¥: أحكام صلاة العيد¤
أولا: أحكام متعلقة بالعيد
س: في لَيْلَة العيد .. هل هناك أَحْكَام شرعِية مُعَيَّنَة ينبغي على الناس أن يفعلوها أو يَصْنَعُوهَا قَبْلَ الصَّبَاح ؟
ج: إنه ينبغي للمسلمين أن يُرَاقِبوا رؤية الهلال وهذا مِنْ فُرُوضِ الكِفَايَة التي يَتَسَاهَل بِها كثير مِنَ النَّاس، فمِنَ المعلوم أنّ الهلال تتعلق به أحكام مُتَعَدِّدَة، ومِنْ أهَمِّ الأحكام التي نُريد أن نتكلم عنها في هذا الشهر:
1-ثبوت العيد، فإنّ صيام يوم العيد مُحَرَّم بالنصوص الصريحة وبإجماع الأمّة الإسلامية قاطبة.
2-وكذلك صلاة العيد مِنْ فُرُوضِ الكفايات على مذهب طائفة كبيرة مِنَ المسلمين.
وذهبت طائفة مِن المسلمين إلى أنَّها مِنْ فُرُوضِ الأعيان إلا مَنْ وَرَدَ استِثْنَاؤُه.
وذهب بعضهم إلى أنَّها مِنَ السُّنَن المؤكدة.
و-على كل-لا ينبغي لأحد أن يتساهل فيها إلا مَن كان له عُذْر شرعي.
فهذان الحكمان مِنْ أهم الأحكام التي تَتَعَلق برؤية الهلال هذا فَضْلا عن بقية الأحكام الأخرى التي تتعلق برؤية الهلال التي تكون أيضا في بَقِيَّة الأشهر الأخرى والتي يتساهل بِها الناس في زماننا هذا، فمِنَ المعلوم أن الأحكام الشرعية مَنُوطَةٌ بالشُّهُور العربية وليست بالشهور الأخرى التي يتعامل بِها كثير مِنَ الناس اللهم إلا ما جَازَ فيه العُرْفُ كَرَوَاتِبِ العاملين أو ما شابه ذلك إذا كان هنالك اتّفاق أو عُرْفٌ بأنَّهَا تكون على تلك الأشهر فذلك مِما لا بأس به، أمَّا ما يَتَعَلَّقُ بالزكاة وما يَتَعَلَّقُ بالعِدَدِ وما شابه ذلك مِن الأحكام الشرعية فلا يُمْكِن إلا أَنْ تكون على حسب الشهور القمرية، فإِذَنْ مُراقبة رؤية الهلال في كل شهر أمر لابد منه وفي بداية شهر رمضان وفي نِهايَتِه وهكذا بالنسبة إلى شهر ذي الحجة يكون الأمر أَشَد، فينبغي للمسلمين إذن في اللَّيْلَةِ القادمة-بِمَشِيئة الله تبارك وتعالى-أن يُرَاقِبُوا ذلك ومَنْ ثَبَتَت لَدَيْهِ الرؤية وتَأَكَّدَ مِنْ ذلك فعليه أن يتَّصِل بالجهات المسؤُولَة حتى يَنظر أهل العلم في ثبوت ذلك مِنْ عدم ثُبُوتِه؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.
هذا بِالنسبة إلى ليلة العيد وبَقِيَت هنالك مسألةٌ قد قالَها بعض العلماء وهو أنَّه ينبغي قيام هذه اللَّيْلَة أو تَخْصِيصُهَا بِبَعض العبادات كإِطَالَةِ الصلاة بِخلاف غيرها مِن الليالي وقد قلتُ في بعض الأجوبة السابقة[1] بِأنَّ ذلك لَم يثبت فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وما جاء في ذلك فهو موضوعٌ لا يَصِح، وما جاء عن بعضِ أهل العلم فإنّ أقوالهم مُفْتَقِرَة إِلَى الدليل ولا يَصِحُ أَنْ يُسْتَنَدَ إِلَيها كدليل شرعي تقوم به الحجّة في مثل هذه القضية .. إذن قيام هذه الليلة-أعني ليلة العيد-لَيْسَ لَهُ مُسْتَنَد شرعي ولا ينبغي لأَحد أن يَعمَل به .. نعم قِيَامها كغيرها مِنْ بقية سائر ليالي العام هو مطلوب شرعا كما هو ثابتٌ في الأدِلَّة الدالة على مشروعية قيام الليل.
ومِن ذلك التكبير في ليلةِ العيد وأَخُصُّ بذلك عيدَ الفطر لأنّ التكبير له أحكام مُختلفة في العيدين ولا أريد الإطالة بأحكام التكبير في عيد الأضحى المبارك فَإِنَّنَا سوف نتكلّم في ذلك إن يَسَّرَ الله-تبارك وتعالى-في ذلك الوقت .. التكبيرُ في ليلةِ العيد مِمَّا اختلَف فيه أهل العلم:
فبعضُ أهل العلم ذهب إلى مشروعية التكبير بِمُجَرَّد دخول شهر شوال أو دخول ليلة العيد سواءً كان ذلك بالرؤية أو بِإِكْمَال رمضان ثلاثين يوما .. هذا ذهبتْ إليه طائفة مِن أهل العلم.
وذهبتْ طائفة مِن أهل العلم إلى أنَّ ذلك لا يُشْرَعُ في الليل وإنَّما يُشْرَع في النَّهَار، واختلفوا في ذلك:
مِنْهُمْ مَنْ قال: إنَّه يُشْرَع بطلوع فجر العيد.
ومنهم مَن قال: إنه يُشْرَع بطلوع شمس العيد.
ومنهم مَن قال: إنه يُشْرَع عندما يَخْرُجُ النَّاس إلى المصلى، وهذا القول هو القول الأقرب عندي إلى الصواب، وليس هنالك دليلٌ صحيح عن النبي e وإن جاءت بعض الأحاديث ولكنّ ذلك قد ثبت عن طائفة مِن صحابة رسول الله e والظاهر أنَّ مِثْلَ ذلك مِما لا يُقَال بِمَحْضِ الرأي وإنَّما تَلَقَّوْهُ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأَصَحُّ الآثار بل الصحيح الثابت هو ما جاء بِأنه يُشْرَعُ عند الخروج إلى مُصَلَّى العِيد، أمَّا ما عَدَا ذلك فَلَمْ يَثبت، فهذا القول الذي نراه، وعليه فإنَّ ليلةَ العيد-أي على هذا القول-لا يُشْرَعُ التكبير فيها وإنَّمَا يُشْرَع-كما قلتُ-عند الخروج إلى الـمُصلى.
وقد اختلَف العلماء في حُكْمِ هذا التكبير:
1-منهم مَن قال: إنَّه فريضة .. أي أَنَّه واجب في اللَّيلِ.
2-ومِنْهم مَن قال: إنه سُنَّة، مِن الليل ويَسْتَمِر إلى صلاة العيد، ومنهم مَن قال: إنَّه مِنْ بداية الخروج إلى المصلى كما قدمنا.
3-ومنهم مَن قال بعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ في عيد الفطر المبارك.
والقول الوسط هو القول الصحيح، فهو ليس مِن الواجبات الـمُتَحَتِّمَات و-أيضا-ليس مِنَ الـمَكْرُوهَات أو ما شابه ذلك وإنَّما هو سُنَّة مِن السنن لا يَنبغي التفريط فيها بِحال.
وكيفية هذا التَّكْبِير لَم يَرِد فيها نَصٌّ صريح وإنَّما هُنَالِك للعلماء كَيْفِيَّات مُخْتَلِفَة والكُلُّ لا بأس به بِمشيئة الله:
فمنهم مَن يَقول: يُكَبِّر تكبيرتين قبل التهليل يَقول: " الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ".
ومنهم مَن يَقول: يُكَبِّر ثلاثا سرداً: " الله أكبر الله أكبر الله أكبر ".
والـخَطْبُ سهل بِحمد الله تبارك وتعالى .. مَنْ فعل هذا فلا بأس عليه ومَنْ فعل هذا فلا بأس عليه والكل فيه خير بِمشيئة الله تبارك وتعالى.
وقد اختلَف العلماء-أيضا-في التكبير في العيديْن أيُّهُما آكَد:
مِنْهُم مَن قال: إنّ التكبير لعيد الفطر آكَد.
ومِنهم مَن قال بعكس ذلك.
ومِنهم مَن قال: هما سواء.
وليس هنالك دليل واضِح في المسألة وعلى تقدير وجودِه فهو مُحْتَمِل، و-على كل حال-ينبغي الإتيان بذلك ولا داعي-فِيمَا أرى-إلى ترجيح واحد مِن هذه الأقوال وإنَّما المطلوب الفعل في كِلْتَا الحالتَيْن؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.
س: بالنسبة للاغتسال في يوم العيد، ما حكمه ؟ وهل يُمكن أن يكون ذلك قبل الفجر ؟
ج: الاغتسال يومَ العيد وردت فيه بعضُ الأحاديث التي تُرْفَعُ إلى النبي e ولا يَصِح شيءٌ مِن ذلك، وإنَّما جاءت روايات مُتَعَدِّدَة عن صحابة رسول الله e منها الصحيح ومنها السَّقِيم، فالظاهر أنَّ هذا الاغتسال ثابت، و-أيضا-قَاسَهُ بعضُ العلماء على الاغتسال ليوم الجمعة وهو قِيَاسٌ لا بأس به ولكنّ الأقوى هو ما جاء عن الصحابة رضوان الله-تبارك وتعالى-عليهم، فالظاهر أنَّهُم قد أخذوا ذلك عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وقد اختلَف العلماء في الوقت:
مِنْهم مَن قال: يَكُون بعد طلوع الفجر.
ومنهم مَن قال: يكون حتى في الليل ويكون ذلك بعد مُنْتَصَفِ الليل.
و-على كُل-كَوْنُهُ بعد طلوع الفجر أمرٌ مُتَّفَق عليه فمَنْ أمكنه ذلك فذلك هو الأوْلى والأحوط ومَن لَم يُمْكِنه ذلك لِبُعْدِ بَيْتِهِ-مثلا-مِن مُصَلَّى العيد أو لأنّ البيت الذي هو فيه فيه جماعة كبيرة مِن الناس وقد يكون مَوْضِعُ الاغتسال واحدا أو ما شابه ذلك وإذا اغتسلت الجماعة كُلُّهَا في ذلك الوقت تأخَّرُوا جِدا أو أَنَّهُ قد تَفُوتُهُم صلاة العيد أو يَغْتَسل بعضهم دون بعض أو ما شابه ذلك فهاهنا لا بأس بمشيئة الله-تبارك وتعالى-مِنْ أَنْ يَغْتَسِلَ بَعْضُهُم ولو كان ذلك قَبْلَ طلوع الفجر ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك قبل منتصف الليل، فالغُسْلُ-إذن-ثابت ولا ينبغي التفريط فيه.
و-كذلك-يُسَنُّ لُبْسُ الملابِس الحسنة الجميلة حتى يكون المسلم في أحسن صورة وأجْمَل هَيْأَة في هذا اليوم واسْتَثْنَى بعضُ العلماء المعتكف فقالوا: الأوْلى أن يَخْرُج في ثيابه التي اعتكف فيها، ومِنْهُم مَنْ أخذ ذلك مِن حال الشهيد حيث إنه يُكَفَّنُ في ثيابه، وهذا قياس باطل لا يصح، ذلك لأنّ الشهيد يُبْعَثُ يوم القيامة بمشيئة الله تبارك وتعالى .. يُبْعَثُ وَجُرحُه يَثْعَبُ دَماً بسبب تلك الشهادة لَوْنُه لَوْن الدم ورِيـحُه ريح المسك وليس كذلك بالنسبة إلى المعتكف، ثُم إنَّ ثياب المعتكف لَم يكن ذلك الوسخ الذي فيها بسبب الاعتكاف وإنَّما كان ذلك بسبب إطالة لُبْسِهَا بذلك، وعلى تقدير أنَّ ذلك كان بسبب عدم خروجه مِن مُعْتَكَفِه أو ما شابه ذلك فإنّ ذلك لا يكفي، ثُم إنَّ السنّة الصحيحة دالّة على أنَّ النبي e كان يَلْبَسُ أَحْسَنَ الثِّيَاب وهو كان صلوات الله وسلامه عليه يَعْتَكِف في العَشْرِ الأخيرة مِنْ شَهْرِ رمضان، وإذن لا داعي لِمِثْلِ ذلك القياس لِمخالفته للصحيح الثابت.
وكذلك يُسَنُّ الطِّيبُ وهو وإِنْ كان لَم يَرِدْ مَرْفُوعا إلى النبي e مِن طريق صحيحة ولكنه جاء عن بعض الصحابة ثُمَّ إنَّ النبي e كان مِنْ حاله أنَّهُ يُحِبُّ أن يَظْهَرَ أمام الناس في مثل هذه الـمَواطن وهو في أحسن حال وأحسن رائحة فلا ينبغي التفريط بذلك.
وكذلك بالنسبة إلى السِّواك بل هو مطلوب عند كل صلاة كما جاء ذلك في الحديث عن النبي e .
وقال بعض العلماء: إنَّ الذي يَخْرُجُ للعيد ينبغي له أن يُقَصِّرَ شَعْرَ شَارِبِه وأن-أيضا-يُقَصِّر أظافره، فإن كان هو بحاجة إلى ذلك فنعم أما إن لم يكن له حاجة إلى ذلك .. أي لَمْ يكن شَعْرُ شَارِبِه طويلا ولَمْ تكن أظافره طويلة فإنه لا علاقة للعيد بذلك كما هو الحال بالنسبة إلى الجمعة.
والحاصل أَنَّ كُلَّ ما يُشْرَعُ لِصلاة الجمعة فإنَّه يُشْرَعُ لصلاة العيد .. هذا ما نَصَّت عليه طائفة مِنْ أهل التحقيق مِن أهل العلم، وهو كلام واضح لا غُبَارَ عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى.
و-كذلك-نَصَّ العلماء بِأنَّ الناس ينبغي لَهم أن يأتوا إلى مُصَلى العيد ولَوْ كان ذلك مِن مسافة شَاسِعَة، وما جاء مِن الخلاف في صلاة الجمعة فهو كذلك في صلاة العيد، منهم مَن قال: إنَّ على الناس أن يَخرجوا إلى المسافة التي يُسْمَع فيها الأذان لسائر الصلوات-وإن لَمْ يكن لصلاة العيد أذان كما هو معروف-وذلك يُقَدَّرُ بِفََرْسَخ، ولكنَّ الناس-للأسف الشديد-يتساهلون بِهذا الأمر وتَجد كلَّ أصحاب بلدة يُصَلُّونَ في بلدتِهِم و-كذلك-تجد كثيرا مِن أهل البادية يُصَلُّون في باديتهم، وهذا مُخَالِف لِهَدي النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ولِهَدْيِ صحابته-رضوان الله تبارك وتعالى عليهم-فينبغي الاجتماع مِنْ أجل وحدة الكلمة ورَصِّ الصف حتى يظهر المسلمون وهم بِحمد الله-تبارك وتعالى-جماعة واحدة فَأَدْعُو إِلَى العمل بِمِثْلِ هذه الشعيرة؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.
س: هل يُسَنُّ أن يَكون التكبير جماعيا .. يعني يَخْرج الناس لِيُكَبِّروا بِصَوْتٍ واحد إلى أن يَصِلُوا إلى مصلى العيد ؟
ج: الأصل أنَّ كُلَّ واحِد يُكَبِّرُ بنفسه .. كل واحِدٍ يُكَبِّرُ هو بنفسه ولا حاجة إلى أن يُكبِّر شخص وتَرُدُّ الـمجموعة بَعْدَه ولا شَكَّ بأنَّه عندما يُكَبِّر الناس جميعا سيكون بعضهم مُتَقَدِّما وبعضهم متأخِّرا وقد تكون المجموعة إذا كانت قليلة .. يكون صوتُها واحدا فإذن لا داعي لأن يقرأ أحدهم التكبير والبَقِيَّة تُتَابِعُه وإنْ كُنَّا لا نقول: " إنَّ ذلك مِن الأمور الممنوعة " ولكننا نقول: إنَّ ذلك لا يثبت وما دام غير ثابت فالأوْلى أن يكون العمل على حسب ما جاء في الأدِلَّة التي أشرنا إليها سابقا .والله أعلم.
ثانيا: أحكام صلاة العيد
س: بالنسبة للخروج إلى صلاة العيد .. الذهاب إلى صلاة العيد مِن طريق والعودة مِن طريق آخَر، هل هذا مِن السنّة ؟
ج: هذا ثبت عن النبي صلوات الله وسلامه عليه .. كان يَخْرُج في طريق ثُم يرجع في طريق آخَر، وهذا الأمر مُحْتَمِل هل ذلك مِن السنن المقصودة للنبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-أَو أنّ ذلك مِن الأمور التي ليست مِن السنّة وإنَّما هي مِن الأمور الـجِبِلية ؟ هذا الأمر مُحتمِل، ولكن الذي ذهب إليه أكثرهم بِأنَّ هذا مِنَ الأمور المقصودَة، ولكن ما العلّة في ذلك ؟
مِنْهُم مَن قال: إنّ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-كان يَمر على الناس ومنهم الفقير فأحَبَّ صلوات الله وسلامه عليه أنْ يتصدَّق الناس الذين لديهم شيءٌ مِن المال على الفقراء يتَصَدَّقُون في ذهابِهم على الطائفة التي يَمرون عليها في الطريق الأول ويتصدَّقُون عند إيابِهم على الطائفة التي هي في الطريق الثانِي.
ومِنْهُم مَن قال: إنَّ ذلك مِن أجل إظهار شِعار المسلمين حتى يظهر في أكثر مِن موطن عندما يَمر النبي e ومَن معه مِن الصحابة الكرام رضي الله-تبارك وتعالى-عنهم.
ومِنْهُم مَنْ قال: إنَّ ذلك مِنْ أجل أن يشْهَد له الطريقان .. يشْهَد له الطريق الأول في خروجه صلوات الله وسلامه عليه لِصلاة العيد ويشْهَد له الطريق الثاني عند رجوعه صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل بغير ذلك.
ويُمكن أن يكون ذلك لِهذه المعاني كلها أو لبعضها، فإنه ليس هنالك نصٌّ صريح يدل على واحد مِن هذه الأمور ولكن مهما كان ينبغي عدم التفريط في ذلك عندما يكون ذلك مُمْكنا، أما إذا كان ذلك لا يُمكن لبعض الناس وذلك عندما يَخرجون على السيارات إذ إنَّه قد لا يتيسر لهم وجود طريقين يَخرجون في واحد ويرجعون في الطريق الثاني فلا بأس عليهم بمشيئة الله تبارك وتعالى، ثُمَّ إنَّنَا لو عَلِمْنا العِلَّة التي خرج منها النبي e فعلى تقدير أنه أراد أنّ ذلك مِن أجل أن يَمر على الفقراء أو مِن أجل السلام على أصحابه أو ما شابه ذلك فإذا كان أحد الطريقين لا يوجد أحد فيه في بعض المناطق فإنَّه لا حاجة لِمثل ذلك، وهكذا بالنسبة إلى الشِّعَار، ولكن-كما قلتُ-الأمر في هذه القضية مُحْتَمِل وليس هنالك دليل واضح فيها وإنَّما هي احتمالات، وما دام النبي e فَعَلَ ذلك ويُمكن أن يكون مِن أجل أن يشْهَد له كل واحد مِن الطريقين فالخير كل الخير في إتباعه صلوات الله وسلامه عليه.
هذا وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى أنَّه يُقَاسُ على هذه القضية الذهاب إلى صلاة الجمعة وعليه فعلى قولِهم ينبغي الذهاب في طريق والرجوع في طريق آخَر، وبعضُهم قاس عليه الصلوات الخمس فقال: " عندما يَخرج الإنسان الذي يريد الذهاب إلى المسجد ينبغي له أن يذهب في طريق ويرجع في طريق آخر "، ومنهم مَنْ طَرَدَ ذَلك في كل أعمال الخير والبِر فقال: " إذا ذهب لزيارة قريب أو عِيَادَةِ مريض أو ما شابه ذلك مِنْ أعمال الخير ينبغي له أن يذهب في طريق ويرجع في طريق آخر "، ولعلَّ هذا مبني على أنّ ذلك مِنْ أجل أن يشهد له الطريقان، ولكن مهما كان لا ينبغي القياس في مثل هذه القضية .. ينبغي أن نَقْتَصِرَ على ما ورد عليه النص وبعد ذلك إن شاء الإنسان أن يذهب في طريق ويرجع في طريق آخَر أو يرجع في الطريق الذي ذهب فيه فلا بأس فيه بالنسبة لغير العيد إلا إذا كانت هنالك مصلحة كأن يَمُر على بعض أصحابه أو ما شابه ذلك، وأما بالنسبة إلى ذهابه صلوات الله وسلامه عليه إلى مكة المكرمة حيث إنَّه دخل مِن طريق وخرج مِن طريق آخَر فعلى تقدير أنّ ذلك مِن السنن-كما ذهب إليه بعضُ أهل العلم-فذلك-أيضا-يُحْمَل على هذه القضية، وأما بالنسبة إلى رجوعه-أيضا-مِنْ عرفة في غير الطريق الذي ذهب إليه فبعضُ العلماء قال: " إنّ ذلك كان أَيْسَر عليه "، و-على كُل-لا ينبغي طَرْدُ القياس في مثل هذه القضايا حتى يَحكم الإنسان بسُنِّيَّةِ أمرٍ وهو ليس بِمَسْنُون وإنَّما يُقْتَصَر على ما ثبت به الدليل .. هذا ما أراه؛ والعلم عند الله تبارك وتعالى.
س: هل مِن السنَّة أن يكون الذهاب إلى صلاة العيد مَشْيا ؟ وإذا كان ذلك، فماذا على مَن رَكِب ؟
ج: نعم، السنَّة أن يَخرج الإنسان إلى صلاة العيد كما فَعَلَ النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-حيثُ إنَّه خرج يَمْشِي على قَدَمَيْه ولكن عندما يكون ذلك مُتَيَسِّرا أما إذا كان المكان بعيدا يَشُقّ على الإنسان أن يَخرج وهو يَمشي فلا بأس عليه بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-في الركوب، وكذلك إذا كان الإنسان ضعيفا أو مريضا أو ما شابه ذلك أو أراد أن يأخذ معه بعض نسائِهِ وأولادِه الذين يَشُقّ عليهم الذهاب وهم يَمشون أو لا يُسْتَحْسَن منهم ذلك أو ما شابه ذلك فلا بأس بِذلك بِمشيئة الله أما عندما يكون المشي مُتَيَسِّرا فلا ينبغي أن يُعْدَل إلى غيره.
س: وماذا عن المرأة أيضا .. هل تَخرُج لِصلاة العيد ؟
ج: نعم، هكذا ثبت عن النبي-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-في الحديث الصحيح الثابت عنه، فقد أَمَرَ صلوات الله وسلامه عليه النساء أن يَخرُجن لصلاة العيد حتى أنَّه e أمر الحُيَّض بِأن يَخرُجن إلى صلاة العيد مع أنَّهن لا يُصَلِّين في ذلك الوقت مِنْ أجْل أن يَشهَدْنَ دعوة الخير مع المسلمين وأن يُكَبِّرْنَ بتكبيرهم، فالنساء ينبغي لَهن ذلك، وقد اختلَف العلماء في هذا الخروج:
منهم مَن قال: إنه واجب. ومنهم مَن قال: إنه مستحب. ومنهم مَن قال: إنه مباح.
ومنهم مَن قال: إنه مكروه .. قالوا: " إنَّ ذلك منسوخ "، ولا دليل على النسخ أبدا .. مَن ادَّعَى النَّسْخ فعليه أن يَأتِيَ بالدليل ولا سبيل له إليه البتّة.
ومنهم مَن قال: يُستحَب في حقِّ النساء الكبيرات، ومنهم مَن قال: يباح لهنّ، وهكذا بِالنسبة إلى النساء اللاتي لم يكن فيهنّ شيءٌ مِن الجمال، أما بالنسبة إلى النساء الصغيرات ولاسيما الجميلات فهذا مِمَّا لا ينبغي.
و-على كل حال-هذا مُخَاِلفٌ لِنصّ الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالحديث فيه التَّنْصِيص على خروجِ الصِّغار، فلا أدري لِمَاذا يُؤْتَى بِمثل هذه الأقوال المخالِفة لِحديثِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فالقول بِالكراهة قول لا وجهَ له، والقول بالنسخ لا دليل عليه، ولا ينبغي لأحد أن يَلْتَفِتَ إليه، وهكذا بالنسبة إلى القول بالإباحة أو بالتخصيص بكبيرات السن ومَن كان حالُه كحالِهِن، فهذه الأقوال مِمَّا لا ينبغي أن يُلْتَفَتَ إليها بل ينبغي الأمرُ بِذلك كما أَمَرَ به النبي e بِشَرْط ألاّ يَخْرُجْن بزينةٍ أو بِعطرٍ أو ما شابه ذلك والزينةُ شاملة لكل شيءٍ سواءً كانت زينة بِلُبْسِ الثياب الفاخِرة أو بِاستعمال العطور أو ما شابه ذلك .. الحاصل بِشَرْطِ ألاّ يَخْرُجْنَ مُتَزَيِّنَات، أما مَن خَرجت مُتَزَيِّنَة مُتَعَطِّرَة أو ما شابه ذلك أو في حالةٍ حَسَنَة فهذا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهي، فهو مُخَالِفٌ لِلسنّة مُخالَفةً صَارِخَة، فإما أن تَخْرُج المرأة-كما أَمَرَها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم-غير مُتَزَيِّنَة ولابِسَة اللباس الشرعي المعروف الذي جاءتْ شروطُه في سنّة النبي e وأرى الوقت لا يَسمَح لي بِذِكْر تلك الشروط جَميعا فلَعَلَّنَا نَذْكُرها بِمشيئة الله في مناسبةٍ أخرى فإنّ ذلك ليس خاصّا بالعيد بَلْ هو شامل عندما تَخْرُج المرأة مِنْ بَيْتِها وقد تلتقي بشخصٍ أجنبي منها، فإذن إذا خَرَجَتْ المرأة بلباسها الشرعي الذي يَصِحّ لَها أن تَخْرُجَ به عندما تَلتقي بِأَحَد مِن الأجانب وذلك-طبعا-مع مَحَارِمها فذلك مِمَّا يُؤْمَرُ بِه في السنَّة سواءً كانت هذه المرأة في حالةِ حيضٍ أو نفاس أو كانت طاهرة لكن إذا كانت في حالة حيض أو نفاس فإنَّها لا تَشْهَد الصلاة كما ثبت ذلك في الحديثِ عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-وإنَّما تَشْهَدُ الخير ودعوةَ المسلمين وتُكَبِّر بِتَكْبِيرِهِم .. تُكَبِّر-طبعا-في نفسها وَلَيْس كالرجال الذين يَرْفَعُون أصواتَهُم؛ والله-تبارك وتعالى-ولي التوفيق.
س: إذا لَم تَخرُج المرأة لِصلاة العيد، هل تُصلِّيها في بيتها ؟
ج: الأصل أن تُصَلَّى صلاة العيد في جَماعةِ المسلمين كما ثبت ذلك عن النبي-صلوات الله وسلامه عليه-ولكن إنْ لَم تَخرج كما هو الحال عند كثير من الناس في هذا الزمان .. إن صَلَّت في بيتها ركعتين[2] فلا بأس بِمشيئة الله-تبارك وتعالى-لكن الأصل أنَّ الصلاة تكون في جماعة وأقصد بالصلاة صلاة العيد.
س: ماذا على مَن لم يصل صلاة العيد ؟
ج: على كل حال؛ صلاة العيد-كما قلتُ هي:
1-واجبة على الأعيان، على رأي طائفة مِن أهل العلم، وهو قول قوي.
2-وبعضهم يَقول: هي مِن السنن المؤكدة.
3-ومنهم مَن يَقول: هي مِن الواجبات الكفائية.
ومهما كان لا ينبغي للإنسان أن يُفرِّط في ذلك أبدا .. القول بالوجوب العيني قول قوي جدا، و-أيضا-حتى على قول مَن يَقول بِالسنّة المؤكدة فليس للمسلم أن يُفرِّط في مثل هذه الأمور .. الرسول e يَخرُج إليها ويَحثُّ أصحابَه ويَأمُر حتى النساء الـحُيَّض أن يَخرُجن إلى المصلى وإن كُنّ لا يُصلِّين ومع ذلك يُمكِن أن نُرخِّص لِلقادِر في ذلك هذا مِمّا لا يمكن أن نقول به أبدا، فعلى مَن وقع في ذلك في الماضي أن يَتوب إلى الله وأن يَرجِع إليه I ؛ والله ولي التوفيق.
س: كيف يَصنَع مَن فاتته صلاة العيد .. كأن يكون شخصٌ في المناوبة مثلا وفاتته الصلاة يومَ العيد مع الجماعة، فهل له أن يصليها منفردا فيما بعد ؟ ومتى يكون قضاؤها ؟
ج: على كل حال؛ صلاةُ العيد وقتُها بعد وقتِ النهي المعروف وذلك بعد أن ترتفع الشمس بمقدار قيد رمح وقلنا[3]: " إنّ ذلك يُقدَّر تقريبا باثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة " .. مِن هذا الوقت يَدخل وقت صلاة العيد ويَنتهي قبل الزوال بِلحظة .. هذا هو وقتها، فالأصل أن يُصلي الإنسان مع جماعة المسلمين ولكن إن كان هنالك عذرٌ لابد منه مِن مرض ونحوه أو مِن الأمور التي لا يمكن أن يَخرج فيها مثلا كبعض الناس الذين يكونون في المستشفيات وهنالك ضرورة ملحة لأن يبقى الطبيب في المستشفى:
فعلى كل حال بعضُ العلماء يَقول: إنّ الإنسان إذا لم يَخرج إلى الصلاة وجاء متأخِّرا أو تأخَّر لسبب مِن الأسباب لا يُشرع في حقِّه أن يُصلِّي صلاة العيد، وذلك لأنها تُشرَع في جماعة المسلمين وإذا لم يُصلِّها في جماعة المسلمين فلا يُشرَع في حقِّه أن يَأتِيَ بها.
ومنهم مَن قال: يُصليها كصلاة العيد .. أي ركعتين بالتكبير المعروف.
ومنهم مَن قال: يُصلِّي ركعتين عاديتين.
ومنهم مَن قال: يصلي أربعا.
ومنهم مَن قال: يُخيَّر بين ركعتين وبين أربع ركعات.
ومنهم مَن قال بغير ذلك مِن الأقوال.
وليس هنالك دليلٌ صريح في هذه القضية، فإذا صلى ركعتين وكَبَّر فيهما فلا حرج عليه بِمشيئة الله تبارك وتعالى
[1]-عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 26 رمضان 1425هـ ( يوافقه 10 نوفمبر 2004م ).
[2]-وفي ذلك تفصيل ذَكَرَه الشيخ عند جوابه على السؤال 9.
[3]-عند الجواب على السؤال 1 مِن حلقة 25 رمضان 1425هـ ( يوافقه 9 نوفمبر 2004م ).