هَدْيه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن

    • هَدْيه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن

      هَدْيه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن


      يقول ابن القيم - رحمه الله - في كتابه زاد المعاد

      ***


      أخرجا في ‏(‏الصحيحين‏)‏ من حديث ابن عباس ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكَرْب ‏:‏ ‏(‏لا إلهَ إلا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العَظِيمُ ، لا إلهَ إلا اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ السَّبْع ، ورَبُّ الأرْض رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ‏)‏ ‏.‏
      وفى ‏(‏جامع الترمذىِّ‏)‏ عن أنس ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ‏(‏كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ ، قال ‏:‏ ‏(‏يا حَىُّ يا قَيُّومُ برحمتِكَ أستغيثُ‏)‏ ‏.‏


      وفيه عن أبى هُريرة ‏:‏ ‏(‏أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم ، كان إذا أهمَّهُ الأَمْرُ ، رفع طرفه إلى السماء فقال ‏:‏ ‏(‏سُبْحَانَ الله العظيمِ‏)‏ ، وإذا اجتهد في الدعاء قال ‏:‏ ‏(‏يا حَىُّ يا قَيُّومُ‏)‏ ‏.‏


      وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏ ، عن أبى بكر الصِّدِّيق ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏دَعَواتُ المكروبِ ‏:‏ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجُو ، فَلا تَكِلْنِى إلى نَفْسى طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وأصْلِحْ لى شَأنى كُلَّهُ ، لا إله إلا أنْتَ‏)‏ ‏.‏ وفيها أيضاً عن أسماء بنت عُمَيس قالت ‏:‏ قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ألا أُعلِّمُكِ كلماتٍ تقوليهِنَّ عِنْدَ الكَرْبِ أو في الكَرْبِ‏:‏


      ‏(‏اللهُ رَبِّى لا أُشْرِكُ به شيئاً‏)‏ ‏.‏ وفى رواية أنها تُقال سبعَ مرات ‏.‏


      وفى ‏(‏مسند الإمام أحمد‏)‏ عن ابن مسعود ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏(‏ما أصابَ عبداً هَمٌ ولا حُزْنٌ فقال ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّى عَبْدُكَ ، ابنُ عَبْدِكَ ، ابنُ أمتِكَ ، ناصِيَتى بيَدِكَ ، مَاضٍ في حُكْمُكَ ، عَدْلٌْ في قضاؤكَ ، اسألُكَ بكل اسْمٍ هُوَ لكَ سَمَّيْتَ به نَفْسَكَ ، أو أنزلْتَه في كِتَابِكَ ، أو عَلَّمْتَهُ أحداً من خَلْقِك ، أو استأثَرْتَ به في عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ ‏:‏ أن تَجْعَل القُرْآنَ العظيم رَبيعَ قَلْبِى ، ونُورَ صَدْرى ، وجِلاءَ حُزنى ، وذَهَابَ هَمِّى ، إلا أذْهَبَ اللهُ حُزْنَه وهَمَّهُ ، وأبْدَلَهُ مكانَهُ فرحاً‏)‏ ‏.‏


      وفى ‏(‏الترمذىِّ‏)‏ عن سعد بن أبى وَقَّاص ، قال ‏:‏ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏دعوةُ ذى النُّون إذْ دَعَا رَبَّهُ وهو في بَطْنِ الحُوتِ ‏:‏ ‏{‏لاَ إلهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ لَمْ يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شىءٍ قَطُّ إلا اسْتُجِيبَ له‏} ‏.‏ وفى رواية ‏:‏ ‏(‏إنِّى لأعلمُ كِلْمَةً لا يقولُهَا مكْروبٌ إلا فرَّج الله عنه ‏:‏ كَلِمَةَ أخى يُونُس‏)‏ ‏.‏


      وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏ عن أبى سعيد الخدرى قال ‏:‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يُقالُ له ‏:‏ أبو أُمَامة فقال ‏:‏ ‏(‏يا أبا أُمامة ؛ ما لى أرَاكَ في المسجدِ في غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ‏)‏ ‏؟‏ فقال ‏:‏ هُمومٌ لَزِمَتْنى وديونٌ يا رسولَ الله فقال ‏:‏ ‏(‏ألا أُعَلِّمُكَ كلاماً إذا أنت قُلْتَهُ أذهبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ هَمَّكَ وقَضَى دَيْنَكَ‏)‏ ‏؟‏ قال ‏:‏ قلتُ ‏:‏ بلى يا رسول الله قال ‏:‏ ‏(‏قُلْ إذا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّى أعُوذُ بِكَ من الهَمِّ والحَزَنِ وأعوذُ بِكَ من العَجْزِ والكَسَلِ وأعوذُ بِكَ من الجُبْنِ والبُخْلِ وأعُوذُ بِكَ من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَال‏)‏ قال ‏:‏ ففعلتُ ذلك فأذهب الله عَزَّ وجَلَّ هَمِّى وقَضى عنى دَيْنِى ‏.‏


      وفى ‏(‏سنن أبى داود‏)‏ عن ابن عباس قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏مَن لَزِمَ الاستغفارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ من كلِّ هَمٍّ فَرَجاً ومِن كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً ورزَقَهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِب‏)‏ وفى ‏(‏المسند‏)‏ ‏:‏ أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمرٌ فَزِعَ إلى الصَّلاة وقد قال تعالى ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالْصَّلاَة‏}‏
      وفى ‏(‏السنن‏)‏ ‏:‏ ‏(‏عَلَيْكُم بالجِهَادِ ، فإنَّه بابٌ مِن أبوابِ الجَنَّةِ ، يدفعُ اللهُ به عن النُّفُوسِ الهَمَّ والغَمَّ‏)‏ ‏.‏


      ويُذكر عن ابن عباس ، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏مَن كَثُرَتْ هُمُومُهُ وغُمُومُهُ ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ ‏:‏ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ‏)‏ ‏.‏ وثبت في ‏(‏الصحيحين‏)‏ ‏:‏ أنها كَنزٌ من كنوز الجَنَّة ‏.‏


      وفى ‏(‏الترمذى‏)‏ ‏:‏ أنها بابٌ من أبواب الجَنَّة ‏.‏


      هذه الأدوية تتضمَّن خمسةَ عشرَ نوعاً من الدواء ، فإن لم تقو على إذهاب داءِ الهَمِّ والغَمِّ والحزن ، فهو داءٌ قد استحكم ، وتمكنت أسبابه ، ويحتاج إلى استفراغ كُلِّى ‏.‏‏.‏


      الأول ‏:‏ توحيد الرُّبوبية ‏.‏


      الثانى ‏:‏ توحيد الإلهية ‏.‏


      الثالث ‏:‏ التوحيد العلمى الاعتقادى ‏.‏


      الرابع ‏:‏ تنزيه الرَّب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يُوجب ذلك ‏.‏


      الخامس ‏:‏ اعتراف العبد بأنه هو الظالم ‏.‏


      السادس ‏:‏ التوسُّل إلى الرَّب تعالى بأحبِّ الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعانى الأسماء والصفات ‏:‏ الحىُّ القَيُّوم ‏.‏


      السابع ‏:‏ الاستعانة به وحده ‏.‏


      الثامن ‏:‏ إقرار العبد له بالرجاء ‏.‏


      التاسع ‏:‏ تحقيقُ التوكلِ عليه ، والتفويضِ إليه ، والاعترافُ له بأنَّ ناصيتَه في يده ، يُصرِّفُه كيف يشاء ، وأنه ماضٍ فيه حُكمُه ، عدلٌ فيه قضاؤه ‏.‏


      العاشر ‏:‏ أن يَرتَعَ قلبُه في رياض القرآن ، ويجعلَه لقلبه كالربيع للحيوان ، وأن يَسْتَضِىءَ به في ظُلُماتِ الشُّبهات والشَّهوات ، وأن يَتسلَّى به عن كل فائت ، ويَتعزَّى به عن كل مصيبة ، ويَستشفِىَ به من أدواء صدره ، فيكونُ جِلاءَ حُزْنِه ، وشفاءَ همِّه وغَمِّه ‏.‏


      الحادى عشر ‏:‏ الاستغفار ‏.‏


      الثانى عشر ‏:‏ التوبة ‏.‏


      الثالث عشر ‏:‏ الجهاد ‏.‏


      الرابع عشر ‏:‏ الصلاة ‏.‏


      الخامس عشر ‏:‏ البراءة من الحَوْل والقُوَّة وتفويضُهما إلى مَن هُما بيدِه