بسم الله الرحمن الرحيم
عاد وليد الى حجرته الصغيرة ، واتكأَ قليلاً ، وقال في نفسه : هل أُصدق نسوة القرية ، حين قُلنَ أن غالية فارغة القلب ..! أيُمكن أن يكون هناك شيئاً أخْفته عني ..! إني أذكر يوم أن تخاصمتْ مع نسوتها ، فشرحتُ لها معنى الخصام والعداء مع الأخرين في مفهوم الحياة الجديدة ، ولكنها رفضت فكرة المبادرة وأصرّت بأنها القُدْوة التي يجب أن ينقاد إليها النسوة ، لا أن تنقاد إليهن ..! وأنا أدرك معنى كلامها ومغزى حديثها .. فهل يُعْقل هذا منها..!؟ وقفة قصيرة بينه وبين نفسه ، عادتْ إليه حِماسة الذكريات وحرّكت في داخله جذوة البحث عنها .. فاشتطّ غضباً وأحاطه الشك ، ونازعته هواجساً مُقلقة وراح كالمجنون تلْسعُه الكلمات وأحاديث النسوة يموها ، وردّتْ فِعْل وصيفتها ، لا أعرف .. ربما ذهبت الى بيت جارتها ، بحركةٍ غير طبيعية .. حاول جاهداً أن يُعزز غيابها بشيء من الطمأنينة فلم يستطع ، كانت نوازع نفسه تُعذّبُه .. لماذا ..؟ وكيف . ..؟ وهل ..؟ ولكنها هي إبنة شيخ القرية ..! فقد ملئتْ حياتي سعادة وحبوراً ..!! لا ليس معقولاً ، إنه مجرد وساوس ، لا يُمكن أن أفتعل مثلها ، ولكن لماذا خرجت الان ..!؟ وبأمر من ..!؟ ومسك رأسه ، من المُحزن حقاً أن تفكّر بهذا .. وهي الحياة التي أعرفها ..!؟ أيستوي أن أعود محزوناً وآوي الى حُجرتي الصغيرة ضعيفاً لا أقوى على شيء ، كئيبٌ لاحيلة الى تفكير غيره ، مسكينٌ تحت رحمة قسوة فِعْلها ..!! كيف أُخلّص نفسي من ورطة أدران الزيْغ والشرك ..!!؟ كيف أرضى بأن تهوى زوجتي في الحضيض أو تذهب الى العار او تتمرّغ في الوحل ..؟ كيف هذا ..؟ وأي عار هُوَ لحق بي ..!! أوليست هذه فرصة لأعدائها ومن خاصمني بشأنها ، كي ينفثوا سمومهم في شرفي ، وينجّسوا طهارتها .. !! اوليست هذه زلزلة بشعة ، وفاجعة قتلتني وأنا حيٌ ..! إنني في مأزق حرج ، فلا مقصد يبرر خروجها ولا مخرج لها من المصيبة ، ولا حياة لها بعيداً عن اللحظة المشئومة ..!! والتفت حوله فإذا بها تدخل فجأة ، فصرخ بأعلى صوته .. أين كنتِ .. !! أين كنتِ .. !! و .. و...
وقفت غالية مدافعة عن نفسها وقد أدار لها وحيد وجهاً شاحباً مكفهراً :
- هيّا دافعي عن نفسك .. قولي لوصيفتك ، أين كنتِ ..! ولماذا ذهبتِ .؟ وبأمر من .؟ .
قالت غالية بتمكُن واستكانة :
- لن أُخفي عليك شيئاً ولا شيء لدي أُخبّئُه عنها فأنا خرجت في امر هام جداً .
والتفت الى زوجه الجيدة ، لابُد ,أن تقطعي الشك باليقين ، قبل أنيُداهمُكِ شر القرين في وكْره الخبيث .. وقبل أن يُحيل قلبُك الى الظنون التي تبعث الى الاءشمزاز ، وتجلب لبيْتِنا صورة مشينة ، فيقال أن بيت أكبرنا / كذا .. وكذا .. وفيه كذا .. وهذا ما لا تقبلينه ولن ترضيه لكِ او لغيرك .. سكتَ، ثم قال في نفسه ، بعد إغماضة عين ن وقد سحب نفساً عميقاً ، إنها طعنة في الأعماق ، إن لم تكشف غالية عن سِر خروجها . [ وسكت ]
التفتت غالية نحوه وقالت مدافعة عن نفسها :
- إن نِسوة بيتك لديهن حقدٌ وكيدٌ دفين ، وشيءٌ من الرعونة الشقيّة ، أما ما تراهُ مني ، فإن ذلك لا يعدو كونه مجرد حماقةٍ من زوجة بريئة ، لا خطورة فيها إلاّ بقدر المشكل المُشين الذي لمسْته من نسوة بيتك ، وبقدر الذي لحقني منك من هواجس وظنون وشكوك ، عرّجتْ بكَ الى براءة طاهرة لتطعنها في نفسها ، وأنت الذي أحببتُها وقلت عنها ما لم يقل رجل في زوجه ..!! فكيف بك الان توجّه سُمّ غضبكَ عليها ، وهي لم تقترف إثماً.. ولم تفعل سوءًا .. ولم تعمل شيئاً مُشيناً يستأهل كُل هذه الوقاحة منك َ ..ولكن عُلا السماء خاطبتْ الحياة مذ بعيد جداً ، (( أنّ المكْر السّيء لا يحيق إلاّ بأهله ..! )) وكم سمعتك تتلوها على مسامع الكثيرين ، وتحذّر نسوة الوادي من الوقوع في مغبّة بلوى الظن السيء .. لأنه أمر بالغ الخطورة ، وأنه الثمن البخس لزوال حياة الطمأنينة من النفوس العالية . لذا فإني أُحبذ الابتعاد عن هذه الدار ، وأرى خيراً لي أن أبقى خارجه فضلاً عن أن أضلّ موسومة بالاءثم والظن السيء .. ! فأكون دوماً حقيرة في الأنظار ..!... سكتتْ ...... ثم استطردت ومقدمة خلخلة الحُزن يقبض صدرها ، وصوتها يوحي بالخوف والقلق والحيرة ، وينطق بالبراءة اللّطيفة . أي شؤف هذا .، لأخرج من بيت أبي كريمة وطيبة وطاهرة ، لأكون في بيت الحياة الجديدة ، حقيرة ، مكسورة الخاطر ، ومهزومة النفس وطاهرةً في أعين الحياة الجديدة ..!
-ماذا تقولين ؟ أتقولين بأن الأجساد طاهرة من مساس الشيطان ..!؟
- ما أظنه أن جسدي طاهراً من أي خطأٍ ارتكبه الأخرون بحماقةٍ ظنيّةٍ ، فيها الكثير من الحسد والحقد المنظم ضِدّ إمرأةٍ حازت نفس زوجها بقوةٍ لم تصل اليهأغلب نساء القرية الصغيرة بالوادي.
قال وليد وقد استردّ رباطة جأشه وتمالكَ أعصابه وقد التفت الى زوجه الجديده :
- حقاً أن الظن لمحزن جداً ، حين يقع على غالية وهي أشدّ ما أعرفها من الطهارة عن سواها ، هيّا قومي ، واغسلي ذنبُكِ بطهارة رؤى قلبك ،- وفي هذه الأثناء ارتمت زوجته في أحضانه نادمة ، متحسرة وبكتْ – وقالت ، أعدك بأن أعدل عن قرار اتخذتُه نحو وصيفتي ، دونما تعصبٍ او كراهيةٍ او حسد ..!
- وأنا أعدك بأن نكونا متألقينومتآزرين الى أبعد الحدود في ضِل بقاؤكما حميميتين .
وعلى مضض ، قالت غالية :
- وأنا ايضاً موافقة .. بشرط أن لا تُفرط في ثقتي بكَ ، وأن لا تخونني بأسئلةٍ او مساءلةٍ تقذفني بها ، أنت او هي ، وأن تعترف هي بأنّ سخافتها كالخطأ الذي أُحيط بي وأنا بريئةٍ من فعله ..! وأن لا يكون من وراء أعترافها وصراحتها ، تقيّةً وعِفّةً مشُوبة بالقذارة ..!
قال وليد بابتسامة :
- من السذاجة أن أٌصدّق فيكِ ما حييت .! والغيرة من طبع النساء حتى ولو أدّى بها الى الكذب ... فالكيْد من طبع النسوة منذ بعيد .. وطُبعت به / ومستحيل أن تجد غيره ، أفضل منه إذا ما أحسّت بخطر الغيرة في أحشائها حتى ولو كانت إمرأة عفيفة إلاّ قليلاً ..! فالضعف والخناق من طبع الأنثى أينما كانتْ ..! وما أتمناه أن تعودي الى حياة الصدق والطمأنينة ، كيما تذوب الحماقة ..! ومن يقل أخطأت وهو موقنٌ به ، فكأنه قال كلمة الحق وهو على يقين تام ..!!
ملاحظة
*****
إذا اردتم ايها الاخوة تكملة القصة / فسوف نكملها ..
مراحب
..........................................................
شاركونا