نفحات القران الكريم

    • نفحات القران الكريم

      جا في تاريخ حجة الوداع : انه اثنا ذهاب الرسول الاكرم (ص ) الى الحج كان قد اجتمع خلق كثير فـي الـمدينة على الرغم من انتشار احد الامراض الذي منع حج كثير منهم : (( ومع ذلك كانت معه جـمـوع لا يـعلمها الا اللّه , وقد قيل انه خرج معه تسعون الفا , ويقال : مائة الف واربعة عشر الفا وقـيل : مائة الف وعشرون الفا , وقيل : مائة الف واربعة وعشرون الفا , ويقال اكثر من ذلك وهذه عـدة من خرج معه واما الذين حجوا معه فاكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذي اتوا من اليمن مع علي [(ع )] وابي موسى )) ((62)) .
      ويمكن تقدير عدد المسلمين الذين لم يستطيعوا الحج لتبين مقدار ما وصلت اليه شوكة الاسلام .
      واخـيـرا جـهـز الـرسول الاكرم (ص ) قبل وفاته جيشا بقيادة ( اسامة ) لحرب ديارالشامات ( بصرى ) فتخلف بعضهم عن امر رسول اللّه (ص ).
      نبي الاسلام في القرآن . تمهيد :.
      اطـلـعنا في السابق على حياة نبي الاسلام بصورة مختصرة من وجهة نظرالمؤرخين , والان نبين حـيـاتـه الشريفة منذ نعومة اظفاره وحتى انتها عمره ـ كما جافي القرآن الكريم ـ بتحقيق دقيق مختصر يصلح ان يكون مقدمة خاصة للبحوث حول النبوة .
      ان بحث الايات القرآنية في هذا الموضوع على الاخص له اهمية بالغة لان المخالفين والمعاندين قد اشـكـلـوا على الرسول (ص ) واذا لم تنطبق هذه الايات القرآنية على الواقع العيني لحياته (ص ) فعندها يتحقق مورد اتهامهم فاثبت التاريخ ‌اقاويلهم كما اثبتها في امور اخرى .
      وبتعبير آخر : بغض النظر عن ان القرآن الكريم كلام اللّه سبحانه وتعالى وكل ماجا به من الايات الـقرآنية منسجم مع الحقيقة والواقع ولو فرضنا عدم صحة تطابقهافان الايات القرآنية التي تخص حـياة الرسول (ص ) لا يمكن عدم تطابقها مع الواقع ,لانها ستكون وسيلة جيدة لاعتراض وتكذيب الاعـدا وبـهذه الاشارة نمعن النظر مرة اخرى في الايات القرآنية والنقاط المهمة التي جات حول مقاطع مختلفة من حياة الرسول (ص ).
      محيط دعوة الرسول (ص ). بـى ن القرآن الكريم في سورتين منه حياة عرب الجاهلية المعاصرين للرسول (ص ) المعنى وهو : ( وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) ((63)) .
      وتعبير (ضلال مبين ) في الايتين بيان واضح لتحكم الضلالة والضياع في المجتمع العربي الجاهلي .
      ضياع في العقائد حيث كانوا مشركين يعبدون الاصنام التي يصنعونها بايديهم من الحجر والخشب .
      وضياع في المسائل الاجتماعية الى الحد الذي يئدون فيه بناتهم احيا وهم يفتخرون بذلك .
      وكانوا يطوفون رجالا ونسا حول الكعبة عراة ويعتبرون ذلك من ضمن عبادتهم .
      والاعـتدا والحروب واراقة الدما بالباطل كل ذلك كان له قيمة اجتماعية في الجاهلية , حتى وصل الامر الى ان يرث الابنا احقاد واضغان الابا.
      والمراة في خضم ذلك مجرد متاع يقامرون عليه .
      وافضل من رسم مفهوم (ضلال مبين ) قول ( جعفر بن ابي طالب ) عندما بى ن اوضاع عرب الجاهلية لـمـلك الحبشة ( النجاشي ) بقوله : ((اى ها الملك كنا قوما اهل جاهلية نعبد الاصنام وناكل الميتة وناتي الفواحش ونقطع الارحام ونسي الجوار ,وياكل القوي من ا الضعيف حتى بعث اللّه الينا رسولا مـن ا نـعرف نسبه , وصدقه وامانته وعفافه فدعانا لتوحيد اللّه وان لا نشرك به شيئا ونخلع ما كنا نـعـبـد مـن الاصـنـام وامـرنابصدق الحديث وادا الامانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدما )) ((64)) .
      ولمزيد من توضيح تلك الاشارة التي وردت في الايتين الكريمتين نستعين بيات اخرى حيث جا فيها :.
      الاصنام في عقائد العرب . 1.
      ان عـقـائد اي قوم او شعب تشكل ركنا اساسا في ثقافتهم وانحطاط تلك العقائديدل على الانحطاط الثقافي والحضاري لهم .
      وعلى هذا الاساس , فعرب الجاهلية كانوا في ارذل درجات الانحطاط الثقافي والضياع حيث كانوا يـعـبـدون الاصـنـام الـتـي يصنعونها بايديهم ثم يرونها تتحكم في مصائرهم بل حاكمة على السما والارض احـيـانا وقد خاطب القرآن الكريم الرسول الاكرم (ص ) بصدد ذلك وبقوله تعالى : ( قل اتعبدون من دون اللّه ما لايملك لكم ضرا ولانفعا واللّه هو السميع العليم ) ((65)) .
      وبـالاضافة الى الاصنام الصغيرة فقد كانت لديهم ثلاثة اصنام كبيرة ذات شهرة خاصة في مجتمعهم تمثل بنات الرب وهي وسيلة للتقرب اليه , احدها ( مناة ) وكان ما بين المدينة ومكة المكرمة بالقرب من حافة البحر الاحمر , ولهذا الصنم احترام خاص عند كل العرب انذاك , فيقدمون اليه القرابين , واكثر القبائل احتراما وتقديساله قبيلة ( الاوس ) و ( الخزرج ).
      والـثـانـي في الطائف يعرف باسم ( اللا ت ) , وقد شيد في مكانه اليوم مسجدوكانت ( ثقيف ) من اكثر القبائل احتراما له .
      والثالث من الاصنام الكبيرة هو ( العزى ) وقد وضع في الطريق المؤدي الى العراق قريبا من منطقة ( ذات العرق ) ولقريش علاقة خاصة بهذا الصنم ,.
      وكـانـت اصـنـام اخرى للقبائل والعشائر بل وللعوائل ايضا اذ لا معنى لحياة عرب الجاهلية بدونها فمثلا لو ارادوا السفر الى مكان ما استاذنوا الصنم في ذلك ولهم في اسفارهم اصنام يصحبونها معهم .
      وقـد اشـار القرآن الكريم في سورة النجم الى ذلك بقوله تعالى : ( افرايتم اللا ت والعز ى # ومناة الثالثة الاخرى # الكم الذكر وله الانثى ) ((66)) .
      ومـن الـجـديـر بـالذكر في الحياة الجاهلية انهم كانوا يكرهون البنات ويئدونهن احيانا بالرغم من اعـتـقـادهم بان الملائكة بنات اللّه وهذه الاصنام تماثيل تلك الملائكة لذلك واجههم القرآن الكريم بمنطقهم وهو كيف تقولون : ان للّه بنات في الوقت الذي تكرهونهن فيه ؟.
      وقـد اسـتنكر القرآن وذم تلك الافكار الخرافية المنحطة بقوله تعالى : ( وجعلواالملائكة ال ذين هم عباد الرحمـن اناثا اشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسالون ) ((67)) .
      وقد جا الرسول الاكرم (ص ) يحارب هذه العقائد الضالة الناشئة من الظن والاهوا كما في ذيل الاية مـن سـورة الـنـجـم بـعد ان اشار الى الاصنام الثلاثة الكبيرة المعروفة قائلا : ( ان هي الا اسما سميتموها انتم وآباؤكم ما انزل اللّه بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس ) ((68)) .
      صحيح ان المشركين قد تشبثوا بدليل واه ليبر روا به عبادتهم للاصنام فمن جملة قولهم : (ان ذات اللّه اعـلـى من ان يصل اليها العقل والفكر الانساني وهو منزه عن ان نعبده بصورة مباشرة ) , وعلى هذا الاساس فالذين وك ل اليهم امر خلقه وتدبيره هم الواسطة اليه وهؤلا هم الملائكة والجن وكل الـموجودات المقدسة فهؤلاارباب نعبدهم وهم الذين يقربوننا الى اللّه ( مانعبدهم الا ليقربونا الى اللّه زلفى ) ((69)) .
      وعـلـى هـذا فـان ايـدينا لا تصل الى هذه المقدسات فنضع لها تمثالا ثم نعبدها اصنامهم وفي تصورهم ان هناك وحدة واتحادا بين هذه الاصنام والوجودات المقدسة فهم يخاطبونها بالالهة والارباب .
      وهـم بـهـذه الـخرافات الواهية ابتعدوا عن اللّه سبحانه وتعالى وهو اقرب الى الانسان من نفسه , وبدلا من ان يتوجهوا الى اللّه الذي هو منبع الفيض والقدرة البصير الموجود في كل مكان لجؤوا الى مـخلوقات ممكنة لاحول ولاقوة ولاشعورلها بل انها مخلوقة بايدي عب ادها ومع ذلك فقد اجلسوا تـلـك الـمـخـلـوقـات المنحطة على عرش الربوية والالوهية ناسين بحر وعظمة الذات الالهية اللامتناهية ولاهثين ورا سراب .
      تفشي حالة الفقر الشديد بين الناس . 2.
      فـي الـوقت الذي ثار فيه الرسول (ص ) كان عرب الجاهلية يغوصون في فقرشديد الى الحد الذي كـانوا يقتلون فيه ابناهم ـ وحتى الذكور منهم اولئك الذين يشكلون الحجر الاساس لحياتهم المادية والاقـتـصادية ـ ليقللوا عدد الافواه الجائعة ,وكما جا في سورة الاسرا الاية (31) ( ولاتقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واى اكم ) ((70)) .
      وقـد جس م امير المؤمنين علي (ع ) هذا المعنى في تحليل جامع فقال (ع ) : (( ان اللّه بعث محمدا (ص ) نـذيرا للعالمين , وامينا على التنزيل وانتم معشر العرب على شردين وفي شر دار منيخون بين حجارة خشن وحى ات صم , تشربون الكدر , وتاكلون الجشب )) ((71)) .
      عباداتهم العجيبة . 3.
      كـانـت عبادة المشركين غريبة للغاية , ويجيب القرآن الكريم ادعا المشركين :بانه اذا كان محمد (ص ) قـد اتى بعبادات فان لنا مثلها ونحن نصلي الى جانب الكعبة كذلك , قائلا : ( وما كان صلاتهم عند البيت الا مكا وتصدية ) ((72)) .
      نـعـم انـهم يسمون صفيرهم الاحمق وتصفيقهم الابله صلاة , (( فالمكا )) يعني :صوت الطيور , وجـا تـشـبـيه اصوات العرب في الجاهلية حول الكعبة بصوت الطيورربما لانه خال من اي مفهوم كصوت الطيور الذي لا محتوى فيه او ان كل سعيهم كان مجرد غنا.
      فـامـا (( التصدية )) فمعناها التصفيق , وهو ضرب اليد على الاخرى ليصدر صوت يسمى تصدية على هذا الاساس سمي تردد الصوت بين الجبال بالصدى , ولم ينتهوا الى هذا الحد بل يطوفون عراة كـمـا ولـدتـهـم امهاتهم حول الكعبة وهذا ما اشيراليه عندما نزلت سورة براة وقام بابلاغها امير الـمؤمنين علي (ع ) في شهر ذي الحجة بقوله : (( لايطوفن بالبيت عريان ولا يحجن البيت مشرك )) ((73)) .
      ويـقال : ان السبب من طوافهم عراة ان مجموعة من عرب ( حمس ) ((74)) يعتقدون بان طوافهم حـول الكعبة يجب ان يكون بلباس خاص , ومن يفتقد يفقد ذلك اللباس ويطوف بملابسه المعتاد عليها فـعـليه ان يرميها بعيدا ولايحق له وللاخرين استخدامها بعد انتها الطواف ولذلك يطلقون على هذه الالـبسة بالـ ( لقا) , اي مايلقى من الثياب واذا اخذ بنظر الاعتبار ان اكثر الناس كان يسودهم فقر مدقع ولايملكون الا لباسا واحدا فيضطرون وللحفاظ عليه ان يخلعونه ويطوفون عراة حول الكعبة .
      وقد استفاد بعض اللاهين احيانا من هذه الخرافة ليعرض بسببها الشباب من الرجال والنسا اجسادهم عارية ((75)) .
      ويـذكـر ابن هشام ان الرجال كانوا عراة تماما اما النسا فكن يخلعن كل ملابسهن ما عدا ثوبا مشقوق الـذيـال يـبـدي اجسامهن ثم ينشغلن بالطواف , وذات يوم طافت امراة في تلك الهيئة امام اعين رجال شرهة فانشات هذا الشعر الذي حفظه لناالتاريخ :.
      اليوم يبدو بعضه او كله ـــــ فما بدا منه فلا احله ((76)) اما القرابين التي يقدمونها الى الاصنام فلها قصة مفصلة , فمن جملة ذلك ان الناس في ( دومة الجندل ) ((77)) كانوا يقدمون شخصا في كـل سنة قربانا الى الالهة مع مراسم خاصة ثم يدفنون جسده المدمى قرب المذبح حتى كتب بعضهم ان الـمـصـريـيـن كـانوايقدمون اجمل الشباب والشابات قرابين الى ( الهة النيل ) , وقد بقي ذلك التقليدعرفا اجتماعيا لبعض قبائل العرب فينذر الابا ابناهم احيانا قرابين الى الالهة ايضا ((78)) .
      الخرافات الاخرى لعرب الجاهلية . 4.
      ومن جملتها مسالة اللحوم المحللة والمحرمة والقوانين المخزية الفارغة التي كانوا يسنونها لانفسهم كما ذكر ذلك القرآن الكريم ( وقالوا هذه انعام وحرث حجر لايطعمها الا من نشا بزعمهم وانعام حـرمـت ظـهـورهـا ) ((79)) وفـي الاية التي بعدها :( وقالوا ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على ازواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركا ) ((80)) .
      وقـد وعد القرآن اصحاب تلك البدع القبيحة التي ابتدعوها بالخسران كما وردفي ذيل هذه الايات قوله تعالى : ( قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم اللّه افترا على اللّه قد ضل وا وماكانوا مهتدين ) ((81)) .
      حتى انهم قد حرموا بعض السنن الباقية من الانبيا (ع ) واصبحت غير مؤثرة مثل سنة تحريم القتال فـي الاشهر الحرم ( ذي القعدة , ذي الحجة , محرم , رجب )حيث كان ذلك المعتقد عاملا مهما في مـنـعـهـم عـن سفك واراقة دمائهم لكن تلك السنة الخرافية ( النسي ) كانت تبطل تاثيرها فمتى ما ارادوا تـجـاوز حرمة هذه الاشهر الحرم , قالوا لا مانع من جعل شهر آخر مكان هذا الشهر فعاب عليهم القرآن هذا العمل السي بقوله تعالى : ( ان ما النسي زيادة في الكفر ) ((82)) .
      ان الـحـج وزيارة بيت اللّه الحرام التي كانت من سنن ابراهيم (ع ) ودافعا الى الوحدة والتقرب الى اللّه سـبـحـانـه , قد تلوث بخرافاتهم ولم تصبح سببا وعاملاللابتعاد عن اللّه سبحانه فحسب بل وللتفرقة والتشتت بين الناس , لان التعصب للقومية والشرك وعبادة الاصنام كانت سائدة عليها.
      شيوع الفساد الاخلاقي . 5.
      لقد بلغت المسائل الاخلاقية السائدة بين عرب الجاهلية اعلى درجات الانحطاط فقد كانت تحكمهم عـداوات شـديـدة واحقاد موروثة من السلف الى الخلف , لم تقتل الاخلاق فحسب بل ان كل شي في الـمـجتمع ذهب ضحية لهاالعداوة وقد بين القرآن الكريم ذلك للعرب الذين من اللّه سبحانه وتعالى عـليهم بالاسلام بقوله : ( واذكروا نعمة اللّه عليكم اذ كنتم اعدا فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من الن ار فانقذكم منها ) ((83)) .
      و(( الـشـفـا )) كما جا في (( مقاييس اللغة )) هي الاشراف والتسلط على الشي وهنايطلق على الاشيا التي يشرف الانسان عليها بالشفا , مثل الاشراف على جوانب الحفرة او حافة الوادي او حافة الـنـهر , وكذلك شفة الانسان على جانبي فمه ويطلق ايضا على تحسن صحة المريض لانه يتسلط ويتغلب على المرض .
      وعلى كل حال فقد شبه القرآن الكريم حياة عرب الجاهلية بمن يقف على شفاحفرة من النار ليسقط فيها بسهولة , نار تحرق كل شي وتحوله الى رماد.
      كانت العداوة والنفاق والاختلافات مطبوعة في نفوسهم وحاكمة عليهم بحيث صرح القرآن الكريم لـنـبـي الاسلام محمد (ص ) : ان من المستحيل القضا على هذه الاختلافات بالطرق العادية وايجاد الاتحاد والوحدة بينهم الا بمعجزة الهية , وقدحصل ذلك على يد الرسول الاكرم (ص ) ( لو انفقت ما في الارض جميعا ماالفت بين قلوبهم ولكن اللّه الف بينهم ) ((84)) .
      ان مـعاقرة الخمر واللعب بالميسر والازلام كانت متفشية بحيث كان من الصعب القضا عليها بمرحلة واحدة , لذلك جا امر تحريم الخمر على عدة مراحل ((85)) .
      كـمـا ان احـد اكبر المفاسد الاخلاقية والاجتماعية هو مسالة ( حقوق المراة ) في مجتمع عرب الجاهلية , فقد وصلت الى الحد الذي يتفق مع قاله بعض المفسرين :بانه عندما تحين ولادة المراة في الـعـصـر الـجاهلي تحفر حفرة وتجلس على شفتهافان كان المولود بنتا قذفته فيها واذا كان ولدا عصمته منها وقد قال احد شعرائهم بهذا الصدد مفتخرا :.
      سميتها اذ ولدت تموت ـــــ والقبر صهر ضامن ذميت ((86)) ان هذا العمل سوا كان بدافع الفقر المدقع والاعتقاد بعدم الفائدة الاقتصادية للبنات او بدليل التعصب المفرط ضدهن لتفادي وقوعهن في الحروب اسيرات بيد الاعدافهو افظع واوحش ظواهر عصر عرب الجاهلية .
      وقـد عاب القرآن هذه الاعتقادات مرارا بقوله تعالى : (واذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسودا وهـو كـظـيـم # يـتـوارى من القوم من سؤ مابشر به ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا سا مايحكمون ) ((87)) .
      ان هـذا العمل نوع من انواع التعصب الاعمى لحفظ الشرف وقد جرهم لاقتراف افظع الجرائم : ( قـتـل الانسان لطفله المسالم ) وهو دليل واضح على اعظم حالات الجهل وسقوط الاخلاق وانعدام الـعـواطـف الانسانية والاستهانة بمنزلة المراة في ذلك المجتمع الجاهلي وتعبير (( ايمسكه على هون )) يشير الى ان وجود البنت يعدعار عندهم الى الحد الذي يهرب من قومه وقبيلته تخلصا من عـارهـا وغـافـلا عـن ان مـسـالـة عدم وجود بنت تعني عدم وجود امهات , واذا انعدمت الامهات انعدم وجودهم ايضا يقول احد شعرائهم في هذا الصدد :.
      لكل ابي بنت يراعي شؤونها ـــــ ثلاثة اصهار اذا حمد الصهر.
      فبعل يراعيها وخدر يكن ها ـــــ وقبر يواريها وخيرهم القبر ((88)) .
      طفولة الرسول الاكرم (ص ). لايـوجـد بـحث كثير في القرآن الكريم عن طفولة الرسول الاكرم (ص ) الا في الايات ( 6 و7 و8) من سورة الضحى حيث نقرا فيها : ( الم يجدك يتيما فوى #ووجدك ضالا فهدى # ووجدك عائلا فاغنى ).
      فـي الاية الاولى اشارة الى يتم الرسول الاكرم (ص ) حيث جا في التاريخ ايضاان الرسول الاكرم (ص ) عـنـدمـا كان في بطن امه توفي والده ( عبد اللّه ) , وفي السنة السادسة من عمره الشريف توفيت والدته فتكفله جده ( عبد المطلب ).
      وفي السنة الثامنة من عمره توفي جده , فاحتضنه عمه ( ابو طالب ) وآثره على اولاده ونفسه .
      وفـي الاية الثالثة اشارة واضحة الى فقر الرسول (ص ) في بداية عمره الشريف فمن اللّه سبحانه وتعالى عليه بالقا محبته في قلب خديجة (س ) فتزوج منهاواغدقت عليه ثروتها واعانته على حياته ودعوته .
      وامـا فـي الايـة الـثانية فيقول تعالى : ( ووجدك ضالا فهدى ) وفسره احدالمفسرين بمعنى عدم معرفة الحق .
      وقال آخرون : ان مفهوم الاية هو : انك كنت ضالا لا تعرف الحق ونحن هديناك اليه .
      وقـال بـعـضـهم : ان المراد بكلمة (( ضالا )) هو ( غافل ) عن الاحكام والكتب السماوية , ولكن بعضهم يذهب الى الضلالة الظاهرية في الطفولة حيث ضاع الرسول (ص ) مرة او مرات عديدة عند ابـواب مكة او في اماكن اخرى واللّه سبحانه هداه الى احضان مملؤة بالمحبة فارجعه الى احضان ( عبد المطلب ) و( ابي طالب ) و ( حليمة السعدية ) التي كانت امه في الرضاعة .
      وقـد بينا شرح هذه الاية في المجلد السابع من رسالة القرآن في بحث تنزيه الانبيا , وفي التفسير الامثل المجلد ( 27 ) في ذيل هذه الاية آرا مختلفة وافضل التفاسير هو ما ذكر اعلاه .
      وعلى كل حال فان هذه الايات تبى ن مراحل نمو طفولة الرسول الاكرم (ص ).
      ومـن ابـرز خـصـائص الـرسول (ص ) في هذه المرحلة انه ما تعلم القراة والكتابة عند استاذ قط ولـربما يبدو لاول وهلة بانه نقص ما ولكنه من النقاط المهمة والقوية في شخصية الرسول الاكرم (ص ) , لانـه عـندما جا القرآن الكريم بعباراته ومعارفه الراقية لم يشك احد ان هذا بانه منزل من اللّه سبحانه من نتاج فكر انسان امي .
      وقـد اكـدت الايـة (48) من سورة العنكبوت هذا المفهوم بقوله تعالى : ( وماكنت تتلو من قبله من كـتـاب ولا تـخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون ) , وبدون شك ان النبي (ص ) لو درس على يدي اسـتاذ ما في تلك البيئة التي يعد عدد المتعلمين فيهاقليل جدا لكان من المستحيل عليه ان يتفوه بمثل هـذا الـقـول الـجلي , ولجابهه بعض الافراد المطلعين على مجريات الاحداث بتلك الحجة الجيدة متهمين اياه بالكذب والافترا.
      ولـو فـرضـنا ان الرسول الاكرم (ص ) كان يعرف القراة والكتابة لكان من المسل مات ايضا ان هذا القرآن لم يكن من تاليف عقل بشري فاميته دليل قاطع على هذاالمعنى .
      وفي آيتين من القرآن الكريم جا تصريح واضح ايضا بـ ( النبي الام ي ) ((89)) وفي آية اخرى ضمنت ذلك المعنى بقوله تعالى : ( هو الذي بعث في الامى ين رسولا منهم ) ((90)) .
      ونحن نعرف ان اشهر تفسير لكلمة (( امي )) هو من لا يقرا ولا يكتب وحاله كحال الذي يخرج من بطن لم ير استاذا ولا مدرسة .
      ويفسر بعض اخر كلمة (( امي )) بانه من قام من بين الامة والن اس لا من بين الطغاة والجبابرين .
      وبـعـضهم يذهب الى انه من ولد في مكة المكرمة لان احد اسمائها ( ام القرى )او من قام من مكة , وتـخـلـتـف الروايات بهذا الصدد ولكن لا مانع في ذلك لو احتملناان كلمة (( امي )) تتضمن معنى المفاهيم الثلاثة ( لايقرا ولا يكتب ) , وقام من بين الامة , وولد في منطقة مكة .
      بعض المستشرقين المخالفين حاولوا ان يسلبوا هذه الخصيصة من الرسول (ص ) كان رجلا غير ( امـي ) ولو انه كان كما يدعون خفي ذلك على بيئة لايخفى فيها شي على احد , بل انها لم تكن قدرة انكار ذلك .
      ###.
      بداية دورة البعثة النبوية . كانت هذه لمحات مختصرة في القرآن الكريم حول حياة الرسول الاكرم (ص )قبل البعثة الشريفة , والان جا دور البحوث المفصلة حول البعثة البنوية .
      اشـار القرآن الكريم اشارات مختلفة حول مبعث الرسول الاكرم (ص ) ومن جملتها الايات الخمس التي جات في اول سورة العلق , التي اتفق المفسرون على ان نزولها في بداية ((91)) الوحي وبعثة الـنـبـي الاكرم (ص ) حيث كانت : ( اقرا باسم ربك الذي خلق # خلق الانسان من علق # اقرا وربك الاكرم # الذي علم بالقلم #علم الانسان مالم يعلم ) كما هو مشهور.
      نـعم اللّه سبحانه وتعالى ذو القدرة الذي انزل اليك كتابا سماويا عظيما يحمل بين دفتيه اعلى العلوم والـمـعـارف الجليلة والقوانين والدروس التربوية بوسائل بسيطة كالحروف الهجائية , واكد مرة اخـرى تـعلم القراة باسم الخالق العظيم واضافة الى مسالة القراة اشار الى تعلم الكتابة والى ان اللّه سـبحانه هو المعلم , اللّه معلم البشرالاول الذي ( علم الانسان مالم يعلم ) فكانت طرق التعليم على ثـلاث اقـسام : ( قسم خلقها على هيئة علوم فطرية في وجوده مع الانسان في الفطرة وقسم آخر يعتمدالعقل والتدبر والتفكير في عالم الخلق والقسم الثالث عن طريق الانبيا ).
      ان هـذه الايات القرآنية تدل على ان البعثة بدات في جو مفعم بالمعنوية ومملؤبنور العلم والمعرفة ((92)) .
      فـثقل الوحي من جهة وثقل الرسالة التي القيت على عاتقي الرسول (ص ) من جهة اخرى والمستقبل الـمـرعـب في المجابهة المحتومة مع المشركين المعاندين المتعصبين من جهة ثالثة , كانت سببا في شـعـور الـنبي (ص ) بالتعب الشديد بعد المرة الاولى لنزول الوحي عليه فرجع الى بيته ونام على فراشه واذا بصوت الوحي يقرع مسامعه للمرة الثانية بقوله تعالى : (ياايها المدثر # قم فانذر # وربك فكبر ) ((93)) .
      وهناك اقوال كثيرة حول سبب نزول هذه الاية عند المفسرين .
      فبعضهم يقول : ان لها تتعلق بزمان تجمع فيه المشركون العرب في موسم الحج , وتشاوروا لمجابهة الرسول (ص ).
      وقد جا في الروايات المتعددة ان الايات الاولى ـ على اقل تقدير ـ من هذه السورة نزلت بعد حادثة غار حرا وبعثة الرسول (ص ) والايات الباقية لها تتعلق بالسنوات التالية ((94)) .
      وتـشابه هذه الايات , الايات الاولى من سورة المز مل التي اشارت ايضا الى ان الرسول (ص ) تلفع بـردائه ونـام في فراشه فنزل قوله تعالى : ( ياايها المزمل # قم ال ليل الا قليلا # نصفه او انقص منه قليلا # او زد عليه ورتل القرآن ترتيلا # انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ).
      اسلوب هذه الايات دلالة على نزولها في اوائل الدعوة الاسلامية للرسول (ص ) لان القا القول الثقيل يـشـيـر الـى القرآن المجيد على رسول اللّه (ص )في زمان كان عدد المؤمنين به قليلا , فاضطر (ص ) الـى جـمـع الـمـؤمنين ليلاوبعيدا عن انظار الاعدا ليقرا عليهم الايات القرآنية التي كانت تحتوي على المعارف والقوانين الاسلامية .
      وطـبـيـعي ان قسما ايات في هذه السورة قد نزلت في السنوات التالية , بل وهناك احتمال بان الاية الطويلة الواقعة في آخر السورة والتي جا فيها حث على الجهادفي سبيل اللّه سبحانه قد نزلت في المدينة اواخر المرحلة المكية ( لان فيها اخباراعن المستقبل القريب ).
      وعلى كل حال فليس هناك سبب يمنع نزول الايات الاولى من السورة في بداية الدعوة وبالاخص ان كثيرا من المفسرين قد اشاروا الى ذلك .
      ومن المعروف ان الرسول (ص ) كانت دعوته سرية في بداية البعثة ولم يتصل ويدعو الى الاسلام الا الخواص الذين كان يطمئن باستعدادهم النسبي له وفي هذه المدة آمنت به عدة معدودة .
      قصة يوم الدار. وفـي الـسنة الثالثة للبعثة امر اللّه سبحانه رسوله الكريم (ص ) ان يعلن الدعوة الاسلامية بنرول الايـة الـكـريـمـة : ( وانـذر عـشـيرتك الاقربين ) ((95)) ( فاصدع بما تؤمرواعرض عن المشركين ) ((96)) .
      فـاعلن الرسول (ص ) دعوته مبتدئا بالاقربين من عشيرته , وهذه القصة معروفة ,وقد بيناها في القسم السابق .
      وفـي هـذه الاثـنـا تعرض الرسول (ص ) الى ضغوط متنوعة , وتحرك الاعداضده من كل حدب وصوب .
      والـجـديـر بـالـذكر ان تحرك الاعدا ضد الرسول (ص ) كان على عدة مراحل واشكال مختلفة ( ويظهر ان هذه المراحل كانت موجودة في جميع الثورات الالهية ).
      الـمـرحـلة الاولى : كانت مرحلة الاستهزا اول المراحل في زمان لم ينظر فيه المشركون بشكل جـدي الـى الـدين الجديد , ولم يحسوا بخطره الحقيقي , بل تصوروا السخرية والاستهزا سينهي الامر سريعا ولا يحتاج الى اكثر من ذلك وجافي سورة الانبيا الاية ( 36) تعبير عن تلك المرحلة بـقـولـه تعالى : (واذا رآك الذين كفروا ان يتخذونك الا هزوا اهذا الذي يذكر الهتكم وهم بذكر الرحمـن هم كافرون ) ((97)) .
      ولـم تنحصر السخرية والاستهزا بنبي الاسلام (ص ) بل تعرض لها جميع الانبيا السابقين : ( وما ياتيهم من رسول الا كانوا به يستهزؤن ) ((98)) .
      ولـمـا راى الـمـشركون ان السخرية والاستهزا لم تؤثر شيئا وان الاسلام ما زال مواصلا لتقدمه الصحيح انتقلوا الى المرحلة الثانية :.
      تـصـور الـمـشـركـون انهم سيخرجون الرسول (ص ) من الساحة بالصاق التهم به كالجنون او ( الـسـحـر) , او (الـشـعر) , او ان ماجا به قد تعلمه على يد هذا او ذاك او انه منقول من اساطير الاولين .
      فمرة يقولون : ( ياايها الذي نزل عليه الذكر ان ك لمجنون ) ((99)) .
      واخرى يقول بعضهم للاخر : ( ائن ا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ) ((100)) .
      واحيانا يقولون : ( هـذا سحر وان ا به كافـرون ) ((101)) .
      واضـاف القرآن الكريم : انه ليس مشركو العرب لوحدهم الصقوا تلك التهم بالرسول (ص ) فحسب بـل ان هذه المشكلة قد عانى منها كل الانبيا (ع ) على مرالتاريخ : ( كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون ) ((102)) .
      وفي مكان آخر نقرا قوله تعالى : ( ولقد نعلم ان هم يقولون ان ما يعلمه بشرلسان الذي يلحدون اليه اعجمي وهـذا لسان عربي مبين ) ((103)) .
      واحيانا يقولون : (وقالوا اساطير الاو لين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة واصيلا) ((104)) .
      و( اساطير ) جمع ( اسطورة ) ومعناها القصص الخيالية التي لا صحة لها وبهذاالاسلوب الصقوا انـواع التهم وكل ما يختمر في اذهانهم بالرسول (ص ) ولكن لم يؤثراي منها , واخذ الاسلام يشق طريقه بسرعة بين الطبقات المختلفة .
      الـمـرحلة الثالثة : بدات المرحلة الثالثة بضغوط مختلفة : اجتماعية وسياسية ولانهم ادركوا مدى خطورة الاسلام عليهم سعوا الى القضا على الرسول (ص )والمجموعة القليلة التي آمنت به من هذا الطريق .
      وقصة شعب ( ابي طالب ) معروفة اذ تم فيها محاصرة المسلمين في ذلك الوادي المقفر لمدة ثلاث سنوات خلال السنة السادسة للبعثة حيث انتهت بموت اطفالهم وحتى بعض كبار السن .
      وكـذلـك قـصـة الـهـجرة الى الحبشة خلال السنة الخامسة للبعثة معروفة ايضا على اثر تعرض المسلمون لضغوط شديدة وتعذيب المشركين لهم .
      والـعـجـيب انه لم يتعرض المسلمون وحدهم لهذه الضغوط فحسب , بل جافي التاريخ انهم عقدوا مـعاهدة على مقاطعة كل بني هاشم وبني عبد المطلب من المسلمين وغيرهم فلا يتزوجوا منهم ولا يزوجوهم , وان لا يشتروا منهم ولايبيعوهم شيئا حتى يزداد الضغط على المسلمين .
      مع العلم اننا لا نرى في الايات القرآنية اشارات واضحة حول هذه المسالة ولكن مما كان يتواصى بها الـمـشـركـون والكفار والمنافقون مع بعضهم في المدينة نستطيع ان نعرف وضع مكة : ( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حت ى ينفضوا) ((105)) .
      ان هذه الضغوط لم تجد نفعا ايضا , بل ازداد تعاطف الاخرين شيئا فشيئا مع المسلمين وصار الاسلام انـشـودة عـلـى كل لسان , حيث ان المسلمين اكتسبوامظلومية تاثرت بها عواطف مجاميع عظيمة فانجذبوا اليهم .
      فاخذت تحركات الاعدا شكلا اكثر حدة في :.
      المرحلة الرابعة : وفيها صمموا على قتل الرسول (ص ) واراقة دمه ليتخلصوا منه الى الابد او ان يبعدوه عن مكة على اقل تقدير , ففي ( دار الندوة ) محل اجتماعهم ومركز مشاوراتهم , اجتمعوا وطـرحـوا خطة شيطانية دقيقة للوصول الى اهدافهم تلك كما يقول القرآن : ( واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين ) ((106)) .
      وكـمـا نعلم ان اللّه سبحانه وتعالى قد ابطل كل خططهم الشيطانية ونجا الرسول الكريم (ص ) من سـيـوف الاعـدا حـيث هاجر الى المدينة تلك الهجرة الكبيرة التي تركت آثارا عظيمة في التحول الكبير في الاسلام وفي عالم البشرية اجمع .
      ومرة اخرى نسمع القرآن يحدثنا بقوله تعالى : (الا تنصروه فقد نصره اللّه اذاخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لاتحزن ان اللّه معنافانزل اللّه سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيز حكيم ) ((107)) .
      وبهذا الترتيب تخلص الرسول (ص ) من الاخطار المختلفة المحيطة به بلطف من اللّه سبحانه وبدا هـجرته المباركة بهدؤ وسكينة ودخل الاسلام عندها مرحلة جديدة في حياته , وبا الاعدا بالفشل الذريع في هذه المرحلة ايضا.
      انـتـشـر الاسـلام فـي الـمدينة بسرعة فائقة وكثر اتباع الدين الاسلامي فشكل الرسول (ص ) الحكومة الاسلامية وصار للمسلمين جيش منظم وبيت للمال وكل ماتحتاجه الدولة آنذاك .
      وفي مقابل توسع الاسلام وتثبيت اركانه احس الاعدا بخطر اكثر جدية فوسعوا مجابهتهم ودخلوا :.
      الـمرحلة الخامسة : وهي الحرب المسلحة مع الاسلام , وبدات الغزوات الاسلامية كغزوة ( بدر الكبرى ) و ( الصغرى ) و ( احد ) و ( خيبر ) و ( حنين )و وواحدة تلو الاخرى وفي كل مرة ـ الا في مورد واحد ـ كان المسلمون يشهدون انتصارات ملفتة للنظر وكانوا في تقدم مستمر.
      وقد اشار القرآن الكريم في كثير من الايات الى هذه المرحلة من حياة الرسول (ص ) حيث تعد من اكثر المرتكزات المهمة في هذا المقطع من تاريخ ‌الاسلام .
      في الاية (25) من سورة التوبة اشارة اجمالية الى هذه الغزوات بقوله تعالى :(لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة ويوم حنين ).
      فـكلمة ( مواطن ) جمع ( موطن ) وتاتي احيانا بمعنى وطن ومحل الاقامة الدائمية واحيانا بمعنى ساحة القتال ومن هنا جات (( مواطن كثيرة )) اي الساحات المتعددة للحروب الاسلامية حيث بلغ عـدد الغزوات ثمانين غزوة لذا نقرا في الحديث انه : عندما نذر احد خلفا بني العباس انه اذا عافاه اللّه سبحانه فانه يعطي مالا كثيرا للفقها ولم ا تماثل للشفا اجتمع الفقها حوله عاجزين عن تعيين مقدار ( الـمـال الكثير ) الا ان الامام التاسع (محمد بن علي التقي (ع ) فسر الـ (كثير )بـ ( ثمانين ) ( ربـمـا تـكـون ثـمانين الف درهم ) لان الاية السالفة الذكر قد اطلقت مواطن كثيرة على الغزوات الاسلامية البالغة ثمانين غزوة ((108)) .
      ثـم جا الفتح المبين و ( فتح مكة ) وحكم الاسلام شبه الجزيرة العربية باجمعهاوحطم المسلمون آخر معقل للاعدا.
      ولـكن العدو المنكسر لم يستسلم فقد اضطر الى تشكيل جمعية سرية ( وهم المنافقين الذين كانوا يتظاهرون بالاسلام وينهمكون بانواع المؤامرات ضده باطنا ).
      وبهذا الاسلوب دخلوا :.
      الـمـرحـلة السادسة : ( مرحلة نهاية الحرب مع الاعدا ) , وبالطبع ان ظهورالمنافقين بدا مع اول انتصار للاسلام وتوسع في مقابله وما زال مستمرا الى الان .
      انهم في هذه المرحلة قد باؤوا بالفشل الذريع ايضا حيث كلما ارادوا التمر على الاسلام كشفهم اللّه سبحانه وابطل حيلهم ولم يبق منها سوى نار خامدة تحت الرمادلم يظهر اشتعالها ثانية الا بعد رحلة الرسول الكريم (ص ).
      نـزلـت آيـات قـرآنية كثيرة حول هذه المرحلة ايضا تعد من مقاطع القرآن المهمة في اسدا العبر والـدروس فـفـي سـورة الاحـزاب , والتوبة والمنافقون بحوث حية ومجدية تحكي لنا عن عمق الـمـؤامـرات الـتي قام بها المنافقون ومن جملتهاالاية (48) من سورة التوبة حيث ذكرت بحوث كـثـيـرة حـول هذه الجماعة ومخالفتهم وفتنتهم وتجسسهم قوله تعالى : (لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حت ى جا الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون ).
      ان هذه المراحل الست السالفة الذكر لم تكن في مقابل الثورة الاسلامية للرسول الكريم وحده (ص ) فحسب بل في مقابل كل الثورات الالهية وهي بدورها موضوع لقصة مفصلة نتعلم منها.
      ولـكـن لـم يفلح الاعدا بكل مساعيهم للاطاحة بالاسلام وظلت شجرته زاهية مثمرة حيث غط ت بـاغـصـانـها واوراقها كل اصقاع شبه الجزيرة العربية كما دلت الاية الكريمة (اذا جا نصر اللّه والفتح ورايت الن اس يدخلون في دين اللّه افواجا) ((109)) .
      الاشهر الاخيرة من حياة الرسول (ص ). ان الـسنة الاخيرة من حياة الاكرم (ص ) هي السنة التي كانت فيها (حجة الوداع )ونزلت بها آخر سورة من سور القرآن يعني سورة المائدة , ومع نزول آخر رسالة للوحي على الرسول (ص ) امر اللّه سبحانه وتعالى نبيه الكريم (ص ) ان يعين اميرالمؤمنين عليا (ع ) وصيا له وخليفة من بعده كما جا في الاية (67 من سورة المائدة ) : (ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الن اس ان اللّه لايهدي القوم الكافرين ).
      وفي ( غدير خم ) ذلك المعبر الكبير الذي كان مفترق طرق للمجاميع التي جات مع الرسول الاكرم (ص ) في ( حجة الوداع ) وامام الجمع الكبير ادى الرسول الاكرم (ص ) حق الرسالة باظهار هذا الامر ((110)) .
      وحـلـت الحادثة الكبيرة المؤلمة وهي رحيل الرسول الاكرم (ص ) من الدنيا في وقت كان الاسلام ثـابـت الاركـان مـن جـميع النواحي وله ارضية مهياة للانتشار في جميع انحا العالم ولذا فقد كانت توقعات الاعدا هي ذهاب الاسلام مع رحلة الرسول (ص ) ولكن خابت ظنونهم وذهبت ادراج الرياح (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افان مت فهم الخالدون ) ((111)) .
      وقوله تعالى : (انك مى ت وان هم مى تون ) ((112)) و ( كل نفس ذائقة الموت ) ((113)) .
      ان هذا القانون طعام لعالم الخلقة (وخسر هنالك المبطلون ).
      وبـدلـيـل الايـة : (يـريـدون ان يـطـفـؤا نور اللّه بافواههم ويابى اللّه الا ان يتم نوره ولوكره الكافرون ) ((114)) .
      ان هـذا النور الالهي يتالق يوما بعد يوم , وهو الان ينير افقا واسعا من آفاق البشرية , وفي كل سنة تتنور آفاق اخرى بنور الاسلام ليزيح الظلام والظلم عن العالم اجمع .
      كـان هـذا شرحا مختصرا عن المراحل المختلفة لعمر الرسول (ص ) في القرآن المجيد , وشرح كل مرحلة منها يحتاج الى كتاب خاص ومفصل .
      الادلة التي تثبت صدق ادعارسول الاسلام . اعـجاز القـرآن . تمهيد :.
      بـدون شـك ان ادعـا اي مـدع حـول اي مـوضـوع لا يمكن تقبله الا بالدليل المقنع , فكيف اذا كان الـموضوع غاية في الاهمية مثل نبوة الانبيا والادعا بنزول الوحي والارتباط باللّه سبحانه ودعوة الناس الى اتباعهم ؟ على هذا فان اول المسائل التي نواجهها هي مسالة الادلة على نبوة الرسول الاكرم (ص ).
      وان هذه الدلائل التي نعلم اجمالا بتفرعها تقع تحت اربعة عناوين وهي :.
      1 ـ المعجزات .
      2 ـ محتوى الدعوة .
      3 ـ اخبار الانبيا الماضين والكتب السماوية السابقة .
      4 ـ الـقـرائن المختلفة من دراسة سوابق حياته واقربائه واصحابه والوسائل المتخذة للوصول الى الهدف , وميزان تاثيره في المجتمع , وميزان اعتقاده وايثاره في سبيل هدفه , والاخلاق والصفات الاخرى التي تشكل ارضية لمعرفة صدق ادعائه .
      مع هذه الاشارة نعود الى معجزات النبي (ص ) فنقوم ببحث ودراسة للقرآن الذي يعتبر اول وافضل واخلد معجزة للنبي (ص ) وقبل كل شي نقرا منطق القرآن في وصف نفسه :.
      1 ـ ( قـل لـئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لاياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) ((115)) .
      2 ـ ( ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوامن استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ) ((116)) .
      3 ـ ( وان كنتم في ريب مم ا نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعواشهدائكم من دون اللّه ان كـنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن تفعلوافاتقوا الن ار التي وقودها الن اس والحجارة اعدت للكافرين ) ((117)) .