شدد على أن نبذ الخلافات المذهبية مقدمة للحوار مع الآخر:
المفكر الإسلامي د· مصطفي الشكعة:
سوء الإدارة مسؤول عن تخلف المسلمين
التكافل مبدأ إسلامي يقر أمن المجتمع
القاهرة ـ مـــن ـ وكالة الصحافة العربية:
أكد د·مصطفي الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الغزو الثقافي الذي يقوم عليه الغرب يرتكز على محو الهوية الإسلامية من جذورها لدى المسلمين، تلك الهوية التي تتمثل في الأركان والقيم الإسلامية الغراء، التي إذا تخلينا عنها لن تقوم لنا قائمة بين الأمم·
وأشار الشكعة في حواره لــ(وكالة الصحافة العربية) الى أن الخلافات المذهبية الإسلامية شأن إسلامي صرف ولاتهم غير المسلمين وليس لها أي تأثير على صورة الإسلام في الغرب، ولكن تصفية هذه الخلافات من شأنه الوحدة الإسلامية، وبالتالي القدرة على الحوار القويم مع الآخر·
وشدد على أن الأدب لايمكن أن ينفصل عن الواقع، ومن ثم فإن الأدب إذا لم يكن في خدمة المجتمع فهو بذلك يتخلي عن وظيفة رئيسية له، وهو في ذات الوقت قادر على مواجهة التيارات المعادية للثقافة التي يعبر عنها، وبالتالي من الممكن أن يلعب الأدب الإسلامي دوراً مهماً في إطار علاقتنا مع غير المسلم·
- اشتدت في الآونة الأخيرة الحملة ضد الإسلام كيف ترونها؟
الغرب لا يعرف الإسلام على حقيقته، فهم يجهلون العقيدة الإسلامية وسماحة الإسلام، فكل ما يعرفونه عن الإسلام مجرد بعض الرتوش المغلفة بالافتراءات بما يمهد الطريق أمام بعض المتعصبين الغربيين لتشويه صورة الإسلام وربطه بالإرهاب، بينما إذا عرفوا حقيقة الإسلام لما وزعوا الاتهامات يميناً ويساراً ضد المسلمين بدعوي قيامهم بالأعمال الإرهابية الأخيرة فالمسلم الحق هو من يعترف بالرسالات الأولي وعلى رأسها المسيحية، بينما إذا تمحص الغرب في الأمر جيداً لوجدوا أن اليهود هم المستفيدون الوحيدون من هذه الأعمال، فالإسلام دين يحافظ على العهود، ولا يكره أحداً من غير المسلمين على اعتناقه، أما اليهود فيناصبون الجميع العداء وعلى رأسهم المسيحية، وهذا ما يظهر في بروتوكولات حكماء صهيون، لذلك أرى أنه من الخطأ أن يتخوف الغرب من الإسلام ويضعه في مصاف الأعداء، فالإسلام لا يدعو الى مخاصمتهم، وعلينا أن نصوب هذه الأخطاء التي دسها اليهود والنصارى المتعصبون على الإسلام·
محو الهوية
- كيف يمكن مواجهة الغزو الثقافي الغربي للبلاد الإسلامية؟
يرتكز الغزو الثقافي الذي يقوم به الغرب على محو الهوية الإسلامية من جذورها لدى المسلمين والعرب، والهوية الإسلامية كما نعلم تتمثل في الأركان والقيم الإسلامية الغراء التي إذا تخلينا عنها لن تقوم لنا قائمة بين الأمم، فهذه القيم والأحكام إذا التزمنا بها تبرز الهوية الإسلامية التي لابد من إعلائها في البلدان الإسلامية والتعريف بها في الخارج من خلال تعامل المسلم بسماحة الإسلام مع أشد الناس عداوة للإسلام·
- عالمية الإسلام كيف يمكن أن تواجه الاتجاه الغربي المتزايد بالترويج للعولمة؟
الإسلام دين عالمي بما لا يدع مجالاً للشك، فالإسلام موجود في كل ركن من أركان الكرة الأرضية والمساجد التي يعبد فيها الله تملأ الدول غير الإسلامية، أما العولمة فهي صعبة التحقيق لأنها تتعارض مع الاختلافات الطبيعية والتفاوتات بين الشعوب واللغات والأعراف والعادات والتقاليد التي تميز شعباً عن الآخر، كما يقول الله سبحانه وتعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" فكيف تتحقق هذه العولمة التي يدعون لها مع كل هذه التباينات بين الأمم، لذلك لا يجب أن نتخوف من هذه العولمة التي لن تستمر طويلاً لأن استمرارها يتنافي مع طبيعة الكون·
أما عالمية الإسلام فهي محققة بما يقدمه الإسلام على مر العصور من خدمات جليلة للإنسانية جمعاء، فمن ينكر اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية قديماً وأحمد زويل حديثاً للفمتوثانية، فعالمية الإسلام تتحقق ويتم إذكاؤها بتوضيح المعجزات التي يضمها القرآن الكريم والتي أدي التحقق من حدوثها الى إسلام الكثيرين من العلماء، لذلك أطالب بتسليط الضوء إعلامياً أكثر على معجزات القرآن الكريم لتوضيح أنه الدين الحق مهما تعرض لهجمات باطلة·
- وهل تشوه الخلافات المذهبية صورة الإسلام في الغرب؟
الخلافات المذهبية لا تهم غير المسلمين وليس لها أي تأثير على صورة الإسلام لدى الغرب، لذلك فكل ما يهمنا تصفية هذه الخلافات وبعد أن ننتهي منها ونصبح أمة واحدة يمكننا أن ننظر الى الخارج·
- وما وجه اعتراضك على المذهبية في الإسلام؟
أنا أعرف أن الاختلاف في الآراء لا يفسد للود قضية وأن ينتهي الحوار الى انصهار هذه الأفكار والآراء في شكل مذهب واحد، إلا أن ما حدث لم يخرج عن دائرة الصراع المذهبي وأنا لا أقصد بذلك المذاهب الأربعة، ولكن المذاهب الأخرى الموجودة في الإسلام، فالإسلام ليس بالدين المجزأ بل هو أحكام القرآن الكريم، وما جاء بالسنة النبوية "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي"، فالكتاب والسنة هما الإسلام، لكن هناك من أصحاب المذاهب من بالغوا بل وتطرقوا في بعض الجوانب ومن انتقصوا من جوانب أخرى واعتبر هذه المذاهب مذاهب منحرفة·
- وكيف يمكن أن نعيد المذاهب المنحرفة الى جادة الطريق؟
نحن ندرس جميع المذاهب ونحدد أيها منحرف وأيها سليم، وما يهمنا في المقابل الأول هو عدم انحراف المسلمين لمثل هذه المذاهب التي تخرج عن صحيح الدين الإسلامي، فإذا عرف المسلمون أن هذا المبدأ منحرف لن ينجرفوا اليه ولن يشغلوا أنفسهم بالرد عليه والدخول في مهاترات لا طائل منها إلا إذا ثبتت لديهم نية صادقة في الإقلاع عن هذه الانحرافات، فنحن نتحاور مع أصحاب هذه المذاهب المنحرفة ولكن دون جدوي، لذلك سنظل على عدم الاعتراف بهم ما داموا يتمسكون بأفكارهم المنحرفة التي خرجوا بها على صحيح الدين وثوابته، ونحن لا نكفر أحداً وإنما نتحدث وفق ما يقوله كتاب الله وسنة رسوله دون أن نفتش في الضمائر والقلوب·
الأدب الإسلامي
- في رأيكم هل يمكن أن يؤدي الأدب دوراً في مواجهة أعداء الإسلام؟
الأدب مرآة للمجتمع، لذلك لايمكن أن تنفصل الحياة الأدبية عن المشكلات التي تواجهها الأمة والإسلام، فالأدب العربي في مختلف العصور يبحث في المشكلات من خلال كافة النوافذ الأدبية ومن ضمنها الفلسفة أيضاً، لذلك أري أن الأدب إذا لم يكن في خدمة المجتمع فهو بذلك يتخلي عن وظيفة رئيسية له، وهو قادر على مواجهة التيارات المعادية للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بما يملك من مفكرين وأدباء قادرين على تطويع كتاباتهم للرد على المزاعم المناوئة للإسلام في صورة أدبية رشيقة تقرب هذه المفاهيم وتوضحها بما يخدم الإسلام ويدحض الافتراءات التي توجه لديننا الحنيف·
- على الرغم من هذه الأهمية التي توليها للأدب إلا أن البعض أخذ عليك صداقتك للمستشرق الفرنسي جاك بيرك وكتاباته المغلوطة عن الإسلام؟
جاك بيرك كان من ألمع علماء الاجتماع في عالمنا المعاصر، وقد كان صديقاً شخصياً لي يزورني في مصر وأزوره في فرنسا وهي علاقة خاصة بي، وقد كان جاك بيرك يحترم الإسلام والتراث الإسلامي وإلا ما صادقته، ولكنه وقع في المحظور دون أن يدري فقد تعرض لترجمة القرآن الكريم دون أن يؤهل نفسه جيداً لمثل هذا العمل الخطير وأعطي لنفسه حرية كبيرة في ترجمة بعض الآيات القرآنية فخرجت الترجمة خاطئة، كما تعرض أيضاً لترجمات التراث مثل المعلقات الشعرية، ولكنه في النهاية خرج لنا بأشياء رائعة دون أن تكون معلقات، فأنا أحسب لجاك بيرك محاولته وأحسب له خطأه في المحاولة، أما عن إلصاق اسمي به فهو شرف لي فقد كنا أصدقاء وأنا لا أنكر إطلاقاً هذه الصداقة الجميلة التي كانت بيننا·
- وكيف يمكن لنا كأمة إسلامية أن نحافظ على التراث الإسلامي؟
نحن أمة لديها كنوز لم نستخرج منها بعد إلا القشور، فالتراث العربي مستودع ضخم لاينضب، والتراث نوعان تراث حضاري وثقافي، والتراث الثقافي يعني الدين واللغة والعادات والتقاليد وخلافه، وللحفاظ على التراث الديني وهو إحدى ركائز التراث الثقافي الذي لابد من الحفاظ عليه بممارسة شعائره من صلاة وصوم وزكاة في أي مكان في العالم والتأدب بآدابه والابتعاد عن البدع وتدريس علومه ببساطة ووضوح بعيداً عن التشدد، أما اللغة فهي مهمة جداً في التراث الثقافي ولابد من الحفاظ عليها بتدريسها للنشء دون تشويه والابتعاد عن العامية وعندما يتم تدريس اللغات الأجنبية يتم تدريسها من خلال كونها لغة وليست ثقافة، وبالنسبة للتراث الحضاري فهو منجزات حضارتنا الإسلامية في اللغة مثلاً كالشعر والنثر والقصص والفكر الفلسفي والديني وخلافه، وللحفاظ عليه لابد من الاعتزاز به أولاً وتدريس منجزات هذا التراث الحضاري دون رتوش وتشجيع إجراء الدراسات على منجزاته·
ملاحقة الركب
- وهل أن أمتنا الإسلامية لا تزال قادرة على ملاحقة هذا التطور العلمي؟
قابلية العلم والنبوغ والإبداع صفة أصيلة في أمتنا وفي إسلامنا بصفة عامة، فديننا الحنيف يواكب كافة العصور، وعقول أبنائنا متفتحة، ولكن يعوقها التنظيم والإدارة الموجودين في الخارج بصورة أفضل، فإذا نظرنا الى أهم المجالات العلمية نجد أحمد زويل ملك الكيمياء بدون منازع ومجدي يعقوب عبقري جراحة القلب وزرع الأعضاء فهذه الأسماء اللامعة لابد وأن تطمئننا على قابلية العلم والنبوغ لدى أمتنا الإسلامية، فالإسلام يحث على العلم، كما أن من يموت في سبيل العلم فهو شهيد في الإسلام، ولا تزال كتب علماء المسلمين الأوائل تدرس في جامعات الغرب وعلى رأسهم ابن سينا والكندي والرازي والبيروني وابن الهيثم وابن النفيس وأبويونس المصري وجابر بن حيان والخوارزمي وغيرهم، الذين شيدوا علوم الدنيا وأهدوا الإسلام والبشرية خدمات جليلة·
- كيف ترى إذاً السبيل لتأصيل التعاون الثقافي في العالم الإسلامي؟
لابد أولاً من ايجاد الأخوة بين المسلمين واقعاً معاشاً فهي الأساس الذي نستطيع من خلاله تعزيز التعاون بين المسلمين في مختلف المجالات وليس المجال الثقافي فقط، فالإسلام يحث على طلب العلم ويحث أيضاً على الأخذ بمبدأ أخوة المسلمين، فيقول الله تعالى "إنما المؤمنون أخوة" فإذا ربطنا بين هذين المبدأين الإسلاميين لاستطاع المسلمون أن يبلوروا حياتهم الثقافية الخاصة التي تخرج عن إطار التقليد ومحاكاة الغرب وتعزز من مفاهيم التضامن السياسي والتقارب الفكري والوحدة الاقتصادية وهي مفاهيم نتمنى تحقيقها بين المسلمين·
فإذا بدأنا بتحقيق الأخوة الإسلامية لأصبحنا أمة صعبة الاختراق أو التغلب عليها أو الانفراد بأحد أعضائها كما حدث منذ سنوات في البوسنة والهرسك وبعده في الشيشان وفي العراق وحاليا في أفغانستان دون أن يكون هناك أدلة دامغة على تورطها في الهجمات الإرهابية التي وقعت بالأراضي الأمريكية مؤخراً·
ازدادت الهوة اتساعاً بين الأغنياء والفقراء في الآونة الأخيرة·· كيف يمكن تقليل هذه الفجوة من وجهة النظر الإسلامية؟
التكافل الاجتماعي من المبادئ الإسلامية التي يحرص عليها الإسلام فديننا الحنيف يلزم الدولة بكفالة العاجزين عن الكسب لأي ظرف كان سواء لمرض أو خلافه، بل إن عمر بن الخطاب قرر نفقة من بيت مال المسلمين لأحد المعوزين من غير المسلمين والذي شاهده عمر بن الخطاب في الطريق يتسول من المارة وقال له: ما انصفناك إذ أخذنا منك الجزية وأنت شاب وتركناك تتسول وأنت شيخ، فالإسلام شرع الزكاة من أجل إصلاح المجتمع الإسلامي والاهتمام بالفقير والطفل اليتيم والمرأة وكفلتهم جميعاً وفتح منافذ كثيرة للإنفاق عليهم فجعل مثلاً الكفارة التي يؤديها المسلمون عن الخطايا بالتصدق على الفقراء وهذه هي سمات الإسلام السمحة·
المفكر الإسلامي د· مصطفي الشكعة:
سوء الإدارة مسؤول عن تخلف المسلمين
التكافل مبدأ إسلامي يقر أمن المجتمع
القاهرة ـ مـــن ـ وكالة الصحافة العربية:
أكد د·مصطفي الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الغزو الثقافي الذي يقوم عليه الغرب يرتكز على محو الهوية الإسلامية من جذورها لدى المسلمين، تلك الهوية التي تتمثل في الأركان والقيم الإسلامية الغراء، التي إذا تخلينا عنها لن تقوم لنا قائمة بين الأمم·
وأشار الشكعة في حواره لــ(وكالة الصحافة العربية) الى أن الخلافات المذهبية الإسلامية شأن إسلامي صرف ولاتهم غير المسلمين وليس لها أي تأثير على صورة الإسلام في الغرب، ولكن تصفية هذه الخلافات من شأنه الوحدة الإسلامية، وبالتالي القدرة على الحوار القويم مع الآخر·
وشدد على أن الأدب لايمكن أن ينفصل عن الواقع، ومن ثم فإن الأدب إذا لم يكن في خدمة المجتمع فهو بذلك يتخلي عن وظيفة رئيسية له، وهو في ذات الوقت قادر على مواجهة التيارات المعادية للثقافة التي يعبر عنها، وبالتالي من الممكن أن يلعب الأدب الإسلامي دوراً مهماً في إطار علاقتنا مع غير المسلم·
- اشتدت في الآونة الأخيرة الحملة ضد الإسلام كيف ترونها؟
الغرب لا يعرف الإسلام على حقيقته، فهم يجهلون العقيدة الإسلامية وسماحة الإسلام، فكل ما يعرفونه عن الإسلام مجرد بعض الرتوش المغلفة بالافتراءات بما يمهد الطريق أمام بعض المتعصبين الغربيين لتشويه صورة الإسلام وربطه بالإرهاب، بينما إذا عرفوا حقيقة الإسلام لما وزعوا الاتهامات يميناً ويساراً ضد المسلمين بدعوي قيامهم بالأعمال الإرهابية الأخيرة فالمسلم الحق هو من يعترف بالرسالات الأولي وعلى رأسها المسيحية، بينما إذا تمحص الغرب في الأمر جيداً لوجدوا أن اليهود هم المستفيدون الوحيدون من هذه الأعمال، فالإسلام دين يحافظ على العهود، ولا يكره أحداً من غير المسلمين على اعتناقه، أما اليهود فيناصبون الجميع العداء وعلى رأسهم المسيحية، وهذا ما يظهر في بروتوكولات حكماء صهيون، لذلك أرى أنه من الخطأ أن يتخوف الغرب من الإسلام ويضعه في مصاف الأعداء، فالإسلام لا يدعو الى مخاصمتهم، وعلينا أن نصوب هذه الأخطاء التي دسها اليهود والنصارى المتعصبون على الإسلام·
محو الهوية
- كيف يمكن مواجهة الغزو الثقافي الغربي للبلاد الإسلامية؟
يرتكز الغزو الثقافي الذي يقوم به الغرب على محو الهوية الإسلامية من جذورها لدى المسلمين والعرب، والهوية الإسلامية كما نعلم تتمثل في الأركان والقيم الإسلامية الغراء التي إذا تخلينا عنها لن تقوم لنا قائمة بين الأمم، فهذه القيم والأحكام إذا التزمنا بها تبرز الهوية الإسلامية التي لابد من إعلائها في البلدان الإسلامية والتعريف بها في الخارج من خلال تعامل المسلم بسماحة الإسلام مع أشد الناس عداوة للإسلام·
- عالمية الإسلام كيف يمكن أن تواجه الاتجاه الغربي المتزايد بالترويج للعولمة؟
الإسلام دين عالمي بما لا يدع مجالاً للشك، فالإسلام موجود في كل ركن من أركان الكرة الأرضية والمساجد التي يعبد فيها الله تملأ الدول غير الإسلامية، أما العولمة فهي صعبة التحقيق لأنها تتعارض مع الاختلافات الطبيعية والتفاوتات بين الشعوب واللغات والأعراف والعادات والتقاليد التي تميز شعباً عن الآخر، كما يقول الله سبحانه وتعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" فكيف تتحقق هذه العولمة التي يدعون لها مع كل هذه التباينات بين الأمم، لذلك لا يجب أن نتخوف من هذه العولمة التي لن تستمر طويلاً لأن استمرارها يتنافي مع طبيعة الكون·
أما عالمية الإسلام فهي محققة بما يقدمه الإسلام على مر العصور من خدمات جليلة للإنسانية جمعاء، فمن ينكر اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية قديماً وأحمد زويل حديثاً للفمتوثانية، فعالمية الإسلام تتحقق ويتم إذكاؤها بتوضيح المعجزات التي يضمها القرآن الكريم والتي أدي التحقق من حدوثها الى إسلام الكثيرين من العلماء، لذلك أطالب بتسليط الضوء إعلامياً أكثر على معجزات القرآن الكريم لتوضيح أنه الدين الحق مهما تعرض لهجمات باطلة·
- وهل تشوه الخلافات المذهبية صورة الإسلام في الغرب؟
الخلافات المذهبية لا تهم غير المسلمين وليس لها أي تأثير على صورة الإسلام لدى الغرب، لذلك فكل ما يهمنا تصفية هذه الخلافات وبعد أن ننتهي منها ونصبح أمة واحدة يمكننا أن ننظر الى الخارج·
- وما وجه اعتراضك على المذهبية في الإسلام؟
أنا أعرف أن الاختلاف في الآراء لا يفسد للود قضية وأن ينتهي الحوار الى انصهار هذه الأفكار والآراء في شكل مذهب واحد، إلا أن ما حدث لم يخرج عن دائرة الصراع المذهبي وأنا لا أقصد بذلك المذاهب الأربعة، ولكن المذاهب الأخرى الموجودة في الإسلام، فالإسلام ليس بالدين المجزأ بل هو أحكام القرآن الكريم، وما جاء بالسنة النبوية "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي"، فالكتاب والسنة هما الإسلام، لكن هناك من أصحاب المذاهب من بالغوا بل وتطرقوا في بعض الجوانب ومن انتقصوا من جوانب أخرى واعتبر هذه المذاهب مذاهب منحرفة·
- وكيف يمكن أن نعيد المذاهب المنحرفة الى جادة الطريق؟
نحن ندرس جميع المذاهب ونحدد أيها منحرف وأيها سليم، وما يهمنا في المقابل الأول هو عدم انحراف المسلمين لمثل هذه المذاهب التي تخرج عن صحيح الدين الإسلامي، فإذا عرف المسلمون أن هذا المبدأ منحرف لن ينجرفوا اليه ولن يشغلوا أنفسهم بالرد عليه والدخول في مهاترات لا طائل منها إلا إذا ثبتت لديهم نية صادقة في الإقلاع عن هذه الانحرافات، فنحن نتحاور مع أصحاب هذه المذاهب المنحرفة ولكن دون جدوي، لذلك سنظل على عدم الاعتراف بهم ما داموا يتمسكون بأفكارهم المنحرفة التي خرجوا بها على صحيح الدين وثوابته، ونحن لا نكفر أحداً وإنما نتحدث وفق ما يقوله كتاب الله وسنة رسوله دون أن نفتش في الضمائر والقلوب·
الأدب الإسلامي
- في رأيكم هل يمكن أن يؤدي الأدب دوراً في مواجهة أعداء الإسلام؟
الأدب مرآة للمجتمع، لذلك لايمكن أن تنفصل الحياة الأدبية عن المشكلات التي تواجهها الأمة والإسلام، فالأدب العربي في مختلف العصور يبحث في المشكلات من خلال كافة النوافذ الأدبية ومن ضمنها الفلسفة أيضاً، لذلك أري أن الأدب إذا لم يكن في خدمة المجتمع فهو بذلك يتخلي عن وظيفة رئيسية له، وهو قادر على مواجهة التيارات المعادية للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بما يملك من مفكرين وأدباء قادرين على تطويع كتاباتهم للرد على المزاعم المناوئة للإسلام في صورة أدبية رشيقة تقرب هذه المفاهيم وتوضحها بما يخدم الإسلام ويدحض الافتراءات التي توجه لديننا الحنيف·
- على الرغم من هذه الأهمية التي توليها للأدب إلا أن البعض أخذ عليك صداقتك للمستشرق الفرنسي جاك بيرك وكتاباته المغلوطة عن الإسلام؟
جاك بيرك كان من ألمع علماء الاجتماع في عالمنا المعاصر، وقد كان صديقاً شخصياً لي يزورني في مصر وأزوره في فرنسا وهي علاقة خاصة بي، وقد كان جاك بيرك يحترم الإسلام والتراث الإسلامي وإلا ما صادقته، ولكنه وقع في المحظور دون أن يدري فقد تعرض لترجمة القرآن الكريم دون أن يؤهل نفسه جيداً لمثل هذا العمل الخطير وأعطي لنفسه حرية كبيرة في ترجمة بعض الآيات القرآنية فخرجت الترجمة خاطئة، كما تعرض أيضاً لترجمات التراث مثل المعلقات الشعرية، ولكنه في النهاية خرج لنا بأشياء رائعة دون أن تكون معلقات، فأنا أحسب لجاك بيرك محاولته وأحسب له خطأه في المحاولة، أما عن إلصاق اسمي به فهو شرف لي فقد كنا أصدقاء وأنا لا أنكر إطلاقاً هذه الصداقة الجميلة التي كانت بيننا·
- وكيف يمكن لنا كأمة إسلامية أن نحافظ على التراث الإسلامي؟
نحن أمة لديها كنوز لم نستخرج منها بعد إلا القشور، فالتراث العربي مستودع ضخم لاينضب، والتراث نوعان تراث حضاري وثقافي، والتراث الثقافي يعني الدين واللغة والعادات والتقاليد وخلافه، وللحفاظ على التراث الديني وهو إحدى ركائز التراث الثقافي الذي لابد من الحفاظ عليه بممارسة شعائره من صلاة وصوم وزكاة في أي مكان في العالم والتأدب بآدابه والابتعاد عن البدع وتدريس علومه ببساطة ووضوح بعيداً عن التشدد، أما اللغة فهي مهمة جداً في التراث الثقافي ولابد من الحفاظ عليها بتدريسها للنشء دون تشويه والابتعاد عن العامية وعندما يتم تدريس اللغات الأجنبية يتم تدريسها من خلال كونها لغة وليست ثقافة، وبالنسبة للتراث الحضاري فهو منجزات حضارتنا الإسلامية في اللغة مثلاً كالشعر والنثر والقصص والفكر الفلسفي والديني وخلافه، وللحفاظ عليه لابد من الاعتزاز به أولاً وتدريس منجزات هذا التراث الحضاري دون رتوش وتشجيع إجراء الدراسات على منجزاته·
ملاحقة الركب
- وهل أن أمتنا الإسلامية لا تزال قادرة على ملاحقة هذا التطور العلمي؟
قابلية العلم والنبوغ والإبداع صفة أصيلة في أمتنا وفي إسلامنا بصفة عامة، فديننا الحنيف يواكب كافة العصور، وعقول أبنائنا متفتحة، ولكن يعوقها التنظيم والإدارة الموجودين في الخارج بصورة أفضل، فإذا نظرنا الى أهم المجالات العلمية نجد أحمد زويل ملك الكيمياء بدون منازع ومجدي يعقوب عبقري جراحة القلب وزرع الأعضاء فهذه الأسماء اللامعة لابد وأن تطمئننا على قابلية العلم والنبوغ لدى أمتنا الإسلامية، فالإسلام يحث على العلم، كما أن من يموت في سبيل العلم فهو شهيد في الإسلام، ولا تزال كتب علماء المسلمين الأوائل تدرس في جامعات الغرب وعلى رأسهم ابن سينا والكندي والرازي والبيروني وابن الهيثم وابن النفيس وأبويونس المصري وجابر بن حيان والخوارزمي وغيرهم، الذين شيدوا علوم الدنيا وأهدوا الإسلام والبشرية خدمات جليلة·
- كيف ترى إذاً السبيل لتأصيل التعاون الثقافي في العالم الإسلامي؟
لابد أولاً من ايجاد الأخوة بين المسلمين واقعاً معاشاً فهي الأساس الذي نستطيع من خلاله تعزيز التعاون بين المسلمين في مختلف المجالات وليس المجال الثقافي فقط، فالإسلام يحث على طلب العلم ويحث أيضاً على الأخذ بمبدأ أخوة المسلمين، فيقول الله تعالى "إنما المؤمنون أخوة" فإذا ربطنا بين هذين المبدأين الإسلاميين لاستطاع المسلمون أن يبلوروا حياتهم الثقافية الخاصة التي تخرج عن إطار التقليد ومحاكاة الغرب وتعزز من مفاهيم التضامن السياسي والتقارب الفكري والوحدة الاقتصادية وهي مفاهيم نتمنى تحقيقها بين المسلمين·
فإذا بدأنا بتحقيق الأخوة الإسلامية لأصبحنا أمة صعبة الاختراق أو التغلب عليها أو الانفراد بأحد أعضائها كما حدث منذ سنوات في البوسنة والهرسك وبعده في الشيشان وفي العراق وحاليا في أفغانستان دون أن يكون هناك أدلة دامغة على تورطها في الهجمات الإرهابية التي وقعت بالأراضي الأمريكية مؤخراً·
ازدادت الهوة اتساعاً بين الأغنياء والفقراء في الآونة الأخيرة·· كيف يمكن تقليل هذه الفجوة من وجهة النظر الإسلامية؟
التكافل الاجتماعي من المبادئ الإسلامية التي يحرص عليها الإسلام فديننا الحنيف يلزم الدولة بكفالة العاجزين عن الكسب لأي ظرف كان سواء لمرض أو خلافه، بل إن عمر بن الخطاب قرر نفقة من بيت مال المسلمين لأحد المعوزين من غير المسلمين والذي شاهده عمر بن الخطاب في الطريق يتسول من المارة وقال له: ما انصفناك إذ أخذنا منك الجزية وأنت شاب وتركناك تتسول وأنت شيخ، فالإسلام شرع الزكاة من أجل إصلاح المجتمع الإسلامي والاهتمام بالفقير والطفل اليتيم والمرأة وكفلتهم جميعاً وفتح منافذ كثيرة للإنفاق عليهم فجعل مثلاً الكفارة التي يؤديها المسلمون عن الخطايا بالتصدق على الفقراء وهذه هي سمات الإسلام السمحة·