أقصانا الحبيب/الأستاذ الداعية عمرو خالد

    • أقصانا الحبيب/الأستاذ الداعية عمرو خالد

      يحكي التاريخ أن رجلاً من المسلمين دخل على زوجته يوماً وهو يقول : "وامصيبتاه.!!" قالت: "وما المصيبة؟ أفأغار أعداء الإسلام على أرض الإسلام؟" قال: "لا!" قالت: "أفقتل خليفة المسلمين؟" قال: "لا!" قالت: "أفانتهكت مقدسة من مقدسات المسلمين؟" قال: "لا!!" قالت: "إذاً لا مصيبة!!"

      سبحان الله، امرأة من آلاف السنين ترى أنه لا مصيبة طالما لم يحصل شيء للإسلام، لأن كل شيء أقل من ذلك يهون ويحتمل.

      في الحقيقة، هناك أجيال من الشباب تخرج للوجود الآن والمسجد الأقصى المبارك أصبح في قلبها هيناً.. فهل يستحق الأمر يا ترى أن يقول أحدهم إن قضيته الأولى هي أن يرى المسجد الأقصى المبارك محرراً؟؟ إننا والله في مأساة لأن المسجد الأقصى المبارك أسير.. فهل نشعر بذلك؟

      هل تساءلنا يوما: لماذا سمى الله سورة في القرآن باسم (الإسراء) بينما لا توجد سورة معراج؟؟ ما هي الرسالة؟؟ ما أطيب أن نعرف حقاً قيمة هذا المكان عند الله تعالى.

      هو مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وثالث الحرمين الشريفين، وأولى القبلتين.. نعم.. لقد كان المسلمون في مكة يصلون إلى المسجد الأقصى المبارك وليس إلى الكعبة، وامتد ذلك ثلاث عشرة سنة، فإذا علمنا أن رسالة النبي عليه الصلاة والسلام كانت ثلاثة وعشرين عاماً، وجدنا أن المدة الأكبر من الدعوة الإسلامية كان النبي عليه الصلاة والسلام يتجه فيها عند الصلاة إلى المسجد الأقصى المبارك، حتى وهو في مكة وبين يدي الكعبة المشرفة.

      وحقاً إنه لمعنىً عظيمٌ ذلك الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يفهمه لنا. أراد سبحانه أن يعلمنا أن هذا المكان لنا.. وأن علينا أن نعرف قيمته وتتعلق قلوبنا به، فلما تعلقت القلوب به عادت القبلة إلى الكعبة المشرفة.

      وهو ثالث الحرمين.. إذ لم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام المسجد الحرام والمسجد النبوي إلا وذكر معهما المسجد الأقصى المبارك، وهذه قاعدة من قواعد هذا الدين: إن هذه المساجد الثلاثة وحدة واحدة.. ليس بينها اختلاف.

      بل إنك في القرآن الكريم تقرأ عبارة (الأرض التي باركنا فيها) أو (الأرض المقدسة) أو (الأرض المباركة) فلا يتبادر إلى ذهنك إلا المسجد الأقصى المبارك وبيت المقدس الشريف… وانظر إلى القرآن الكريم والله سبحانه وتعالى يقول فيه: (والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين)، وما أعظم هذا الترتيب: فالتين والزيتون هو رمز الأرض المشهورة به وهي القدس الشريف، والبلد الأمين مكة، وطور سينين هو جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام. فالله سبحانه وتعالى أقسم بأطهر ثلاثة أماكن على الأرض.. بل وبدأ بالأرض المقدسة وقدمها على بيته الحرام والوادي المقدس.. فيا سبحان الله.

      بعد كل هذا الكلام والتقديس لهذه البقعة من الأرض.. فهل تخيلت الآن أنك في مأساة منذ ضاع هذا المكان الطاهر من بين يديك.. هل يمكن أن نتخيل لو أخذت مكة من بين أيدينا؟؟ أو تخيل لو أن المسجد النبوي الشريف قد أخذ منا؟؟ إنها وحدة واحدة.. وهو مشهد واحد..!

      وإذا استمعت إلى تاريخ هذا المكان أحببته أكثر وأكثر. وستجد فيه مفارقات وعجائب. ولقد تتبعتُ تاريخه وأحداثه فرأيت أمراً عجيباً: أن الله تعالى جعل هذا المكان ميزاناً لقرب هذه الأمة من ربها أو ابتعادها عنه.. فكلما كانت الأمة الإسلامية من لدن آدم عليه السلام قريبةً من الله سبحانه وتعالى كان هذا المسجد بين يديها.. وكلما ابتعدت عن منهج الله سبحانه وتعالى إذا بهذا المسجد المبارك يضيع منها إلى أن تستعيد وعيها فيعود المسجد إليها.

      فآدم عليه السلام بناه ولبث فيه الإسلام إلى أيام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حتى إذا مات عليه السلام وفسدت الأمة سيطر عليه عباد الأوثان، فأرسل الله تعالى موسى عليه السلام ليحرر المسجد الأقصى المبارك مع المؤمنين من بني إسرائيل لولا كفرهم وضياعهم في التيه أربعين عاماً، فلما تغير الجيل وظهر جيل مؤمن مؤهل لحماية الأرض المقدسة أرسل الله تعالى داود عليه السلام فحرر المسجد الأقصى المبارك، وبقي في أيدي المؤمنين حتى عادوا للمعاصي والذنوب، وحاولوا قتل نبي الله عيسى عليه السلام وقتلوا يحيى عليه السلام وقتلوا زكريا عليه السلام بالمناشير، فإذا بهذا المسجد يسقط بعد هذا الذنب الشديد تحت الاحتلال لأطول فترة في تاريخه: سبعمائة عام تحت الاحتلال الروماني، حتى أذن الله تعالى أن يأتي نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام ويحرره المسلمون، بل ويرفض عمر رضي الله عنه أن يقسم الأرض المقدسة بين جنوده قائلاً: (وهل قسم النبي عليه السلام مكة؟؟.. فالقدس كمكة). حتى إذا تراخى المسلمون وتساهلوا ضاع المسجد في لحظة غفلة من الأمة تحت أقدام الصليبيين، فلما استيقظوا أرسل الله لهم صلاح الدين رحمه الله ليحرر المسجد الأقصى المبارك من الاحتلال.

      وهاهي الأمة الإسلامية في بداية القرن الماضي.. تراخت مرة أخرى، وتساهلت.. فإذا المسجد الأقصى المبارك يسقط مرة أخرى أسيراً بين يدي الإنجليز ثم اليهود. ولن يعود مرة أخرى إلا بعودة هذه الأمة إلى الله سبحانه.. كما كان على مدار التاريخ.

      قصة طويلة عجيبة لهذا المسجد المبارك.. وعبر وعِظاتٌ تتكرر في كل زمان، والتاريخ يعيد نفسه.

      إخواني..

      إن القصة قصة إيمان.. وهي قضية إسلام وكفر.. فلما دخل الأعداء إلى القدس.. كانوا يغنون: (محمد مات.. خلف بنات)!!! وحسبنا من ذلك ما روي عن رئيسة الوزراء السابقة (جولدا مائير) لما سألها أحدهم عن حديث (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود): هل يمكن أن يحدث؟ قالت: "يمكن أن يكون هذا الحديث صحيحاً، ولكن ليس المقصود هؤلاء المسلمون اليوم" قالوا: "متى إذاً؟؟" فقالت: " عندما يصبح عدد المصلين المسلمين في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة فيمكن أن يحصل ما في هذا الحديث!" إنهم يعلمون ما في ديننا، فهل علمنا نحن؟ وما علينا أن نفعل؟؟

      الحل أن تكون مسلماً حقيقياً، أصلحوا أنفسكم وغيروا ما فيها، يغير الله تعالى ما نجد من عنت وضيق.. لا أمل أبداً إلا بأن نكون موصولين بالله تعالى.. ولنعلم أن الشهوات ساعةٌ.. وأن المقدسات سوف يسألنا الله تعالى عنها يوم القيامة أجمعين، و والله لا يصلح آخر هذا الأمر إلا بما صلح به أوله كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

      وصلى الله على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه وتابعيه إلى يوم الدين.. اللهم آمين.