مشارق أنوار العقول ج2 للإمام السالمي رحمه الله

    • مشارق أنوار العقول ج2 للإمام السالمي رحمه الله


      [B]مقدمة


      [FONT=arial, verdana, helvetica][B]الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي[/FONT][/B][/B]


      بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمد لله، والصلاة والسلام على محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، ويسر لنا العمل كما علمتنا وأوزعنا شكر ما آتيتنا، وانهج لنا سبيلا يهدي إليك وافتح بيننا وبينك بابا نفد منه عليك، لك مقاليد السماوات والأرض وأنت على كل شيء قدير.

      لقد كان من عون الله تعالى لنا وعنايته بنا أن وهبنا الصحة والعافية ومنحنا فسحة من الوقت تمكنا من خلالها من إنجاز تحقيق الجزء الثاني من كتاب (( مشارق أنوار العقول )) للإمام نور الدين أبي محمد عبدالله بن حميد السالمي.

      ولقد تكلمنا في مقدمة الجزء الأول عن الكتاب ومؤلفه بما يغني عن الحديث عنه مرة أخرى، وإن كان هناك من شيء يجب إضافته، فإنه يطيب لنا أن نلقي بعض الأضواء على ما حوته دفتا هذا الجزء من أبواب وفصول مشيرين إلى طريقة المؤلف في عرضها وتبيانها.

      بدأ المؤلف حديثه في هذا الجزء عن جواز بعث الرسل والأنبياء، وفيه يستعرض أقوال العلماء والفرق المختلفة، موضحا معتقدهم من هذه القضية مفندا آراءهم، مشيرا لصوابهم كاشفا عن أخطائهم، مبرزا في النهاية الرأي الأمثل والذي يتوافق مع كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

      وما كاد المؤلف ينتهي من عرض هذه القضية التي كثرت فيها الآراء وتبادلت فيها الأفكار حتى نراه يعقد فصلا مطولا عن القرآن الكريم يستعرض من خلاله المحكم والمتشابه في كتاب الله تعالى، موضحا أقسام كل منهما مبتعدا عن الرأي العجل مبرأ نفسه عن الهوى والغرض الذي هو آفة بعض العلماء، والذي أدى ببعضهم في النهاية إلى البلبلة والتمزق، وتوسيع هوة الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة.

      ثم تناول المؤلف السمعيات بالحديث، وأسهم إسهاما مميزا في توضيح قضية الروح، وعذاب القبر، وتباين الآراء في خلق الجنة والنار، وما يتبع ذلك من قضية البعث والحساب، والميزان والصراط، وشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

      وهو في كل ذلك مفندا أقوال العلماء مبينا زيفها مشيرا إلى ما فيها من آراء فاسدة، ومعتقدات باطلة يفعل المؤلف ذلك بعد عرض آراء الخصوم كما جاءت عنهم أو نقلت في مؤلفاتهم وكتبهم بلا زيادة أو نقصان.

      والكتاب بهذه الصورة يعتبر أحد المراجع الهامة في علم الكلام وذلك باستعراضه للكثير من آراء الفرق الكلامية والتي واكبت تاريخ الفكر الإسلامي، وساهمت مساهمة فعالة في نضجه واكتماله.

      نسأل الله العلي القدير أن يجزي مؤلفه جزاء العاملين الذين أجابوا داعي الله، وأخلصوا دينهم لله، وأن يجعل عمله في هذا الكتاب في حسناته يوم القيامة إنه نعم المولى ونعم النصير.


      مسقط في 25 جمادى الأولى 1408 هـ.
      14 يناير 1988 م


      المحقق
      د. عبد الرحمن عميرة
      رئيس قسم العلوم الإسلامية
      بجامعة السلطان قابوس

    • [B]الباب الثالث من الركن الثاني : المقصد الأول


      [FONT=arial, verdana, helvetica][B]الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي[/FONT][/B][/B]

      [B][FONT=arial, verdana, helvetica][/FONT]

      [FONT=arial, verdana, helvetica][/FONT]
      [FONT=arial, verdana, helvetica][/FONT]
      [FONT=arial, verdana, helvetica]في جواز بعث الرسل والحكمة في بعثهم



      ( ثم من الجائز بعث الرسل =يهدوننا إلى الصراط الأعدل )
      ( مقرونة دعواهم تفضلا= بمعجزات تبطل التقولا )

      doPoetry()
      1
      2
      ( ثم من الجائز بعث iiالرسـل يهدوننا إلى الصراط الأعدل )
      ( مقـرونـة دعـواهـم iiتفـضـلا بمعـجـزات تبـطـل التـقـولا ii)


      [/FONT]
      [/B]


      ( قوله ثم من الجائز ) أي العقلي المعبر عنه بالإمكان الخاص المنافي للوجوب والاستحالة أي من الجائز في حقه تعالى بعث الرسل الخ لا من الواجب عليه تعالى خلافا للمعتزلة والفلاسفة، ولا من المستحيل عليه خلافا للبراهمة(1) والسمنية (2) ونحوهم، أما المعتزلة فأوجبوا بعثة الرسل على الله تعالى لأن صلاحية أمر المعاش والمعاد متوقفة على وجودهم، فلا يتم نظامها إلا بهم، وهو مبني على مذهبهم الفاسد بوجوب رعاية الأصلحية على الله تعالى ووجوب مراعاة الأصلحية مبني على قولهم بتحكيم العقل ورد الشرع إليه وقد تقدم إبطاله . ( وأما الفلاسفة ) فقد أوجبوا ذلك على الله تعالى بطريق العلة والطبيعة، وبطلان مذهبهم ظاهر لأن الله تعالى هو الصانع المختار لا العلة ولا الطبيعة.

      ( وأما ) القائلون باستحالة البعثة فمنهم من ذهب أنها مستحيلة لذاتها لاحتمال أن يكون ذلك الخبر الذي جاء إلى هذا البشر إنما هو من إلقاء الجن إليه .

      وأجيب بأنه يخلق الله في البشر الموحى إليه علما يدرك به أن ذلك الخبر من عند الله تعالى لا من عند الجن والشياطين.

      ( ومنهم ) من زعم أنها مستحيلة لاستحالة التكليف مع إمكانها في نفسها ( ومنهم ) من زعم أنها مستحيلة لاستحالة خرق العادة عقلا وأجيبوا بأن خرق العادة ليس هو بأشد من إبداء خلق السماوات والأرض. ( ومنهم ) من قال بجوازها وأنكر وقوعها وأجيبوا بوجود المعجزات الدالة على وقوع النبوة حيث لا معارض.

      ( قوله : بعث الرسل ) أي إرسال الرسل إلى الخلق مبشرين ومنذرين مقرونين بالمعجزة الدالة على صدقهم وكذلك أيضا من الجائز عليه تعالى الإيحاء إلى نبي لم يأمره بالتبليغ فيختص باسم النبي دون الرسول لما سيأتي من الفرق بينهما.

      ( تنبيه ) يترتب على قولنا أن بعث الرسل من الجائز العقلي عدم وجوب معرفة أن لله رسولا بخاطر البال فإنه متى ما جوز العقل وجود بعث الرسول وعدمه كان معه كلا الطرفين سواء ، فلا يكون طريق معرفة البعث إلا السماع.

      ( قوله يهدوننا ) أي ينصبون لنا الأدلة الكائنة سببا لهدايتنا إلى سلوك طريق رضوان ربنا ، وهذا هو الحكمة في إرسالهم ولا يغني عنهم في ذلك العقل كما زعمه بعض الملحدة ، حيث قالوا : إن العقل يهتدي إلى معرفة الحسن فيفعله والقبيح فيتركه والأشياء التي لم يحكم فيها العقل بحس ولا قبح تفعل عند الضرورة وتجتنب عند عدمها .

      ( وجوابهم :( أن العقل لا يدرك من التكاليف إلا بعضها ، فلا يدرك ما كان كالصلاة ووظائفها والصوم ووظائفه ونحو ذلك ، فلا غنى عن الرسول به ولو سلمنا أنه يدرك ذلك لكان إدراكه له متفاوتا محتاجا إلى مدة طويلة ، وربما وقع في مهلكة قبل إدراكه لها فالرسول كالطبيب الحاذق الذي يعرف الداء والدواء وطبائع الأدوية ، فيخبر الناس أن هذا لكذا وهذا لكذا وذا لكذا ، فإنه وإن أمن أن الناس يدركون طبائع تلك الأدوية وأسرارها بمحض التجربة فلربما وقعوا في مدة تجربتهم لها في الدواء القاتل لهم فظهرت حكمة وجود الطبيب لهم.

      ( قوله إلى الصراط الأعدل ) أي الطريق المستوي المبلغ إلى رضوان الله تعالى.

      ( قوله مقرونة دعواهم ) حال من فاعل يهدوننا ، أي يهدوننا إلى الصراط المستقيم حال كونهم مقرونة دعواهم بأنهم أنبياء وأنهم رسل من الله إلى خلقه ، وأنهم مبلغون عن الله ما أمرهم بتبليغه بمعجزات خارقة للعادة مبطلة لمعارضة المعاند لهم ، شاهدة على تصديق مدعاهم نازلة منزلة صدق عبدي في كل ما بلغه عني، وقرن دعواهم بتلك المعجزات إنما هو عن محض تفضل الله تعالى لا عن وجوب ولا عن إيجاب.

      قال الباجوري : ( وأعلم ) أن المعجزة لغة : مأخوذة من العجز وهو ضد القدرة وعرفا : أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة.

      وقال السعد(3) : هي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة تحدي المنكرين على وجه يعجز المنكرين على الإتيان بمثله وقد اعتبر المحققون فيها سبعة قيود .

      الأول : أن تكون قولا أو فعلا أو تركا فالأول كالقرآن .

      والثاني : كنبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم .

      والثالث : كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم ، وخرج بذلك الصفة القديمة كما إذا قال : آية صدقي كون الإله متصفا بصفة الاختراع .

      الثاني : أن تكون خارقة للعادة وهي ما اعتاده الناس واستمروا عليه مرة بعد أخرى ، وخرج بذلك غير الخارق كما إذا قال : آية صدقي طلوع الشمس من حيث تطلع وغروبها من حيث تغرب.

      الثالث : أن تكون على يد مدعي النبوة أو الرسالة ، وخرج بذلك الكرامة وهي : ما يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح والمعونة وهي ما يظهر على يد العوام تخليصا لهم من شدة .
      والاستدراج : وهو ما يظهر على يد فاسق خديعة ومكرا به .

      والإهانة : وهي ما يظهر على يده تكذيبا له كما وقع لمسيلمة(4) الكذاب فإنه تفل في عين أعور لتبرأ فعميت الصحيحة .

      الرابع : أن تكون مقرونة بدعوى النبوة أو الرسالة حقيقة أو حكما بأن تأخرت بزمن يسير ، وخرج بذلك الإرهاص وهو ما كان قبل النبوة والرسالة تأسيسا لها كإظلال الغمام له صلى الله عليه وسلم قبل البعثة .

      الخامس : أن تكون موافقة للدعوى وخرج بذلك المخالف لها كما إذا قال آية صدقي في انفلاق البحر فانفلق الجبل .

      السادس : أن لا تكون مكذبة له وخرج بذلك ما إذا كانت مكذبة له كما إذا قال آية صدقي نطق هذا الجماد فنطق إنه مفتر كذاب ، بخلاف ما لو قال : آية صدقي نطق هذا الإنسان الميت وإحياؤه فأحيا ونطق بأنه مفتر كذاب والفرق أن الجماد لا اختيار له فاعتبر تكذيبه لأنه أمر إلهي والإنسان مختار فلا يعتبر تكذيبه لأنه ربما اختار الكفر على الإيمان .

      السابع : أن تتعذر معارضته وخرج بذلك السحر ومنه الشعبذة وهي : خفه في اليد يرى أن لها حقيقة ولا حقيقة لها ، كما يقع للحواة وزاد بعضهم .

      ثامنا : وهو أن لا تكون في زمن نقض العادة كزمن طلوع الشمس من مغربها ، وخرج بذلك ما يقع من الدجال كأمره للسماء أن تمطر فتمطر وللأرض أن تنبت فتنبت ، وقد نظم بعضهم أقسام الأمر الخارق للعادة فقال :



      إذا ما رأيت الأمر يخرق عادة = فمعجزة أن من نبي لنا صدر
      وإن بان منه قبل وصف نبوة= فالإرهاص سمه تتبع القوم في الأثر
      وإن جاء يوما من ولي فإنه الكر=امة في التحقيق عند ذوي النظر
      وإن كان من بعض العوام صدوره= فكنوه حقا بالمعونة واشتهر
      ومن فاسق إن كان وفق مراده=يسمى بالاستدراج فيما قد استقر
      وإلا فيدعى بالإهانة عندهم=وقد تمت الأقسام عند الذي اختبر

      doPoetry()
      1
      2
      3
      4
      5
      6
      إذا مــا رأيــت الأمــر يـخـرق iiعـــادة فمعـجـزة أن مــن نـبـي لـنـا صـــدر
      وإن بــان مـنـه قـبـل وصـــف iiنـبــوة فالإرهاص سمه تتبع القوم في الأثر
      وإن جـاء يومـا مـن ولـي فإنـه iiالـكـر امة فـي التحقيـق عنـد ذوي iiالنظـر
      وإن كـان مـن بعـض العـوام iiصـدوره فـكـنـوه حـقــا بالمـعـونـة واشـتـهـر
      ومـن فاسـق إن كـان وفــق iiمــراده يسمى بالاستدراج فيما قـد استقـر
      وإلا فـيـدعـى بـالإهـانــة iiعـنـدهــم وقد تمت الأقسام عند الـذي iiاختبـر



      وزاد بعضهم السحر وقيل أنه ليس من الخوارق لأنه معتاد عند تعاطي أسبابه انتهى .

      ( قوله تفضلا ) أي إعطاء غير ناشئ عن وجوب عليه تعالى كما تقول المعتزلة ، ولا عن إيجاب كما تقول الفلاسفة ، وانتصب على أنه حال من معجزات تقديره متفضلا بها عليهم .
      ( قوله بمعجزات ) جمع معجزة بالمعنى المتقدم ذكره وإنما جمع المعجزات مع أنه يكفي لكل رسول معجزة واحدة من باب مقابلة الجمع بالجمع وذلك أنه جمع الرسل فقابلهم بجمع المعجزات ، كقولك لبس القوم ثيابهم أي لبس كل واحد منهم ثوبه المختص به ( قوله تبطل التقولا ) أي تلك المعجزات تسقط تقول المعارض وذلك التقول تكذيبهم الرسل وزعمهم أنهم يقدرون على الإتيان بمثل ما جاؤوا به كما وقع مثل ذلك لفرعون مع موسى عليه السلام حيث قال: (( فلنأتينك بسحر مثله ))(5) وكما وقع لكذاب اليمامة في وضعه سجعات يزعم أنها أوحيت إليه يريد بها معارضة الكتاب العزيز ، فبقيت أضحوكة عليه إلى يوم القيامة .



      ------------------------------
      1- من الناس من يظن أنهم براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام وذلك خطأ فإن هؤلاء هم المخصصون بنفي النبوات أصلا ورأسا فكيف يقولون بإبراهيم عليه السلام ؟ والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه السلام من أهل الهند فهم الثنوية القائلون بالنور والظلمة على رأس أصحاب الاثنين وهؤلاء إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول .

      والبراهمة تفرقوا أصنافا فمنهم أصحاب البدوة ومنهم أصحاب الفكر ومنهم أصحاب التناسخ.

      2- السمنية : قوم ينفون النظر والاستدلال ويقولون بقدم العالم وزعموا أنه لا معلوم إلا من جهة الحواس الخمس وأنكر أكثرهم المعاد والبعث بعد الموت وقال فريق منهم بتناسخ الأرواح في الصور المختلفة وأجازوا أن ينقل روح الإنسان إلى كلب وروح الكلب إلى إنسان .

      راجع التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين ص149.راجع الفرق بين الفرق ص270

      3- هو مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني سعد الدين ، من أئمة العربية والبيان والمنطق ، ولد بتفتازان عام 712 هـ من بلاد خراسان وأقام بسرخس وأبعده تيمور لنك إلى سمرقند فتوفي فيها ودفن في سرخس كانت في لسانه لكنة .

      من كتبه ( تهذيب المنطق ، والمطول في البلاغة ، ومقاصد الطالبين ، وإرشاد الهادي ) وغير ذلك كثير وكانت وفاته عام 793 هـ .

      راجع بغية الوعاة 391 ومفتاح السعادة 1 : 165 والدرر الكامنة 4 : 350 وآداب اللغة 3 : 235 ودائرة المعارف الإسلامية 5 : 339 .

      4- هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي أبو ثمامة متنبئ من المعمرين ، وفي الأمثال (( أكذب من مسيلمة )) ولد ونشأ باليمامة بوادي حنيفة في نجد وتقلب في الجاهلية بالرحمن وعرف برحمان اليمامة ولما ظهر الإسلام ودانت بذلك العرب جاءه وفد من بني حنيفة فأسلم الوفد ، ادعى النبوة فأرسل إليه أبو بكر الجيوش بقيادة خالد بن الوليد فقضى عليه عام 12 هـ .

      راجع ابن هشام 3 : 74 والروض الأنف 2: 340 والكامل لابن الأثير 2 : 137 ـ 140 وشذرات الذهب 1 : 23 .

      5- سورة طه آية رقم 58 وتكملة الآية ( فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى ).
      قال ابن عباس : وكان يوم الزينة يوم عاشوراء ، وقال السدي وقتادة وابن زيد كان يوم عيدهم ، وقال سعيد بن جبير : كان يوم سوقهم ، ولا منافاة .

      وقال وهب بن منبه : قال فرعون يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى لم أؤمر بهذا إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك ، فأوحى الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أو يجعل هو . قال فرعون اجعله إلى أربعين يوما ففعل . وقال مجاهد وقتادة مكانا سوى منصفا ، وقال السدي : عدلا ، وقال عبدا لرحمن بن زيد ابن اسلم مكانا مستو بين الناس وما فيه لا يكون صون ولا شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض مستو حين يرى . والله أعلم .

    • [B]المقصد الثاني : فيما يجب للرسل .....


      [FONT=arial, verdana, helvetica][B]الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي
      [/B]
      [/FONT][/B]


      المقصد الثاني : فيما يجب للرسل وما يستحيل عليهم وما يجوز في حقهم وفي حكم ذلك



      ( وواجب عليك أن تعرف ما= يجوز للرسل وما قد لزما )
      ( وما استحال عنهم فالـلازم =في حقهم نعتا هي المكارم )
      ( كالصدق والتبليــغ والأمانة=والعقل والضبط وكالفطانة )
      ( والمستحيل ضدها كالكـذب =وكالجنون وارتكاب الريب )


      doPoetry()
      1
      2
      3
      4
      ( وواجـب عليـك أن تعـرف iiمـا يجـوز للرسـل ومـا قـد لزمـا ii)
      ( وما استحـال عنهـم iiفالـلازم في حقهم نعتا هي المكارم )
      ( كالصـدق والتبلـيـغ والأمـانـة والعقـل والضبـط وكالفطـانـة ii)
      ( والمستحيل ضدها iiكالكـذب وكالجـنـون وارتـكـاب الـريـب )



      ( قوله وواجب عليك ) أي وجوبا شرعيا بعد قيام حجة السمع به.

      ( قوله أن تعرف ما يجوز للرسل الخ ) أعلم أن للرسل صفات جائزة وواجبة ومستحيلة ، وكذلك الأنبياء أيضا وخص الرسل بالذكر لشرفهم على الأنبياء ، ولا عناد المعاند وتكذيبه أكثر ما وقع في حقهم ( قوله يجوز للرسل ) أي جوازا شرعيا ( قوله وما قد لزما ) أي لزوما شرعيا .

      ( قوله وما استحال عنهم ) استحالة شرعية وإنما قيدنا جميع ذلك بالشرع لأن الشرع هو الذي قضى لهم بذلك ، أي استفيد اتصافهم بالمكارم الآتي ذكرها واستحالة أضدادها عليهم وجواز ما عدا ذلك في حقهم إنما علم من طريق الشرع ، كما ستقف عليه من أدلة العصمة ، وذهب بعضهم إلى أن اتصافهم بتلك المكارم واستحالة أضدادها عليهم إنما هو من طريق العقل أي العقل قضى بأن من كان نبيا يجب له كذا ويستحيل عليه كذا ( قوله فاللازم في حقهم ) أي في جانبهم أي في جانب نعتهم ( قوله نعتا ) أي وصفا تمييز مبين لإجمال النسبة الإضافية والأصل في حق نعتهم ( قوله هي المكارم ) جمع مكرمة بضم الراء وهي الخصلة المحمودة.


      ( قوله كالصدق ) هو مطابقة للواقع أي يجب في حق الأنبياء اتصافهم بالصدق في إخبارهم قال الباجوري : ولو بحسب اعتقادهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم (( كل ذلك لم يكن ))(1) لما قال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله حين سلم من ركعتين ( أقول ) إن الخبر لا يوصف بالصدق بنفس مطابقة الاعتقاد دون الواقع ، كما هو مذهبنا ومذهب الأشاعرة فينبغي أن يقال في مثل هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن الواقع في ظنه فإنه ظن حال إخباره أن كل ذلك لم يقع فإذا هو واقع بعضه قال ( فإن قيل ) قد مر صلى الله عليه وسلم على جماعة يؤبرون النخل وقال : لو تركتموها لصلحت فتركوها فشاصت(2) ( أجيب ) بأن هذا من قبيل الإنشاء لأن المعنى كان في رجائي ذلك والإنشاء لا يتصف بصدق ولا كذب ، وعدم وقوع المترجي لا يعد نقصا قال: ودليل صدقهم عليهم الصلاة والسلام لو لم يصدقوا للزم الكذب في خبره تعالى لتصديقه تعالى لهم بالمعجزة النازلة منزلة قوله تعالى (( صدق عبدي في كل ما يبلغ عني )) وتصديق الكاذب كذب وهو محال في حقه تعالى ، فملزومه وهو عدم صدقهم محال وإذا استحال عدم صدقهم وجب صدقهم وهو المطلوب ، لكن هذا الدليل إنما يدل على صدقهم في دعوى الرسالة وفي الأحكام الشرعية لأن ذلك هو الذي بلغوه عن الله تعالى ولا يدل على صدقهم في غير ذلك كقام زيد وقعد عمرو ، لكن يدل عليه دليل الأمانة لأنه داخل فيها وعلم من ذلك أن أقسام الصدق ثلاثة المقصود هنا الأولان وأما الثالث فهو داخل في الأمانة كما علمت انتهى .

      ( قوله والتبليغ ) وهو إيصال ما أمروا بإيصاله ولو أدى ذلك إلى هلاكهم خلافا للشيعة(3) القائلين بجواز ترك التبليغ وإظهار الكفر من الأنبياء للتقية إذا خافوا الهلاك ( قلنا ) لو جاز في حقهم ذلك للزم إبطال الدعوة أصلا لكثرة المخالفين لهم في مبدأ أمرهم والقاصدين لهم بالسوء حتى أن منهم من القي في النار ومنهم من نشر بالمنشار وإنما قيدنا التبليغ بالمأمورين بتبليغه ليخرج ما أمروا بكتمانه فإنه يجب في حقهم كتمانه وما خيروا فيه في تبليغه وعدمه فإنه يكون في حقهم ما شاؤوا من الطرفين. قال الباجوري: والدليل على وجوب تبليغهم عليهم الصلاة والسلام أنهم لو كتموا شيئا مما أمروا بتبليغه للخلق لكنا مأمورين بكتمان العلم لأن الله تعالى أمرنا بالإقتداء بهم واللازم باطل لأن كاتم العلم ملعون ، ولو جاز عليهم كتمان شيء لكتم رئيسهم الأعظم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ((وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ))(4).

      وأصح محامله ما نقله من يعول عليه في التفسير عن علي بن الحسين من أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه فلما شكاها إليه زيد قال: أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى في نفسه ما أعلمه به من أنه سيتزوجها والله مبدي ذلك بطلاق زيد لها وتزويجها له صلى الله عليه وسلم ومعنى الخشية : استحياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس أن يقولوا تزوج زوجة ابنه أي من تبناه فعاتبه الله على هذا الاستحياء لعلو مقامه وما قيل من أنه صلى الله عليه وسلم تعلق قلبه بها وأخفاه فلا يلتفت إليه وإن جل ناقلوه فإن أدنى الأولياء لا يصدر عنه مثل هذا الأمر فما بالك به صلى الله عليه وسلم ؟ وهذا هو الذي نعتقده وندين لله به كما نقله السنوسي(5) في كتبه ا. هـ.

      ( قوله والأمانة ) وهي حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بمنهي عنه ولو نهي كراهة أو خلاف الأولى وهم محفوظون ظاهرا من الزنا وشرب الخمر والكذب وغير ذلك من منهيات الظاهر ، ومحفوظون باطنا من الحسد والكبر والرياء وغير ذلك من منهيات الباطن ، ولا يقع منهم مكروه ولا خلاف الأولى على وجه كونه مكروها أو خلاف الأولى وإذا وقع صورة ذلك فهو للتشريع فيصير واجبا أو مندوبا في حقهم فأفعالهم عليهم الصلاة والسلام دائرة بين الواجب والمندوب ، ودليل وجوب الأمانة لهم عليهم الصلاة والسلام أنهم لو خانوا بفعل محرم أو مكروه أو خلاف الأولى لكنا مأمورين به لأن الله تعالى أمرنا بإتباعهم في أقوالهم ، وأفعالهم ، وأحوالهم من غير تفصيل ، وهو تعالى لا يأمر بمحرم ولا مكروه ولا خلاف الأولى ، فلا تكون أفعالهم محرمة ولا مكروهة وخلاف الأولى وهذا الدليل وإن كان على صورة الدليل العقلي هو في الحقيقة دليل شرعي ، لأن دليل الملازمة شرعي وبطلان التالي بدليل شرعي وهو أن الله لا يأمر بالفحشاء ا. هـ باجوري بتصرف.

      ( قوله والعقل ) هو ما يدرك به حقائق الأشياء قيل محله الرأس وقيل محله القلب أي يجب في حقهم أن يكونوا عاقلين للأشياء المعقولة فلا يكون النبي مجنونا ولا معتوها ولا من سائر الحيوانات الغير العاقلة والدليل على أن النبي لا يكون مجنونا إنكاره تعالى على من وصف نبيه بالجنة في قوله تعالى ((أم به جنة ))(6) ((قالوا ساحر أو مجنون ))(7) فلو جاز وصفهم بالجنة لما أنكر على من وصفهم بها لكنه أنكر على من وصفهم بها فدل على أنه لا يجوز وصفهم بلك ، وأما العته فهو من الجنون فدليل استحالته دليل استحالته .

      (وأما ) دليل وجوب عدم كونه من الحيوانات الغير العاقلة قوله تعالى((وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ))(8) الآية فهذه الآية صريح في نفي إرسال غير الرجال قبل نبينا عليه الصلاة والسلام ونبينا رجل أيضا فدل على أنه لم يكن رسول من غير جنس العقلاء . لكن الآية دليل في الرسل خاصة.

      ( وأما ) الأنبياء فيستدل على أنهم من جنس العقلاء بقوله تعالى ((أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ))(9).

      ويحتمل أن يقال أن هذا الدليل خاص بالمشار إليهم وهم المذكورون في السورة.

      ( اعلم ) أن وجود الأنبياء من غير العقلاء ليس مما يستحيل عقلا بل جائز لكنه لم يقع ولو وقع لنقل أما قوله تعالى ((وأوحى ربك إلى النحل ))(10)فليس هو من الإيحاء بالنبأ وإنما هو بمعنى الإلهام أي وألهمها ربك أن تتخذ من الجبال بيوتا إلى آخره ( قوله والضبط ) هو حفظ الشيء بحزم وفي الاصطلاح: سماع الكلام كما يحق سماعه ثم فهم معناه الذي أريد به ثم حفظه ببذل مجهوده والثبات عليه بمذاكراته إلى حين أدائه إلى غيره ا. هـ والمراد به ها هنا المعنى اللغوي أي ومما يجب في حقهم أن يكونوا حافظين لما ألقي إليهم من الوحي على سبيل الحزم منهم عن نسيان شيء منه لأن الإهمال مؤد إلى التهاون بأمر الآمر بالتبليغ والتهاون بأمر خالقهم كبيرة وهم معصومون عنها فدليل وجوب الضبط هو دليل وجوب العصمة كما سيأتي إن شاء الله ( قوله وكالفطانة ) هي التفطن والتيقظ لإلزام الخصوم وإبطال دعاويهم الباطلة والدليل على وجوب الفطانة لهم عليهم الصلاة والسلام آيات كقوله تعالى((وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم ))(11) والإشارة عادة إلى ما احتج به إبراهيم على قومه من قوله ((فلما جن عليه الليل )) إلى قوله ((وهم مهتدون ))(12) وكقوله تعالى حكاية عن قوم نوح ((يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ))(13) أي خاصمتنا فأطلت جدالنا أو أتيت بأنواعه وكقوله تعالى ((وجادلهم بالتي هي أحسن ))(14) أي بالطريق التي هي أحسن بحيث تشتمل على نوع إرفاق بهم ومن لم يكن فطنا بأن كان مغفلا لا تمكنه إقامة الحجة ولا المجادلة ( لا يقال ) هذه الآيات ليست واردة إلا في بعضهم فلا تدل على ثبوت الفطانة لجميعهم لأنا نقول ( ما ثبت لبعضهم من الكمال يثبت لغيره فثبتت الفطانة لجميعهم وإن لم يكونوا رسلا بل أنبياء فقط ، فاللائق بمنصب النبوة أن يكون عندهم من الفطانة ما يردون به الخصم على تقدير وقوع جدال منهم ا. هـ باجوري .

      ( قوله والمستحيل ضدها ) أي والممتنع ثبوته في حقهم ضد تلك المكارم وضد الشيء هي الصفة التي تعاقبه في محله ولا تجتمع معه ونقيض الشيء كذلك أيضا لكن الفرق بين الضدين والنقيضين أن الضدين لا يجتمعان وقد يرتفعان كالسواد والبياض فإنهما قد يرتفعان عن المتلون فيتصف بالحمرة والخضرة ونحوهما ، وأما النقيضان فلا يجتمعان ولا يرتفعان بمعنى أنه لا ينعدمان معا ولا يوجدان معا ، بل إذا وجد أحدهما امتنع الآخر كالوجود والعدم(15) والحدوث والقدم ( قوله كالكذب ) هو عدم مطابقة الخبر للواقع ودليل استحالته هو دليل وجوب الصدق لهم ، فإن من وجب صدقه استحال كذبه ( قوله وكالجنون ) هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادرا ، وهو عند أبي يوسف(16) إن كان حاصلا في أكثر السنة فمطبق وما دونها فغير مطبق ا. هـ وقد تقدم دليل استحالته عليهم وكذلك العته وهو عبارة عن آفة ناشئة عن الذات توجب خللا في العقل ، فيصير صاحبه مختلط العقل فيشبه بعض كلام العقلاء وبعض كلام المجانين بخلاف السفه فإنه لا يشابه المجنون لكن تعتريه خفة إما فرحا وإما غضبا ا. هـ وهو أيضا مستحيل في حقهم لأن تلك الخفة مغيرة للعقل فتجري أفعالهم وأقوالهم على خلاف الحكمة ولأن السفه مناف لرتبة الاصطفاء وداع إلى التنفر عن الإتباع وقاض برد القول إلى قائله، وقد أخبرنا تعالى أنهم المصطفون وقد أمرنا بإتباعهم ونهانا عن رد قولهم إليه فوجب أن لا يكونوا سفهاء، وهذه الأدلة قاضية أيضا باستحالة الجنون والعته عليهم ( قوله أو ارتكاب الريب ) جمع ريبة وهي ما تكون سببا للتهمة أي يتهم بها فاعلها فتشمل جميع المعاصي ما عدا الصغير الغير الخسيس الناشئ عن غير تعمد، فإن وقوع هذا لا يجب تهمة فاعله.

      ( أعلم ) أن الأمة اتفقوا على عصمة الأنبياء من ارتكاب الشرك عمدا وأجازت الشيعة ارتكابه لهم إذا خافوا الهلاك بعدم ارتكابه، وقد تقدم بطلان قولهم وإنه يؤدي إلى إخفاء الدعوة التي بعث لأجلها الرسول وأجمعوا أيضا على استحالة الكذب عليهم فيما بعثوا به عمدا وسهوا وقد تقدم دليله واختلفوا في جواز الكذب عليهم سهوا في غير ما بعثوا بتبليغه وكذلك أيضا اختلفوا في جواز ارتكاب الصغيرة الغير الخسيسة، وأما الخسيسة كسرقة لقمة ونحوها فمستحيلة عليهم اتفاقا وكذلك كبائر غير الشرك، وذهبت الحشوية إلى جوازها عليهم ومنع الجبائي(17) في حقهم الصغيرة والكبيرة والخسيسة وغيرها على سبيل التعمد، هذا كله بعد النبوة وأما قبلها فذهب جمهور من الأشاعرة والمعتزلة إلى جوازها أي الكبائر عليهم ومنعها بعض المعتزلة لأنها مما ينفر عن الإتباع بعد النبوة، ومنع بعضهم كل ما ينفر ككون الأم عاهرة ونحو ذلك ومنعت الرافضة(18) الصغيرة والكبيرة قبل النبوة وبعدها .

      ( والمذهب ) أنهم معصومون بعد النبوة من الكبائر مطلقا ومن خسيس الصغائر أيضا لما تقدم من الأدلة على وجوب ما يجب لهم وعلى استحالة ما يستحيل عليهم وأما قبل النبوة فلا دليل سمعي يرفع ذلك عنهم أما بعد النبوة فغير مسلم لأن الاصطلاح الأخير ممح للإفساد الأول ( لا يقال ) إن في قوله تعالى ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ))(19)وفي قوله تعالى حكاية عن إبليس ((إلا عبادك منهم المخلصين ))(20)دليلا على أن الشيطان لا سبيل له عليهم وعدم السبيل غير مقيد بزمان دون زمان فتستحيل عليهم مطلقا قبل النبوة وبعدها ( لأنا نقول ) إن السبيل ممتنع حال الإخلاص لا قبله لأنه نفي عنهم حال اتصافهم بذلك ( واعلم ) أن تجويزنا عليهم الكبائر قبل النبوة لا يستلزم وقوعها منهم لأن الجواز أخص من الوقوع وقد قلنا به لاستصحاب الحال مع عدم المانع ولو صح دليل على منعه لمنعناه لأن المنع هو اللائق بمنصبهم الكريم ( ولنا ) على عصمتهم بعد النبوة أدلة ( منها ) أنا قد أمرنا بإتباعهم كقوله تعالى ((وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ))(21) وقوله ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوه يحببكم الله ))(22) فلو جازت عليه الكبائر والخسائس لكنا مأمورين بارتكابها حال إتباعنا لهم فيها وهو باطل ( ومنها ) أنهم لو جاز عليهم ذلك لكانوا غير مقبولي الشهادة في شيء من أمور الدنيا لقوله تعالى ((إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ))(23) فكيف يقبل منهم ما جاؤوا به عن الله تعالى ( ومنها ) أنه لو جاز عليهم ذلك لدخلوا تحت اللوم والتوبيخ من قوله تعالى ((أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ))(24) ( ومنها ) انه لو جاز عليهم ذلك لجاز عليهم الزجر والتعنيف لعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيكون ذلك إيذاء في حقهم وهو محجور ( ومنها ) لو جاز عليهم ذلك لضوعف العذاب في حقهم ولكانوا أشر من فساق العوام لأن ذا المنصب العالي إذا عصى كان العصيان أقبح منه ولضوعف عليه العذاب بدليل ((من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ))(25) ( ومنها ) قوله تعالى ((لا ينال عهدي الظالمين ))(26) ولا عهد فوق النبوة ( ومنها ) قوله تعالى ((ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ))(27) ( ومنها ) أنه تعالى قسم المكلفين قسمين فجعلهم حزبين وحزب الشيطان هم العصاة وهم الخاسرون ((ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ))(28) وأنت إذا تأملت هذه الأدلة كلها رأيتها أدلة لعدم الوقوع لا لرفع الجواز بالكلية لكن دليلنا على رفع الجواز أن نقول هكذا لو جاز عليهم ذلك لوقع منهم أو من أحدهم كما وقع من غيرهم لكنه لم يقع منهم ولا من أحدهم فدل على أنهم معصومون منه، ودليل آخر هو قوله تعالى حكاية عن إبليس ((إلا عبادك منهم المخلصين ))(29) وقوله ((إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ))(30) ولا شك أن الإخلاص لم يفارقهم منذ اصطفاهم الله لوحيه وإنهم عباده المصطفون وإذا كانوا كذلك فليس للشيطان عليهم سبيل فثبتت لهم العصمة ( لا يقال ) إن هذا الدليل ناف لارتكابهم الصغائر الخفيفة أيضا ( لأنا نقول ) إن صدور مثل ذلك منهم ليس هو من تسليط الشيطان عليهم وإنما منشأ ذلك غفلة أو سهو أو تأويل من فاعله كما في قصة آدم عليه السلام ( فإن قيل ) إن ما وقع لآدم هو من كيد الشيطان لأنه هو الموسوس والمزين لهم ذلك ( اجبنا ) بأنه ليس ذلك من تسليط الشيطان عليه وإنما وقع بتأول آدم عليه السلام النهي عن شجرة مخصوصة لا عن جنس تلك الشجرة فأكل من شجرة غير المشار إليها لكنها من جنسها كذا قيل، وفي ظاهر قوله تعالى حكاية عن إبليس ((ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ))(31) ما يرده لكن الجواب عنه أن آدم عليه السلام نسي النهي فأكل بعد النسيان لقوله تعالى ((ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ))(32) ولا يرد هذا بذكر إبليس لهم النهي لاحتمال أن يكون النسيان بعد ذلك وهذا الاحتمال موجود أيضا في تأول آدم النهي عن شجرة بعينها لا عن جنسها فإنه وإن أشار إليها الخبيث فيحتمل أن يكون آدم عليه السلام لم يلتفت إلى تلك الإشارة وقيل أكل آدم من الشجرة قبل أن ينبأ، وعليه فلا إشكال لأنا لا ندعي العصمة للأولياء بل للأنبياء ولا ندعيها أيضا لهم قبل النبوة .


      وما عدا ذلك فهو ممكن = في حقهم إلا الذي يستهجن

      doPoetry()
      1ومـا عـدا ذلــك فـهـو iiممـكـن في حقهم إلا الذي يستهجن


      ( قوله وما عدا ذلك ) أي المذكور من واجب ومستحيل فهو ممكن أي جائز في حقهم. أخر هذا القسم عن الواجب والمستحيل لأنه بمنزلة المركب منهما حيث جاز لهم الطرفان الفعل والترك ، وذلك كالأكل والشرب والنوم والجماع، ومخالطة الناس والمشي في الأسواق نحو ذلك من الخصال الجبلية التي خلقوا محتاجين إليها لا يستطيعون منع أنفسهم عنها أو التي خيروا في فعلها وتركها ( قوله إلا الذي يستهجن ) أي يستقبح أي يستثني من جواز ما عدا ذكره من الواجب والمستحيل الأشياء التي يستقبح فعلها للأنبياء كالبول قياما، فإن القوم رووا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باطل لقوله تعالى ((وإنك لعلى خلق عظيم ))(33) وأن البائل قائم ليس على خلق حسن فضلا من أن يكون على خلق عظيم .


      -------------------------------
      1 - الحديث رواه البخاري في كتاب الصلاة 88 باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره .
      482 حدثنا ابن شمل أخبرنا ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال صلى بنا الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين : سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا قال : فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من باب المسجد .فقالوا قصرت الصلاة ، وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال : يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة... ؟ قال وذكره . ورواه أيضا في الأذان 69 والسهو 5،4 وأدب 45 وإيمان 15 ورواه الإمام مسلم في المساجد 97،98،99،102 وأبو داود في الصلاة 189 والترمذي في الصلاة 175 والنسائي في السهو 22 وابن ماجة في الإقامة 134 والدرامي في الصلاة 175 .ورواه صاحب الموطأ في النداء 58،59 وأحمد بن حنبل في المسند 77:2 ، 235 ، 423 ، 460 ( حلبي ).

      2 - الحديث رواه الإمام أحمد ثنا عبد الصمد ثنا حماد عن ثابت عن أنس قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصواتا فقال: ما هذا ؟ قالوا: يلقحون النخل فقال: لو تركوه فلم يلقحوه لصلح فتركوه فلم يلقحوه فخرج شيصا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكره.ورواه الإمام مسلم في الفضائل 141 وابن ماجة في الرهون 15.

      3 - شيعة الرجل أتباعه وأنصاره وتشيع الرجل ادعى دعوى الشيعة ، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع وقوله تعالى ) كما فعل بأشياعهم من قبل ( أي بأمثالهم من الشيعة الماضية .
      والشيعة: أتباع الإمام على – رضي الله عنه – وقد غلا بعضهم في حب الإمام علي ، ويسمون الغلاة كاليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي ، والنصيرية ، والاسحاقية .

      4 - سورة الأحزاب آية رقم 37 وتكملة الآية )فلما قضى زيدا منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج ادعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولا ).

      5 - هو محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي الحسني من جهة الأم أبو عبدالله عالم تلمسان في عصره وصالحها له تصانيف كثيرة منها شرح صحيح البخاري لم يكمله ، وشرح مقدمات الجبر والمقابلة لابن الياسمين وتفسير سورة (ص) وما بعدها من السور ، وعقيدة أهل التوحيد ويسمى ( العقيدة الكبرى ) وأم البراهين ويسمى ( العقيدة الصغرى ) وغير ذلك كثير. توفي عام 895 هـ.
      راجع البستان 237 وتعريف الخلف 1 : 176 ومعجم المطبوعات 1058 ومناقب الحضيكي 1 : 224 – 233 .

      6 - سورة سبأ آية رقم 8 وتكملة الآية ( بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ).

      7 - سورة الذاريات آية رقم 52 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال : ( وقالوا شاعر أو مجنون ) وصوابها: ( ساحر أو مجنون ) وآية 39 ( الذاريات ) وقال ( ساحر أو مجنون )

      8 - سورة يوسف آية رقم 109 وسورة النحل آية رقم 43 .

      9 - سورة مريم آية رقم 58 وتكملة الآية ( ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا )

      10 - سورة النحل آية رقم 68 وتكملة الآية ) أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون )

      11 - سورة الأنعام آية رقم 83 .

      12 - سورة الأنعام آية رقم 76 – 82

      13 - سورة هود آية رقم 32 ( وتكملة الآية ) : ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )

      14 - سورة النحل آية رقم 125 وتكملة الآية ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )

      15 - العدم ضد الوجود ، وهو مطلق أو إضافي فالعدم المطلق هو الذي لا يضاف إلى شيء، والعدم الإضافي أو المقيد هو المضاف إلى شيء كقولنا عدم الأمن، وعدم الاستقرار، وعدم التأثر. قال ابن سينا ( البالغ في النقص غايته، فهو المنتهي إلى مطلق العدم فبالحري أن يطلق عليه معنى العدم المطلق. راجع الإشارات 69- 70 .

      16- هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه كان فقيها علامة من حفاظ الحديث ولد بالكوفة عام 113 هـ وتفقه بالحديث والرواية ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي وولى القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد. ومات في خلافته عام 182 هـ.
      وهو أول من دعي قاضي القضاة وأول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة وكان واسع العلم بالتفسير والمغازي وأيام العرب من كتبه ( الخراج ) و ( اختلاف الأمصار ) و ( أدب القاضي ) وغير ذلك كثير . راجع مفتاح السعادة 2 : 100- 107 وابن النديم 203 وأخبار القضاة لوكيع 3 : 254 والنجوم الزاهرة 2 : 107 والبداية والنهاية 10 : 180 والجواهر المضيئة 2 : 220.

      17 - هو محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي أبو علي من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره وإليه نسبة الطائفة (( الجبائية )) له مقالات وآراء انفرد بها في المذهب نسبته إلى جبى من قرى البصرة اشتهر في البصرة ودفن بجبى عام 303 هـ له تفسير حافل مطول رد عليه الأشعري .

      راجع المقريزي 2 : 348 ووفيات الأعيان 1 :480 والبداية والنهاية 11 : 125 واللباب 1 : 208 ومفتاح السعادة 2 : 35 ودائرة المعارف الإسلامية 6 : 270 -274 .

      18 - الرافضة: الذين كانوا مع زيد بن علي الباقين على اتباعه ثم تركوه لأنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من الشيخين فقال: لقد كانا وزيري جدي فلا أتبرأ منهما فرفضوه وتفرقوا عنه، وقد يطلق بعض الناس اسم الرفض على كل من يتولى أهل البيت وعلى هذا جاء قول الذي يقول :



      أن كان رفضا حب آل محمــــــد =فليشهد الثقلان أني رافض


      doPoetry()
      1أن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أني iiرافض

      أنظر مقالات الإسلاميين 1 : 129 ومروج الذهب 3 : 220
      19 - سورة الحجر آية رقم 42 وتكملة الآية ( إلا من اتبعك من الغاوين )
      20- سورة الحجر آية رقم 40
      21- سورة الحشر آية رقم 7
      22- سورة آل عمران آية رقم 31 وتكملة الآية ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) .
      23 - سورة الحجرات آية رقم 6 وتكملة الآية ( أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) .
      24 - سورة البقرة آية رقم 44 .
      25- سورة الأحزاب آية رقم 30 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث ذكرت ( ومن بزيادة الواو ) ومنكم بدلا من ( منكن ) .
      26 - سورة البقرة آية رقم 124 .
      27 - سورة سبأ آية رقم 20 .
      28 - سورة المجادلة آية رقم 19 .
      29 - سورة الحجر آية رقم 40 وسورة ص آية رقم 83 .
      30 - سورة الحجر آية رقم 42 .
      31 - سورة الأعراف آية رقم 20 .
      32 - سورة طه آية رقم 115 .
      33 - سورة القلم آية رقم 4



    • [B]المقصد الثالث " في تفضيل الأنبياء بعضهم على بعض "


      [FONT=arial, verdana, helvetica][B]الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي
      [/B]
      [/FONT][/B]


      وهو مقصور على السماع، أي ليس لأحد أن يدخل هذا الباب باجتهاد منه لأنا لسنا أهلا للحكم في ذلك وقد اختلفت الطرق في تفضيل بعضهم على بعض مع الاتفاق أن أفضل الكل نبينا صلى الله عليه وسلم ففضل بعضهم بعده آدم وبعضهم نوحا، وبعضهم موسى، وبعضهم عيسى، وبعضهم إبراهيم، قال القطب رح وهو الصحيح فموسى فنوحا فعيسى وبعضهم فضل عيسى على نوح فقال : هكذا أفضل الأنبياء نبينا فإبراهيم، فموسى، فعيسى، فنوح، عليهم جميعا الصلاة والسلام فسلك المصنف هذه الطريق .



      أفضلهم نبينا ثم الخليل = ثم الكليم بعده عيسى الجليل

      وبعدهم نوح فباقي الرسل = فالأنبياء ذوو المقام الأكمل

      doPoetry()
      1

      2
      أفضلـهـم نبيـنـا ثـــم iiالخـلـيـل ثم الكليم بعده عيسى الجليل

      وبعدهـم نـوح فباقـي iiالـرسـل فالأنبيـاء ذوو المـقـام iiالأكـمـل




      ( قوله أفضلهم نبينا ) أي محمد صلى الله عليه وسلم والإضافة لتشريف المضاف إليه لا للتخصيص لأنه رسول إلى كافة من الأولين والآخرين والجن، وفي الملائكة قولان ومعنى إرساله للأولين أنه لو وجد أحد منهم بعد بعثته ما وسعه([1]) إلا إتباعه كما يرشد إلى ذلك بعض الأحاديث النبوية، والدليل على أفضليته صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء قوله تعالى ((أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ))([2]) فإنه ذكر أولا أخلاق الأنبياء ووصف كل واحد منهم بخلق يفهم اختصاصه به ثم أمر نبيه أن يتصف بجميع تلك الأخلاق ولا شك أن المتصف بجميعها أفضل من المتصف ببعضها، وقوله صلى الله عليه وسلم (( أنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر ))([3]) أي ولا فخر فوق ذلك أو ولا فخر أعظم من ذلك أو ولا أقول ذلك فخرا وقوله عليه الصلاة والسلام ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر ))([4]) ينافي هذا ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا تفضلوني على يونس بن متى ))([5]) وقوله (( لا تخيروني على موسى ))([6]) لاحتمال أن يكون قال ذلك تواضعا، أو قال قبل أن يعلم أنه أفضل منهم .


      ( قوله ثم الخليل ) هو إبراهيم عليه السلام سمي خليل الرحمن تشريفا له على غيره، ومعنى الخليل في اللغة: هو من تخللت الأعضاء بحبه ويفدى بالنفس والمال، استعير هنا لعظم المنزلة ورفع الشان والدليل على أن خليل الرحمن هو أفضل الأنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى ((وأوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ))([7]) قوله ((بل ملة إبراهيم حنيفا ))([8]) وقد ثبت الدليل على أفضلية نبينا على سائر الأنبياء، ومع ذلك فقد أمر بإتباع ملة إبراهيم فدل على ذلك أفضلية إبراهيم على سائر الأنبياء ( لا يقال ) هذا دليل على أفضلية إبراهيم على جميع الأنبياء حتى نبينا لأن المتبوع أفضل من التابع ( لأنا ) لا نسلم أن المتبوع أفضل من التابع مطلقا لإمكان أن يختص التابع بميزة لم تكن في المتبوع ( قوله ثم الكليم ) بتخفيف اللام بمعنى الكليم بتشديدها هو موسى بن عمران بن يصهر بن لاوي بن يعقوب عليه السلام ، والدليل على أن موسى أفضل من سائر الأنبياء بعد نبينا وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام قوله تعالى ((وكلم الله موسى تكليما ))([9]) وقوله تعالى ((واصطنعتك لنفسي ))([10]) ففي الآية الأولى دليل على أن الله أسمعه كلاما لأجل سماعه إياه بلا واسطة ملك ونحوه ومن كان بهذه المنزلة فهو أفضل ممن لم يصلها، وفي الآية الثانية دليل على أن الله اصطنعه لنفسه ومعناه لأمره، ومن قيل له كذلك أفضل ممن لم يقل له ذلك وإن كان مخلوقا لذلك أيضا ( قوله وبعده عيسى ) أي في مرتبة التفضيل بعد موسى عيسى بن مريم عليه السلام ، والدليل على أن عيسى أفضل من سائر الأنبياء بعد من ذكر قوله تعالى في حقه ((وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ))([11]) وهذا تشريف له وتعظيم حيث أضافه إلى نفسه .


      ( قوله وبعدهم نوح ) عليه السلام والدليل على أن نوحا أفضل من غيره بعد الأربعة لأنه أحد أولي العزم الممدوحين بمضمون قوله تعالى ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ))([12]) قالوا : وهم الخمسة المذكورون في قول المصنف وقد جمعهم غيره على هذا الترتيب أيضا فقال :




      محمد إبراهيم موسى كليمه= فعيسى فنوح هم أولوا العزم فاعلم

      doPoetry()
      1محـمـد إبراهـيـم مـوسـى iiكلـيـمـه فعيسى فنوح هم أولوا العزم فاعلم



      وجمعهم غيره أيضا على ترتيب تقدمهم في الزمان فقال :




      أولوا العزم نوح والخليل كلاهما = وموسى وعيسى والنبي محمد

      doPoetry()
      1أولوا العزم نوح والخليـل iiكلاهمـا وموسى وعيسى والنبي محمد


      وأولو العزم أفضل من غيرهم، وأنت إذا تأملت هذه الأدلة رأيتها ظنية والاعتقاد علم لا يبنى على الظن فلا يجب اعتقاد هذه المفاضلة كذلك ولذلك لم يعتن أصحابنا المشارقة بذكر هذه المفاضلة في كتبهم لأنها موقوفة على السماع من الشارع ولم يرد فيها تصريح خبر ولو قدرنا فيها وجود ذلك لقلنا خبر آحاد لا يثبت به الاعتقاد، ولو تواتر لاشتهر نعم يجب اعتقاد أفضلية نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق لإجماع الأمة المحمدية على ذلك وللأخبار المروية عنه في ذلك أيضا وقد تلقتها الأمة بالقبول ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.


      ( قوله فباقي الرسل ) وجملتهم مع الخمسة المذكورين ثلاثمائة وثلاثة عشر على المشهور، وقيل ثلاثمائة وأربعة عشر ة وقيل ثلاثمائة وخمسة عشر أولهم آدم عليه السلام فإنه رسول إلى بنيه وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم سبعة منهم بعثوا إلى الكافة وهم المذكورون في قوله :



      وآدم نوح والخليل كليمه= وداود عيسى والنبي محمد

      doPoetry()
      1وآدم نـوح والخلـيـل iiكليـمـه وداود عيسى والنبي محمد




      قال البدر([13]) للشماخي رحمه الله: والقياس أن يوشع ممن أرسل إلى الكافة أيضا لأنه خليفة موسى وأمر بأحكام التوراة، وأن منهم سليمان عليه السلام لأنه خليفة داود ( وخمسة ) منهم بعثوا بالسيف موسى ويوشع وداود وسليمان ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( وأربعة ) منهم عربيون هود وشعيب وصالح ومحمد عليه وعليهم الصلاة والسلام ( وثلاثة ) سريانيون آدم وشيت وإدريس عليهم السلام ( ومن قوله ) منهم اسمان أربعة الأول: يعقوب سمي به لتعقبه بعد أخيه العيص في بطن أمه وإسرائيل ومعناه صفي الله .


      ( والثاني ) عيسى وهو المسيح .


      ( والثالث ) يونس وهو ذو النون .

      ( والرابع ) محمد وهو أحمد صلى الله عليه وسلم ( والأجداد ) منهم ثلاثة آدم لأنه أبو البشر ونوح لأنه لم يبق نسل بعد الطوفان إلا له وإبراهيم لأن الله تعالى سماه أبا لأنه أبو العدنانيين من قريش وغيرهم وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمة الرسول في حكم أولاده وما ورد في بعض كتب أصحابنا المغاربة من أن أربعة منهم أحياء إلى الآن اثنان منهم في السماء وهما إدريس وعيسى واثنان في الأرض وهما الخضر والياس فهو من الممكن وقوعه، لكن لا يتوصل إلى ذلك إلا بتوقيف من الشارع ولم يصل إلينا خبر في ذلك فلعل القائل بذلك قد اطلع على ما لم نطلع عليه فنحسن به الظن ويسعنا جهل ما ذكر ( قوله فالأنبياء ) جمع نبي فعيل بمعنى مفعول من النبأ الذي هو الخبر، بمعنى أن جبريل أخبره عن أمر الله تعالى أو بمعنى فاعل لأنه مخبرنا عن أمر الله تعالى أو من النبوة بمعنى الرفعة لأن الله رفع رتبته أو لأنه سبب رفعة أمته إذ ما من أحد نال رفعة إلا وسببها نبيه لأن من لم يتبع النبي فلا رفعة له أصلا، لكن هذا المعنى مختص بالرسل لأنهم هم الذين وجب إتباعهم وما قبله من المعاني مشترك بين الأنبياء والرسل، فإن النبي مخبر عن الله أنه نبي وقد تقدم تعريف كل واحد من النبي والرسول في شرح الخطبة وعدد الأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا كلهم أحرار خلافا لمن قال بنبوة عبد كلقمان، فإنه نوبي لأنا نقول: إن ثبت أنه نوبي لم يثبت أنه مملوك هذا مع الخلاف في ثبوت نبوته وكلهم من أهل القرى خلافا لمن قال بنبوة من لم يكن منها مستدلا بقوله تعالى ((وجاء بكم من البدو ))([14]) وجوابه أن البدو في بعض التفاسير مكان وجواب آخر أنهم لم يكونوا في الأصل من البدو، وإنما حدثوا إليهم فجاوروهم وكلهم ذكور عند بعض مستدلا بقوله تعالى ((وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ))([15]) أقول وليس في هذا دليل على حصر النبوة في الرجال، وإنما هم دليل على قصر الرسالة عليهم ولذا قال ابن حجر:([16]) ومن النساء من تنبأ وهن ست: حواء وسارة وهاجر ومريم وأم موسى وآسية امرأة فرعون، وعن غيره وقد وقع الاختلاف في نبوة أربع نسوة مريم وآسية وسارة وهاجر ( قوله ذوو المقام الأكمل ) أي أصحاب المقام الكامل عند الله تعالى بأن خصهم بالإيحاء إليهم واصطفاهم من بين سائر خلقه .

      ---------------------------------------------------------------------------

      [1] - الحديث رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء 3414 عن أبي هريرة بلفظ ( لا تفضلوا بين أولياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض الخ )

      [2] - سورة الأنعام آية رقم 90 .

      [3] - الحديث رواه الترمذي في المناقب 1 والدرامي في المقدمة 8 .

      [4] - الحديث رواه ابن ماجة في كتاب الزهد 37 باب ذكر الشفاعة 4308، عن أبي نظرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره وفيه زيادة ( وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر ).

      ورواه الترمذي في التفسير سورة 17 ، 18 وأحمد بن حنبل في المسند 1 ، 5 ، 281 ، 295 ، 3 : 2 ، 114 ، 5 : 137 ، 138 ، 393 ( حلبي ).

      [5] - الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء 35 باب قول الله تعالى ( وإن يونس لمن المرسلين – إلى قوله – فمتعناهم إلى حين ) سورة الصافات آية رقم 139 ، 3416 عن سعيد بن إبراهيم سمعت حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ولفظه عند البخاري ( لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى ) .

      [6] - سبق تخريج هذا الحديث .

      [7] - سورة النحل آية رقم 123 .


      [8] - سورة البقرة آية رقم 135 .

      [9] - سورة النساء آية رقم 164 .

      [10] - سورة طه آية رقم 41 .

      [11] - سورة النساء آية رقم 171 وتكملة الآية ( فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا )

      [12] - سورة الأحقاف آية رقم 35 وتكملة الآية ( ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون )

      [13] - هو أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي اليفرني، بدر الدين مؤرخ من علماء الأباضية في المغرب له كتاب السير في تاريخ الأباضية، وشرح مختصر العدل والإنصاف في أصول الفقه وشرح متن العقيدة، توفي عام 928 هـ . راجع السير 577 والدعاية إلى سبيل المؤمنين 28
      [14] - سورة يوسف آية رقم 100 وتكملة الآية ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما شاء أنه هو العليم الحكيم )

      [15] - سورة يوسف آية رقم 109 وتكملة الآية ( من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون ) .

      [16] - هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين بن حجر من أئمة العلم والتاريخ أصله من عسقلان ( بفلسطين ) ومولده عام 733 بالقاهرة ، ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه وأصبح حافظ الإسلام في عصره .

      قال السخاوي: انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر وكان فصيح اللسان راوية للشعر عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين ولي القضاء بمصر مرات ثم اعتزل توفي عام 852 هـ .

      من مصنفاته ( الأحكام لبيان ما في القرآن من الأحكام ) والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ، والإصابة في تمييز الصحابة وفتح الباري شرح صحيح البخاري وغير ذلك كثير .

      راجع التبر المسبوك 230 والضوء اللامع 2 : 36 والبدر الطالع 1 : 87 وخطط مبارك 6 : 37 ولسان الميزان 6 وبدائع الزهور 2 : 32 وانظر ترجمته لنفسه في كتابه رفع الأصر 1 : 85 .





    • المقصد الرابع في نسخ شرائعهم ( الرسل ) بشرائع نبينا

      [FONT=arial, verdana, helvetica][B]الإمام نور الدين عبدالله بن حميد بن سلُّوم السالمي[/FONT][/B]


      ( قد نسخـت شرائـع iiالجميـع سوى الهدى بشرعنا البديع )

      ( ومـا لــه أي شرعـنـا iiمغـيـر فهـو عـلـى الــدوام لا يغـيـر )



      ( قوله قد نسخت شرائع الجميع الخ ) النسخ لغة: مشترك بين الإزالة والنقل يقال نسخت الشمس الظل أي أزالته، ونسخت الكتاب أي نقلته وقيل حقيقة في الإزالة، وقيل في النقل خاصة وفي الاصطلاح: رفع حكم شرعي بشرع متأخر فخرج برفع الحكم بيان المجمل وتخصيص العام فإنه تبين للمراد من المجمل والعام وبقوله حكم شرعي: ما ثبت حله مثلا باستصحاب الأصل كالخمر قبل التحريم فإن تحريمها لا يسمى نسخا وقوله بشرع متأخر مخرج لما إذا اقترن الشرعان كالآيتين مثلا فإن أحداهما مخصصة للأخرى فهو تخصيص ولا يصح اقترانهما متناسختين أعني أنه لا يرد خطاب الشارع بشيء فيقرنه بما يرفعه كله في الحال نحو صل الظهر لا تصلها لأنه عبث في الكلام، والباري جل وعلا منزه عنه فلزم من اقتران الآيتين أن تكون إحداهما أخص من الأخرى لأنه من الحكمة فصح الاحتراز عنه بما ذكر .

      ( واعلم ) أن النسخ بيان لمدة انتهاء الحكم الأول عند الله تعالى أي أن الله عز وجل شرع الحكم إلى مدة علمها هو وأخفاها علينا فبعد انقضاء تلك المدة أنزل إلينا حكما آخر، فعلمنا أن الأول مخصوص بالمدة التي انقطعت فوجب علينا الأخذ بالشرع الثاني.

      قيل: ومن هنا أنكر أبو مسلم الأصفهاني([1]) النسخ أي أنكر تسمية النسخ نسخا وسماه تخصيصا لأنه خصص الحكم الأول بالمدة التي انقضت فالخلاف بيننا وبينه على هذا لفظي .

      ( وأعلم ) أيضا أن شريعة نبينا عليه الصلاة والسلام ناسخة لجميع الشرائع الأول إلا ما لا يصح نسخه كالتوحيد ومكارم الأخلاق، فإنه بعث ليتممها لا ليبدلها وأما التوحيد فلا يصح نسخه لأن صفات الله تعالى لا يصح تبديلها فلا يجوز أن يؤمر هذا النبي أن يعتقد أن الله تعالى لا يرى ويؤمر هذا أن يعتقد أنه يرى فإذا عرفت هذا (فاعلم ) أن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن متعبدا بشريعة أحد من قبله وقال بعضهم أنه متعبد بشريعة إبراهيم لقوله تعالى ((ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم ))([2]) قلنا أمر باتباعه في الحنيفية المنافية للشرك، وإدعاء الولد له تعالى ونحو ذلك، وهذه الحالة مشترك فيها جميع الأنبياء وخص إبراهيم بإضافتها إليه لمزية هي اتفاق أهل الكتابين والمشركين على نبوته وشهرته عندهم وقال بعضهم: بعضهم متعبد بشريعة نوح لقوله تعالى ((إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ))([3]) قلنا تشبيه للإيحاء بالإيحاء لا الموحى بالموحى ولو قلنا له تشبيه للموحى بالموحى ما لزمنا أن يكون متعبدا بشريعته لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يستلزم أن يكون عينه بل لا يجوز أن يكون ذلك فيلزم منه تشبيه الشيء نفسه وقال بعضهم : إنه متعبد بشريعة موسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((نحن أحق بموسى بن عمران ))([4]) قلنا كونه أحق به لا يستلزم تعبده بشريعته وقال بعضهم أنه متعبد بشريعة عيسى لقوله صلى الله عليه وسلم ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم ))([5]) قلنا فيه ما في الذي قبله وقال بعضهم: أنه متعبد بشريعة أولي العزم لقوله تعالى ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ))([6]) قلنا ليس فيه سوى أمره بالإقتداء بهم في الصبر وهو غير المطلوب.

      ( تنبيه ) إذا ورد في شيء من الشرائع الأول حكم في شيء لم يكن فيه من شريعتنا شيء لا نسخ ولا تقرير هل يصح الأخذ به أم لا ؟ ذهب بغضهم إلى المنع من ذلك لأن جميع الشرائع نسخت بشرعنا، والمنسوخ لا يعمل به، فإن ورد فيه من شرعنا شيء عملنا به، وإلا رددنا إلى أصل الأشياء .

      أقول أصل ذلك الشيء هو حكمه الذي أنزل الله فيه فلا ينتقل عنه إلا بحكم آخر، ولا يلزم من هذا كون نبينا عليه الصلاة والسلام متعبدا بشريعة من قبله لاحتمال أن يكون فيه حكم آخر أو تقرير له، لم يصل إلينا نقله ( لا يقال ) أن التقرير للشرع الأول هو عين التعبد به ( لأنا نقول ) لا نسلم أنه عينه بل غيره، لأن الشرع في اللغة عبارة عن البيان والإظهار يقال شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا فإن الشرع الثاني الذي تعبد به غير الأول الذي قرر، وقال بعضهم: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ وهو عين ما نحن عليه لكن هؤلاء بنوا مذهبهم على أن محمداً صلى الله عليه وسلم متعبد بشريعة من قبله وقد عرفت ما فيه.

      ( قوله سوى الهدى ) الهدى يطلق على التوحيد والتقديس، ويطلق على ما لا يعرف إلا بلسان الأنبياء من الفعل والترك، ثم أنه يطلق على الكل ويطلق على الجزء ا. هـ أبو البقاء([7]) والمراد به هنا الإطلاق الأول وما لا يصح نسخه من مكارم الأخلاق.

      ( قوله بشرعنا ) متعلق بنسخه والإضافة فيه لتشريف المضاف إليه.

      ( قوله البديع ) أي الحسن نعته بصفة ملازمة له كشفنا لحقيقته عند الغبي به كمن أنكره من اليهود والنصارى .

      ( قوله وما له أي شرعنا ) بجر شرع بدل من الضمير أو عطفا عليه بأي التفسيرية على مذهب من جعلها عاطفة.

      ( قوله مغير ) أي مزيل بمعنى ناسخ أي ليس لشرعنا ناسخ أبدا لقوله تعالى ((وخاتم النبيين ))([8]) وليس بعد الخاتم أحد إذ لو كان بعده أحد لما كان خاتما لهم وقوله صلى الله عليه وسلم ((لا نبي بعدي ))([9]) فيجب اعتقاد هذا المعنى على كل من بلغه علمه .

      ( قوله فهو على الدوام ) الثابت إلى يوم القيامة لا يغير أي لا يزال بمعنى أنه لا ينس

      --------------------------------------------------------------------------------

      [1] - هو أبو مسلم بن بحر الأصفهاني أبو مسلم: وال من أهل أصفهان معتزلي من كبار الكتاب كان عالما بالتفسير وبغيره من صنوف العلم وله شعر ولي أصفهان وبلاد فارس للمقتدر العباسي واستمر إلى أن دخل ابن بويه أصفهان عام 321 هـ فعزل من كتبه ( جامع التأويل ) في التفسير أربعة عشر مجلدا، جمع سعيد الأنصاري الهندي نصوصا منه وردت في ( مفاتيح الغيب ) المعروف بتفسير الفخر الرازي وسماها ( ملتقط جامع التأويل لمحكم التنزيل ) في جزء صغير ، ومن كتبه الناسخ والمنسوخ وكتاب في النحو ، ومجموع رسائله توفي عام 322 هـ

      راجع إرشاد الأريب 6 : 420 وابن النديم 136 وملتقط جامع التأويل مقدمته .

      [2] - سورة النحل آية رقم 123 وقد جاءت الآية محرفة في المطبوعة حيث قال ( وأوحينا ) بدلا من ( ثم أوحينا ) .
      [3] - سورة النساء آية رقم 136 وتكملة الآية ( والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا )

      [4] - الحديث رواه الإمام البخاري في كتاب الصوم 69 باب صيام يوم عاشوراء 2004 حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن عبدالله بن سعيد بن جبير عن أبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : ما هذا قالوا : هذا يوم صالح هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه .

      ورواه في التفسير سورة 10 ورواه الإمام مسلم في الصيام 126 وابن ماجة في الصيام 41 .

      [5] - الحديث رواه الإمام مسلم في كتاب الفضائل 145 وفيه زيادة ( في الأولى والآخرة )

      [6] - سورة الأحقاف آية رقم 35 وتكملة الآية ( ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) .

      [7] - هو أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي أبو البقاء صاحب الكليات كان من قضاة الأحناف عاش وولي القضاء في ( كفة ) بتركيا وبالقدس وببغداد وعاد إلى استانبول فتوفي بها عام 1094 هـ ودفن في تربة خالد وله كتب أخرى بالتركية .

      راجع هدية العارفين 229 وفيه وفاته قاضيا بالقدس وإيضاح المكنون 2 : 380 ومعجم المطبوعات 293 وفيه وفاته سنة 1095 .

      [8] - سورة الأحزاب آية رقم 40 .

      [9] - الحديث رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند 1 : 177 – عن قتادة وعلي بن زيد بن جدعان قالا ثنا ابن المسيب حدثنا ابن سعد بن مالك ثنا عن أبيه قال دخلت على سعد فقلت حديثا حدثينه عنك حين استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه على المدينة قال: فغضب فقال من حدثك به فكرهت أن أخبره أن ابنه حدثنيه فيغضب عليه ثم قال ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا رضي الله عنه على المدينة. فقال يا رسول ما كنت أحب أن تخرج وجها إلا وأنا معك فقال : أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ) .

      ورواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة 9 باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي 3076 بسنده عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وليس فيه ( لا نبي بعدي ) وذكرها ابن حجر في الشرح ورواه ابن ماجة في المقدمة 11 والترمذي في المناقب 20
    • أحسنت يا مشرفنا على مرورك
      وإن شاء الله في حال تواجد الوقت
      سننقل لكم ما يتواجد من علوم الإسلام


      أخوك خميس الفهدي
      كاتب عماني
      مؤلف كتاب "تاريخ المستقبل" لرسالة الدكتوراه 2002/2005 في العلوم السياسيه بجامعة موسكو
    • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

      جزاك الله خيرا اخي خميس الفهدي
      في ميزان حسناتك ان شاء الله
      ووفقك الله لما يحب ويرضى :)
      ماتفكر فيه .. ستحصل عليه .. !!

    • عُمانيٌ وأنطلقُ إلى الغايات نستبقُ وفخري اليوم إسلامي لغير الله لا أثقُ وميداني بسلطنتي وساحُ العلمِ منطلقُ