مسجدان صلى فيهما الرسول فى الأبواء

    • مسجدان صلى فيهما الرسول فى الأبواء

      مسجدان صلى فيهما الرسول في الأبواء
      في مرعى كثيف الحشائش والأشجار, خلف جبل صغير جلس شيخ قرية الأبواء سالم يوسف عطية أبو جلي المحمدي يحتسي القهوة وحيدا على أريكة مفروشة بجلد الضأن و أمامه وعاء مملوء بتمر معجون بالسمن البلدي وبدقيق حبوب الدخن, وهو يراقب عمل راع له يهش على قطعان الأغنام لتأوي إلى حظائرها قبل غروب الشمس, ووراءه برج عال تتزاحم أجنحة أسراب الحمام على فتحات أعشاشها المرتفعة.
      وقص علينا الشيخ حكايات وروايات عن قريته القديمة, التي يسكنها نحو خمسة آلاف نسمة, معظمهم من قبيلة حرب من "بنو محمد" و"بني أيوب من البلادية" ومنهم قبيلة اليوبي والمحمدي والنعماني, والسادة. ويعمل اغلب السكان في الرعي والزراعة وتشتهر الأبواء بزراعة الطماطم والبامية والبطيخ وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى كالقمح والخضروات.
      وينقل المضواحي ما دار من حديث بينه وبين الشيخ المحمدي ورد فيه على لسان الأخير أن الأبواء تضم آثارا كثيرة, ومر بها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه مرارا, وفيها مسجدان ثبت أنه صلى فيها أحدهما في ريع هرشا, والآخر معروف بمسجد القرين الذي يقع في وسط القرية. كما ورد أنه إغتسل بها واهدي له حمار وحشي من أهل القرية.
      وقال إنه قرأ في أمهات الكتب أن أول غزوة غزاها النبي في الإسلام كانت في الأبواء, بعد أثني عشر شهرا من مقدمه المدينة, وكانت في شهر صفر ولم يقاتل فيها ولم يلق كيدا. وأن النبي أقام بالأبواء بقية صفر وعاد في ربيع الأول، وكان لواؤه في هذه الغزوة أبيض اللون يحمله عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه, وتم الصلح في مكان يقال له "شعيب جاروه" وهو مكان معروف بهذا الإسم حتى الآن.
      وأشار الى أن الكتب القديمة ذكرت أن النبي عليه السلام بات في مكان يعرف حتى الآن بإسم "أم مريخة" وبعد ذلك ذهب الى "مزاح", ثم الى مكان يقال له "أم كشنة" وبعدها دخل البساتين, ومن ثم راح الى "أم البرك" في طريقه الى "المسيجيد" وهذا الطريق هو خط مسار الهجرة القديم.

      آخر الشهود الأحياء بشأن مكان القبر
      ولم يخف الشيخ سالم المحمدي شعوره بأن طريق الهجرة القديم يعاني من الإهمال وهو بحاجة الى إهتمام أكبر وترميم لما نقض منه وأندثر. وقال بحزن ظاهر: الأثار الموجودة في مدننا وقرانا تحتوي على كنوز أثرية كثيرة, وهي في إنتظار إهتمام الجهات الرسمية, خصوصا أن طريق الهجرة مليء بالآثار والمقتنيات الأثرية التي تحتاج الى رعاية لإستثمارها في التعريف بالتاريخ الاسلامي.
      يستطرد عمر المضواحي: طوال شهور من البحث عن أشخاص يعرفون عين المكان الذي دفنت فيه ام النبي, لم أستطع الوصول الا لمعلومة من صديق عن رجل طاعن في السن يعيش مجاورا لبيت الله العتيق بمكة يعرف المكان كما يعرف تفاصيل خطوط يده, لكنه منعزل عن الناس, ولا يستقبل أحدا كونه عاجز عن الحركة. ولم تفلح محاولاتي بلقائه, واخشى أن يكون آخر الشهود الأحياء عن مكان قبر السيدة آمنة بنت وهب.

      الأبواء في كتب السيرة
      جاء في كتب السيرة أن ( في الأبواء قبر آمنة بنت وهب, أم النبي صلى الله عليه وسلم, وكان السبب في دفنها هناك أن عبدالله والد النبي محمد عليه السلام كان قد خرج الى المدينة يمتار تمرا, فمات بها, فكانت زوجته آمنة تخرج في كل عام الى المدينة تزور قبره. فلما أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين, خرجت زائرة لقبره ومعها عبدالمطلب وأم أيمن حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم, فلما صارت بالأبواء منصرفة الى مكة, ماتت بها, ويقال أن أبا طالب زار أخواله بني النجار بالمدينة, وحمل معه آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رجع منصرفا الى مكة ماتت آمنة بالأبواء).
      وجاء في تعريف سيرة الصحابية أم أيمن حاضنة النبي عليه السلام وهي بركة بنت ثعلبة أنها ( هي التي كانت مع آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهبت الى المدينة لزيارة بني النجار أخوال جده عبدالمطلب, ولما عادت الى مكة مرضت آمنة في الطريق, وتوفيت بالأبواء, فعادت أم أيمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واصبحت حاضنته, وأوقفت نفسها لرعايته والعناية به, وغمرته بعطفها, كما غمره جده عبدالمطلب بحبه, وعوضه الله تعالى بحنان جده وأم أيمن عن حنان الوالدين, واغرم به عبدالمطلب غراما شديدا وكثيرا ما كان يوصي الحاضنة أم أيمن قائلا لها: يابركة, لا تغفلي عن ابني فإني وجدته مع غلمان قريبا من السدرة, وأن أهل الكتاب يزعمون أن إبني هذا نبي هذه الأمة. وبعد وفاة عبدالمطلب حزن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا, تقول أم أيمن : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبكي خلف سرير عبدالمطلب).
      وفي كتاب ( إنها فاطمة الزهراء) للدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام السعودي الأسبق أن السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول صلى الله عليه وسلم توجهت مع إحدى القوافل عائدة الى مكة بعد زيارة قبر زوجها في المدينة.. (وهناك في الأبواء هبت عاصفة هوجاء أخرت مسيرة القافلة أياما, وتهاوت السيدة آمنة مريضة لا تقوى على السير, ومن ثم أسلمت الروح بين يدي ولدها الحبيب مودعة إياه بقولها: كل حي ميت, وكل جديد بال, وكل كبير يفنى. وودع الجثمان الطاهر في صعيد الأبواء, وأوحشت الصحراء كئيبة, وعاد الطفل الحبيب صلوات الله وسلامه عليه ملتاعا حزينا كسير الفؤاد).
      وأورد المؤلف في مصنفه النادر قصة زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لقبر أمه بعد أكثر من أربعين سنه من فقدها, تعتاده الذكرى فيستأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له. وساق حديث شريف جاء فيه ( عن عبدالله بن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه حتى أنتهينا الى المقابر فأمرنا فجلسنا, ثم تخطى القبور حتى إنتهى الى قبر منها فجلس إليه فناجاه طويلا ثم أرتفع صوته وانتحب باكيا فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: ما لذي أبكاك يارسول الله فقد أبكانا وأفزعنا؟.. فأخذ بيد عمر ثم أومأ إلينا فقال: أفزعكم بكائي؟ فقلنا: نعم يارسول الله. فقال ذلك مرتين أو ثلاثا, ثم قال: إن القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر أمي آمنة بنت وهب, وإني أستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي).