سيرة الإمام طالب الحق الكندي في اليمن:
وأما إن سألت عن سيرة أهل الحق والاستقامة، فأريدك أن تقرأ بعض ما كتبه الكاتبون من غير الإباضية، فانظر- إن شئت- ما حفظه المؤرخون عن سيرة الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي وقائده أبي حمزة المختار بن عوف، ومن بين هؤلاء الذين كتبوا عن سيرة هذين الإمامين الجليلين الصالحين -رحمهما الله تعالى- البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف" والأصفهاني في كتابه "الأغاني".
ومما ذكر من سيرتهما أن أبا حمزة عندما واجه جموع البغاة في قديد فاعترضوهم، حاول أن يقيم الحجة عليهم قبل أن تكون هناك مناوشة، وحاول أن يقنعهم بأنه ما قام أشرًا ولا بطرًا وإنما قام لإظهار الحق وإقامة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأرض، فما كان من أولئك البغاة إلا أن عتوا واستكبروا استكبارًا، ولكن أبا حمزة مع ذلك قال لأصحابه لا تبدأوهم بالقتال) حتى رمى أولئك البغاة بسهامهم في جند أبي حمزة فأصابوا رجلاً من جنده، فقال لأصحابه: (دونكم الآن فقد حل قتالهم).
فانظر كيف يحتاط الإباضية أيما احتياط عندما يواجهون أعداءهم البغاة، ولا يستحلون حتى سفك دمهم إلا بطريق واضح لا غبار عليه بعد أن يقيموا عليهم الحجة، وبعد أن يبدأ أولئك البغاة بالقتال.
وعندما دخل الإمام طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي -رحمه الله تعالى- صنعاء بعدما هزموا القائد الأموي القاسم بن عمر الثقفي، عامله الإمام عبدالله بن يحيى الكندي معاملة حسنة فلم يحز غلصمته، أو يقطع رأسه، بل لم يصنع به أي شيء، وإنما أخرجه ومن معه وهم سالمون من كل أذى.
ووجد الإمام طالب الحق الأموال الكثيرة التي جباها هذا العامل من الناس وتكدست في خزينته، وكان الإمام طالب الحق وأصحابه في فقر مدقع وهم بحاجة ملحة إلى المال، ولكنهم لم تشرئب أعناقهم إلى هذه الأموال بل قسموها بين أهل صنعاء، يقول في ذلك البدر الشماخي في كتابه " السير" في ص(99) من الطبعة الأولى: (وخلص لعبدالله وقسم ما وجد من مال على فقراء صنعاء، قصد إليهم ابن خيران وعبدالله بن مسعود وغيرهما من المسلمين فأتوا من الخزانة إلى المسجد، فقسمه عبدالله على فقراء صنعاء، ولم يأخذ منه شيئاً ولم يستحل منه لأصحابه متاعاً).
وفي هذا يقول الإمام السالمي رحمه الله تعالى:-
وطالب الحق بصنعا حكما=بجعلها في أهلها واحتشما
لم يأخذن عند مضيق يومه=شيئاً لنفسه ولا لقومه
تعففاً منهم ومن كمثلهم=أكرم بهم من عصبة أكرم بهم
كانوا يموتون على ما أبصـروا=من الهدى ما بدلـوا أو غيروا
ثم إن الإمام طالب الحق –أيضاً- عامل هذه المعاملة الحسنة إبراهيم بن جبلة الذي كان والياً على حضرموت من قبل بني أمية، فأباح له أن يخرج من حضرموت وقال له: (إما أن تقيم عندنا وإما أن تشخص ولا عليك حرج في ذلك) فاختار الخروج، فخرج إلى القاسم الثقفي في صنعاء ولم يعترضه الإمام طالب الحق.
لم يفعل كما يفعل هؤلاء الحشوية عندما ينتصرون على أحد من المسلمين، يحرصون كل الحرص على إبادتهم وقطع دابرهم واستئصال شأفتهم، ولم تسلم منهم الحوامل ولا الأجنة التي في الأرحام.
يتبع أن شاء الله....