بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
إن آيات الله الكونية العظيمة المخيفة والكوارث المروعة والحروب المدمرة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناطق.
إن هذه الآيات العظيمة المهيلة لدليل على غضب الله تعالى وسخطه وسطوته وبطشه الشديد، نسأله تعالى السلامة والعافية. وهي تدعونا لنقف وقفة طويلة، نحاسب فيها أنفسنا، ونراجع فيها أعمالنا، وندقق فيها النظر فيما بيننا وبين الله عز وجل.
لا تحسبوا أن هذه الكوارث تقع سدى، ولا تظنوا أنها ظواهر عادية كما يقول الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، الذين أمنوا مكر الله، ألم يسمعوا إلى قول الجبار عز وجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، أولم يسمعوا إلى قوله سبحانه: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ، وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}.
وللذين نصبوا الحرب بينهم وبين الله عز وجل بشتى أنواع المنكرات نقول: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله وأسلموا له، فهذه الحرب لا قبل لكم بها.
فإن الله سبحانه عزيز ذو انتقام، إنه سبحانه قوي عزيز، إنه سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. وهو تعالى شديد المحال.
إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وهو ذو القوة المتين.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}.
هذا هو ربكم وإلهكم الذي تريدون أن تناصبوه العداء، وهو سبحانه أرحم بكم من الأم بولدها، فكم من حكمة منه لم تعها قلوبكم، وكم من موعظة منه عميت عنها أعينكم وصمت آذانكم، وكم من نعمة منه لم تشكرها ألسنتكم، ألا فاعلموا أن الله لن يسلمكم من العقوبة وإن أخرها عنكم، وقد بارزتموه بالذنوب والمعاصي، أم تظنون أن لكم براءة في الزبر.
كيف يرضى الله على قوم جاهروا بالسوء والفجور، وتفاخروا بشرب المسكرات والخمور، وتباهوا بانتهاك الحرمات، وتهاونوا في أداء الواجبات، وحكموا غير شرعه، قال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام لآل قطع سلكه فتتابع».
كيف يرضى الله على قوم إذا ذكر الانحطاط قالوا: هذه ثقافة أمتنا، وإذا ذكرت العادات السخيفة قالوا: هذه تقاليد مجتمعنا، وإذا ذكرت الأفكار الوافدة قالوا: هذه تحضر وتقدم، يعظمون الثقافة وإن كانت فسقا ومجونا، والعادات وإن كانت جهلا وسخفا، وما عليه الكفار وإن كان شركا وكفرا، فيا للهوان ويا للانهزام.
وأما إذا تعلق الأمر بالشعائر الدينية الشرعية والسنن النبوية، سلوا سيوف الجدال واللجاج، وأطلقوا الألسنة الحداد، فقالوا: دعونا من التشدد والتدين، وذرونا نساير ركب التقدم والتحضر، وتشدقوا بالتنمية والرفاهية، ألم يسمعوا قول الله تعالى :{أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}، وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله وأقيموا أمر دينه، ارجعوا إلى ربكم، واعتصموا بحبله المتين، وتوبوا إليه توبة نصوحا، ما دام باب التوبة مفتوحا، وإن الله يفرح بتوبة عبده، وعودته إلى طاعته، خاطبوا عقولكم، انظروا في أمركم، تفكروا في مآلكم، فكم من شاب باغته الموت في شبابه، فذهب إلى ربه بلهوه وغفلته بلا زاد ولا متاع فخسر الخسران المبين، أسأل الله لي ولكم العافية.
اعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب، ومن لم يتعظ بالموت فلا واعظ له، واعلموا أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء، ومن خاف الله تعالى في الدنيا أمنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة، وتذكروا قول العبد الصالح: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، نسأل الله تعالى الهداية والصلاح والأمن التام والنعيم المقيم.
ارجعوا إلى دينكم، تعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، أدوا إليه حقه يوفيكم حقكم، ألم تسمعوا قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ومن أصدق من الله حديثا.
واعلموا أن عذاب الله إذا حل بقوم عمهم، فهو لا يصيب ناسا دون آخرين، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم». أما أنتم أيها الدعاة، أيها الشباب الملتزم بدين الله، أيها المرشدون، أيها المصلحون، لا تقنطوا من رحمة الله، ولا يحملنكم انتشار الفساد والعوائق على ترك الدعوة والنصح والإصلاح، ادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تيأسوا، فهي طريق النجاة: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}، وأحسنوا الظن بالله، وثقوا بوعده الذي لا يخيب، فإنه ناصر دينه ومعلٍ كلمته، اجتهدوا في جبر ما انكسر، وتقوية ما ضعف، وإصلاح ما فسد، فإن ذلك من أحسن الأقوال وأفضل الأعمال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
إن آيات الله الكونية العظيمة المخيفة والكوارث المروعة والحروب المدمرة لتغني عن وعظ الواعظين وتذكير المذكرين، ونصح الناصحين، إنها لأكبر زاجر، وأبلغ واعظ، وأفصح ناطق.
إن هذه الآيات العظيمة المهيلة لدليل على غضب الله تعالى وسخطه وسطوته وبطشه الشديد، نسأله تعالى السلامة والعافية. وهي تدعونا لنقف وقفة طويلة، نحاسب فيها أنفسنا، ونراجع فيها أعمالنا، وندقق فيها النظر فيما بيننا وبين الله عز وجل.
لا تحسبوا أن هذه الكوارث تقع سدى، ولا تظنوا أنها ظواهر عادية كما يقول الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون، الذين أمنوا مكر الله، ألم يسمعوا إلى قول الجبار عز وجل: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ، أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، أولم يسمعوا إلى قوله سبحانه: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ، وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}.
وللذين نصبوا الحرب بينهم وبين الله عز وجل بشتى أنواع المنكرات نقول: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله وأسلموا له، فهذه الحرب لا قبل لكم بها.
فإن الله سبحانه عزيز ذو انتقام، إنه سبحانه قوي عزيز، إنه سبحانه فعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير، إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. وهو تعالى شديد المحال.
إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، وهو ذو القوة المتين.
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}.
هذا هو ربكم وإلهكم الذي تريدون أن تناصبوه العداء، وهو سبحانه أرحم بكم من الأم بولدها، فكم من حكمة منه لم تعها قلوبكم، وكم من موعظة منه عميت عنها أعينكم وصمت آذانكم، وكم من نعمة منه لم تشكرها ألسنتكم، ألا فاعلموا أن الله لن يسلمكم من العقوبة وإن أخرها عنكم، وقد بارزتموه بالذنوب والمعاصي، أم تظنون أن لكم براءة في الزبر.
كيف يرضى الله على قوم جاهروا بالسوء والفجور، وتفاخروا بشرب المسكرات والخمور، وتباهوا بانتهاك الحرمات، وتهاونوا في أداء الواجبات، وحكموا غير شرعه، قال صلى الله عليه وسلم: «ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة مغنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين، وأطاع الرجل امرأته وعق أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وظهرت الأصوات في المساجد، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام لآل قطع سلكه فتتابع».
كيف يرضى الله على قوم إذا ذكر الانحطاط قالوا: هذه ثقافة أمتنا، وإذا ذكرت العادات السخيفة قالوا: هذه تقاليد مجتمعنا، وإذا ذكرت الأفكار الوافدة قالوا: هذه تحضر وتقدم، يعظمون الثقافة وإن كانت فسقا ومجونا، والعادات وإن كانت جهلا وسخفا، وما عليه الكفار وإن كان شركا وكفرا، فيا للهوان ويا للانهزام.
وأما إذا تعلق الأمر بالشعائر الدينية الشرعية والسنن النبوية، سلوا سيوف الجدال واللجاج، وأطلقوا الألسنة الحداد، فقالوا: دعونا من التشدد والتدين، وذرونا نساير ركب التقدم والتحضر، وتشدقوا بالتنمية والرفاهية، ألم يسمعوا قول الله تعالى :{أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ، مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}، وقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاتقوا الله وأقيموا أمر دينه، ارجعوا إلى ربكم، واعتصموا بحبله المتين، وتوبوا إليه توبة نصوحا، ما دام باب التوبة مفتوحا، وإن الله يفرح بتوبة عبده، وعودته إلى طاعته، خاطبوا عقولكم، انظروا في أمركم، تفكروا في مآلكم، فكم من شاب باغته الموت في شبابه، فذهب إلى ربه بلهوه وغفلته بلا زاد ولا متاع فخسر الخسران المبين، أسأل الله لي ولكم العافية.
اعتبروا يا أولي الأبصار، اعتبروا يا أولي الألباب، ومن لم يتعظ بالموت فلا واعظ له، واعلموا أن الدنيا دار بلاء وفناء، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء، ومن خاف الله تعالى في الدنيا أمنه في الآخرة، ومن أمنه في الدنيا أخافه في الآخرة، وتذكروا قول العبد الصالح: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}، نسأل الله تعالى الهداية والصلاح والأمن التام والنعيم المقيم.
ارجعوا إلى دينكم، تعرفوا على الله في الرخاء يعرفكم في الشدة، اصدقوا الله يصدقكم، واذكروه يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، أدوا إليه حقه يوفيكم حقكم، ألم تسمعوا قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، ومن أصدق من الله حديثا.
واعلموا أن عذاب الله إذا حل بقوم عمهم، فهو لا يصيب ناسا دون آخرين، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم». أما أنتم أيها الدعاة، أيها الشباب الملتزم بدين الله، أيها المرشدون، أيها المصلحون، لا تقنطوا من رحمة الله، ولا يحملنكم انتشار الفساد والعوائق على ترك الدعوة والنصح والإصلاح، ادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تيأسوا، فهي طريق النجاة: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}، وأحسنوا الظن بالله، وثقوا بوعده الذي لا يخيب، فإنه ناصر دينه ومعلٍ كلمته، اجتهدوا في جبر ما انكسر، وتقوية ما ضعف، وإصلاح ما فسد، فإن ذلك من أحسن الأقوال وأفضل الأعمال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.