ومن الفكر اليهودي الذي شاع في أوساط الأمة عقيدة الإرجاء؛ التي جعلت الإنسان يتناسى الوعيد ويستمسك بالوعد، بل إن هذه العقيدة تجعل الإيمان أمراً نظرياً مثالياً لا وجود له في عالم الواقع، إذ الإيمان أن يعتقد الإنسان فحسب تلكم المعتقدات كأنها نظرية تدغدغ الأذهان من غير أن تتحول إلى واقع ملموس، مع أن الإيمان الذي نيطت به النجاة من عذاب الله هو ذلكم الإيمان الذي يملك شعاب النفس ويستولي على الفكر والوجدان، ويهيمن على الجوارح والأركان، ويوجه الإنسان الوجهة المرضية في القول والعمل والأخلاق، فالله سبحانه وتعالى يقول ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون.. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون..أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم) الأنفال:2-4، فهل مثل هذا الإنسان الذي يوجل قلبه بمجرد ذكر الله تبارك وتعالى يتجرأ على انتهاك حرم الحق؟! وعلى الوقوع في معاصي الله سبحانه وتعالى من غير أن يتوب عنها ويقلع عنها.
وتجاهل هؤلاء الآيات الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى التي تدل على أن كل أحد مجزي بعمله فالله سبحانه يقول ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً) النساء:123، فإذا بهم يتعلقون بأماني المغفرة والشفاعات والخروج من النار بعد التعذيب - كما يقولون - مدة قصيرة مع تخفيف عذابها حتى تكون لطيفة جداً.
وقد سمعت أحد هؤلاء الذين يشيعون عقيدة الإرجاء في وقتنا هذا يقول: إن أدخل المسلم النار فإن عذابها يُهوَّن عليه حتى يكون لطيفاً، وتكون النار في منتهى اللطف. فقال له من كان يسجل محاضرته: أتكون حرارة هذه النار مثل حرارة الاستديو؟! قال: هي أشد قليلاً!، هكذا وصل الأمر بهؤلاء إلى الاستخفاف بآيات الله مع أن الله تبارك وتعالى يقول( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق:45، ويقول ( سيذكر من يخشى ) الأعلى:10، ويقول ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة) هود:103.
ونجد النصوص القرآنية دالة على أن هذه المعتقدات كلها إنما هي معتقدات يهودية، فالله تبارك وتعالى يقول ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) الأعراف:169.
وفعلاً وقعت هذه الأمة فيما وقع فيه اليهود، فنجد في كلام أساطين هذه الأمة بأن الله تبارك تعالى إذا وعد وفى وإذا توعد عفا، وذلك عين كلام اليهود، وقد بيّن سبحانه وتعالى أن هذا الانحراف في المعتقد هو الذي يؤدي إلى عدم المبالاة بأوامر الله وعدم تحكيم أمره وعدم الانقياد لحكمه فقد قال عز من قائل (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهو معرضون.. ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون.. فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) آل عمران:23-25، والآيات الدالة على نفاذ وعيد الله تبارك وتعالى ووعده هي كثيرة جداً فالله تعالى يقول ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد.. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) ق:28-29، ويقول ( لا تبديل لكلمات الله) يونس:64، ويقول ( إن الله لا يخلف الميعاد) الرعد:31.
ولننظر ماذا أثمر هذا الفكر؟!، لقد أثمر شيوع الفحشاء والانحراف لدى هذه الأمة، وقد انعكس ذلك على الأدب الهابط الذي حفلت به كتب الأدب قديماً وحديثاً حتى صارت زاخرة بمثل هذه التصويرات العجيبة للفحشاء في أقبح صورها وتزيينها للناس وترغيب النفوس فيها، وصارت كتب الأدب حافلة بذلك، ليقرأ أحدكم كتاب الأغاني ومحاضرات الأدباء بل ليقرأ التراجم.
ومما يؤسف له أن نجد ابن خلكان مثلاً -وقد كان حسبما يلقب قاضي القضاة في عصره- يترجم ليحيى بن أكثم (1)، وينسب إليه من هذه الأعمال ما يندى له الجبين ويخجل منه المرء؛ وبسبب ذلك وقعت موقعاً عجيباً من نفوس الفساق، فهي تدفع بهم إلى ارتكاب الفحشاء من غير مبالاة بالانحراف والشذوذ، وهنا يقف عقل الإنسان حائراً بين التصديق والتكذيب، فكلا الأمرين صعب (وحسبي من أمرين أحلاهما مر)، فإما أن يكون هذا الذي نسب إليه صادقاً فيما نسبه إليه وتلك هي المصيبة، وإما أن يكون كاذباً وهذه أيضاً مصيبة لا تقل عن تلك؛ لأنه افترى عليه كذباً ونسب إليه ما هو منه براء ورماه بالفحشاء، وهذا مما يؤدي إلى شيوع الفحشاء وانتشارها في أوساط الناس.
============================
(1) قاضي القضاة في عهد الخليفة العباسي المأمون، انظر وفيات الأعيان ج6 ص152-155، أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، ط دار الفكر تحقيق د/إحسان عباس
وتجاهل هؤلاء الآيات الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى التي تدل على أن كل أحد مجزي بعمله فالله سبحانه يقول ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً) النساء:123، فإذا بهم يتعلقون بأماني المغفرة والشفاعات والخروج من النار بعد التعذيب - كما يقولون - مدة قصيرة مع تخفيف عذابها حتى تكون لطيفة جداً.
وقد سمعت أحد هؤلاء الذين يشيعون عقيدة الإرجاء في وقتنا هذا يقول: إن أدخل المسلم النار فإن عذابها يُهوَّن عليه حتى يكون لطيفاً، وتكون النار في منتهى اللطف. فقال له من كان يسجل محاضرته: أتكون حرارة هذه النار مثل حرارة الاستديو؟! قال: هي أشد قليلاً!، هكذا وصل الأمر بهؤلاء إلى الاستخفاف بآيات الله مع أن الله تبارك وتعالى يقول( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) ق:45، ويقول ( سيذكر من يخشى ) الأعلى:10، ويقول ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة) هود:103.
ونجد النصوص القرآنية دالة على أن هذه المعتقدات كلها إنما هي معتقدات يهودية، فالله تبارك وتعالى يقول ( فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) الأعراف:169.
وفعلاً وقعت هذه الأمة فيما وقع فيه اليهود، فنجد في كلام أساطين هذه الأمة بأن الله تبارك تعالى إذا وعد وفى وإذا توعد عفا، وذلك عين كلام اليهود، وقد بيّن سبحانه وتعالى أن هذا الانحراف في المعتقد هو الذي يؤدي إلى عدم المبالاة بأوامر الله وعدم تحكيم أمره وعدم الانقياد لحكمه فقد قال عز من قائل (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهو معرضون.. ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون.. فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) آل عمران:23-25، والآيات الدالة على نفاذ وعيد الله تبارك وتعالى ووعده هي كثيرة جداً فالله تعالى يقول ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد.. ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) ق:28-29، ويقول ( لا تبديل لكلمات الله) يونس:64، ويقول ( إن الله لا يخلف الميعاد) الرعد:31.
ولننظر ماذا أثمر هذا الفكر؟!، لقد أثمر شيوع الفحشاء والانحراف لدى هذه الأمة، وقد انعكس ذلك على الأدب الهابط الذي حفلت به كتب الأدب قديماً وحديثاً حتى صارت زاخرة بمثل هذه التصويرات العجيبة للفحشاء في أقبح صورها وتزيينها للناس وترغيب النفوس فيها، وصارت كتب الأدب حافلة بذلك، ليقرأ أحدكم كتاب الأغاني ومحاضرات الأدباء بل ليقرأ التراجم.
ومما يؤسف له أن نجد ابن خلكان مثلاً -وقد كان حسبما يلقب قاضي القضاة في عصره- يترجم ليحيى بن أكثم (1)، وينسب إليه من هذه الأعمال ما يندى له الجبين ويخجل منه المرء؛ وبسبب ذلك وقعت موقعاً عجيباً من نفوس الفساق، فهي تدفع بهم إلى ارتكاب الفحشاء من غير مبالاة بالانحراف والشذوذ، وهنا يقف عقل الإنسان حائراً بين التصديق والتكذيب، فكلا الأمرين صعب (وحسبي من أمرين أحلاهما مر)، فإما أن يكون هذا الذي نسب إليه صادقاً فيما نسبه إليه وتلك هي المصيبة، وإما أن يكون كاذباً وهذه أيضاً مصيبة لا تقل عن تلك؛ لأنه افترى عليه كذباً ونسب إليه ما هو منه براء ورماه بالفحشاء، وهذا مما يؤدي إلى شيوع الفحشاء وانتشارها في أوساط الناس.
============================
(1) قاضي القضاة في عهد الخليفة العباسي المأمون، انظر وفيات الأعيان ج6 ص152-155، أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، ط دار الفكر تحقيق د/إحسان عباس