر".
افتخر شاعرنا بنسب أسرته إلى كندة ، فكندة تُدعى "قريش العرب " وإلى كندة ينتسب " امرؤ القيس " أعظم شعراء الجاهلية ، وقاضي القضاة " ابن خلدون " عالم الاجتماع الشهير كندي حضرمي من الأسرة نفسها ، ونحن نجد في ديوان الصبا وهو باكورة شعره في حضرموت العديد من القصائد التي تشير إلى هذه الحقائق ، ففي قصيدة " لمنهاج امرىء القيس " يقول باكثير مفتخرًا :
ومن يكن من آل امرىء القيس فليكن .... له المجد من تيجان آبائه تاجا
ويقفه في المسعى لمجدٍ مؤثلٍ ..... وأكرم بمنهاج امرىء القيس منهاجا
سأسعى فإما أن أُوسد أو أُرى ..... سراجًا منيرًا في المكارم وهَّاجا
وقد قدمت هذه الأسرة العديد من العلماء والفقهاء والقضاة والشعراء عبر العصور تمتلىء بسيرهم كتب التاريخ والأدب الحضرمي.
المولد والنشأة
ولد علي أحمد باكثير في 15 من ذي الحجة 1328هـ الموافق 21 ديسمبر 1910م بإندونيسيا ، وتربى في كنف والديه وتعلم القرآن الكريم والعربية ، فقد كانت سورابايا مركزًا من أهم مراكز تجمع العرب الحضارم في الجزر الإندونيسية وكانت لهم فيها مدارسهم ومعاهدهم وصحفهم ومجلاتهم ، وكان من الممكن للفتى علي أحمد باكثير أن يتقن العربية ويتعلم علوم الدين هناك بيسر ولكن كان للحضارم هناك سنة طيبة اتبعها آباؤهم في مهاجرهم البعيدة في ارسال أولادهم إلى مواطنهم الأصلية لإتقان اللغة من منبعها وتعلم قراءة القرآن الكريم بلا لكنة أو عجمة من جهة ولكي يتربى الولد في وطنه على عاداته وتقاليده ويتدرب على الاعتماد على النفس بعيدًا عن والديه حتى يقوى عوده ويشتد ساعده من جهة أخرى.
هكذا اصطحب الشيخ أحمد بن محمد باكثير معه ولده عليا - الذي كان في سن التاسعة أو العاشرة - إلى حضرموت ، وكان وصوله إلى مدينة سيئون - مستقر أسرة آل باكثير وعاصمة الدولة الكثيرية الحضرمية - في 15 رجب 1338هـ ، وقد وصف هذه العودة أخوه الشيخ محمد بن محمد باكثير في مخطوطه " البنان المشير" الذي يذكر فيه أن أخاه الشيخ أحمد باكثير اصطحب معه أيضًا ولده عبدالقادر وحياه بقصيدة مطلعها :
أخي وأخو الندى وصلا البلادا ..... فيا بشراي قد نلت المرادا
ألا يا مرحبًا أهلاً وسهلاً ..... بمن بالجود قد بهر العبادا
بمن ضحكت به الأرجا سرورًا ..... بمن بملابس الإحسان سادا
إلى أن جاء ذكر الفتى (علي) فقال:
ورابعكم (عليٌ) فالمعالي ..... تساعد بالرضى لمن استزادا
أطال الله متعتكم بخير ..... كثير بالغين به المرادا
