إن أنسى .. فلن أنسى الأيام الرهيبة عند تأزم الموقف بدولة إيران الفارسية ، حيث الاعتصامات والاحتجاجات والثورات الصاخبة ، والفوضى العارمة المنتشرة في كل مكان ، وتحول السخط الشعبي إلى بركان يرمي حممه في كل مكان ، بدأ المشهد وكأنه هول من أهوال يوم القيامة ، فالغضب والسخط والزحف الجماهيري يتحول إلى أمواج تسونامي العاتية التي تدمر كل شيء أمامها ، لقد استسلم العالم بأجمعه لذلك الحدث الرهيب ، ارتجف ومليء رعبا من تلك الغضبة الجماهيرية التي هاجت وماجت في كل مكان ، لم يكن للعالم إلا أن يضع يده على قلبه مترقبا وجلا من عواقب الأمور التي تنذر بنهايات كارثية .. اللقطات التلفزيونية تركز على وجوه الغاضبين المزلزلين وهم يتجهمون في وجوه المارة ، كانت نظراتهم وتقطيبات جباههم تعكس الغيظ الممتلئة به قلوبهم ، في نظرة كل واحد منهم يتجسد الملك الإيراني ( المنبوذ والمخلوع ) شيطانا رجيما مطرودا من رحمة الله ومن رحمة الناس ، لقد تراكمت أحقاد ذلك الشعب المقهور تحت وطأة هذا الملك الجبار المترف عشرات من سنين البؤس العجاف ، ونسي أو نسي في غمرة ترفه وبذخه أن يوم حسابه قد يكون أدنى من شراك نعله !! ، حتى إذ دنت ساعة الصفر تفجرت شظايا ذلك الحقد وأمطر العالم بزخم من أواره وحممه ، تحولت الشوارع إلى فرق مطاردات تحمل الهراوات والعصي وشقف البلوكات والطوب ، وحوصرت المبان والسفارات واقتيد عدد من الشخصيات إلى المخابي والمحلات المجهولة ، وتدلت الجثث من المشانق المنصوبة على الطرقات ، وسالت الدماء على الأرصفة وتلطخت الجدران ببقع الدم المتناثر ، لقد كانت أياما عصيبة ومشهد يوم عظيم !! ونحن في دول الخليج كنا أول المتوجسين خوفا ورعبا من أن تصل إلينا بعض تلك الشظايا والحمم ، وأن يلحق بنا بعض استعارها وأوارها .. كان أهل المدن في تلك الأيام يبادرون صباحهم بشراء الجرائد والمجلات ، ويواصلون ذلك باجترار الأحاديث والرؤى والتعليقات وهمسات السياسة في مكاتبهم وأماكن أعمالهم ، بينما يقضون ساعات مساءاتهم بالتجمع حول التلفزيونات ، مع أن التلفزيون السعودي في تلك الأيام لم يكن ليشفي غليلهم لأنه يمثل أحادية الطرح ( الرأي الرسمي للدولة ) ولما يتوخاه من حذر في نقل المعلومات ، فالبث الفضائي والأقمار الاصطناعية لم يكن لها وجود في عالمنا العربي في تلك الفترة ، أما أهل القرى فلم يكن الحظ ليسعفهم في أن ينعموا ببث المحطات التلفزيونية بعد ، ولذلك كانوا يستوون مع اهل المدن في تلمس الأخبار العالمية عن طريق الراديوهات ، في أنباء البي بي سي وراديو لندن وصوت أميركا وغيرها من محطات الأنباء العالمية المشهورة ، وحين اقتربت الأزمة من الانفراج بعد أيام عصيبة أزهقت فيها أرواح وحبست أنفاس ، كنت حينها أعبر خط الساحل من جنوب المملكة باتجاه الشمال ، ذلك الخط الذي تجرفه من عدة مناطق ملايين الملا يين من الأمتار المكعبة من السيول التي تذهب هدرا دون أن تستغل بالسدود المائية والمشروعات الزراعية ، كنت حينها كأي فرد شغوفا بمتابعة أخبار الحدث ، أمتدت يدي وأنا أعبر ذلك الخط لأقلب المحطات الإذاعية ، واستقر المؤشر على محطة ( فارسية ) تبث باللغة العربية ، كان الصوت يصلني متقطعا مشوشا ، أما عندما أصل إلى مناطق التمهيد الترابي حيث ينقطع الاسفلت ( الخط المعبد ) كانت المطبات والرمال تحدث التشويش العالي فيختفي أو ينخفض صوت المذياع ، فأعمد أحيانا لركن السيارة جانبا أو التهدئة قليلا لمتابعة تلك الأحداث عبر البرنامج الذي يعرض جزءا من تاريخ حياة الإيرانيين في الفترة التي كانوا يرزحون فيها تحت وطأة ذلك الملك الغاشم الباذخ المستلب لحقوقهم و مواطنتهم ، والذي لم يدر بخلده عاقبة أمره المهينة .. لم أكن أعرف سبب ذلك الفضول عندي للسماع لأخبارهم ،و لربما كان مبعث هذه الفضولية طبيعة الإنسان في كل مكان ، حيث يشعر بالانتماء للآخرين في إنسانيتهم ، ويشاطرهم كراهية الظلم والاستبداد ومدافعته ، ولا شك أن تلك هي سنة الله في هذا الخلق ، حتى لا ينهار عالمنا هذا ويبقى على قوامه الذي أراده الله له ، وكان مما علق بذهني من أصداء ذلك البرنامج هي أقوال الجماهير الناقمة والمغتبطة في آن واحد لما آلت إليه الأحوال والأمور في اقتراب نهاية الأزمة ، فقد وصف أحد المستضيفين في البرنامج تلك لحقبة من زمن الحكم ( الشاه نشاهي) بقوله : في حين أن الإقطاعيات كانت تمثل أنظمة حكم بائدة وترجع إلى سنين غابرة لم يعد لها مسوغ من وجود إلا أن العائلة الإيرانية المالكة قد وصلت إلى حال تحولت فيه الدولة إلى ملكية خاصة أو إقطاع يستعبد فيه الناس ، فلم يعد أولئك الناس يشعرون بحريتهم ولا بكرامتهم ، وما الذي يبقى من المواطنة لمن حرموا من أي مشاركة في بناء دولتهم ، لقد كان كل فرد من الأسرة المالكة يعتبر نفسه مفردة من مفردات القانون ، فكل ما يتفوه به يتحول إلى تشريع وقانون يخضع له الجميع ، أما أحدهم فيقول : كنا أسرة نملك مزرعة كبيرة نكدح فيها لأكل عيشنا ، لكن هذه المزرعة تحولت بين عشية وضحاها إلى نزاع بين أفراد الأسرة المالكة فيمن يتملكها منهم ، ثم يقول : في البداية لم أكن أصدق أن الحال مهما بلغ من سوء فلن يصل إلى هذا الحد ، إلى أن طلبني أحد الضباط المتنفذين يوما بخطاب رسمي ليقول لي بكل صراحة ووقاحة : إن مسألة أن تبيع المزرعة شيء مفروغ منه ولا يعتمد على رضاك أو سخطك ، ولكن نحن نجادلك في الثمن ؟ ! وداعبه المذيع بقوله : قد تكون المزرعة ذهبت لذلك الضابط وليس لأحد أخر !! .. فرد عليه : الله أعلم !! ما نعرفه أن الضابط يمثل الحكومة ومن يشتكي الحكومة ؟ !
بينما يقول أحدهم : فقدنا أراضينا ومؤسساتنا الصغيرة وخسرنا كل شيء بسبب تعقيدات القوانين ، وكان يجب علينا أن ندفع أموالا طائلة كضرائب ومكوسات ، ونحن نعلم أن هذه الضرائب والمكوسات لم يكن من أهدافها إلا تجريدنا وإفقارنا حتى نضطر لبيعها ، ولذلك تحولنا إلى أسر فقيرة معدمة بهذه القوانين الجائرة ......
بينما علق أحدهم بقوله :معظم قوانيننا كانت قوانين طوارئ ولكن غير معلن عنها ، فالقانون يسطر ليلا ويختفي صباحا حين تنتهي مهمته ، أما الآخر فيعبر بقوله : لقد تحولت العاصمة طهران إلى واحات وفنادق للأمريكيين والوافدين من عدة دول وتحولنا نحن إلى عبيد وجوار عندهم نعمل على خدمتهم بأجور زهيدة ، بينما هم يقومون بامتصاص خيرات البلاد ويحضون بالامتيازات والتسهيلات في فتح شركاتهم ومؤسساتهم ويحصلون على تصاريحهم بمكالمات هاتفية ، أما نحن فتوضع أمامنا العقبات والمعوقات حتى نخلي لهم الطريق ... ويقول أحد الشباب : لم يكن لنا أي اعتبار في تلك الفترة فنحن نسكن مدينة مكتظة بالسكان وتختنق بعوادم السيارات ، فالأراضي المتوفرة تتحول إلى مخططات وملكيات خاصة باهظة الثمن والمتنزهات تتحول بين عشية وضحاها إلى مخططات أراض للبيع ... ونحن نتحول إلى فقراء متسكعين ومعدمين ونزاحم أهلنا في أقواتهم ومساكنهم ، أما ما يتمناه شباب في مثل سننا من نواد رياضية أوأدبية فكان آخر شيء يمكن أن تفكر فيه تلك الحكومة الراحلة ..
وفي استضافة البرنامج لأحد المفكرين البارزين ، كان يركز في تحليلاته على أن تلك الطريقة التي اتبعت في إدراة البلاد كان الفشل متوقعا لها ، ثم يقول : وقد ألمح ابن خلدون إلى هذا في مقدمته، وعلق على ذلك بقوله : فبناء القانون يجب أن يسبق بناء الدولة ، وبناء القانون يكون بالعمل به وتسييده وجعله فيصلا إلى أخر حد وإلى أعلى مستوى لا بمجرد التدوين ، كما أن سيادة القانون تعني تساوي كل الأشخاص أمامه وخضوعهم له ، ولو لم يحل الخراب على هذا النحو لحل على نحو آخر ، ودول العالم الإسلامي كان لها النصيب الأوفر من هذه النهايات ولا أقول الحتمية بل المؤلمة و المخجلة في آن واحد ، فاقتتال الإخوان في الأسرة الواحدة واقتتال أبناء العمومة على الرياسات وتحويل المراكز والإدارات إلى هبات ومنح شرفية ، وجعل المناصب حكرا على المقربين والأصدقاء والموالين بدون أهلية ، كل هذه نماذج يزخر بها التاريخ الإسلامي ... كما أنه إذا تسلل الاستئثار بتحقيق أمجاد شخصية بعيدا عن القصد الأدبي للقيادات ، وكذلك الافتتان بالترف والتنعم وامتلاك القصورالفارهة والجزر والواحات والتدليل المبالغ فيه على حساب أولوية بناء الدولة والتكريس لخدمتها ، فإن ذلك يفضي إلى التناسي وفقد المشاعر والإحساس بالانتماء والدعة ثم البعد عن هم الأمة والانشغال عن تطلعاتها ونسيان عواقب الأمور التي بلا شك ستكون خرابا ودمارا على الجميع ، كما أن القيادات النابهة يجب أن تحذر من الركون و الاطمئنان إلى وصايا ومشاورات الغرباء والمتنفعين والانتهازيين وسيل من المخابرات المضللة التي ليس لها من هم سوى الابتزاز والنفعية الخاصة على حساب الوطن وعزه وكرامته ، ثم يتسع الخلل ويكبر الشق في ظل عدم القدرة على تكوين مؤسسات وآليات مستقلة قادرة على المحاسبة والنقد والمراجعة المستمرة و بهذا تنزلق الدولة إلى هاوية السقوط المدوي .. والعلاج لا يكون إلا بإيقاد شعلة الطموح القيادي للأمة ، وبفقه واقعها والالتصاق بها نصا وروحا ، وهذا لا يتأتى إلا بإيجاد مساحة لجو من حرية الفكر والتعبير وتكوين انسجام وتجانس ورأي عام منفتح ومتفاهم ، ونوع من الثقة المتبادلة التي لا تبنى على سذاجة النيات الطيبة ، بل على الطرق العلمية لبناء الدولة و مباديء الشورى ونزاهة الأحكام وعدالة القضاء ومن خلال مؤسسات برلمانية منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب ، وهذا ما لا تحققه إلا الإدارات الناجحة والقيادات الملهمة الراشدة التي تربط مصيرها بعدالة القانون ونزاهته وحياديته المتناهية ..... وعندما أكمل هذا المفكر المستضاف بالبرنامج رؤاه حول القيادات وسياسات الأمم ، كنت أتنبأ بمستقبل مشرق ونهضة جامحة لهذه الدولة ، لأن الشعب الذي عاش سنوات اضطهاد مريرة من عمره لن يرضى أن يكرر التجربة وأن يقامر بمصيره لحكومة جديدة تضعه على الهامش ، والآن وقد مرت السنوات ، أسر في دخيلة نفسي لما تحقق من نبوءتي ، ولما بلغ من طموح هذه الدولة وشعبها لتسطر إسمها بدم المخلصين الأوفياء من شعبها كعضو في النادي العالمي النووي وهذا شرف تتمناه كثير من الدول وتسعى في طريقه،
وللعلم فإن خط الساحل الغربي الضيق الذي كنت أعبره جيئة وذهابا لأداء الحج أو العمرة في مكة المكرمة قد تحول إلى خط دولي مزدوج وعامر بآلاف السيارات التي تطرقه ليلا ونهارا لخدمة ثلث سكان المملكة ( الجنوب) وهو شكر موصول بعد الله إلى وزارة المواصلات السعودية النشطة ، ولعل خير ذلك الخط قد امتد ليشمل دولة اليمن الشقيقة ، فمئات السيارات تعبره يوميا من هذه الدولة النامية بمنتجاتها الغذائية الزراعية لتجد لها سوقا استهلاكيا رائجا كبيرا داخل المملكة حفظها الله وأدام لها هذه النعمة من الزوال ...
بينما يقول أحدهم : فقدنا أراضينا ومؤسساتنا الصغيرة وخسرنا كل شيء بسبب تعقيدات القوانين ، وكان يجب علينا أن ندفع أموالا طائلة كضرائب ومكوسات ، ونحن نعلم أن هذه الضرائب والمكوسات لم يكن من أهدافها إلا تجريدنا وإفقارنا حتى نضطر لبيعها ، ولذلك تحولنا إلى أسر فقيرة معدمة بهذه القوانين الجائرة ......
بينما علق أحدهم بقوله :معظم قوانيننا كانت قوانين طوارئ ولكن غير معلن عنها ، فالقانون يسطر ليلا ويختفي صباحا حين تنتهي مهمته ، أما الآخر فيعبر بقوله : لقد تحولت العاصمة طهران إلى واحات وفنادق للأمريكيين والوافدين من عدة دول وتحولنا نحن إلى عبيد وجوار عندهم نعمل على خدمتهم بأجور زهيدة ، بينما هم يقومون بامتصاص خيرات البلاد ويحضون بالامتيازات والتسهيلات في فتح شركاتهم ومؤسساتهم ويحصلون على تصاريحهم بمكالمات هاتفية ، أما نحن فتوضع أمامنا العقبات والمعوقات حتى نخلي لهم الطريق ... ويقول أحد الشباب : لم يكن لنا أي اعتبار في تلك الفترة فنحن نسكن مدينة مكتظة بالسكان وتختنق بعوادم السيارات ، فالأراضي المتوفرة تتحول إلى مخططات وملكيات خاصة باهظة الثمن والمتنزهات تتحول بين عشية وضحاها إلى مخططات أراض للبيع ... ونحن نتحول إلى فقراء متسكعين ومعدمين ونزاحم أهلنا في أقواتهم ومساكنهم ، أما ما يتمناه شباب في مثل سننا من نواد رياضية أوأدبية فكان آخر شيء يمكن أن تفكر فيه تلك الحكومة الراحلة ..
وفي استضافة البرنامج لأحد المفكرين البارزين ، كان يركز في تحليلاته على أن تلك الطريقة التي اتبعت في إدراة البلاد كان الفشل متوقعا لها ، ثم يقول : وقد ألمح ابن خلدون إلى هذا في مقدمته، وعلق على ذلك بقوله : فبناء القانون يجب أن يسبق بناء الدولة ، وبناء القانون يكون بالعمل به وتسييده وجعله فيصلا إلى أخر حد وإلى أعلى مستوى لا بمجرد التدوين ، كما أن سيادة القانون تعني تساوي كل الأشخاص أمامه وخضوعهم له ، ولو لم يحل الخراب على هذا النحو لحل على نحو آخر ، ودول العالم الإسلامي كان لها النصيب الأوفر من هذه النهايات ولا أقول الحتمية بل المؤلمة و المخجلة في آن واحد ، فاقتتال الإخوان في الأسرة الواحدة واقتتال أبناء العمومة على الرياسات وتحويل المراكز والإدارات إلى هبات ومنح شرفية ، وجعل المناصب حكرا على المقربين والأصدقاء والموالين بدون أهلية ، كل هذه نماذج يزخر بها التاريخ الإسلامي ... كما أنه إذا تسلل الاستئثار بتحقيق أمجاد شخصية بعيدا عن القصد الأدبي للقيادات ، وكذلك الافتتان بالترف والتنعم وامتلاك القصورالفارهة والجزر والواحات والتدليل المبالغ فيه على حساب أولوية بناء الدولة والتكريس لخدمتها ، فإن ذلك يفضي إلى التناسي وفقد المشاعر والإحساس بالانتماء والدعة ثم البعد عن هم الأمة والانشغال عن تطلعاتها ونسيان عواقب الأمور التي بلا شك ستكون خرابا ودمارا على الجميع ، كما أن القيادات النابهة يجب أن تحذر من الركون و الاطمئنان إلى وصايا ومشاورات الغرباء والمتنفعين والانتهازيين وسيل من المخابرات المضللة التي ليس لها من هم سوى الابتزاز والنفعية الخاصة على حساب الوطن وعزه وكرامته ، ثم يتسع الخلل ويكبر الشق في ظل عدم القدرة على تكوين مؤسسات وآليات مستقلة قادرة على المحاسبة والنقد والمراجعة المستمرة و بهذا تنزلق الدولة إلى هاوية السقوط المدوي .. والعلاج لا يكون إلا بإيقاد شعلة الطموح القيادي للأمة ، وبفقه واقعها والالتصاق بها نصا وروحا ، وهذا لا يتأتى إلا بإيجاد مساحة لجو من حرية الفكر والتعبير وتكوين انسجام وتجانس ورأي عام منفتح ومتفاهم ، ونوع من الثقة المتبادلة التي لا تبنى على سذاجة النيات الطيبة ، بل على الطرق العلمية لبناء الدولة و مباديء الشورى ونزاهة الأحكام وعدالة القضاء ومن خلال مؤسسات برلمانية منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب ، وهذا ما لا تحققه إلا الإدارات الناجحة والقيادات الملهمة الراشدة التي تربط مصيرها بعدالة القانون ونزاهته وحياديته المتناهية ..... وعندما أكمل هذا المفكر المستضاف بالبرنامج رؤاه حول القيادات وسياسات الأمم ، كنت أتنبأ بمستقبل مشرق ونهضة جامحة لهذه الدولة ، لأن الشعب الذي عاش سنوات اضطهاد مريرة من عمره لن يرضى أن يكرر التجربة وأن يقامر بمصيره لحكومة جديدة تضعه على الهامش ، والآن وقد مرت السنوات ، أسر في دخيلة نفسي لما تحقق من نبوءتي ، ولما بلغ من طموح هذه الدولة وشعبها لتسطر إسمها بدم المخلصين الأوفياء من شعبها كعضو في النادي العالمي النووي وهذا شرف تتمناه كثير من الدول وتسعى في طريقه،
وللعلم فإن خط الساحل الغربي الضيق الذي كنت أعبره جيئة وذهابا لأداء الحج أو العمرة في مكة المكرمة قد تحول إلى خط دولي مزدوج وعامر بآلاف السيارات التي تطرقه ليلا ونهارا لخدمة ثلث سكان المملكة ( الجنوب) وهو شكر موصول بعد الله إلى وزارة المواصلات السعودية النشطة ، ولعل خير ذلك الخط قد امتد ليشمل دولة اليمن الشقيقة ، فمئات السيارات تعبره يوميا من هذه الدولة النامية بمنتجاتها الغذائية الزراعية لتجد لها سوقا استهلاكيا رائجا كبيرا داخل المملكة حفظها الله وأدام لها هذه النعمة من الزوال ...